Hawi Kabir
الحاوي الكبير
Baare
علي محمد معوض وعادل أحمد عبد الموجود
Daabacaha
دار الكتب العلمية
Lambarka Daabacaadda
الأولى
Sanadka Daabacaadda
1419 AH
Goobta Daabacaadda
بيروت
فأما مالك فاستدل بقوله تعالى: ِ ﴿وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ﴾ [المائدة: ٦]، فَاقْتَضَى الظَّاهِرُ أَنْ يَمْسَحَ جميع ما انطلق عليه اسم الرأس، وَبِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ َ - مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ، بَدَأَ بمقدم رأسه ثم ذهب بهما إلى ما قَفَاهُ ثُمَّ رَدَّهُمَا حَتَّى رَجَعَ إِلَى الْمَكَانِ الذي بدأ منه، وبحديث الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يَكْرِبَ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ َ - تَوَضَّأَ فَلَمَّا بَلَغَ مَسْحَ رَأْسِهِ وَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى مُقَدَّمِ رَأْسِهِ فَأَمَرَّهُمَا حَتَّى بَلَغَ الْقَفَا ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه.
ولأنه أحد الأعضاء الظاهرة فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ اسْتِيعَابُهُ بِالتَّطْهِيرِ وَاجِبًا كَالْوَجْهِ وَلِأَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ كَانَ مَحَلًّا لِفَرْضِ الْمَسْحِ تَعَلَّقَ بِهِ فَرْضُ الْمَسْحِ أَصْلُهُ الْبَعْضُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ.
وَدَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى: ﴿وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ﴾ [المائدة: ٦]، وَمِنْهُ دَلِيلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْعَرَبَ لَا تُدْخِلُ فِي الْكَلَامِ حَرْفًا زَائِدًا إِلَّا بِفَائِدَةٍ، وَالْبَاءُ الزَّائِدَةُ، قَدْ تَدْخُلُ فِي كَلَامِهِمْ لِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا لِلْإِلْصَاقِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لَا يَصِحُّ الكلام بحذفها، ولا يتعدى الفعل إلى مفعوله إِلَّا بِهَا كَقَوْلِهِمْ مَرَرْتُ بِزَيْدٍ، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: ٢٩] . لِمَا لَمْ يَصِحَّ أَنْ يَقُولُوا مَرَرْتُ زَيْدًا، وَلْيَطَّوَّفُوا الْبَيْتَ كَانَ دُخُولُ الْبَاءِ لِلْإِلْصَاقِ، وَلِتَعَدِّي الْفِعْلِ إِلَى مَفْعُولِهِ. وَإِمَّا لِلتَّبْعِيضِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَصِحُّ الْكَلَامُ بِحَذْفِهَا، وَبِتَعَدِّي الْفِعْلِ إِلَى مَفْعُولِهِ بَعْدَهَا لِيَكُونَ لِزِيَادَتِهَا فَائِدَةٌ.
فَلَمَّا حَسُنَ حَذْفُهَا مِنْ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ﴾ [المائدة: ٦]، لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: ﴿وامسحوا رءوسكم﴾ [المائدة: ٦]، صَلَحَ دَلَّ عَلَى دُخُولِهَا لِلتَّبْعِيضِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ فِي الْإِيجَازِ وَالِاخْتِصَارِ إِذَا أَرَادُوا ذِكْرَ كَلِمَةٍ اقْتَصَرُوا عَلَى أَوَّلِ حَرْفٍ مِنْهَا اكْتِفَاءً بِهِ، عَنْ جَمِيعِ الْكَلِمَةِ كَمَا قيل في قوله تعالى: ﴿كهيعص﴾ أَنَّ الْكَافَ مِنْ كَافِي، وَالْهَاءَ مِنْ هَادِي، وَكَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: قُلْتُ لَهَا قِفِي فَقَالَتْ قَافِ. أَيْ وَقَفْتُ، وَكَمَا قَالَ الْآخَرُ: نَادَوْهُمْ أَنْ أَلْجِمُوا أَلَا تَا فَقَالُوا جَمِيعًا كُلُّهُمْ أَلَا فَا، وَمَعْنَاهُ نَادَوْهُمْ أَنْ أَلْجِمُوا أَلَا تركبون قالوا جميعا ألا فاركبوا.
1 / 115