Al-Qutoof Al-Daneya in What Al-Darimi Narrated Exclusively from the Eight
القطوف الدانية فيما انفرد به الدارمي عن الثمانية
Baare
الدكتور مرزوق بن هياس الزهراني
Daabacaha
بدون ناشر
Noocyada
المقدمة
لفت نظري وأنا أقرأ في مسند الدارمي جملة من الأحاديث والآثار المسندة انفرد بها الدارمي ﵀ عن غيره، ولما كانت أمهات الرواية السائرة بأيدي العلماء وطلاب العلم هي الكتب التسعة: صحيح البخاري، وصحيح مسلم، والسنن لأبي داود، والسنن للترمذي، والسنن للنسائي، والسنن لابن ماجه، ومسند أحمد وموطأ مالك هذه الثمانية، وتاسعها مسند الدارمي، رأيت أن أنسخ منه ما زاد عن الكتب الثمانية المذكورة، وأبين من خلال الدراسة والتخريج الصحيح منها والحسن والضعيف، ولم أجد في ذلك حديثا موضوعا، سوى حديثين اختلف النقاد في الحكم عليهما، فمنهم من حكم عليهما بالوضع:
الأول: (من لم يمنعه عن الحج حاجة ظاهرة، أو سلطان جائر، أو مرض حابس، فمات ولم يحج فليمت إن شاء يهوديا، وإن شاء نصرانيا) (١).
_________
(١) فيه شريك بن عبد الله القاضي، صدوق كثير الخطأ، وحسّن حديثه البعض، وليث بن أبي سليم: ضعيف، والحديث أنكره العلماء، وقال بعضهم: موضوع، انظر: (حلية الأولياء ٩/ ٢٥١، واللآلئ المصنوعة ٢/ ١١٨، والموضوعات لابن الجوزي ٢/ ٢٠٩، ٢١٠، والكامل ٥/ ١٧٢٨، ٧/ ٢٥٠٢، وميزان الاعتدال ٣/ ١٦٩) قال ابن حجر عند الكلام على رواية عمر ﵁: وإذا انضم هذا الموقوف إلى مرسل ابن سابط عُلم أن لهذا الحديث أصلا، ومحمله على من استحل الترك، ويتبين بذلك خطأ من زعم أنه متروك (التلخيص الجبير ٢/ ٢٢٣).
والثاني: (إذا وضع الطعام فاخلعوا نعالكم، فإنه أروح لأقدامكم) (١). وقد أورد الدارمي مما تفرد به عن الثمانية (١٥٠٨) أحاديث من مجموع (٣٥٧٨) أوردها في المسند، وهذا العدد الذي تفرد به فيه من الصحيح، والصحيح لغيره، والحسن لذاته، والحسن لغيره كثير، وقليل فيه المرسل والمقطوع، والضعيف جدا، وقد حفظ لنا هذا الإمام قدرا زائدا على التسعة رويات صالحة للاحتجاج والعمل إلا ما ندر، وقد خرّجت الأحاديث من المصادر المثبتة، وحكمت عليها، مستنيرا بأقوال النقاد، وما لم أذكر تخريجه فهو مما لم أقف عليه عند غير المصنف فيما اطلعت عليه من مظنات البحث، أسأل الله أن يجعله عملا نافعا في الدنيا والآخرة، ولا أزعم أنني أتيت بما لم تستطعه الأوائل، بل أعترف أنه من جهد المقل، الراغب فيما عند الله من سعة الفضل والرحمة. _________ (١) فيه موسى بن محمد: منكر الحديث، ووالده لم يسمع من أبي هريرة، وصححه الحاكم، وتعقبه الحافظ الذهبي فقال: أحسبه موضوعا، وإسناده مظلم، وموسى تركه الدارقطني (المستدرك ٤/ ١١٩).
والثاني: (إذا وضع الطعام فاخلعوا نعالكم، فإنه أروح لأقدامكم) (١). وقد أورد الدارمي مما تفرد به عن الثمانية (١٥٠٨) أحاديث من مجموع (٣٥٧٨) أوردها في المسند، وهذا العدد الذي تفرد به فيه من الصحيح، والصحيح لغيره، والحسن لذاته، والحسن لغيره كثير، وقليل فيه المرسل والمقطوع، والضعيف جدا، وقد حفظ لنا هذا الإمام قدرا زائدا على التسعة رويات صالحة للاحتجاج والعمل إلا ما ندر، وقد خرّجت الأحاديث من المصادر المثبتة، وحكمت عليها، مستنيرا بأقوال النقاد، وما لم أذكر تخريجه فهو مما لم أقف عليه عند غير المصنف فيما اطلعت عليه من مظنات البحث، أسأل الله أن يجعله عملا نافعا في الدنيا والآخرة، ولا أزعم أنني أتيت بما لم تستطعه الأوائل، بل أعترف أنه من جهد المقل، الراغب فيما عند الله من سعة الفضل والرحمة. _________ (١) فيه موسى بن محمد: منكر الحديث، ووالده لم يسمع من أبي هريرة، وصححه الحاكم، وتعقبه الحافظ الذهبي فقال: أحسبه موضوعا، وإسناده مظلم، وموسى تركه الدارقطني (المستدرك ٤/ ١١٩).
1 / 1
ترجمة الدارمي
نسبه:
عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بهرام بن عبد الله (١).
كنيته: أبو محمد.
نسبته: الدارمي، التميمي، السمرقندي، نسبة إلى دارم بن مالك بن حنضلة بن زيد بن مناة بن تميم (٢)، فنسب إلى الجدين: دارم وتميم.
ولادته: ولد سنة (١١٨) إحدى وثمانين ومائة من الهجرة (٣)، قال الدارمي: ولدت في سنة مات بن المبارك سنة إحدى وثمانين ومائة (٤).
