Hawi Kabir
الحاوي الكبير
Baare
علي محمد معوض وعادل أحمد عبد الموجود
Daabacaha
دار الكتب العلمية
Lambarka Daabacaadda
الأولى
Sanadka Daabacaadda
1419 AH
Goobta Daabacaadda
بيروت
وَالثَّانِي: يُعْتَبَرُ فِيهِ الرِّضَى لِأَنَّ الِاعْتِقَادَ غَيْرُ مَوْصُولٍ إِلَيْهِ، وَالرِّضَى دَلِيلٌ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ عَنْ قَوْلٍ فَهُوَ أَوْكَدُ مِنْهُ، لِانْتِفَاءِ الِاحْتِمَالِ عَنْهُ، وَلَيْسَ انْقِرَاضُ الْعَصْرِ شَرْطًا فِي انْعِقَادِهِ، وَذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إِلَى أَنَّ انْقِرَاضَ الْعَصْرِ شَرْطٌ فِي انْعِقَادِهِ لِأَنَّ لِبَعْضِ الْمُجْمِعِينَ الرُّجُوعَ كَمَا رَجَعَ عَلِيٌّ - ﵁ فِي بيع أمهات الأولاد، لو كَانَ مُنْعَقِدًا لَمَا جَازَ خِلَافُهُ، وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ إِنَّمَا يَنْعَقِدُ بِالنَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ، وَذَلِكَ مِمَّا يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ انْقِرَاضُ الْعَصْرِ شَرْطًا فِيهِ، لِأَنَّ الْمَوْتَ يُبْطِلُ مَا انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ بِهِ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ قَوْلُهُ حُجَّةً بَعْدَ مَوْتِهِ كَانَ قَوْلُهُ حُجَّةً فِي حَيَاتِهِ كَالنَّبِيِّ ﷺ َ -، وَلَيْسَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ لِبَعْضِهِمُ الرُّجُوعُ، وَإِنْ كان الإجماع منعقد، لِأَنَّ إِجْمَاعَهُمْ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَيْهِمْ، وَإِنَّمَا هُوَ حجة على من بعدهم.
فصل: الصنف الرابع
فَأَمَّا الصِّنْفُ الرَّابِعُ وَهُمُ الصَّحَابَةُ فَتَقْلِيدُهُمْ يَخْتَلِفُ عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِ أَحْوَالِهِمْ فِيمَا قَالُوهُ وَلَهُمْ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يُجْمِعُوا عَلَى الشَّيْءِ قَوْلًا، وَيَتَّفِقُوا لَفْظًا، فَهَذَا إِجْمَاعٌ لَا يَجُوزُ خِلَافُهُ، وَتَقْلِيدُهُمْ فِيهِ وَاجِبٌ، وَالْمَصِيرُ إِلَى قَوْلِهِمْ فِيهِ لَازِمٌ.
وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَقُولَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ قَوْلًا، وَيَنْتَشِرَ فِي جَمِيعِهِمْ وَهُمْ مِنْ بَيْنِ قَائِلٍ بِهِ، وَسَاكِتٍ عَلَى الْخِلَافِ فِيهِ فَذَلِكَ ضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَظْهَرَ الرِّضَى مِنَ الساكت عما ظهر النطق مِنَ الْقَائِلِ، فَهَذَا إِجْمَاعٌ لَا يَجُوزُ خِلَافُهُ، لِأَنَّ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ نُطْقٌ مَوْجُودٌ فِي رضاء السَّاكِتِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ لَا يَظْهَرَ مِنَ السَّاكِتِ الرِّضَى وَلَا الْكَرَاهَةُ، فَهُوَ حُجَّةٌ، لِأَنَّهُمْ لَوْ عَلِمُوا خِلَافَهُ لَمْ يَسَعْهُمُ الْإِقْرَارُ عَلَيْهِ وَهَلْ يَكُونُ إِجْمَاعًا أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أحدهما: يكون إجماعا، لأنه كَانَ فِيهِمْ مُخَالِفٌ لَبَعَثَتْهُ الدَّوَاعِي عَلَى إِظْهَارِ خِلَافِهِ، لِأَنَّ كَتْمَ الشَّرِيعَةِ يَنْتَفِي عِنْدَهُمْ، فَالْقَوْلُ الثَّانِي لَا يَكُونُ إِجْمَاعًا، قَالَ الشَّافِعِيُّ: مَنْ نَسَبَ إِلَى سَاكِتٍ كَلَامًا فَقَدْ كَذَبَ عَلَيْهِ، وَكَانَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ يَقُولُ: إِنْ كَانَ مَا قَالَهُ الْوَاحِدُ فِيهِمْ حُكْمًا حَكَمَ بِهِ كَانَ انْتِشَارُهُ فِيهِمْ وَسُكُوتُهُمْ عَنِ الْخِلَافِ فِيهِ إجماعا وإن كان فينا لَمْ يَكُنْ إِجْمَاعًا، لِأَنَّ الْحُكْمَ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ إِلَّا عَنْ مَشُورَةٍ وَمُطَالَعَةٍ وَبُعْدِ نَظَرٍ وَمُبَاحَثَةٍ، وَإِنْ كَانَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ يَقُولُ بضد هذا، إن كان فينا إِجْمَاعًا، وَإِنْ كَانَ حُكْمًا لَمْ يَكُنْ إِجْمَاعًا، لِأَنَّ الْحُكْمَ لَازِمٌ لَا يَجُوزُ اعْتِرَاضُ السَّاكِتِينَ فِيهِ، لِمَا فِيهِ مِنْ إِظْهَارِ الْمُبَايَنَةِ وَالْفُتْيَا غَيْرُ لَازِمَةٍ، وَلَيْسَ الْمُخَالَفَةُ فِيهَا مُبَايَنَةً، وَكَانَ السُّكُوتُ دَلِيلًا عَلَى رِضًى وَمُوَافَقَةٍ.
1 / 30