Al-Qawa'id Al-Fiqhiyyah wa Al-Usuliyyah Al-Muaththirah fi Tahdid Haram Al-Madinah Al-Munawwarah
القواعد الفقهية والأصولية المؤثرة في تحديد حرم المدينة المنورة
Daabacaha
مكتبة دار المنهاج
Lambarka Daabacaadda
الأولى
Sanadka Daabacaadda
1428 AH
Goobta Daabacaadda
الرياض
سلسلة منشورات مكتبة دار المنهاج للنشر والتوزيع بالرياض
(٤٥)
القواعد الفقهية والأصولية
المؤثرة في
تحديد حرم المدينة النبوية
مع ملحق
بالوثائق والصور والخرائط
(وبعضها ينشر لأول مرة)
تأليف
محمد بن حسين الجيزاني
مكتبة دار المنهاج
للنشر والتوزيع بالرياض
1
سلسلة منشورات مكتبة دار المنهاج للنشر والتوزيع بالرياض
القواعد الفقهية والأصولية
المؤثرة في
تحديد حرم المدينة النبوية
مع ملحق
بالوثائق والصور والخرائط
(وبعضها ينشر لأول مرة)
تأليف
محمد بن حسين الجيزاني
مكتبة دار المنهاج
للنشر والتوزيع بالرياض
1
القواعد الفقهية والأصولية
المؤثرة في
تجديد حرم المدينة النبوية
Bog aan la aqoon
مكتبة دار المنهاج للنشر والتوزيع، ١٤٢٨ هـ
فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية أثناء النشر
الجيزاني، محمد حسين
القواعد الفقهية والأصولية ... / محمد حسين الجيزاني .- الرياض، ١٤٢٨ هـ
١٩٦ ص؛ ١٧ ×٢٤ سم .- (سلسلة منشورات مكتبة دار المنهاج؛ ٤٥)
ردمك: ٥ - ١ - ٩٩٧٣ - ٩٩٦٠ - ٩٧٨
١ - أصول الفقه ٢ - المدينة المنورة أ - العنوان ب - السلسلة
١٤٢٨/٦٨٠٥
دیوي ٢٥١
جميع حقوق الطبع محفوظة لدار المنهاج بالرياض
الطبعة الأولى
١٤٣٠هـ
مكتبة دار المِنْهَاج
للنشْر وَالتَوزيْع
المملکَة العَرَبيَّة السّعُوديَة . الرّيَاضِ
المركز الرئيسىّ - طريق الملك فهد - شمال الجَوَازَاتُ
هاتف ٤٠٦٥٥٥٣ - فاكس ٤٠٨٣٦٩٨ - ص.ب: ٥١٩٢٩ - الرياض ١١٥٥٣
الفروع
- طريق خالد بن الوليد (إِنْكَاسِ سابقًا) ت: ٢٣٢٢٠٩٥
- حي الروابي - شَارع عنيزة -ت: ٤٤٥٦٣٢٩
- المَدينة النَّبويّة - طريق سلطانه - ت: ٠٤/٨٤٦٧٩٩٩
- مكّة المكرّهة - الجميزة - الطريق النازل للحَرَم - ت ٥٧٦١٣٧٧.
1
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله ومصطفاه، محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد فهذه دراسة تطبيقية، تتجلى بها أهمية القواعد الفقهية والأصولية، وأن تأثير هذه القواعد ليس قصراً على مسائل الفقه وفروعه.
* أهمية الموضوع:
ذلك أن للقواعد الفقهية والأصولية أثراً في فهم نصوص الوحي وغيره، وفي القدرة على الاستنباط منها، وفي نقد الأدلة ووجه الاستدلال بها.
قال الإمام الزنجاني في مقدمة كتابه الفريد، الذي يعد أول كتاب في بيان ارتباط المسائل الفقهية بقواعدها الأصولية، المسمى: (تخريج الفروع على الأصول):
((لا يخفى عليك أن الفروع إنما تبنى على الأصول،
1
وأن من لا يفهم كيفية الاستنباط، ولا يهتدي إلى وجه الارتباط بين أحكام الفروع وأدلتها التي هي أصول الفقه لا يتسع له المجال، ولا يمكنه التفريع عليها بحال؛ فإن المسائل الفرعية على اتساعها وبعد غاياتها لها أصول معلومة وأوضاع منظومة، ومن لم يعرف أصولها لم يحط بها علماً(١).