بلده: سمرقند، وقد نسب إليها كغيره من الأئمة الذين نشاؤوا في هذه البلدة العظيمة، وهي مدينة خلف بخارى، ورد فيها عن حذيفة مرفوعا (فيها عين من عيون الجنة، وقبر من قبور الأنبياء،
_________
(١) تاريخ بغداد ١٠/ ٢٩. ترجمته وأخباره في تهذيب الكمال ١٠/ ٢٨٣ تهذيب التهذيب ٣/ ١٩١، وشذرات الذهب ٢/ ١٣٠ والعبر ٢/ ٨ والوافي بالوفيات ١٧/ ٢٤٢ وسير أعلام النبلاء ١٢/ ٢٢٤، وتاريخ الإسلام (حوادث سنة ٢٥١ - ٢٦٠ ص ١٧٩).
(٢) تاريخ بغداد ١٠/ ٢٩.
(٣) تاريخ بغداد ١٠/ ٢٩.
(٤) تاريخ بغداد ١٠/ ٣١.
1 / 2
وروضة من رياض الجنة، تحشر موتاهم يوم القيامة مع الشهداء ...) (١).
سعيه في طلب العلم:
لم أقف على ما يتعلق بالنشأة وبداية الطلب، ولكنه مستفاد مما أعتاده المسلمون في ذلك الزمان من الاعتناء بأبنائهم، وتعليمهم بادئ ذي بدء القراءة وحفظ القرآن، وهو أمر معلوم في المجتمع المسلم، حتى الأيتام يُعتنى بهم من قبل الأمهات، والأوصياء من الأقارب وغيرهم، ولا إخال الدارمي إلا سالكا ما سلك القوم، ويؤيد هذا ما ورد في أمر رحلته في طلب العلم.
رحلاته: كان أحد الرحالين في الحديث والموصوفين بجمعه وحفظه والإتقان له مع الثقة (٢)، فرحل إلى العراق، والشام، ومصر، وأخذ عن أعلام علمائها، وبيان ذلك في ذكر بعض شيوخه، وسكن بغداد، وكان يقول: كان يقرع عليّ بابي ببغداد فأقول: من ذا؟ فيقول يحيى بن حسان، نعم الإدام الخل (٣)، لتفرد الدارمي برواية هذا الحديث.
من أشهر شيوخه:
شيوخه كثيرون منهم كثيرون من الجيل الثالث أتباع التابعين، أئمة ثقات، من أمثال: يزيد بن هارون، وعبد الله بن موسى، ومحمد بن يوسف الفريابي، ويعلى بن عبيد، وجعفر بن عون، ويحيى بن حسان التنيسي، وأبي المغيرة الحمصي الخولاني، والحكم بن نافع
_________
(١) معجم البلدان ١/ ٣٥٤.
(٢) تاريخ بغداد ١٠/ ٢٩.
(٣) تاريخ بغداد ١٠/ ٣١.
1 / 3
البهراني، وعثمان بن عمر ابن فارس، وسعيد بن عامر الضبعي، وعبد الصمد بن عبد الوارث، وأحمد ابن إسحاق الحضرمي، وأشهل بن حاتم، وزكريا بن عدى، وأبى صالح كاتب الليث بن سعد (١) والنضر بن شميل، ووهب بن جرير، وطبقتهم بالحرمين، وخراسان، والشام، والعراق، ومصر (٢) وسمع بدمشق أبا مسهر الغساني، ومروان بن محمد، وعبد الوهاب بن سعيد المفتي، وزيد بن يحيى بن عبيد الدمشقي، ومحمد بن المبارك الصوري، وعبد الله بن جعفر الرقي، ودحيما، وأحمد بن عبد الرحمن، والقاسم بن كثير، وعبيد الله بن عبد المجيد الحنفي، وأخيه أبي بكر عبد الكبير، ومحمد بن بكر البرساني، ومحمد بن كثير المصيصي، وعبدان بن عثمان، ويحيى بن حماد، وبشر ابن عمر الزهراني، وأبي نعيم الفضل بن دكين، وخالد بن مخلد العطواني، ومحمد بن القاسم الأسدي، وسهل بن حماد الدلال، وأبي عاصم، والأسود بن عامر شاذان، وأبي عبد الرحمن المقرئ، وقبيصة بن عقبة، وعبيد الله بن موسى، وأبي النضر هاشم بن القاسم، ويونس بن محمد المؤدب، وعفان، ويعلى بن أسد، وأبي الوليد الطيالسي، ومنصور بن سلمة الخزاعي، وخلق سواهم (٣)، وينزل إلى دحيم وخليفة ابن خياط (السير ١٢/ ٢٢٥) وقد شارك الكبار البخاري ومسلم وأحمد وغيرهم في شوخهم.
حالته الاجتماعية:
كان فتا نبيها ذا همة عالية، حتى عدّ رابع أربعة اشتهروا بالفتوة في المكارم وطلب لعلم، فقيل: فتيان خراسان أربعة: الدارمي،
_________
(١) تاريخ بغداد ١٠/ ٢٩.
(٢) تذكرة الحفاظ ٢/ ٥٣٥.
(٣) تذكرة الحفاظ ٢٩/ ٣١٠.
1 / 4
والبخاري، وزكريا اللؤلئي، والحسن بن شجاع (١)، ولم أقف على الحالة الخاصة فيما يتعلق بالأسرة، سواء منهم الأصول أو الفروع.
