Al-Kulliyat al-Fiqhiyyah fi al-Madhhab al-Hanbali

الكليات الفقهية في المذهب الحنبلي

Lambarka Daabacaadda

الأولى

Sanadka Daabacaadda

1424 AH

Goobta Daabacaadda

مكة المكرمة،

الكليات الفقهية في المذهب الحنبلي

تأليف

ناصر بن عبد الله بن عبد العزيز الميمان
أستاذ مشارك في الفقه وأصوله

1

(هذا الكتاب حُكِّم من المجلس العلمي بجامعة أم القرى وأجيز بقراره رقم (٣) وتاريخ ١٤٢٤/٩/١٠هـ).

2011-01-15

www.almosahm.blogspot.com

الكليّاتُ الفقهية

في المذهب الحنبلي

تأليف

ناصر بن عبد الله بن عبد العزيز الميمان
أستاذ مشارك في الفقه وأصوله

2

بسم الله الرحمن الرحيم

3

ح ناصر بن عبدالله الميمان، ١٤٢٤هـ

فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية أثناء النشر

الميمان، ناصر بن عبدالله

الكليات الفقهية في المذهب الحنبلي. / ناصر بن عبدالله الميمان

.- مكة المكرمة، ١٤٢٤هـ

١٣٦ ص، ١٧ × ٢٥ سم

ردمك: ٧-٢٧٧-١٠-٩٩٦٠

١- الفقه الحنبلي أ. العنوان

ديوي ٢٥٨,٤

١٤٢٤/٢٥٥١

رقم الإيداع: ٢٥٥١/١٤٢٤

ردمك: ٧-٢٧٧-١٠-٩٩٦٠

الطبعة الأولى عام ١٤٢٤هـ

المكتبة التراثية

4

مُقَدْمَّة

الحمد لله الذي أسبغ علينا نعمه، وأمدّنا بعميم فضله وكريم جوده، أحمده حق حمد أستديم به نعمته، وأستزيد به فضله ومنّته، وأسأله جل وعلا أن لا يلهينا ما علمنا عما جهلنا وما أنعم علينا عن طاعته وعبادته.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أدخرها عنده يوم يقوم الأشهاد، ويوم يبعث من في القبور.

وأشهد أن نبينا وسيدنا ومولانا محمداً عبده ورسوله وأمينه على وحيه وخيرته من خلقه، بلّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلوات ربي وسلامه عليه صلاةً وسلاماً دائمين إلى يوم الدين وعلى أبويه الكريمين إبراهيم وإسماعيل.

ثم أما بعد:

فمنذ زمن ليس بالقصير كنت ولا زلت مهتماً بعلم القواعد الفقهيّة ومدوناته وتوليت تدريسه في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية ما يزيد على أربعة عشر عاماً على العديد من الدفعات، وما ذاك إلا لما أراه من أهمية هذا العلم خصوصاً في الوقت الحاضر مع كثرة ما تلقى به التطورات العلمية الحديثة من المستجدات في شتى جوانب الحياة طبياً واقتصادياً واجتماعياً فتحدث جراء ذلك تغييراً معيناً في الحياة يقتضي إجابة شرعيّة مؤصلة عن حكم هذا التغيير.

3

وكنت ولا زلت أرى أن علم القواعد الفقهية معين ثرّ لا ينضب يستفاد منه بحق في إعداد تلك الإجابة.

وعلم الكليات الفقهية أحد فروع علم القواعد الفقهية وهو يعني بتلك القواعد والضوابط ذات الشكل الكلي حيث تصدّر بأداته وتسور بـ (كل)، ومن هنا كان اهتمامي بالكليات وما تحمله من مضامين فقهية عامة يستفيد منها فقهاء العصر ومجتهدوه.