إن تطبيق القواعد الفقهية والأصولية على المسائل الفرعية المبنية على تلك القواعد ومعرفة وجه ابتنائها عليها هو الثمرة المبتغاة من دراسة هذه القواعد وهو الغاية المغياة.
ويحصل بهذا النوع من الدراسة المزاوجة بين التنظير والتطبيق، والممازجة بين الأثر والمؤثر.
وقد وقع اختياري على قضية تاريخية، لتكون محلاً للتطبيق والدراسة، ألا وهي مسألة: حدود حرم المدينة النبوية. وهي مسألة جديرة بالبحث والعناية للأسباب الآتية:
أن حرم المدينة النبوية تترتب عليه أحكام شرعية، وتنبني عليه آثار عملية، فالندب إلى بيان حدوده، والسعي في تمييز معالمه - بهذا النظر - مقصد شرعي، ومطلب ديني.
(١) تخريج الفروع على الأصول: ٣٤.
6
٢ - أن تحديد حرم المدينة على سبيل التفصيل لم يتطرق إلى بيانه وضبطه السابقون من الفقهاء أو المؤرخين، وهذا يرجع إلى أسباب يأتي ذكرها.
٣ - ما تميزت به هذه المسألة على وجه الخصوص من تعلق قوي وارتباط متين بوجوه الاستدلال وطرق الاستنباط، وفي مثل هذا النوع من المسائل يظهر بوضوح أثر التخريج والبناء على القواعد الفقهية والأصولية.
الدراسات السابقة :
وقد مضت في الكلام على حدود حرم المدينة النبوية وأحكامه مساع مذكورة، وجهود مشكورة، منها - وهي مرتبة حسب تاريخها -:
١ - ما نُشر في مجلة المنهل في جمادى الثانية من سنة ١٣٨٣ هـ بقلم الشيخ محمد الحافظ تحت عنوان: تحقيق حرم المدينة المنورة وتحديده.
٢ - القرار الصادر عن هيئة حدود حرم المدينة المنورة برئاسة الشيخ عبد الله بن عقيل، والمصادق عليه من مفتي الديار السعودية سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بتاريخ ١٣٨٩هـ.
7
٣ - كتاب حرم المدينة النبوية للدكتور عبد العزيز القارئ.
٤ - أحكام المدينة المنورة في الفقه الإسلامي، وهو بحث تكميلي قدمه الباحث محمد بن سليمان السعيد لنيل درجة العالمية (الماجستير) من المعهد العالي للقضاء بالرياض سنة ١٤١٦هـ (لم يطبع).
٥ - كتاب الأحكام الفقهية المتعلقة بالمدينة النبوية للشيخ يوسف المحمدي.
٦ - ما كتبه الدكتور غازي التمام في كتابه رسائل في آثار المدينة النبوية بعنوان حدود حرم المدينة النبوية وحماها.
٧ - القرار الذي صدر أخيراً من اللجنة الشرعية لتحديد حرم المدينة النبوية سنة ١٤١٩هـ.
تلك طائفة من الدراسات السابقة التي وقفت عليها، وأفدت منها في موضوع حدود الحرم المدني، ويمكن أن يضاف إلى هذه الدراسات سائر كتب تاريخ المدينة وأخبارها وفضائلها قديماً وحديثاً. فمن ذلك:
١ - تاريخ المدينة لابن شبة المتوفى سنة ٢٦٢هـ.
٢ - القرى لقاصد أم القرى للمحب الطبري المتوفى سنة ٦٩٤ هـ.
8
٣ - التعريف بما آنست الهجرة من معالم دار الهجرة للمطري المتوفى سنة ٧٤١هـ.
ومن الكتب المعاصرة:
٧ - تاريخ معالم المدينة قديماً وحديثاً للأستاذ أحمد ياسين الخياري.
9
الرفاعي، وقد أفدت من هذا الكتاب - غالباً - في تخريج الأحاديث.
١٣ - معالم المدينة المنورة بين العمارة والتاريخ، الجزء الأول: المعالم الطبيعية للدكتور عبد العزيز كعكي.