من تلاميذه:
روى عنه خلق كثير بعضهم من شيوخه وأقرانه، منهم: مسلم، وأبو داود، والترمذي، وعبد بن حميد وهو أقدم منه، ورجاء بن مرجي الحافظ، والحسن بن الصباح البزار، ومحمد بن بشار بندار، ومحمد بن يحيى: وهم أكبر منه، وروى الترمذي أيضا عن محمد بن إسماعيل البخاري عنه، وبقي بن مخلد، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وإبراهيم بن أبي طالب، وجعفر بن أحمد بن فارس، وجعفر الفريابي، وعمر بن محمد بن بجير، ومحمد بن النضر الجارودي، وعيسى بن عمر السمرقندي راوي مسنده عنه، وآخرون، ومحمد بن يحيى الذهلي، وقدم بغداد وحدث بها فروى عنه من أهلها: صالح بن محمد المعروف بجزرة، وعبد الله بن أحمد بن حنبل، ومحمد بن عبدوس بن كامل السراج، وروى عنه أيضا محمد بن عبد الله الحضرمي مطين، قال الخطيب: وأراه سمع منه ببغداد وبالكوفة (٢) ووروى عنه النسائي خارج سننه، وحفص بن أحمد بن فارس الأصبهاني، وعيسى بن عمر السمرقندي (٣) وغيرهم كثير.
_________
(١) تذكرة الحفاظ ٢٩/ ٣١٠.
(٢) تاريخ بغداد ١٠/ ٣٠.
(٣) تذكرة الحفاظ ٢/ ٥٤٢.
1 / 5
مكانته العلمية:
كان إماما حافظا، ثقة فاضلا، أثنى عليه العلماء الكبار بما هو أهله قال محمد بن بشار، وهو من شيوخ وتلاميذ الدارمي: حفاظ الدنيا أربعة: أبو زرعة بالري، ومسلم بنيسابور، وعبد الله بن عبدالرحمن بسمرقند، ومحمد بن إسماعيل ببخاري، كان بندار يفتخر بكونهم حملوا عنه (١) وقال رجاء بن مرجي وهو من تلاميذه أيضا: رأيت سليمان الشاذكوني وإسحاق بن راهويه وسمى جماعة فما رأيت أحفظ من عبد الله الدارمي، وقال أبو حاتم الرازي: محمد بن إسماعيل أعلم من دخل العراق، ومحمد بن يحيى أعلم من بخراسان اليوم، ومحمد بن أسلم أورعهم، وعبد الله بن عبد الرحمن أثبتهم (٢) وهنا نلاحظ أن أبا حاتم يرى الدارمي أثبت من البخاري وشيخه محمد بن يحيى الذهلي، وهما إمامان عظيمان، ولاسيما البخاري، وليس في هذا مبالغة من أبي حاتم، فالدارمي معدود من الأئمة الكبار بشهادة الأئمة أنفسهم، يقول أبو حامد بن الشرقي: إنما أخرجت خراسان من أئمة الحديث خمسة: محمد بن يحيى، ومحمد بن إسماعيل، وعبد الله بن عبد الرحمن، ومسلم بن الحجاج، وإبراهيم بن أبي طالب (٣) فالأول البخاري، والثاني الذهلي، والثالث الدارمي، والرابع مسلم بن الحجاج، وقال إسحاق بن داود السمرقندي: قدم قريب لي من الشاش فقال: أتيت ابن حنبل فجعلت أصف له ابن المنذر، وجعلت أمدحه، فقال ابن حنبل: لا أعرف هذا، قد طالت غيبة إخواننا عنا، ولكن أين أنت عن عبد الله بن عبد الرحمن؟ عليك بذاك السيد، عليك
_________
(١) تاريخ بغداد ٢/ ١٦، وتاريخ دمشق ٥٨/ ٨٤، والسير ١٢/ ٢٢٦ - ٢٢٧.
(٢) تهذيب الكمال ٢٤/ ٤٥٩، ٥/ ٢٨٥، والسير ١٢/ ٢٢٧
(٣) تهذيب الكمال ١٥/ ٢١٥، والسير ١٢/ ٢٢٧ ..
1 / 6
بذاك السيد، عليك بذاك السيد: عبد الله بن عبد الرحمن، وقال رجاء بن جابر المرجَّى: رأيت ابن حنبل، وإسحاق، وبن المديني، والشاذكونى، فما رأيت أحفظ من عبد الله يعني: الدارمي، وقال: ما أعلم أحدا أعلم بحديث النبي ﷺ من عبد الله بن عبد الرحمن (١) وقال عبد الصمد ابن سليمان الأعرج البلخي: سألت أحمد بن حنبل عن الحماني فقال: تركناه بقول عبد الله بن عبد الرحمن السمرقندي؛ لأنه إمام (٢) وقال محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي ببغداد: يا أهل خراسان، ما دام عبد الله بن عبد الرحمن بين أظهركم فلا تشتغلوا بغيره (٣) وقال أبو سعيد الأشج: عبد الله بن عبد الرحمن إمامنا (٤)، وقال عثمان بن أبي شيبة: أمر عبد الله بن عبد الرحمن أعظم من ذاك، فيما يقولون من البصر والحفظ وصيانة النفس عافاه الله (٥)، وقال محمد بن عبد الله بن نمير: غلبنا عبد الله بن عبد الرحمن بالحفظ والورع (٦) وقال أبو حاتم: عبد الله بن عبد الرحمن السمرقندي إمام أهل زمانه (٧) وكان يقصده الحفاظ لحديث "نعم الإدام الخل" وهو حديث صحيح غريب فرد على شرط الشيخين وانفرد مسلم به ورواه أيضا أبو عيسى في جامعه كلاهما عن أبي محمد الدارمي تفرد
_________
(١) تاريخ بغداد ١٠/ ٣١، وهذا بحسب رأي القائل، وإلا فالبخاري ومسلم وأحمد والترمذي وغيرهم من الكبار في عصره لا يقلون عنه، ومنهم المتفوق، وهم جبال علم جمعت في زمان واحد.