ولأن المدونات الفقهية في المذاهب الأربعة تزخر بثروة فقهية هائلة من القواعد والضوابط والكليات والفروق الفقهية والتي يعتبر فقهاء اليوم في أمس الحاجة إلى الوقوف عليها والإفادة منها، لذا قررت الاتجاه إلى مدونات الفقه الحنبلي التي اشتهرت بسعتها وأهميتها بالإضافة إلى المدونات المعتمدة في المذهب عند كل طبقة من طبقاته لأستخرج منها عن طريق الاستقراء ما يمكن أن يسمى (كلية فقهية) ثم أبرزها بشكل حديث في مؤلف مستقل ليظفر بها الفقهاء والمجتهدون ويعملوها فيما يعن لهم من مستجدات، كما أنها في ذات الوقت تمكّن الفقيه من الإحاطة بأصول المذهب وقواعده التي يسير عليها في الفروع فتجتمع عنده منظومة كاملة لنهج وطريقة المذهب في تقرير الفروع والأحكام.

الدراسات السابقة:

إن الكليات الفقهية منثورة في كتب الفقه منذ عصر التدوين، ثم عند بداية حركة التأليف في علم القواعد والضوابط الفقهية أُدرج بعضها ضمن كتب القواعد بصورة متناثرة، باعتبارها قواعد فقهية وضوابط، ولم تكن مقصودة بالجمع والترتيب ولا بالصياغة، وإنما دارت على ألسنة الفقهاء، ووردت في كتبهم عَرَضاً بغرض تقرير الأحكام الفقهية.

4

وأول من ألّف في الكليات الفقهية، وصاغها بصفة مقصودة - حسب علمي - هو الفقيه المالكي، أبو عبد الله محمد بن محمد بن أحمد المَقَرِّي، المتوفى عام ٧٥٨ هـ. حيث جمع مادتها من الأمهات الفقهية في المذهب المالكي، ثم صاغها في قالب الكليات، ورتبها على أبواب الفقه، في خمس وعشرين وخمسمائة كلية، موزعة على تسعة عشر باباً، ابتداءً بباب الطهارة، وانتهاءً بباب الوصايا والفرائض، وجعلها قسماً من كتابه «عَمَل مَن طَبَّ لمن حَبَّ».

ثم تبعه في صوغ الكليات فقيه مالكي آخر، هو أبو عبد الله محمد بن غازي العثماني المكناسي المتوفى سنة ٩١٩ هـ، فصاغ أربعاً وثلاثين وثلاثمائة كلية في كتاب مستقل، وبناها على المشهور من مذهب علماء المالكية، ووزعها على أبواب الفقه.

وكلا الكتابين حقق في رسائل جامعية قام بتحقيقهما فضيلة الدكتور محمد بن الهادي أبو الأجفان. ولم أقف على كتاب ثالث في هذا المجال سوى هذا المؤلف الذي أرجو أن يضيف جديداً للفقه عموماً وللمذهب الحنبلي خصوصاً.

المنهج المتَّبع في إعداد البحث:

أ - مصادر البحث:

اعتمدت في إعداد هذا البحث على أشهر وأوسع مصادر فقه علماء الحنابلة المطبوعة بغض النظر عن كونه من المصادر المعتمدة أم لا، وإنما اهتممت بالسعة والشمول الفقهيين وشهرة المؤلف العلمية فشمل ذلك الكتب المعتمدة وغيرها، وهذه المصادر هي:

5

١- المستوعب: لنصير الدين محمد بن عبد الله السامري (ت ٦١٦هـ).

٢- عمدة الفقه: لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي (ت ٦٢٠هـ).

٣- المغني شرح مختصر الخرقي: لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي.

٤- المحرر في الفقه: لمجد الدين أبي البركات عبد السلام بن عبد الله ابن أبي القاسم بن تيمية الحراني (ت ٦٥٢ هـ).

٥- شرح العمدة: لشيخ الإسلام، أبي العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية، الحراني (ت ٧٢٧هـ).

٦- الفروع: لشمس الدين أبي عبد الله محمد بن مفلح الحنبلي المقدسي (ت ٧٦٢هـ).

٧- المبدع في شرح المقنع: لأبي إسحاق، إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن مفلح الحنبلي، (ت ٨٨٤ هـ).

٨- الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف: لأبي الحسن علاء الدين، علي ابن سليمان المرداوي (ت ٨٨٥ هـ).

