Informing about the Limits of the Principles of Islam
الإعلام بحدود قواعد الإسلام
Tifaftire
محمد صديق المنشاوى
Daabacaha
دار الفضيلة
Lambarka Daabacaadda
الأولى
Goobta Daabacaadda
القاهرة
الإعلام
بحدود وقواعد الإسلام
للقاضي عياض
أبي الفضل عياض بن موسى اليحصبي السبتي
(476 هـ - 544 هـ)
حققه وعلق عليه
محمد صديق المنشاوي
السوهاجي
راجعه وقدم له
د/ محمود عبد الرحمن عبد المنعم
المدرس بجامعة الأزهر
دار الفضيلة
1
دَارُ الفضيلة
لِلنشِرِ وَالتوزيع وَالتصدير
الإدارة. القاهرة - ٢٣ شارع محمّد تُوسُفْ القَاضِى- كليَّة البنات - مصر الجديدة -ت وفاكس: ٤١٨٩٦٦٥ المكتبة. ٧ شارع الجمهورية- عابدين- القاهرة -ت ٣٩٠٩٢٣١ الإمارات: دبى - ديرة - صرب ١٥٧٦٥ ت ٦٩٤٩٦٨ فاكس ٦٢١٢٧٦
جميع الحقوق محفوظة لِلنَّاشِرُ
2
بسم الله الرحمن الرحيم
3
Bog aan la aqoon
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مُقَدِّمَة
الحمدُ للَّه رَبِّ العَالَمِين، وَالصَّلاة والسَّلَام علَى سَيِّدنا مُحَمَّد سَيِّد الأوَّلِينَ والآخِرِينَ ، وعَلَى آلهِ وأَصْحَابِهِ وَآل بَيْتِهِ ومن تَبِعَهُم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين .
أما بعد :
فإنَّ الإِسلام دينُ اللَّه الذى رَضِيهُ لِعِبَاده، ولم يرضَ لَهُم ديناً سِوَاه: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ... ﴾(١)، ولم يَقْبَلْ من أحد ديناً غيره ، ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾(٢).
لذا أرسل اللَّه سبحانه وتعالى جَمِيع رُسُلِهِ بدين الإسلام :
فَذَكَرَ سبحانه على لسان نوح عليه السَّلام قال: ﴿ ... وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾(٣) ..
وعلى لسان إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام قال : ﴿ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَتِنَا أُمَّةٌ مُسْلِمَةٌ لَكَ ... ﴾ (٤).
وعلى لسان يعقوب عليه السّلام وهو يُوصِى بَنِيه قال :
(١) سورة آل عمران، الآية (١٩). (٢) سورة آل عمران ، الآية (٨٥).
(٣) سورة يونس، الآية (٧٢). (٤) سورة البقرة، الآية (١٢٨).
5
﴿ ... يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾(١) .
وعلى لسان موسى عليه السّلام وهو يدعو قومه قال : ﴿ ... يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنْتُم بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِن كُنتُمْ مُسْلِمِينَ ﴾(٢).
وفي دُعَاء يُوسُف عليه السَّلام قال: ﴿ ... تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾(٣) .
وقد خَتَمَ اللَّه قافلة الأنبياء بسَيّدنا مُحَمَّد عليه السّلام وبعد إتمام النِّعْمَة ، قال سبحانه ممتناً علينا: ﴿ ... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً ... ﴾ (٤).
ولا زالت قافلة الدُّعَاة تَتَهَادَى ، تدعُوا إِلى اللَّه كما كان الأنبياء يَدْعُون ، يُعَلِّمُونَ الناس مَعَالِم الدِّين وقواعد الإسلام، ومن أَهَمّ ذلك ما كتبه أئِمَّتنا السّابقُون .
ومن أَهَمّ ما تركهُ هَؤُلَاءِ الأَعلام الأَفاضِل وأوجزه كتاب ( الإعلام بحدود وقواعد الإسلام) للإمام القاضى عياض اليحصبى المالكى .
وإنما تكمن أهمِّية هذا الكتاب - وكل كتاب - فى أمرين :
الأول : فى الموضوع الذى يتناوله .
الثانى : كيفية التناول ، وهذا يقوى جانب من يتناول هذا الموضوع .