(٢) تاريخ بغداد ١٠/ ٣١
(٣) تاريخ بغداد ١٠/ ٣١.
(٤) تاريخ بغداد ١٠/ ٣١.
(٥) تاريخ بغداد ١٠/ ٣١.
(٦) تاريخ بغداد ١٠/ ٣١.
(٧) تاريخ بغداد ١٠/ ٣١ ..
1 / 7
به، قال الدارمي: فكان يدق عليّ الباب وأنا ببغداد فأقول من ذا؟ فيقول: يحيى بن حسان، نعم الإدام الخل (١).
عقيدته:
لم يغمز الدارمي في عقيدته، فهو من أئمة السلف، خيار عدل ﵀، ولذلك أثنى عليه الإمام أحمد وهو إمام أهل السنة بدون منازع، قال لأحد زواره قدم من الشاش: أين أنت عن عبد الله بن عبد الرحمن؟ عليك بذاك السيد، عليك بذاك السيد، عليك بذاك السيد، وهذه تزكية من أحمد ﵀، إذ لا يسوّد أهل البدع، ولو كانوا متأولين، ومن زكاه أحمد فقد جاز القنطرة إن شاء الله تعالى.
ذكر بعض صفاته:
لم أقف على شيء من صفاته الخِلقة، وهيئته الذاتيه، لكنه حضي بغاية الوصف الخُلقي والعلمي، والسيرة الحسنة، قال الذهبي: قد كان الدارمي ركنا من أركان الدين (٢) وكان على غاية العقل، وفي نهاية الفضل، يضرب به المثل في الديانة، والحلم والرزانة، والاجتهاد والعبادة، والتقلل والزهادة (٣)، وكان ثقة زيادة، أثنى العلماء عليه خيرا (٤) وكان من أهل الصدق والورع والزهد (٥) قال الإمام أحمد بن حنبل وذكر عبد الله بن عبد الرحمن: هو ذاك السيد، ثم قال: عرض عليّ الكفر فلم أقبل (٦) وعرض عليه الدنيا
_________
(١) تاريخ بغداد ١٠/ ٣٠، والسير ١٢/ ٢٣٠.
(٢) السير ١٢/ ٢٢٩.
(٣) تاريخ بغداد ١٠/ ٣٠.
(٤) تأريخ بغداد ١٠/ ٣٠.
(٥) تاريخ بغداد ١٠/ ٢٩.
(٦) يعني القول بخلق القرآن.
1 / 8
فلم يقبل (١) وقال محمد بن عبدالله بن نمير: غلبنا عبد الله بن عبد الرحمن بالحفظ والورع (٢) وقال محمد بن إبراهيم بن منصور الشيرازي: كان عبدالله على غاية من العقل والديانة، ممن يضرب به المثل في الحلم، والدراية والحفظ والعبادة والزهادة، أظهر علم الحديث والآثار بسمرقند، وذب عنها الكذب، وكان مفسرا كاملا، وفقيها عالما (٣) وقال أبو حاتم بن حبان: كان الدارمي من الحفاظ المتقنين، وأهل الورع في الدين، ممن حفظ وجمع وتفقه، وصنف وحدث وأظهر السنة ببلده، ودعا إليها وذب عن حريمها، وقمع من خالفها (٤).
ألقابه العلمية:
الإمام، الحافظ، شيخ الإسلام بسمرقند، عالم سمرقند (٥).
مناصبه:
استقضي على سمرقند فأبا، فالحّ عليه السلطان حتى تقلده وقضى قضية واحدة، ثم استعفى فأعفى (٦).
مؤلفاته:
صنف المسند والتفسير والجامع (٧) ومسنده المذكور عالي السند، وهو في طبقة منتخب مسند عبد بن حميد (٨) قال أحمد بن سيار
_________
(١) تاريخ بغداد ١٠/ ٣١، يعني القضاء.
(٢) تاريخ بغداد ١٠/ ٣١، وتهذيب التهذيب ٢٩/ ٣١٨، والسير ١٢/ ٢٢٦.
(٣) وتهذيب الكمال ١٥/ ٢١٥، ٥/ ٢٥٨، ومختصر تاريخ دمشق ١/ ١٧٥٤، والسير ١٢/ ٢٢٧.
(٤) الثقات ٧/ ٣٦٨، وتهذيب الكمال ١٥/ ٢١٥، ومختصر تاريخ دمشق ١/ ١٧٥٤ والسير ١٢/ ٢٢٧.
(٥) تذكرة الحفاظ، والكاشف.
(٦) تاريخ بغداد ١٠/ ٣٠.
(٧) تاريخ بغداد ١٠/ ٣٠.
(٨) تذكرة الحفاظ ٢/ ٣٥٣.
1 / 9
المروزي الحافظ: كان الدارمي حسن المعرفة قد دون المسند والتفسير (١)، وله الثلاثيات (٢).
وفاته:
توفي الدارمي رحمه الله تعالى في سنة خمس وخمسين ومأتين، يوم التروية بعد العصر، ودفن يوم عرفة، وذلك في يوم الجمعة، وهو ابن خمس وسبعين سنة (٣)، وقال أحمد بن ماهان البلخي الحافظ: مات عبد الله بن عبد الرحمن السمرقندي يوم عرفة، وذلك يوم الخميس ودفن يوم الجمعة، سنة خمس وخمسين ومائتين (٤) وقال إسحاق بن أحمد بن خلف: كنا عند محمد بن إسماعيل البخاري، فورد عليه كتاب فيه نعي عبدالله بن عبدالرحمن، فنكس رأسه ثم رفع واسترجع، وجعل تسيل دموعه على خديه، ثم أنشأ يقول:
إن تبق تفجع بالأحبة كلهم ... وفناء نفسك لا أبا لك أفجع
ثم قال إسحاق: ما سمعناه ينشد إلا يجيء في الحديث (٥).