خطة البحث :
وقد قسمت هذا البحث إلى أربعة مطالب:
المطلب الأول: متى حُرِّمت المدينة؟
المطلب الثاني: حكم وضع أعلام لحدود حرم المدينة.
المطلب الثالث: المسائل الواضحة التي لا إشكال فيها مما يتصل بحدود حرم المدينة.
المطلب الرابع: المسائل المشكلة في حدود حرم المدينة.
وبعد ... فهذه رؤوس مسائل، اجتهدت في جمعها، وأوجزت في بيانها، ولست في هذا المقام أسعى إلى تفصيل القول في شيء من القواعد الفقهية أو الأصولية، كما أنني لم أقصد إلى تحرير شيء من المسائل الفرعية أو ترجيح رأي فيها، وإنما يممت وجهي نحو: ربط المسائل الفرعية بأصولها الكلية، وتطبيق القواعد الكلية على فروعها الجزئية.
10
أسأل الله جل شأنه أن يوفق الجميع لأرشد الأقوال وأزكى الأعمال، وصلَّى الله وسلَّم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
***
11
تحميل كتب ورسائل علمية
قناة عامة
معلومات
t.me/tahmilkutubwarosaililmiyah
الإشعارات
معطّلة
Bog aan la aqoon
المطلب الأول
متى حُرِّمت المدينة؟
ثبت أن الرسول ﷺ حرَّم المدينة لما جاء من غزوة خيبر عندما نظر ﷺ إلى المدينة فقال: (اللهم إني أحرم ما بين لابتيها بمثل ما حرم إبراهيم مكة)(١).
فمكة هي حرم الله على لسان نبيه إبراهيم، والمدينة أيضاً حرم الله على لسان نبيه محمد ﷺ، كما صح ذلك عنه ﷺ(٢).
ومعرفة تاريخ تحريم المدينة أمر في غاية الأهمية؛ إذ يشترط في النسخ: أن يتأخر الناسخ عن المنسوخ، فلا بد إذن - عند الحكم بالنسخ - من معرفة التاريخ(٣).
(١) رواه البخاري: ٨٦/٦، رقم ٢٨٩٣، ومسلم: ١٣٥/٩.
(٢) من ذلك: قوله ﷺ: (إن إبراهيم حرم مكة وإني حرمت المدينة ما بين لابتيها) صحيح مسلم: ١٣٦/٩، وقوله ﷺ: (حُرِّم ما بين لابتي المدينة على لساني) صحيح البخاري: ٤/ ٨١ رقم ١٨٦٩.
(٣) انظر: المستصفى: ١٥٢، روضة الناظر: ٢٣٤/١، ٢٣٥.
13
وبالنسبة لمسألة تحريم المدينة فقد وقع خلاف بين الجمهور والحنفية، وكل من الفريقين استند إلى النسخ؛ حيث ذهب الجمهور إلى أن أحاديث تحريم المدينة متأخرة فهي ناسخة لما عارضها، وذهب الحنفية إلى أن أحاديث تحريم المدينة متقدمة فهي منسوخة بالأحاديث الدالة على عدم حرمة المدينة(١).
***
= والإحكام للآمدي: ١٨١/٣ وشرح الكوكب المنير: ٥٦٣/٣ - ٥٦٦.
(١) من أشهر الأحاديث التي استند إليها الحنفية في عدم حرمة المدينة؛ أن النبي ﷺ لما أراد بناء مسجده أمر بالنخل فقطع. رواه البخاري: ٨١/٤، رقم ١٨٦٨، ومسلم: ٦/٥ - ٧، وحديث: (يا أبا عمير ما فعل النغير)) رواه البخاري: ١٠/ ٥٢٦، رقم ٦١٢٩. انظر: إعلام الموقعين: ٣٤٧/٢، وفضائل المدينة المنورة للدكتور خليل إبراهيم: ١٢٨/١ - ١٤٣.
14
المطلب الثاني
حكم وضع أعلام لحدود حرم المدينة النبوية؟
المتأمل لما دوّنه المؤرخون للمدينة ربما يتوقف حيرة في أن النبي ﷺ ثم الخلفاء من بعده تركوا نصب أعلام لحدود حرم المدينة؛ إذ لم ينقل شيء من ذلك عنهم، اللهم إلا ما رواه الطبراني وغيره - وهو خاص بالحمى دون الحرم - عن كعب بن مالك رضي الله عنه: (بعثني رسول الله ﷺ أعلم على حدود الحمى)(١).