فإِذا كان هَذَا الكتاب يعرض لأركان الإسلام، وقَواعِد الدِّين ، ومَعَالِمه الكُبرى ، وضُمّ إلى ذلك أن الذى يَعْرِضُه إمام من كبار
(١) سورة البقرة، الآية (١٣٢) . (٢) سورة يونس، الآية (٨٤) .
(٣) سورة يوسف، الآية (١٠١) . (٤) سورة المائدة، الآية (٣) .
6
أئمة الإسلام ، فانضم إلى عُلُو قَدْر الموضوع، عُلُو قَدْر كَاتِبِه، كان هذا الكتاب في الذروة من المؤلفات.
وإذا كُنَّا قد ذكرنا أنَّ الإسلامِ دَعوةُ كل مَبْعُوث من الله، فإن المعاني التي عَرَضَها هذا الكتاب وهي أَرْكَان الإسلام قد بُعِثَ بها الأنبياء والسَّابقون أيضاً، فهي فَرَائِض ثَابِتَةٌ، وإن تَفَاوتَت العِبَادَات منها في صورها.
وأبدأ بالتَّوحيد الذي أَوْحَاه الله إلى جميع رُسُلِهِ وأنبيائِه، حيث قال سبحانه: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾(١).
وأما الصَّلَاة والزَّكَاة: فقد جاء في شأنهما قول الله في سيدنا إسماعيل عليه السّلام: ﴿وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا﴾(٢).
وقال على لسان سيدنا عيسى عليه السّلام: ﴿... وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا﴾(٣).
وفي مراجعة سيدنا موسى لسيدنا محمد عليهما الصَّلَاة والسَّلام، وتَرَدُّد سيدنا محمد بَيْنَهُ وبين الله في ليلة الإسراء والمعراج ما يُبيِّن أنَّ الصَّلَاة كانت مَفْرُوضَة على بني إسرائيل في شَرِيعَتِه.
وفي قصَّة الثلاثة: (الأبرصِ - والأعمى - والأقرعِ)، وما كان من شأنهما ما يَدُلُّ على أنَّ الصَّدَقة كانت في الشَّرائِع السّابقة والحديث وارد بسند صحيح.
أما الصِّيام: فقد صَرَّح القرآن بأنه كان مَفْرُوضاً على من كان قبلنا حيث قال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾(٤).
(١) سورة الأنبياء، الآية (٢٥). (٢) سورة مريم، الآية (٥٥).
(٣) سورة مريم، الآية (٣١). (٤) سورة البقرة، الآية (١٨٣).
7
وفى الحَجّ : قال القرآن الكريم: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ... ﴾(١).
وقال تعالى: ﴿لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ ... ﴾(٢)
وأصرح من ذلك ما أمر اللَّه به أبا الأنبياء إبراهيم عليه السلام بقوله: ﴿ وَأَذِّن فِى النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجِّ عَمِيقٍ﴾(٣).
وهذا يَدُلُّنَا على أهَمِّية هَذِهِ الأركان التى ما خَلَتْ الشَّرائع السّابقة منها ، إنما اشتملت عليها.
وأَوَّل ما عَرَضَهُ المؤَلِّف - رحمه اللَّه - بيان معنى الشَّهَادَتین ، وهُمَا رُكْنِ الإِسلام الأَعْظَم، ومفتاح الدُّخُول فيه ، والفَارقُ بين المسلم والكافر - ما لم تعرض ردة والعياذ باللّه - ونلمس من خلال العَرْض القَدِيم ما نُريد أن نُؤَكِّده حديثاً ، وهو أن كلمتى الشَّهَادة ليست ألفاظاً تُقَالٍ ، ولا دعوى يعرضها منتحل ، إنما هى اعتقاد بالقَلْب ، وقولٌ باللِّسان، وعملٌ بالجَوَارِحِ ، وتَظل هذه الكَلِمَة مُجَرَّد دَعوى حتى يُقَام عليها دَليلٌ من عَمَل ، وبُرْهَان من انْقِيَاد للشّرع ، بحيث تصدر أَعْمَال العَبْد كلَّها منبثقة من هذا الأَصل الأَصِيل.