٩- التوضيح في الجمع بين المقنع والتنقيح: لأحمد بن محمد بن أحمد الشويكي (ت ٩٣٩ هـ).

١٠- دليل الطالب على مذهب الإمام بن حنبل: لمرعي بن يوسف الحنبلي (ت ١٠٣٣ هـ).

4

١١- كشاف القناع عن متن الإقناع: لمنصور بن يونس بن إدريس البهوتي (ت ١٠٥١ هـ).

١٢- الروض المربع شرح زاد المستقنع مختصر المقنع: لمنصور البهوتي.

وهذه المصادر التي استقيت منها مادة البحث تستوعب بمجموعها جُلَّ الفقه الحنبلي ولا أظن أن تندّ عنها مسألة من المسائل التي تناولها فقهاء الحنابلة في كتبهم، فأرجو أنه لم يَفُتْنِى شيء يذكر من الكليات الفقهية لدى الحنابلة.

ب - طريقة جمع المادة العلمية:

١- حصرت أولاً جميع المسائل التي وردت فيها كلمة «كل» مما يشبه الكليات ثم أنعمت النظر فيها، واجتهدت في استخلاص المسائل التي ينطبق عليها تعريف الكلية الفقهية.

٢- نقلت كل كلية من مصدرها بلفظها ما وجدت إلى ذلك سبيلاً، فإن لم ترد المسألة كليةً، تصرفت فيها تصرفاً يسيراً وصغتها بصيغة الكلية، بدون أن يطرأ أي تغيير على المعنى، فلذلك لم أر حاجة إلى التنبيه على ما نقلته بالنص، أو بالتصرف.

٣- اكتفيت بذكر المصدر الذي وردت فيه الكلية بلفظها، أو اقتضت تعديلاً يسيراً - على ما سلف - ولم أذكر المصادر التي وردت فيها المسألة بالمعنى.

ج - ترتيب المادة العلمية:

لقد اتبعت في ترتيب الكليات منهج من سبقني من العلماء الذين ألَّفوا في الكليات الفقهية، وهما: الإمام المقري، وابن غازي رحمهما الله تعالى

7

- كما سلف- وقد رتَّبا الكليات الفقهية الواردة في كتابيهما على الأبواب الفقهية. وهذا بخلاف القواعد الفقهية، حيث تباينت مناهج مؤلفيها:

- فمنهم من رتبها على حروف المعجم، كبدر الدين الزركشي (ت ٧٩٤هـ) في «المنثور في القواعد».

-ومنهم من رتبها على الأبواب الفقهية كشيخ الإسلام ابن تيمية (ت ٧٢٨ هـ) في «القواعد النورانية» وأبو عبدالله المقَرِّي (ت ٧٥٨هـ) في قواعده، وابن الملقّن (ت ٨٠٤هـ) في «الأشباه والنظائر» وكذا بدر الدين البكري في «الاعتناء في الفروق والاستثناء».

-ومنهم من راعى شمولية القواعد والاتفاق عليها أو الاختلاف فيها، كما فعل تاج الدين السبكي (ت ٧٧١هـ) في «الأشباه والنظائر» وكذلك جلال الدين السيوطي (ت ٩١١هـ)، وزين الدين ابن نجيم (ت ٩٧٠هـ) في أشباههما، حيث بدءوا بالقواعد الخمس الكبرى، ثم ما يليها في الشمول والسعة.

-ومنهم من لم يراع ترتيباً معيناً وإنما رتبها على التسلسل الرقمي، كما فعل ابن رجب الحنبلي (ت ٧٩٥هـ) في قواعده(١).

* وكذلك شأن المؤلفين المعاصرين في القواعد الفقهية، فمنهم من رتبها على حروف المعجم مثل شيخنا الدكتور محمد صدِّيق البورنو في كتابه "موسوعة القواعد الفقهية".

(١) انظر: القواعد الفقهية: الندوي ص١٢٧؛ فما بعدها؛ قواعد المقري - قسم الدراسة ١٣٩/١ -١٤٠.