وهذا بخلاف الحرم المكي؛ فإن النبي ﷺ والخلفاء من بعده قد تتابعوا على تجديد أعلامه، ولا تزال أعلامه شامخة شاخصة إلى يومنا هذا(٢).
لقد استدل بعض الباحثين من المعاصرين بتركه ﷺ
(١) رواه الطبراني في المعجم الكبير: ١٩/٩٨، رقم ١٩٤.
(٢) انظر: أخبار مكة للفاكهي: ٢/٢٧٣ - ٢٧٦، وأخبار مكة للأزرقي: ٢/١٢٨ - ١٣٠. وللاستزادة راجع كتاب الحرم المكي والأعلام المحيطة به للدكتور عبد الملك بن دهيش.
15
والصحابة من بعده وضع أعلام لحرم المدينة فقال: الذي وسع هؤلاء جميعاً في عدم وضع علامات واضحة تحدد حرم المدينة ينبغي أن يسعنا الآن ونترك الأمر على ما كان عليه طيلة القرون الماضية(١).
ومعقد الأمر في ذلك أن ينظر في السنة التركية وشرط الاحتجاج بها.
ثم هل يسوغ اعتبار تركه ﷺ - في هذا المقام - نصب أعلام لحدود الحرم المدني سنة نبوية، يقتدى بالرسول ﷺ فيها؛ فيجب أن نترك ما تركه؟
فهذان أمران مفتقران إلى البيان، أولهما: ما المراد بسنة الترك، وثانيهما: هل ترك النبي ﷺ نصب أعلام لحرم المدينة يدخل تحت سنة الترك؟
أما المقصود بالسنة التركية فهو: أن يترك النبي ﷺ فعل أمر من الأمور(٢). وإنما يعرف ذلك بأحد طريقين(٣):
ذكر ذلك الدكتور صالح الرفاعي في مقالة له بعنوان: حدود الحرم النبوي (اشتبهت) على رسول الله فكيف بمن سواه؟! نشرها في جريدة الوطن السعودية بتاريخ: ١٤٢٤/٥/١١هـ.
شرح الكوكب المنير: ١٦٥/٢.
إعلام الموقعين: ٣٨٩/٢ - ٣٩١.
16
أحدهما: تصريح الصحابي بأن الرسول ﷺ ترك كذا وكذا ولم يفعله؛ كقوله: (صلى العيد بلا أذان ولا إقامة)(١).
والثاني: عدم نقل الصحابة للفعل الذي لو فعله ﷺ لتوفرت هممهم ودواعيهم أو أكثرهم أو واحد منهم على نقله، فحيث لم ينقله واحد منهم البتة، ولا حدَّث به في مجمع أبداً عُلم أنه لم يكن.
وهذا كتركه التلفظ بالنية عند دخوله في الصلاة، وتركه الدعاء بعد الصلاة مستقبل المأمومين وهم يؤمِّنون على دعائه دائماً بعد الصبح والعصر أو في جميع الصلوات.
والواجب على المؤمنين الاقتداء بالرسول ﷺ فيما يفعل وفيما يترك على حد سواء.
وتركه ﷺ فعل أمر من الأمور إنما يكون حجة، فيجب تَرْكُ ما تَرَكَ بشرطين:
الشرط الأول: أن يوجد السبب المقتضي لهذا الفعل في عهده ﷺ فإذا ترك ﷺ فعل أمرٍ من الأمور مع وجود المقتضي لفعله - بشرط انتفاء المانع - علمنا بذلك أنه ﷺ إنما تركه ليسن لأمته تركه.
(١) أخرجه أبو داود في سننه: ٢٩٨/١، برقم ١١٤٧، وأصله في الصحيحين.
17
أما إذا كان المقتضي لهذا الفعل منتفياً فإنَّ تركه ﷺ لهذا الفعل عندئذ لا يعد سنة، بل إنَّ فعْل ما تركه ﷺ يصير مشروعاً غير مخالف لسنته متى وُجد المقتضي له ودلت عليه الأدلة الشرعية، وذلك كقتال أبي بكر رضي الله عنه مانعي الزكاة(١)، بل إن هذا العمل يكون من سنته لأنه عمل بمقتضى سنته ﷺ.