ولَقَدْ كانَ الأوائِل من المسلمين وغيرهم يُدركُونَ هذا المعنى ، فهذا هُوَ الأَعْشَى الشَّاعِرِ الجاهِلى المشهُور يُريد الإسلام ، فيذهب لِيُعْلِنَهُ أمام رسول اللَّه ﷺ فَلَقِيَهِ نَفَرٌ من المشركين، فَيَسأَلُونَهُ عن مُرَادِه فَيُخْبِرُهُم ، فيقولون له : إِنَّ مُحَمَّداً يُحَرِّمُ الزِّنَا ، فَيَمْدَح هذا الدِّين، ويُخْبِرُونَهُ أنه يُحَرِّمُ الرَّبَا فيبش لهذا الأَمْر ويُظْهِر استحسانه، فيقُولُون له : إنه يُحَرِّمُ الخَمْرِ، فيقول: أَمَّا هَذِهِ ففى النَّفس منها
(١) سورة الحج ، الآية (٣٤ ). (٢) سورة الحج ، الآية (٦٧ ).
(٣) سورة الحج ، الآية (٢٧ ).
8
شَىْءٌ، ثُمَّ يقول : أرجع عَامِى هذا فَأَشْرَبُ الخَمْر ، ثم أرجع فَأُسْلِم ، فيرجع فيموت قبل نهاية العام مُشْرِكاً .
فتأمَّل: كيف عُرِفَ طبيعة هذا الدِّين ، وأن لكلمة (لَا إِلهَ إِلَّا اللَّه) تكاليفها وتبعاتها ما ينبغى أن يعلنها على غِشّ ، ما ينبغى أن يعلنها وهو مُصِرّ على ما يكون ناقِضاً لها أو خَادِشاً ، فالدُّخُول فى الإسلام دخول يحمله العَبْد فى جملة تَعَالِيمِهِ .
فَمَاذَا فَهِمَ الْمُسْلِمُونَ اليومِ مِن مَعْنَى الشَّهَادَتَين ؟
وكذا لا قيمة لأعمال صَدَرَتْ من مُكَلَّف مهما كانت نافِعَة حتى تكون الشَّهَادتان سابقتين لهذه الأعمال ، وقد قال الرسول ﷺ لبنت حاتم الطَّائى الذى كان المثل فى الكَرَم والشَّجاعَة وغيرها من مكارم الأخلاق ، قال لها : ((لَوْ كَانَ أَبُوكِ يَشْهَدُ أَن لَا إِلهَ إِلَّا اللَّه لَتَرَحَّمْنَا عَلَيْهِ)) [ رواه البخارى] .
ويَتَفَاوَت المسلِمَون بتفَاؤُت تحصيلهم لمعَانِى الشَّهَادتين اعتقاداً وقَوْلاً وعَمَلًا، وتتباين مواقفهم يوم القيامة بتباين حَالِهِم فى الدُّنيا مع مقتضيات الشَّهَادَتين .
قال الإمام ابن القيم: اعلم أَنَّ أشِعَّة ((لَا إِلهَ إِلَّا اللَّه)) تُبَدِّد من ضَبَاب الذُّنُوب وغُيُومِهَا بِقَدْرِ قُوَّة ذلك الشُّعَاعِ وَضَعْفِهِ ، فلها نُورٌ وتَفَاوت أَهلها فى ذلك النُّورِ قُوَّة وضَعْفاً لا يُخْصِيهِ إِلَّا اللَّه تعالى:
فمن النَّاس: من نور هَذِهِ الكلمة فى قَلْبِهِ كالشَّمس .
ومنهم : من نورها فى قَلْبِهِ كالكَوْكَب الدُّرِّى .
ومنهم : من نورها فى قَلْبِهِ كالمشْعَل العَظِيم .
وآخر : كالسِّرَاج المُضِئ .
وآخر : كالسِّرَاجِ الضَّعِيف .
ولهذا تَظْهَر الأَنْوَار يوم القِيامة بأيمانهم ، وبين أيديهم على هذا
9
المقدار بحسب ما في قلوبهم من نور هذه الكلمة علمًا، وعملًا، ومعرفة، وحالًا، وكلما عظم نور هذه الكلمة واشتد، أحرق من الشبهات والشهوات بحسب قوته وشدته، حتى إنه ربما وصل إلى حال لا يصادف معها شبهة ولا شهوة، وهذا حال الصادق في توحيده الذي لم يشرك بالله شيئًا...
