204

الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية

الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية

" ولئن كفرتم إن عذابي لشديد "(1)، ولما تشتمل عليه الآية من التخويف المانع من مقابلة نعمة الله بالكفران، فقد جمع صدرها وعجزها بين رتبتي الخوف والرجاء. وقدم الرجاء لانه سوط النفس الناطقة المحرك لها نحو الطماح(2) والخوف زمامها العاطف بها عن الجماح.

واليك توضيحا اكثر: ان للنفس الانسانية المعتبر عنها ب: (النفس الناطقة) جهتين تمتاز بهما: (الاولى): علمها بمصالح الاشياء ومفاسدها، ويعبر عن هذه الجهة بالقوة العلامة. (الثانية): عملها، أي حركتها نحو ما علمته خيرا او شرا. وتسمى هذه الجهة بالقوة العمالة.

وان هذه النفس الانسانية لها صلاحية الا كمال والارتفاع من الحضيض الترابي الارضي إلى الاوج النوري الرباني، وبين الامرين درجات متفاوتة. ثم ان حركة النفس نحو درجاتها الا كمالية حركة اختيارية، تستحق بها الفضل والثناء.

والنفس في اولى مراتب كمالها تتخلى عن الرذائل كلها، لتتحلى في المرتبة الثانية بحلى الفضائل والكرامات، ثم تتجلى لها في المرتبة الثالثة الحقائق كلها على ماهي عليها، وبعد ذلك وفي نهاية المطاف تلتحق بالفوز الاوفى: وهو الفناء في الذات: وهي السعادة الابدية، وان كل مرتبة مقدمة للمربتة التي بعدها، ولابد في تحققها في هذه المربتة من تحقق تلك المراتب وهي: " التخلية ثم التحلية ثم التجلية ".

هذه حركة النفس التصاعدية " وبأزائها حركة أخرى للنفس تسمى " حركة تسافلية " تنتهي إلى الاخلاد إلى الارض، والاختلاط مع الارواح الشريرة، وبذلك تصبح منبعثة لمجامع السيئات، ومصدرا للمفاسد ليكون شيطانا في صورة انسان.

وبعد هذه المقدمة الوجيزة نقول: إن كل نفس مهما كانت سمتها تتطلع في ذاتها إلى الكمال، وتسهدف نحوه، وأن السعادة الانسانية مأرب كل نفس سواء أكانت كانت مؤمنة أم كافرة، فهو الضالة المنشودة لجميع البشر.

نعم هذه غاية البشرية في ذاتها الاولى المودعة في فطرتها الاولية سوى أن الطرق التي تسلكها كل نفس متشعبة ومختلفة لا تلتقي على صعيد واحد. " فكل يدعى وصلا بليلى ".

لكن لما خلق الله هذا الانسان على وجه هذه البسيطة دبر له وسيلة البلوغ إلى سعادته دنيا وآخرة، فجل للوصول اليها منهجا قويما لايزل سالكه، ولا يضل.

قال الله تعالى: " ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقويها. (*)

Bogga 224