قلت: هذه مكانة الدارمي عند البخاري، ﵏ رحمة واسعة، ونسأله تعالى أن يرحمنا معهم بمنه وكرمه وهو أرحم الراحمين.
_________
(١) تاريخ بغداد ١٠/ ٣١، وتهذيب الكمال ١٥/ ٢١٦، وتاريخ دمشق ٢٩/ ٣١٩، والسير ١٢/ ٢٢٨.
(٢) تاج العروس ٨٧٢٦، وهي ثلاثية السند إلى رسول الله.
(٣) تاريخ بغداد ١٠/ ٣١.
(٤) تاريخ بغداد ١٠/ ٣١.
(٥) تهذيب الكمال ١٥/ ٢١٦، والسير ١٢/ ٢٢٩، وهدي الساري ٤٨٢.
1 / 10
١/ ١ - باب ما كان عليه الناس قبل مبعث النبي ﷺ من الجهل والضلالة
١/ ٢ - (١) أخبرنا الوليد بن النضر الرملي، عن مسرّة بن معبد - من بني الحارث بن أبي الحرام من لخم - عن الوضين: أن رجلا أتى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله، إنا كنا أهل جاهلية وعبادة أوثان، فكنا نقتل الأولاد وكانت عندي بنت لي، فلما أجابت (١) وكانت مسرورة بدعائي إذا دعوتها، دعوتها يوما فاتبعتني فمررت حتى أتيت بئرا من أهلي غير بعيد، فأخذت بيدها فردّيت بها (٢) في البئر، وكان آخر عهدي بها أن تقول: يا أبتاه، يا أبتاه، فبكى رسول الله ﷺ حتى وكف دمع عينيه فقال: له رجل من جلساء رسول الله ﷺ: أحزنت رسول الله ﷺ، فقال له: كف، فإنه يسأل عما أهمه، ثم قال له: أعد عليّ حديثك، فأعاده فبكى حتى وكف (٣) الدمع من عينيه على لحيته، ثم قال له: (إن الله قد وضع عن الجاهلية ما عملوا فاستأنف عملك) (٤).
٢ - (٢) أخبرنا هارون بن معاوية، عن إبراهيم بن سليمان
_________
(١) المراد أنها بلغت من السن أن تجيب إذا دعاها.
(٢) معناه: أسقطها، يقال: ردّى وتردّى لغتان: كأنه تفعّل من الردى: الهلاك (النهاية ٢/ ٢١٦).
(٣) نزل.
(٤) فيه الوليد بن النضر، سكت عنه الإمامان: البخاري، وأبو حاتم، والوضين صدوق سيء الحفظ، أعضل هذا الخبر، ووأد البنات من عادات الجاهلية، حرمها الإسلام.
1 / 11
المؤدب، عن الأعمش، عن مجاهد قال: حدثني مولاي (١) أن أهله بعثوا معه بقدح فيه زبد ولبن إلى آلهتهم، قال: فمنعني أن آكل الزبد لمخافتها (٢) قال: فجاء كلب فأكل الزبد وشرب اللبن، ثم بال على الصنم: وهو إساف ونائلة، قال هارون: كان الرجل في الجاهلية إذا سافر حمل معه أربعة أحجار، ثلاثة لقدره (٣) والرابع يعبده، ويربي كلبه، ويقتل ولده (٤).
٣/ ٤ - (٣) حدثنا مجاهد بن موسى قال: حدثنا ريحان هو ابن سعيد السامي، ثنا عباد هو ابن منصور، عن أبي الرجاء قال: كنا في الجاهلية إذا أصبنا حجرا حسنا عبدناه، وإن لم نصب حجرا جمعنا كثبة من رمل، ثم جئنا بالناقة الصفي فتفاجّ عليها فتحلبها على الكثبة حتى نرويها، ثم نعبد تلك الكثبة (٥) ما أقمنا بذلك المكان (٦).
قال أبو محمد: الصفي: الكثيرة الألبان، فتفاجّ: يعني الناقة إذا فرجت بين رجليها للحالب، والفج الطريق الواسع وجمعه فجاج.
_________
(١) لعله السائب بن أبي السائب ﵁، أو ابنه عبد الله ﵁، أو قيس بن السائب المخزومي ﵁ انظر (تهذيب الكمال، والإصابة ٨/ ١٨٧).
(٢) يعني الآلهة.
(٣) أي أثافي يضع عليها قدره لصبخ طعامه.
(٤) سنده حسن، وعند أحمد نحوه، حديث (١٥٤٨٤).
(٥) قال في الصحاح (٢/ ٣٧٧): كثبت الشيء أكثبه كثبا: إذا جمعته والجمع: الكثبان وهي تلال الرمل، وانظر (النهاية ٤/ ١٥١).
(٦) فيه ضعف عباد بن منصور، وعنعنته، وتغيّر بأخرة، لكنه خبر يحتمل منه مثل هذا، وأخرجه أبو نعيم بسند حسن (الحلية ٢/ ٣٠٦).
1 / 12
٢/ ٢ - باب صفة النبي ﷺ في الكتب قبل مبعثه
٤/ ٥ - (١) أخبرنا الحسن بن الربيع قال: حدثنا أبو الأحوص، عن الأعمش، عن أبي صالح قال: قال كعب: نجد مكتوبا، محمد رسول الله ﷺ، لا فظ ولا غليظ، ولا صخاب بالأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر، وأمته الحمّادون يكبرون الله، على كل نجد (١)، ويحمدونه في كل منزلة، ويتأزرون على أنصافهم، ويتوضئون على أطرافهم، مناديهم ينادي في جو السماء صفهم في القتال وصفهم في الصلاة سواء، لهم بالليل دوي كدوي النحل، مولده بمكة ومهاجره بطابة، وملكه بالشام (٢).