8

كما سلك الدكتور أحمد على الندوي مسلكاً آخر في كتابه «جمهرة القواعد الفقهية في المعاملات المالية» حيث قسمها إلى خمس زمر، بدأها بالزمرة الأولى في «القواعد التشريعية التي نصوصها جوامع الكلم»، والثانية "القواعد الفقهية الكبرى» .. وهلم جراً.

ولا يخفى أن ترتيب الكليات على الأبواب الفقهية التي وردت فيها أدى إلى أمرين كان يحسن تحاشيهما، وهما:

١- ورود القواعد الفقهية في باب واحد من أبواب الفقه، مما يخالف مفهوم القواعد الكلية.

٢- ورود بعض الكليات في غير مواضعها المناسبة بها.

لكني لم أجد من ذلك بدّاً؛ لأني قصدت في هذا الكتاب جمع الكليات في الأبواب التي وردت فيها، بغضِّ النظر عن كونها قواعد أو ضوابط - كما فعل من سبقني في هذا المجال- وسواء أكانت تتعلق بتلك الأبواب مباشرة، أم ذكرت عرضاً بقصد تقرير حكم آخر.

ونظراً لعدم توافق جميع مصادر البحث على ترتيب معين في ذكر الكتب والأبواب التي تحتوي عليها، لذا فقد سلكت في ذلك ترتيب كتاب «زاد المستقنع» - وهو في أغلبه ترتيب عامة المصادر المتأخرة - إلا في عناوين بضعة أبواب لم ترد في «زاد المستقنع» فأضفتها من المصادر التي وردت فيها تلك العناوين، مثل «باب المياه»، و«باب زكاة المعدن» ونحو ذلك.

وقد وضعت بين يدي البحث تمهيداً بسطت فيه معنى الكلّة الفقهية والوفق والفرق بينها وبين القاعدة والضابط الفقهيّينّ، والفرق بينها وبين

9

الكلّيّة الأصولية، وأهمية علم الكلّات وفائدة جمعها ودراستها والمصادر التي يمكن أن تستقى منها الكلّات الفقهية، مع التمثيل لجميع ذلك.

وفي الختام أشكر الله جلّ وعلا وأحمده على ما منّ به من إنجاز هذا السفر في الفقه الحنبلي، ثم أتوجه بالشكر الجزيل والثناء العاطر لأصحاب الفضيلة العلماء الذين أفادوني بملاحظاتهم على هذا العمل قبل طباعته، وفي مقدمة هؤلاء صاحب المعالي فضيلة العلامة الشيخ / صالح بن عبدالعزيز بن محمد إبراهيم آل الشيخ وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد.

فجزاهم الله عني خير الجزاء، وأثابهم بما قدموا للعلم ولأمتهم حسن الثواب.

كما أسأله جل وعلا أن يتقبل هذا العمل وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفع به كاتبه وقارئه والمستفيد منه وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وكتب

ناصر بن عبد الله بن عبد العزيز الميمان

تحريراً في: مكة حرسها الله تعالى

يوم الاثنين الخامس من شهر صفر عام ١٤٢٤هـ

10

تمهيد

يحتوي على العناصر التالية:

  • الكليات الفقهية، والعلاقة بينها وبين القواعد والضوابط الفقهية.

  • الفرق بين الكلية الفقهية والكلية الأصولية.

  • أهمية الكليات الفقهية، وفائدة جمعها ودراستها.

  • مصادر الكليات الفقهية.

11

-

12

تمَھَيْد

قبل سرد الكليات الفقهية المجموعة من مختلف مصادر الفقه الحنبلي، أجد من المناسب أن ألقي الضوء سريعاً على بعض نقاط تجدر الإشارة إليها بين يدي البحث على النحو التالي:

أ - الكليات الفقهية، والعلاقة بينها وبين القواعد والضوابط الفقهية:

تعريف الكلية الفقهية في الاصطلاح: لم أقف على تعريف خاص بالكلية الفقهية عند العلماء، لكن لما كانت الكلية الفقهية نوعاً من القواعد والضوابط الفقهية، فإنَّا نستطيع أن نعرفها بأنها: حكم كلي فقهي، مصدَّر بكلمة «كل»(١)، ينطبق على فروع كثيرة، مباشرة، مثل:

١- «كلُّ مائع، ينجس قليله وكثيره بملاقاة نجاسة ولو معفواً عنها»(٢)

٢- «كلُّ عبادة مؤقتة فالأفضل تعجيلها في أول الوقت»(٣)

والقاعدة الفقهية - على التعريف المختار -: هي «حكم كلي فقهي ينطبق على فروع كثيرة، لا من باب، مباشرة»(٤).