قال: وليس التوحيد مجرد إقرار العبد بأنه لا خالق إلا الله، وأن الله رب كل شيء وماليكه، كما كان عباد الأصنام مقرّين بذلك وهم مشركون، بل التوحيد يتضمن محبة الله، والخضوع له، والذل له، وكمال الانقياد لطاعته، وإخلاص العبادة له، وإرادة وجهه الأعلى بجميع الأقوال والأعمال، والمنع والعطاء، والحب والبغض، ما يحول بين صاحبه وبين الأسباب الداعية إلى المعاصي والإصرار عليها، ومن عرف هذا عرف قول النبي معه: ((إن الله حرّم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله))، وقوله: ((لا يدخل النار من قال: لا إله إلا الله)) (١) [رواه البخاري].
ومما يلي ذلك من ثمار التوحيد الصلاة، وبقية أركان الإسلام، ومنزلتها في الإسلام لا تخفى على من رضي بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد نبيًا ورسولًا.
وقد سلك القاضي عياض -رحمه الله- في كتابه هذا مسلك الإيجاز مع الحصر لما ذكر، فكان بذلك جديرًا أن يستظهره من أراد فهم دينه حتى يحقق المطلوب منه من العبودية الخالصة لله -عز وجل-
وهذا الإيجاز جعل الكتاب مجردًا عن الدليل وإن كان مؤلفه عالي الكعب راسخ القدم في علم الحديث وهو الإمام الذي يُشار
(١) مدارج السالكين ٣٢٩/١، ٠٣٣٠
10
إليه، ويكفي أنه شرح بعضاً من كتب السنة وعلى رأسها صحيح مسلم - كما ستعلم - فاحتاج إلى وضع يتعلق عليه يوضح غامضه، ويقيم الدليل على مسائله بعد التحري والتدقيق في إثبات نص الكتاب كما يريد مؤلفه، فانبرى لذلك أخ فاضل هو الشيخ / محمد صديق السُّوهاجي، فكان موفقاً - بحمد الله - فيما تعرض له من عمل والله ينفع به ويوفقه دائماً.
وأدعك الآن مع ما أودعه القاضي عياض في هذا المؤلف من جواهر وأسرار، والله أسأل أن ينفعني وإياكم بالعلم، وأن يهدينا سواء السبيل إنه على ما يشاء قدير.
د/ محمود عبدالرحمن عبدالمنعم
* * *
11
Bog aan la aqoon
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمَة المحَقِّق
إِنَّ الحمدَ لله، نَحْمَدهُ، ونَسْتَعِينُه، ونَسْتَغْفِرِه، ونَعُوذُ باللَّه مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِن سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، من يَهْدِهِ اللَّهِ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَن يُضْلِلْ، فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشهدُ أن لَا إِلهَ إِلَّا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورَسُولُه.
﴿ يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ ﴾(١).
﴿ يَأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾(٢).
﴿ يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُواْ اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴾ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾(٣).
وبعد:
فهذه رسالةٌ عظيمةُ القدر، قليلةُ السَّطر، أبدع فيها كاتبُها أيَّمَا إبداع، وأجاد فيها أيَّمًا إجادة، فلخَّص فيها قواعد الإسلام،
(١) سورة آل عمران، الآية (١٠٢). (٢) سورة النساء، الآية (١). (٣) سورة الأحزاب، الآيتان (٧٠، ٧١).
13
وحقيقة الإيمان ، بما أَنْزله اللّه من قرآن ، وصحّ عنده من الأخبار ، فأوجز فيها جمًّا من الكتب والأسفار ، وصاغها بطريقة لم يسبقْهُ إليها الجهابذة الأعلام ، وتتكسر دونه الأقلام ، فأطاب ، وأجاد ، وما خاب سهمُهُ عن المراد.
وتكلّم عن كل ركنٍ من الأركان : تفصيلاً ، واستفاضة دون إطالة ، وإملال ، وتلخيصاً دون تقصير وإخلال ، فَذَكَرَ الشَّهادتين ، والعِبَادات ، والفُرُوض ، والواجِبَات ، والسُّنن ، والمستحبَّات ، والنَّواقِض، والمكرُوهَات ، فَبَرَعَ فى الترتيب والتقسيم.