٥/ ٦ - (٢) عبد الله بن صالح قال: حدثني الليث، حدثني قال: خالد - هو ابن يزيد - عن سعيد - هو ابن أبي هلال - عن هلال بن أسامة، عن عطاء بن يسار، عن ابن سلام أنه كان يقول: "إنا لنجد صفة رسول الله ﷺ، إنا أرسلناك شاهدا، ومبشرا ونذيرا، وحرزا للأميين (٣)، أنت عبدي ورسولي، سميته (٤) المتوكل،
_________
(١) قال في (الصحاح ٢/ ٥٤١): النجد: ما ارتفع من الأرض، وفي الحديث رقم (٧) فسره بقوله: (يكبرون على كل شرف).
(٢) رجله ثقات، وأخرجه ابن سعد (الطبقات ١/ ٢٠٦) والحاكم (المستدرك ٢/ ٦٧٨) وأبو نعيم (الحلية ٥/ ٣٨٧) والبغوي (شرح السنة، رقم ٣٦٤٨) وعند البخاري، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ﵁ نحوه، حديث (٢١٢٥).
(٣) الأميون هم العرب، وما جاء به الرسول ﷺ هو حصن لهم من الكفر.
(٤) إلتفات من الخطاب إلى الغيبة.
1 / 13
ليس بفظ ولا غليظ، ولا سخّاب (١) بالأسواق، ولا يجزي السيئة مثلها، ولكن يعفو ويتجاوز، ولن أقبضه حتى يقيم الملة المتعوجة (٢) بأن يشهد أن لا إله إلا الله، نفتح به أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا (٣).
٦/ ٦ م - (٣) قال عطاء بن يسار: وأخبرني أبو واقد الليثي: أنه سمع كعبا يقول: مثل ما قال ابن سلام (٤).
٧/ - (٤) أخبرنا زيد بن عوف قال: ثنا أبو عوانة، عن عبد الملك بن عمير، عن ذكوان بن أبي صالح، عن كعب: في السطر الأول (٥) محمد رسول الله، عبدي المختار، لا فظ ولا غليظ، ولا سخّاب في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر، مولده بمكة وهجرته بطيبة، وملكه بالشام، وفي السطر الثاني (٦) محمد رسول الله، أمته الحمّادون، يحمدون الله في السراء والضراء، يحمدون الله في كل منزلة، ويكبرونه على كل شرف (٧)، رعاة الشمس (٨) يصلون الصلاة إذا جاء وقتها، ولو
_________
(١) ويقال: صخّاب، وكلاهما صحيح، قال في (النهاية ٢/ ٣٤٩): السخب، والصخب: بمعنى الصياح.
(٢) ما سوى الإسلام، من الملل والنحل، ويجمعها الكفر بالله.
(٣) فيه كاتب الليث عبد الله بن صالح، الصحيح أن حديثه حسن، وهو ما تبين من النظر في أقوال النقاد، وأخرجه البسوي (المعرفة والتاريخ ٣/ ٢٧٤) وانظر (الفتح ٤/ ٣٤٣) وبدايته عند البخاري من حديث عبد الله بن عمرو ابن العاص، حديث (٢١٢٥) نحوه.
(٤) انظر السابق.
(٥) يعني التوراة.
(٦) الإنجيل.
(٧) المكان العالي المرتفع.
(٨) تحديد وقت الصلوات المفروضة.
1 / 14
كانوا على رأس كناسة (١)، ويأتزرن على أوساطهم، ويوضئون أطرافهم، وأصواتهم بالليل في جو السماء كصوت النحل) (٢).
٨/ ٨ - (٥) أخبرنا مجاهد بن موسى قال: ثنا معن - هو ابن عيسى - ثنا معاوية بن صالح، عن أبي فروة، عن ابن عباس، أنه سأل كعب الأحبار كيف تجد نعت رسول الله ﷺ في التوراة؟ فقال كعب: نجده محمد بن عبد الله، يولد بمكة، ويهاجر إلى طابة، ويكون ملكه بالشام، وليس بفحّاش، ولا سخّاب في الأسواق، ولا يكافيء بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر، أمته الحمّادون، يحمدون الله في كل سراء، ويكبرون الله على كل نجد، يوضئون أطرافهم، ويأتزرون في أوساطهم، يصفون في صلواتهم، كما يصفون في قتالهم، دويهم في مساجدهم كدوي النحل، يستمع مناديهم في جو السماء (٣).
٩/ ٩ - (٦) أخبرنا حيوة بن شريح، ثنا بقية بن الوليد الميتمي، ثنا بحير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن جبير بن نفير الحضرمي: أن رسول الله ﷺ قال: (لقد جاءكم رسول إليكم، ليس بوهن ولا كسل، ليختن (٤) قلوبا غلفا، ويفتح أعينا عميا،
_________
(١) مجمع الزبالة، والمراد الإشارة إلى شدة محافظتهم على أداء الصلاة، وأنه لو قدّر أنهم لم يجدوا مكانا لأدائها إلا رأس كناسة لأدوها، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
(٢) فيه زيد بن عوف البصري، قال أبو حاتم: متروك (الجرح والتعديل ٣/ ٥٧٠) وأخرجه الحاكم (المستدرك ٢/ ٤٣٣) وقد صح الحديث من طرق، انظر (رقم ٤، ٥) وما هو الحق من صفات النبي وأمته.
(٣) سنده حسن، وانظر رقم (٤، ٥، ٦).
(٤) شبه القلب بأن عليه غُلفة: أي: غشاء، قال في (الصحاح ٢/ ٢٠٥): قلب أغلف: كأنما أغشي غلافا، فهو لا يعي، ومنه قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ﴾ من الآية (٨٨) من سورة البقرة، والآية (١٥٥) من سورة النساء، ورجل أغلف بيّن الغلف، أي: أقلف.