أما الضابط الفقهي: فهو «حكم كلي فقهي، ينطبق على فروع متعددة من باب واحد»(٥).

فالعلاقة بين الكلية الفقهية وبين القاعدة والضابط هي علاقة الخصوص والعموم فكل كلية لا تخلو من أن تكون قاعدة أو ضابطاً، وليس كل قاعدة

(١) انظر القواعد الفقهية: الندوي ص ٩٣؛ والقواعد الفقهية: الباحسين ص٧٧.
(٢) المبدع ١ / ٥٥؛ الفروع ١ / ٦٣؛ كشاف القناع ١ / ٤٠.
(٣) الأشباه والنظائر: السيوطي؛ ص ٣٩٨.
(٤) القواعد والضوابط الفقهية عند شيخ الإسلام ابن تيمية؛ في كتابي الطهارة والصلاة؛ ص ١٢٧.
(٥) المصدر نفسه؛ ص ١٢٩.

13

أو ضابط كلية، بل تختص الكلية منهما بما كان مسوَّراً بكلمة «كل»، فإذا اتسعت دائرة الكلية بحيث اشتملت على أكثر من باب من أبواب الفقه كانت قاعدة، وإذا ضاقت فلم تتعد باباً واحداً كانت ضابطاً.

فعلى ذلك فإن كل ما يقال عن القاعدة الفقهية أو الضابط ينطبق على الكلية الفقهية أيضاً، باعتبار أن الكليات نوع من القواعد أو الضوابط.

ب - الفرق بين الكلية الفقهية والكلية الأصولية:

يمكن أن نعرف الكلية الأصولية في الاصطلاح بأنها: القاعدة الأصولية المصدَّرة بكلمة «كل»، مثل:

١- «كل خبر لم يقبل من الفاسق، لم يقبل من مجهول العدالة(١)».

٢- «كل ما لا يقتضي التكرار، إذا كان مطلقاً، لم يقتض التكرار إذا كان بالشرط، كالطلاق، لا فرق بين أن يقول: أنت طالق، وبين أن يقول: إذا زالت الشمس فأنت طالق(٢)».

ونستطيع أن نحصر أبرز الفروق بين الكلية الفقهية وبين الكلية الأصولية في الجهات التالية:

١- من جهة الموضوع: فموضوع الكليات الفقهية أفعال المكلفين، بينما موضوع الكليات الأصولية الأدلة الشرعية.

٢- من جهة الثمرة: فثمرة الكلية الأصولية هي التمكن من استنباط حكم شرعي فرعي من الأدلّة التفصيلية، أما ثمرة الكلية الفقهية فهي جمع الفروع المتشابهة في الحكم.

(١) النمع في أصول الفقه؛ ص ٧٨.

(٢) المصدر نفسه؛ ص ١٤ - ١٥.

14

٣- من جهة الاستمداد: فالكلية الفقهية مستمدة من الدليل الشرعي، أو المسائل الفرعية المتشابهة في الحكم، بينما الكلية الأصولية مستمدة مما يستنبط منه علم الأصول: اللغة العربية، وعلم الكلام، وتصور الأحكام(١).

ج - أهمية الكليات الفقهية، وفائدة جمعها ودراستها:

إن الكليات الفقهية هي القواعد والضوابط المسورة بكلمة «كل» - كما سلف- ولا شك أن القواعد والضوابط الفقهية أهمية كبرى ومنزلة متميزة في العلوم الشرعية فهي لُبُّ الفقه وزُبدته وقد أشاد بها العلماء، واهتموا بجمعها وتدوينها ودراستها قديماً وحديثاً، نظراً إلى فوائدها الجَمَّة، وسأكتفي هنا بما قاله الإمام القرافي - رحمه الله تعالى - (ت ٦٨٤ هـ) في مقدمة كتابه «الفروق» منوِّهاً بأهمية علم القواعد الفقهية:

فإن الشريعة المعظمة المحمدية - زاد الله تعالى منارها شرفاً وعلواً - اشتملت على أصول وفروع. وأصولها قسمان: أحدهما: المسمى بأصول الفقه.