الشرط الثاني: انتفاء الموانع، لأنه ﷺ قد يترك فعل أمر من الأمور - مع وجود المقتضي له في عهده - بسبب وجود مانع يمنع من فعله.
وذلك كتركه ﷺ قيام رمضان مع أصحابه في جماعة - بعد ليال ـ وعلل ذلك بخشيته أن يُفرض عليهم، فإذا زال المانع بموته ﷺ كان فعْل ما تَرَكَه ﷺ ـــ إذا دلت على هذا الفعل الأدلة الشرعية - مشروعاً غير مخالف لسنته، وذلك كما فعل عمر رضي الله عنه في جمعه الناس على إمام واحد في صلاة التراويح(٢)، بل إن هذا العمل يكون من سنته ﷺ لأنه عمل بمقتضاها.
وإذا تبين أن تركه ﷺ إنما يكون حجة يجب اتباعها
(١) انظر: صحيح البخاري: ٢٧٥/١٢، برقم ٦٩٢٤، ٦٩٢٥.
(٢) انظر: صحيح البخاري: ٢٥٠/٤، برقم ٢٠١٠.
18
بهذين الشرطين فهل ترك النبي ﷺ نصب أعلام لحرم المدينة يدخل تحت سنة الترك التي يجب اتباعها؟
الجواب: أن المقتضي لوضع أعلام تميز حدود حرم المدينة ويعرف بها ما يدخل في حد الحرم وما لا يدخل قد كان منتفياً في عصره ﷺ؛ حيث كانت حدود حرم المدينة معلومة العين، بارزة لا تخفى على ذي عين، بل إن دور المدينة كلها واقعة بين اللابتين، وكانت اللابتان تحيط بأطراف المدينة.
قال المحب الطبري: معنى لابتي المدينة: أي طرفاها(١).
وقال الهروي: يقال ما بين لابتيها أجهل من فلان، أي ما بين طرفي المدينة(٢).
وقال ابن نافع: فما بين هذه الحرار كلها في الدور محرم أن يصاد فيها(٣).
ومن هنا يعلم أن اللابتين كانتا - في عصره ﷺ -
(١) القرى لقاصد أم القرى: ٦٧٣.
(٢) المعلم بفوائد مسلم: ٧٨/٢.
(٣) هداية المستفيد: ١٢٨/١١ - ١٢٩. وانظر: المنتقى: ١٩٣/٧، وإرشاد الساري: ٣٣٣/٣.
19
واضحتي المعالم، ظاهرتين للمعاين؛ لا يرد في حدهما إشكال، ولا يتأتى بشأنهما نزاع؛ بسبب قلة السكان، وضيق مساحة العمران، فانتفى لأجل ذلك المقتضي الموجب نصب أعلام على حدود الحرم(١).
أما في وقتنا هذا فقد وجد هذا المقتضي، وقام السبب الداعي إلى وضع أعلام تبين حدود هاتين الحرتين وما بينهما، ونصب علامات تظهر بها حدود الحرم من كل جهة؛ إذ عفت معالم الحرَّتين في الجملة، وانطمست آثارهما؛ بسبب امتداد البنيان وارتفاعه، وازدياد العمران واتساعه، وأصبح السائر فوق تلك الأرض لا يمكنه التعرف على أصلها أو التنبؤ بأساسها؛ أهو واد مركوم أم جبل مقضوم أو هو سهول بيضاء أم حرة سوداء؟
وبهذا يظهر جلياً أن السبب المقتضي لوضع أعلام تميز حدود حرم المدينة إنما وجد في هذا العصر، ولم يكن هذا المقتضي موجوداً في عصره ﷺ.
(١) ربما يكون السبب في ترك وضع أعلام لحدود حرم المدينة في العهود السالفة: أن المدينة النبوية ظلت مدة طويلة خاضعة لحكم الدولة العثمانية التي كانت تعتمد المذهب الحنفي، الذي يرى أصحابه أن المدينة ليست كمكة في التحريم. انظر: ما سيأتي في المسألة الأولى من المسائل المشكلة.
20