1 / 15
ويسمع آذانا صما، ويقيم ألسنة عوجاء، حتى يقال: لا إله إلا الله وحده) (١).
١٠/ ١٠ - (٧) أخبرنا محمد بن يزيد الحزامي، ثنا إسحاق بن سليمان، عن عمرو بن أبي قيس، عن عطاء، عن عامر قال: كان رجل من أصحاب النبي ﷺ له إليه حاجة، فمشى معه حتى دخل قال: فإحدى رجليه في البيت والأخرى خارجه، كأنه يناجي فالتفت فقال: «أتدري من كنت أكلم؟، إن هذا ملك لم أره قط قبل يومي هذا، استأذن ربه أن يسلم عليّ، قال: إنا آتيناك - أو أنزلنا - القرآن فصلا، والسكينة صبرا، والفرقان وصلا» (٢).
١١/ ١١ - (٨) أخبرنا قال: مجاهد بن موسى، ثنا ريحان هو ابن سعيد، ثنا عباد هو ابن منصور، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن عطية: أنه سمع ربيعة الجرشي يقول: أتي نبي الله ﷺ، فقيل له: لتنم عينك، ولتسمع أذنك، وليعقل قلبك، قال: (فنامت عيني وسمعت أذناي، وعقل قلبي قال: فقيل لي: سيد بنى دارا فصنع مأدبة، وأرسل داعيا فمن أجاب دخل الدار، وأكل من المأدبة، ورضي عنه السيد، ومن لم يجب الداعي، لم يدخل الدار، ولم يطعم من المأدبة، وسخط عليه السيد قال: فالله السيد والداعي محمد، والدار الإسلام، والمأدبة الجنة) (٣).
_________
(١) فيه بقية بن الوليد، الراجح أنه ثقة إذا حدث عن ثقة، وصرّح بالتحديث، وهو هنا كذلك، لكن جبير بن نفير أدرك النبي ﷺ ولم يره، وهو من كبار التابعين، فالحديث مرسل، وقد ورد عنه أنه قال: أتانا رسول الله ﷺ، فلعل له رؤية.
(٢) فيه عمرو بن أبي قيس، لم يذكر ممن سمع من عطاء قبل الاختلاط.
(٣) فيه عاد بن منصور ضعيف، وربيعة بن عمرو الجرشي في صحبته خلاف، وأخرجه الطبراني (٥/ ٦٥، رقم ٤٥٩٧) ومحمد بن نصر المروزي (السنة، رقم ١٠٩) وأنظر (الفتح ١٣/ ٢٥٦) فقد ذكر اعتضاده.
1 / 16
٣/ ٣ - باب كيف كان أول شأن النبي ﷺ -
١٢/ ١٤ - (١) أخبرنا عبد الله بن عمران، ثنا أبو داود قال: ثنا جعفر (١) بن عثمان القرشي، عن عثمان بن عروة بن الزبير، عن أبيه، عن أبي ذر الغفاري ﵁ قال: قلت: يا رسول الله، كيف علمت أنك نبي حتى استيقنت؟، فقال: «يا أبا ذر، أتاني ملكان وأنا ببعض بطحاء مكة، فوقع أحدهما إلى الأرض، وكان الآخر بين السماء والأرض، فقال أحدهما لصاحبه: أهو هو؟، قال: نعم، قال: فزنه برجل، فوزنت به فوزنته، ثم قال: فزنه بعشرة، فوزنت بهم فرجحتهم، ثم قال: زنه بمائة، فوزنت بهم فرجحتهم، ثم قال: زنه بألف، فوزنت بهم فرجحتهم، كأني أنظر إليهم، ينتثرون عليّ من خفة الميزان، قال: فقال أحدهما لصاحبه: لو وزنته بأمته لرجحها» (٢).
١٣/ ١٥ - (٢) أخبرنا إسماعيل بن خليل، أنا علي بن مسهر، أنا الأعمش، عن أبي صالح قال: كان النبي ﷺ يناديهم «يا أيها الناس إنما أنا رحمة مهداة» (٣).
_________
(١) هو ابن عبد الله بن عثمان، نسب إلى جده.
(٢) فيه عروة لم يسمع من أبي ذر، وأخرجه البزار (كشف الأستار، رقم ٢٣٧١) وقال: لا نعلمه يروى عن أبي ذر إلا من هذا الوجه، واللالكائي (شرح أصول اعتقاد أهل السنة، رقم ١٤٠٥) وابن حبان (الإحسان ١٤/ ٤٣٤) والطبراني (المعجم الكبير ١٢/ ٤٣١) وأخرج طرفا منه أحمد (٤/ ١٨٤) وخبر الوزن ثابت عند أحمد، والبزار.
(٣) مرسل، وأخرجه ابن أبي شيبة (١١/ ٥٠٤، رقم ١١٨٣١) وابن سعد (الطبقات ١/ ١٩٢) والبزار (٣/ ١١٤، رقم ٢٣٦٩) والبيهقي (الدلائل ١/ ١٥٨) بسند رجاله ثقات، عن أبي هريرة مرفوعا، والحاكم وقال: هذا حديث صحيح على شرطهما، فقد احتجا جميعا بمالك بن سعير، والتفرد من الثقات مقبول (المستدرك ١/ ٩١) والطبراني (المعجم الأوسط ٣/ ٢٢٣) وفي مسند الشهاب ٢/ ١٨٩، ١٩٠، وفي التمهيد ٥/ ١١٨.