والقسم الثاني قواعد كلية جليلة كثيرة العدد عظيمة المدد مشتملة على أسرار الشرع وحكمه، لكل قاعدة من الفروع في الشريعة ما لا يحصى ...

وهذه القواعد مهمة في الفقه عظيمة النفع، وبقدر الإحاطة بها يعظم قدر الفقيه ويشرف، ويظهر رونق الفقه ويعرف، وتتضح مناهج الفتوى وتكشف، فيها تنافس العلماء، وتفاضل الفضلاء، وبرز القَارِح على الجَذَع، وحاز قصب السبق من فيها برع.

ومن جعل يخرج الفروع بالمناسبات الجزئية دون القواعد الكلية

(١) انظر: القواعد والضوابط الفقهية عند شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابي الطهارة والصلاة؛ ص ١٣١.

15

تناقضت عليه الفروع واختلفت، وتزعزعت خواطره فيها واضطربت، وضاقت نفسه لذلك وقنطت، واحتاج إلى حفظ الجزئيات التي لا تتناهى، وانتهى العمر ولم تقض نفس من طلب مناها.

ومن ضبط الفقه بقواعده استغنى عن حفظ أكثر الجزئيات؛ لاندراجها في الكليات، واتحد عنده ما تناقض عند غيره وتناسب، وأجاب الشاسع البعيد وتقارب، وحصل طلبته في أقرب الأزمان، وانشرح صدره لما أشرق فيه من البيان، فبين المقامين شأو بعيد، وبين المنزلتين تفاوت شديد» اهـ(١).

ويمكن أن نعدد أبرز فوائد علم القواعد والضوابط الفقهية - ومنها الكليات الفقهية - على النحو التالي:

١- إنها تجمع الفروع والجزئيات المتناثرة وتضبطها وتنظمها في سلك واحد، مما يساعد على إدراك الروابط بين الجزئيات والفروع المتفرقة، وتعين الفقيه على استحضار أحكام الفروع؛ لأن الإحاطة بالفروع أشبه بالمستحيل، لكن لو حفظ الفقيه القواعد والكليات فإنه يستطيع أن يرد إليها الفروع التي تندرج تحتها.

٢- إنها تكوّن لدى طالب الفقه الملكة الفقهيّة، وتؤهله للاستنباط والتخريج والترجيح.

٣- إنها تساعد على إدراك مقاصد الشريعة، وحكمها وأسرارها.

٤- إنها تمكن غير المتخصصين في الفقه الإسلامي من الإطلاع على أحكامه بشكل سهل وميسور(٢).

(١) الفروق: ١ / ٢ - ٣.

(٢) انظر: القواعد الفقهية للندوي، ص ٢٨٩ - ٢٩٢، وقسم التحقيق من القواعد الفقهية للمقري، تحقيق الدكتور أحمد بن عبد الله بن حميد ١/ ١١٢ - ١١٥؛ والوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية، ص ٢٣ - ٢٤؛ والقواعد الفقهية: الباحسين، ص ١١٤ - ١١٧؛ والقواعد الكلية والضوابط الفقهية في الشريعة الإسلامية: للدكتور محمد عثمان بشير، ص ٧٥ - ٨١.

16

د - مصادر الكليات الفقهية:

مصادر الكليات الفقهية هي الكتاب والسنة، والآثار الموقوفة على الصحابة والتابعين، وأقوال أئمة المذاهب، واجتهادات سائر الفقهاء. فالكلية الفقهية قد تكون نصاً من السنة النبوية الشريفة (١)، مثل:

١- عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كل شراب أسكر فهو حرام»(٢).

٢- عن عقبة بن عامر الجهني رضى الله عنه مرفوعاً: «كل ما يلهو به الرجل المسلم باطل إلا رميه بقوسه وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله ... » الحديث(٣).