ونظراً لما له قَصد ، وبه شَرَع ، ولما تحتويه هذه الرِّسَالة من الفَوَائِد العِظَام، لحدود وقواعِد الإسلام، ولما ذَرَاه من ضَعْف العزائم عن تحصيل علمها ، وإدراك فحواها ، شرعتُ فى التعليق عليها ، فذكرتُ الحُجَّة والدَّليل فى كل مسألة طرقها القاضى ، معتمداً على الكتاب ، والسُّنَّة الصَّحيحة ، مؤَيداً له أو مُخالفاً، وما لم أَجِدْ فيه دليلًا ذكرتُ فيه شيئاً من آراء العُلَمَاء ومَذَاهِبهم، وشرحتُ الغريب من الألفاظ والمصطلحات.
ولم أذهب فى ذلك كلِّهِ إلى التَّوسع والاستفاضة لكى لا أخلّ بما قصده القاضى من اختصار وإيجاز.
وهذه الرّسالة (الإعلام بحدود وقواعد الإسلام) ذكرها صاحب كتاب طبقات المفسرين (٢١/٢)، وكشف الظنون (١/ ١٢٧)، وهدية العارفين (٨٠٥/٦)، والأعلام (٩٩/٥)، وكلهم نسبوها إلى القاضى عياض.
وتيسر لدَى من هذه الرّسالة نُسْخَتَان :
الأولى (مطبوعة)
و کانت قد أصدرتها مجلة الأزهر هدیةً معها فى شهر ذى الحجة سنة ( ١٤١٠ هـ - ١٩٨٩م ) بتحقيق فضيلة الشيخ : أحمد حسن جابر رجب ، ورمزتُ لها بالرَّمز (ع).
14
الثانية ( مخطوطة ) :
وهى موجودة فى دار الكتب المصرية تحت رقم (٢٧ توحيد) رقم ميكروفيلم (١٩١٣٦)، ورمزتُ لها بالرمز (خ).
وقمتُ بإجراء مقابلة دقيقة بين التُّسخة المخطوطة والمطبوعة ، فوجدتُ أن بينهما اختلافاً يَسِيراً إما بزيادة أو نقصان ، أو تحريف ، أو تَصحيف ، فأثبت ما ظهر لى أنه هو الصَّوَاب ، سواء كان فى المخطوط أو المطبوع ، ثم ذَكَرْتُ فى الهامش ما صحف فى الطرف الآخر مع ذكر رمز (خ) للمخطوط ، (ع) للمطبوع.
وهذا كله لا يُنْقِص شيئاً من محقق المطبوعة ، فقد أَجَادَ فيها ؛ بل كانت مِصْبَاحاً يُضِئ الطَّريق لنا، واعتمدنا عليها اعتماداً كبيراً فى نسخ المخطوطة وتحرير بعض الألفاظ .
وَكَفَى بالمرءِ نبلاً أن تُعَدّ مَعَايِيه .
وأسأل اللَّه التَّوفيق والإخلاص .
محمد صِدِّيق المنشاوى
السوهَاجی
* * *
15
Bog aan la aqoon
القاضي عياض(١)
( ٤٧٦ - ٥٤٤ هـ ١١٠١ - ١١٤٩ م )
هُوَ العالمُ العَلَّامَةُ، المُحَدِّثُ الفَقِيهُ، المُؤَرِّخُ الأُصُولِيّ، أَبُو الفَضْلِ عِيَاض بن مُوسَى بن عِيَاض بن عَمْرو بن مُوسَى بن عِيَاض بن مُحَمَّد بن مُوسَى بن عِيَاض اليَخْصُبِيّ(٢)، السَّبْتِيّ(٣)، الأندلسي المالِكِيّ.
أَصْلُهُ:
قال ولده محمد: كان أَجْدَادُنَا في القديم بالأندلس، ثم انتقلوا إلى مدينة فاس(٤)، وكان لهم استقرار بالقَيْرَوَان(٥)، لا أَدْرِي قبل حلولهم الأندلس أو بعد ذلك، وانتقل عمرو (أو عمرون أو عمر) إلى سَبْتَة بعد سَكْنَى فاس(٦).