1 / 17
٤/ ٤ - باب ما أكرم الله به نبيه من إيمان الشجر به والبهائم والجن
١٤/ ١٦ - (١) أخبرنا محمد بن طريف، ثنا محمد بن فضيل، ثنا أبو حيان، عن عطاء، عن ابن عمر قال: كنا مع رسول الله ﷺ في سفر فأقبل أعرابي، فلما دنا منه قال له رسول الله ﷺ: أين تريد؟، قال: إلى أهلي، قال: هل لك في خير؟، قال: وما هو؟، قال: تشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، فقال: ومن يشهد على ما تقول؟، قال: هذه السلمة (١) فدعاها رسول الله ﷺ وهي بشاطيء الوادي، فأقبلت تخد الأرض خدا (٢)، حتى قامت بين يديه، فاستشهدها ثلاثا، فشهدت ثلاثا أنه كما قال، ثم رجعت إلى منبتها، ورجع الأعرابي إلى قومه وقال: إن اتبعوني آتيتك بهم، وإلا رجعت فكنت معك (٣).
١٥/ ٢٢ - (٢) أخبرنا محمد بن يوسف، ثنا سفيان، عن الأعمش، عن شمر بن عطية، عن رجل من مزينة - أو جهينة - قال: صلّى رسول الله ﷺ الفجر، فإذا هو بقريب من مائة ذئب قد
_________
(١) واحدة السلم وهو: بفتح اللام، شجر من العضاه (النهاية ٢/ ٣٩٥) وهذا من المعجزات التي أيد الله بها نبينا محمدا ﷺ.
(٢) خدّ الأرض يخدّها: إذا شقها، والأخدود: شق في الأرض (الصحاح ١/ ٣٣٢).
(٣) رجاله ثقات، لكن عطاء لم يسمع من ابن عمر شيئا، ولم يسمع أبو حيان من عطا، والحديث ورد من وجه آخر عند ابن حبان (الإحسان ١٤/ ٤٣٤، رقم ٦٥٠٥، وموارد الظمآن ١/ ٥٢٠) والطبراني (١٢/ ٤٣١، رقم ١٣٥٨٢) والبزار (كشف الأستار ٣/ ١٣٣، رقم ٢٤١١).
1 / 18
اقعين (١) وفود الذياب، فقال لهم رسول الله ﷺ: ترضخون (٢) لهم شيئا من طعامكم، وتأمنون على ما سوى ذلك، فشكوا إلى رسول الله ﷺ الحاجة، قال: فآذنوهن (٣)، قال: فآذنوهن، فخرجن ولهن عواء (٤).
٥/ ٦ - باب ما أكرم النبي ﷺ بحنين المنبر
١٦/ ٣٨ - (١) أخبرنا مسلم بن إبراهيم، ثنا الصّعِق قال: سمعت الحسن يقول: لما أن قدم النبي ﷺ المدينة جعل يسند ظهره إلى خشبة ويحدث الناس، فكثروا حوله، فأراد النبي ﷺ أن يسمعهم، فقال: ابنوا لي شيئا أرتفع عليه، قالوا: كيف يا نبي الله؟، قال: عريش كعريش موسى، فلما أن بنوا له، قال الحسن: حنّت - والله - الخشبة قال الحسن: سبحان الله هل تبتغى (٥) قلوب قوم سمعوا (٦). قال أبو محمد: يعني هذا.
_________
(١) الإقعاء: الجلوس على الرجلين، ناصبا اليدين (الصحاح ٢/ ٣٢٩).
(٢) المراد إعطاءهم شيئا من الطعام، والرضخ: العطاء ليس بالكثير (الصحاح ١/ ٤٨٧).
(٣) أخبروهم بشكواكم.
(٤) منقطع إذ أن شمّر من الطبقة السادسة، وهم الذين لم يدركوا أحدا من أصحاب رسول الله ﷺ، وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (١١/ ٤٨٠، ١١٧٨٥) من وجه آخر عن الأعمش، وأخرجه ابن عساكر (تاريخ دمشق ٤/ ٣٧٦) وانظر (البداية والنهاية ٦/ ١٤٦).
(٥) تشقى: فالاستفهام إنكاري، أي لا يبتغي الشيطان قلوبهم، يئس لقوة إيمانهم.
(٦) هذا مرسل، يعضده ما تقدم من أحاديث الباب، أنظر رقم (٣١) وما بعده، وأخرجه أبو يعلى (٥/ ١٤٢، رقم ٢٧٥٦) وابن حبان (الإحسان ١٤/ ٤٣٦، رقم ٦٥٠٧).
1 / 19
٦/ ٨ - باب ما أعطي النبي ﷺ من الفضل
١٧/ ٤٧ - (١) أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، أنبأ يزيد بن أبي حكيم قال: حدثني الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: إن الله فضّل محمدا ﷺ على الأنبياء، وعلى أهل السماء، فقالوا: يا أبا عباس بم فضّله على أهل السماء؟، قال: إن الله قال لأهل السماء: ﴿وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ﴾ (١) وقال الله لمحمد ﷺ: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا﴾ (٢) قالوا: فما فضله على الأنبياء؟، قال: قال الله ﷿: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ (٣) وقال الله ﷿ لمحمد ﷺ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ (٤) فأرسله إلى الجن والإنس (٥).
١٨/ ٤٨ - (٢) أخبرنا عبيد الله بن عبد المجيد، ثنا زمعة، عن
_________
(١) الآية (٢٩) من سورة الأنبياء.
(٢) الآي (١) من سورة الفتح.
(٣) الآية (٣) من سورة إبراهيم.
(٤) الآية (٢٨) سورة سبأ.
(٥) سنده حسن، وأخرجه الطبراني (١١/ ٣٢٩، رقم ١١٦١٠) ورجاله ثقات، والحاكم (المستدرك ٢/ ٣٥٠) والبيهقي (الدلائل ٥/ ٤٨٦) والقرطبي (التفسير ٣/ ٢٤٩).
1 / 20