Al-Hadi: A Commentary on Taybah al-Nashr in the Ten Recitations
الهادي شرح طيبة النشر في القراءات العشر
Daabacaha
دار الجيل
Lambarka Daabacaadda
الأولى
Sanadka Daabacaadda
١٤١٧ هـ - ١٩٩٧ م
Goobta Daabacaadda
بيروت
Noocyada
[الجزء الاول]
«المقدمة»
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله أنزل القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان. والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.
عن «ابن عباس» ﵄ قال: حدّثني رسول الله ﷺ قال: «أقرأني جبريل على حرف واحد فراجعته، فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف» اهـ. رواه الشيخان.
والقرآن الكريم كتب بين يدي النبي ﷺ مجرّدا من النقط، والشكل لحكم جليلة، في مقدمتها: أن يحتمل الخط القراءات التي نزلت على الهادي البشير ﷺ، واستقرت في العرضة الأخيرة، وهي القراءات المتواترة الصحيحة.
وكان في الصدر الأول الاعتماد الأساسي في قراءات القرآن الكريم على التلقي والمشافهة وفقا للكيفية التي نزل بها أمين الوحي «جبريل» ﵇ من ربّ العالمين على نبينا «محمد» ﷺ.
وقد علّم الهادي البشير ﷺ صحابته القرآن الكريم بجميع رواياته التي نزلت عليه، واستقرت في العرضة الأخيرة.
والصحابة رضوان الله عليهم علموها من بعدهم، وهكذا حتى وصلت إلينا بطريق التواتر، والسند الصحيح حتى رسول الله ﷺ.
ومن نعم الله تعالى عليّ التي لا تحصى أنني تلقيت جميع القراءات المتواترة دراية ورواية، وذلك على أستاذي الشيخ «عامر السيد عثمان» ت ١٤٠٨ هـ.
رحمه الله تعالى رحمة واسعة إنه سميع مجيب فقد قرأت عليه جميع القراءات
1 / 7
المتواترة مشافهة كلمة كلمة، وحرفا حرفا، من أول القرآن الكريم إلى آخره والحمد لله ربّ العالمين.
والشيخ «عامر السيد عثمان» رحمه الله تعالى كان من أعلى قرّاء عصره إسنادا، كما كان حجّة عصره في القراءات بلا منازع، وكان أستاذا لتعليم القراءات بقسم تخصص القراءات بالأزهر، كما عيّن شيخا لعموم القراء والقراءات بمصر الحبيبة، كما تمّ اختياره ليكون مستشارا فنّيا بمجمّع خادم الحرمين الشريفين الملك «فهد بن عبد العزيز» - حفظه الله وأمدّ الله في عمره لطباعة المصحف.
وكان الشيخ عامر يشرف على القراء الذين يسجلون مصاحف مرتّلة بالمجمع، وهو بالمدينة المنورة.
ومن نعم الله عليّ وهي كثيرة جدّا ولا أستطيع حصرها أنني منذ أن حصلت على شهادة «التخصص في القراءات وعلوم القرآن» من الأزهر عام ١٩٥٣ م. قمت- بتوفيق من الله تعالى- بوضع الكثير من المصنفات المتصلة بالقرآن الكريم مثل: تجويده، وضبطه، وقراءاته، وإعجازه وأحكامه وآدابه، ولهجاته الخ.
وهذه المصنفات مفصلة تحت عنوان: «مصنفات المؤلف».
ويسعدني اليوم أن أضيف إلى مكتبة «علوم القرآن الكريم» مصنّفي هذا الذي جعلته تحت عنوان:
الهادي شرح طيّبة النشر في القراءات العشر والكشف عن علل القراءات وتوجيهها
ومتن طيبة النشر أحفظه ولله الحمد عن ظهر قلب، وقد تلقّيت القراءات التي بمضمّنه: دراية، ورواية بقسم تخصص القراءات بالأزهر الشريف.
1 / 8
وقد قمت بشرحه، وتدريسه لطلّاب القراءات، والحمد لله ربّ العالمين.
وهذا المتن يعتبر فريدا في بابه، ولم ينسج أحد قطّ على منواله. ولم يزل المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، وبخاصة المشتغلين بالقراءات يحفظونه، ويتلقّون القراءات التي بمضمّنه، لأن هذا المتن يعتبر الدّرّة الفريدة التي لا منافس لها.
إلّا أن هذا المتن منذ تصنيفه لم يقيض الله تعالى له من يفكّ رموزه، ويوضح مقصوده سوى بضعة أشخاص قلائل.