مَوْلِدُهُ:
ولد رحمه الله تعالى في شهر شعبان سنة ستٍّ وسبعين وأربعمائة في مدينة سبتة بالمغرب(٧).
(١) انظر ترجمته في: وفيات الأعيان (٤٩٦/١)، وتهذيب الأسماء واللغات (٤٣/٢)، والصلة (٤٤٦)، وتذكرة الحفاظ (٩٦/٤)، والنجوم الزاهرة (٢٨٦/٥)، وشذرات الذهب (١٣٨/٤)، والديباج (٢٦٨)، والتكملة (٦٩٤)، وسير أعلام النبلاء (٢١٢/٢٠)، والعبر (١٢٢/٤)، وطبقات المفسرين (٢٠/٢)، والبداية والنهاية (٢٢٥/١٢).
(٢) نسبة إلى يحصب بن مالك، قبيلة من حمير باليمن (انظر المراجع السابقة).
(٣) مدينة مشهورة بالمغرب، وانظر مراصد الاطلاع (٦٨٨/٢).
(٤) مدينة كبيرة مشهورة على برّ المغرب، وانظر مراصد الاطلاع (١٠١٤/٣).
(٥) مدينة عظيمة بإفريقية في وسط بلاد المغرب العربي، وانظر معجم البلدان (٤٦٧/٤).
(٦) طبقات المفسرين (٢٠/٢).
(٧) انظر: الديباج (١٦٨)، وقيل: سنة (٤٧٩ هـ).
17
حياته ورحلاته :
نَشَأَ القاضى عِيَاض محبًّا للعِلْم راغباً فى طلبه وتحصيله ، فَسَعَى فى طلبه بلقاء الشيوخ ، والأخذ عنهم ، وحُضُور حِلق العِلم ، والحرص على الرِّيادة فيه ، ونيل الإجازات من الشيوخ ، فضرب له أكبادِ الإبل ، وسلك الطرق ، فرحل إلى الأندلس سنة سبع وخمسمائة ، فَأَخَذَ العِلْم على مشايخها وكانت منارة العلم وقتئذ .
ظَلّ أبو الفضل كذلك حتى أصبح إمامَ عَصرِهِ فى الحديث وعُلُومِهِ ، عالماً بالتفسير ، وجميع عُلُومه ، عالماً بالنَّحو واللّغة وكلام العرب ، وأيامهم والبَلَاغَة، ثم عَادَ من الأندلس ، فأجلَّه أهل سبتة للمناظرة عليه فى المدوّنة(١) وهو ابن ثلاثين سنة أو يزيد(٢) عنها، ثم أُجْلس للشورى ، ثم ولى قضاء بلده مدَّةً طويلة حُمدتْ سيرتُه فيها ، ثم نُقِلَ إلى قضاء غرناطة(٣) فى سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة ولم يطلْ أمره بها ، ثم ولى قضاء سبتة ثانيا(٤) .
قال صاحب الصِّلَة: وقَدِمَ علينا قرطبة(٥) فأخذنا عنه بعض ما عنده .
قال الخطيب : وبَنَى الزِّيادة الغربيّة فى الجامع الأعظم ، وبَنَّى فى جانب المينا الراتبة الشَّهِيرة، وعَظُمَ صِيتُهُ، ولما ظهر أمر الموحدين بادر إلى المسابقة بالدُّخول فى طَاعَتِهِم ، ورَحَل إلى لِقَاء أميرهم بمدينة سلا(٦)، فأجزل صلته ، وأوجب برّه ، إلى أنْ اضطربت أمور الموحدين عام ثلاثة
المدوّنة: وهى التى رواها سحنون عن سعيد التنوخى عن الإمام مالك فى الفروع.
التّيف: لقطة تستعمل للدلالة على ما زاد على العقد (١٠، ٢٠، ٣٠ ... إلخ) إلى العقد الآخر .
مدينة بالأندلس، وانظر مراصد الاطلاع (٩٩٠/٢ ).
انظر الصلة لابن بشكوال (٤٤٦).
مدينة وسط بلاد الأندلس ، وانظر مراصد الاطلاع (١٠٧٨/٣ ).