(١) ولم أجد كلية فقهية بلفظها في القرآن الكريم.

(٢) أخرجه البخاري في: ٤ - كتاب الوضوء، ٧١ - باب لا يجوز الوضوء بالنبيذ ولا المسكر، الحديث ٢٣٩. وفي: ٧٤ - كتاب الأشربة، ٤ - باب الخمر من العسل؛ وهو البتع، الحديث ٥٢٦٣، و٥٢٦٤. وأخرجه مسلم في: ٣٦ - كتاب الأشربة، ٧ - باب بيان أن كل مسكر خمر وأن كل خمر حرام، الحديث ٢٠٠١.

(٣) رواه الترمذي - وقال: حديث حسن صحيح -: في: ٢١ - كتاب الجهاد، ١١ - باب ما جاء في فضل الرمي في سبيل الله، الحديث ١٦٧٣. وأخرجه أيضاً أبو داود في: ١٥ - كتاب الجهاد، ٢٤ - باب في الرمي، الحديث ٢٥١٣. وأخرجه النسائي في: ٢٨ - كتاب الخيل، ٧ - باب تأديب الرجل فرسه، الحديث ٣٥٧٨ وابن ماجه في: ٢٤ - كتاب الجهاد، ١٨ - باب الرجل يرمي في سبيل الله، الحديث ٢٨١١. والدارمي في: ١٦ - كتاب الجهاد، ١٤ - باب في فضل الرمي والأمر به، الحديث ٢٤٠٥. وأبو داود الطيالسي في مسنده، ص ١٣٥، الحديث ١٠٠٦. وأحمد في ٤ / ١٤٨. وابن الجارود في المنتقى، ص ٢٦٦، الحديث ١٠٦٢. والحاكم - وصحح إسناده وأقره الذهبي - في المستدرك ٢ / ١٠٤، الحديث ٢٤٦٧، عن عقبة بن عامر رضى الله عنه مرفوعاً.

17

وقد تكون لفظ أثر من الآثار الموقوفة على الصحابة والتابعين، مثل:

١- عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: «كل شيء أجازه المال فليس بطلاق. يعني الخلع»(١).

٢- وسئل الحسن البصري (ت ١١٠ هـ) عن ميراث السائبة، فقال:«كل عتيق سائبة»(٢).

٣- وعن عطاء بن أبي رَبَاح (ت ١١٤ هـ) قال: "كل شيء تنبته الأرض مما يؤكل من خربز أو قناء أو بقل لا يباع حتى يؤكل منه"(٣).

٤- وعن عطاء أيضاً قال: "الجوائح كل ظاهر مفسد من مطر أو بَرَد أو جراد أو ريح أو حريق»(٤).

٥- وعن محمد بن سيرين (ت ١١٠ هـ): «كل قرض جرَّ منفعة فهو مكروه»(٥).

(١) رواه عنه - بسند صحيح - عبد الرزاق في مصنفه ٦ / ٤٨٧.

(٢) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف ٦ / ٢٨٣، برقم ٣١٤٢. وأخرجه الدارمي في: ١ - كتاب الفرائض، ٤٦ - باب ميراث السائبة، برقم ٣١١٨. وإسناده صحيح.

(٣) رواه عنه الشافعي بإسناد صحيح في الأم ٣ / ٤٨.

(٤) رواه الإمام مالك؛ المدونة الكبرى ١٢/ ٣٢. وأبو داود في: ١٦ - كتاب البيوع، ٢٥ - باب في تفسير الجائحة، برقم ٣٤٧١. وأبو عوانة في مسنده ٣ / ٣٣٧، برقم ٥٢١٣. والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب البيوع؛ باب ما جاء في وضع الجائحة ٥ / ٣٠٦، برقم ١٠٤١٤. وابن حزم في المحلى ٨ / ٣٨٤، كلهم من طريق ابن وهب عن عثمان بن الحكم عن ابن جريج عن عطاء، وإسناده حسن.

(٥) رواه عنه - بسند صحيح - عبد الرزاق في مصنفه ٨ / ١٤٥.

18