ومع ذلك فلم يطبع من تلك الشروح سوى شرح وجيز لنجل المؤلف رحمه الله تعالى، وهو شرح لا يفي بالمقصود. وكثيرا ما راودتني نفسي أن أقوم بشرح هذا المتن خدمة لقراءات القرآن الكريم.
حتى شاء الله تعالى وشرح صدري، فاستعنت بالله تعالى وطلبت منه بقلب مخلص أن يوفقني لخوض هذا البحر، وسألته العون حتى ترسو السفينة على شاطئ الأمان. كما أسأله ﷿ أن يجعل لهذا الكتاب من اسمه نصيبا، وأن يكون هاديا إلى كل من يريد دراسة القراءات، والوقوف على أسرارها وتخريجاتها.
وأرفع إليه تعالى أكفّ الضراعة أن يجعل عملي هذا في صحائف أعمالي يوم لا ينفع مال ولا بنون إلّا من أتى الله بقلب سليم. وصلّ اللهمّ على سيدنا «محمّد» وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
منهج الشرح
لقد سلكت في هذا الشرح المنهج الآتي:
أولا: أصدّر الشرح دائما بمتن «الطيبة» بعد قولي: قال «ابن الجزري». ثم بعد ذلك أشرح ألفاظ «المتن» شرحا علميّا، مبيّنا القراءة الواردة عن كل إمام من الأئمة العشرة، أو عن أحد رواة هؤلاء الأئمة بطريقة سهلة وميسرة.
ثانيا: سألتزم بالوحدة الموضوعيّة حسب ورودها في «متن الطيّبة».
1 / 9
ثالثا: أكتب الكلمة القرآنية التي جاءت فيها قراءات مشيرا إلى سورتها، ورقم آيتها.
رابعا: بعد الانتهاء من بيان كلّ قراءة سأقوم بتوجيهها توجيها علميّا متجنبا الإطناب الممل، أو الإيجاز المخلّ.
خامسا: إذا اقتضى توجيه القراءة شرح مسألة نحوية، أو صرفية، أو إلقاء الضوء على المعنى الدلالي للآية القرآنية فسأقوم به بعون الله تعالى.
سادسا: لن أتعرض لتحرير القراءات، أو ذكر طرق القرّاء، لأن ذلك يفوّت على دارس هذا الكتاب فهم المقصود من الشرح، علما بأن تحريرات القراءات، وطرق القرّاء، لها مصنفات خاصة فليرجع إليها من يريد.
سابعا: نقلت شرح سورة الفاتحة من أصول القراءات، وجعلته في مقدمة سور القرآن، أثناء الكلام على «فرش الحروف» كي تتحد وحدة الموضوع.
وقد سبقني إلى مثل ذلك القراء الذين لهم مصنفات، منهم:
١ - أبو علي الفارسيّ ت ٣٧٧ هـ في كتابه «الحجة للقراء السبعة».
٢ - أبو بكر أحمد بن الحسين بن مهران ت ٣٨١ هـ في كتابيه: «المبسوط في القراءات العشر» و«الغاية في القراءات العشر».
٣ - أبو زرعة عبد الرحمن بن زنجلة، في كتابه: «حجّة القراءات».
٤ - أبو طاهر اسماعيل بن خلف الأنصاري الأندلسي ت ٤٥٥ هـ في كتابه:
«العنوان في القراءات السبع».
٥ - أبو جعفر أحمد بن علي بن الباذش ت ٥٤٠ هـ في كتابه: «الإقناع في القراءات السبع».
فهؤلاء جميعا جعلوا سورة الفاتحة في مقدمة سور القرآن أثناء حديثهم عن خلاف القراء في «فرش الحروف».
والله الهادي إلى سواء السبيل
1 / 10
وبعد: فيقول خادم العلم والقرآن محمد بن محمد بن محمد بن سالم بن محيسن.
من نعم الله تعالى التي لا تحصى أن جعلني من حملة كتابه ومن الذين تلقوا القرآن الكريم بجميع رواياته وقراءاته التي صحت عن نبينا «محمد» ﷺ بواسطة أمين الوحي «جبريل» ﵇ عن «الله» تعالى ربّ العالمين.
وهذه القراءات القرآنية تلقاها الخلف عن السلف حتى وصلت إلينا بطريق التواتر، والسند الصحيح حتى نبينا «محمد» ﵊.
وأقرر ولله الحمد والشكر والثناء الحسن الجميل: بأنني تلقيت «القراءات العشر» بمضمّن كل من:
(١) «التيسير» في القراءات السبع «لأبي عمرو الداني» ت ٤٤٤ هـ.