مدينة بأقصى المغرب، وانظر مراصد الاطلاع (٧٢٤/٢) .
18
وأربعين وخمسمائة فتلاشتْ حاله، ولحق بِمَرّاكُش (١)، مشرداً به عن وطنه (٢).
وبالجملة فإنه كان عَدِيمِ النَّظِير، حسنةً من حسنات الأيَّامِ شَدِيد التَّعَصُّب للسُّنة والتَّمَسُّك بها حتى أَمَرَ بإحراق كُتُب الغزالى (٣) لأمرٍ توهمه منها، وما أحسن قول من قال فيه:
ظَلَمُوا عِيَاضاً وَهُوَ يَحْلُمُ عنهمُ وَالظُّلْمُ بَيْنَ العَالَمِين قَدِيمُ
وَفَاتُهُ:
ظلّ (رحمه الله) فى غُربته عن بلده ومَسقط رأسه حتى قَضَى نحبه فى ليلة الجمعة نصف اللَّيلة التَّاسِعَة من جمادى الآخرة، ودُفِنَ بمَراكش، وقيل: برمضان سنة أربع وأربعين وخمسمائة (٥)، فرحم الله الشيخ وأَسْكَنَهُ الفِرْدَوْسِ الأَعْلَى.
ثَنَاءُ العُلَمَاءِ عَلَيْهِ:
قال ابن خَلِّكان: هو إمام الحديث فى وقته وأَعْرَف النَّاسِ بِعُلُومِهِ وبالنحو واللُّغة وكلام العرب وأيَّامهم وأنسابهم (٦).
قال ابن بَشْكُوال: هو من أهل العِلْم والتفنن والذكاء والفهم، استقصى بسبتة مدَّة طويلة حمدت سيرته فيها (٧).
(١) أعظم مدينة بالمغرب، وأجلها، وبها سرير الملوك، وانظر معجم البلدان (١١١/٥).
(٢) انظر: الديباج (٢٦٨).
(٣) هو: محمد بن محمد بن محمد أحمد الطوسى الإمام الجليل، أبو حامد، الغزالى، توفى سنة ٥٠٥ هـ، وانظر البداية والنهاية (١٧٣/١٢)، وشذرات الذهب (١٠/٤)، والكامل (١٧٣/١٠)، واللباب (١٧٠/٢).
(٤) انظر: شذرات الذهب (١٣٨/٤).
(٥) انظر: تذكرة الحفاظ (١٣٠٦/٤).
(٦)، (٧) انظر: تذكرة الحفاظ (١٣٠٤).
19
قال الفقيه محمد بن حمادة السَّبْتى: ولى القضاء وله خمس وثلاثون سنة فسار بأَحْسَن سِيرَة ، كان هيّناً من غير ضّعْف، صليباً فى الحق(١).
قال ابن العماد الحَبْلى: كان عديم النَّظير حسنةٌ من حسنات الأيَّام شديد التَّعَصُّب للسُّنَّة(٢).
قال ابن تَغْرى بَرْدِى: كان إماماً حافظاً محدثاً فقيهاً متبحراً ، صَنَّف التَّصَانيف المفيدة، وانتشر اسمه فى الآفاق، وَبَعُدَ صيتُهُ(٣).
مُصَنَّفَاتُهُ:
أَلَّف القاضى عِيَاض (رحمه الله) العديد من المصنفات، فلم يكن أحد بسبتة فى عصره أكثر تأليفاً منه.
ذكر صاحب ((الديباج المذهب فى أعيان المذهب)) من مؤلفاته نحو ثلاثين مؤلفاً جليلاً، كما ذكر صاحب طبقات المفسرين، وكشف الظنون، وهدية العارفين بعضاً منها.
مِن مُصَنَّفَاته:
إكمال المعلم فى شرح مسلم.
الشِّفاء.
مشارق الأنوار على صحاح الآثار.
التنبيهات المستنبطة فى مشكلات المدونة.
ترتيب المدارك وتقريب المسالك.
الإلماع.
بغية الرائد.
(١) انظر: تذكرة الحفاظ (١٣٠٤).
(٢) انظر: شذرات الذهب (١٣٩/٤).
(٣) انظر: النحوم الراهرة (٢٨٥/٥).
20