(٢) «الدرّة» في القراءات الثلاث للإمام «محمد بن محمد بن محمد بن علي بن يوسف المعروف بابن الجزري ت ٨٣٣ هـ.
كما تلقيت ولله الحمد والشكر «القراءات العشر الكبرى» بمضمن كتاب «النشر في القراءات العشر» للإمام ابن الجزري ﵀. تلقيت جميع هذه القراءات القرآنية مشافهة على أستاذي علّامة عصره، المشهور بالدقّة، والضبط، وصحة السند فضيلة الشيخ «عامر السيد عثمان» شيخ القراء، والقراءات، وجميع عموم المقارئ بمصر الحبيبة وذلك بمعهد «القراءات» بالأزهر الشريف بالقاهرة وذلك خلال سبع سنوات من عام ١٩٤٦ م إلى عام ١٩٥٣ م وكان أستاذي فضيلة الشيخ «عامر السيد عثمان» يقوم بتدريس «القراءات» بالمعهد المذكور.
ومما أحمد الله تعالى عليه أنني قرأت على شيخي فضيلة الشيخ «عامر السيد عثمان» «القرآن الكريم» كله آية آية، وكلمة كلمة، من أوله إلى آخره، وقد قرأت على شيخي مشافهة ختمتين كاملتين طوال سبع سنوات:
الختمة الأولى «بالقراءات العشر» بمضمّن الشاطبية والدّرّة. والختمة
1 / 11
الثانية «بالقراءات العشر الكبرى» بمضمن طيبة النشر. وقد أجازني أستاذي فضيلة الشيخ «عامر السيد عثمان» بأن أقرأ، وأقرئ «القرآن الكريم» بجميع القراءات، والروايات التي تلقيتها على فضيلته إفرادا أو جمعا.
فلله جزيل الحمد والمنّة، ثم لشيخي خالص الشكر الجزيل أسأل الله أن يجمعني معه في جنات النعيم يوم يقوم الناس لربّ العالمين.
وصلّ اللهم على نبينا «محمد» وعلى آله وصحبه أجمعين.
وهذا نصّ إجازة شيخي فضيلة الشيخ «عامر السيد عثمان»:
بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف النبيين والمرسلين نبينا «محمد» وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: أقرر بأن ابني وتلميذي: محمد بن محمد بن محمد بن سالم بن محيسن تلقى عليّ القراءات القرآنية مشافهة بمضمن كل من: الشاطبية، والدرّة، والطيبة.
وقد أجزته بالقراءة والإقراء بذلك إفرادا وجمعا.
أسأل الله أن ينفع به المسلمين إنه سميع مجيب.
عامر السيد عثمان ١٩٥٣ م خادم العلم والقرآن د. محمد بن محمد بن محمد بن سالم بن محيسن المدينة المنورة الجمعة ١١ رجب ١٤٠٩ هـ.
الموافق ١٧ فبراير ١٩٨٩.
1 / 12
بسم الله الرحمن الرحيم
«مقدّمة ابن الجزري»
قال محمد هو ابن الجزري ... يا ذا الجلال ارحمه واستر واغفر
المعنى: بدأ المؤلف رحمه الله تعالى «محمد بن محمد بن محمد بن علي بن يوسف» المعروف بابن الجزري، المولود سنة ٧٥١ هـ والمتوفى سنة ٨٣٣ هـ ألفيّته: «طيّبة النشر في القراءات العشر» وقد أطلقت على منظومته «الألفيّة» لقول المؤلف رحمه الله تعالى في نهاية منظومته:
وهاهنا تمّ نظام الطّيّبه ... ألفيّة سعيدة مهذّبه
بالرّوم من شعبان وسط سنة ... تسع وتسعين وسبعمائة
بدأ بمناجاة الله تعالى، والتوجّه إليه قائلا: «يا ذا الجلال» فالله ﷾ هو ذو الجلال والإكرام. وجلال الله تعالى: عظمته، وهو ﷾ الجليل الموصوف بنعوت الجلال المطلقة، ولا يقال: «الجلال» إلّا لله تعالى.
وبعد هذه المناجاة الدالّة على عمق ايمان المؤلف، طلب من الله تعالى أن يمنّ عليه بثلاثة أمور وهي:
أولا: الرحمة، فالله ﷾ أرحم الراحمين، والرحمة: المغفرة، ورَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ. (سورة الأعراف الآية ٥٦).
ثانيا: السّتر، وهنيئا لمن ستره الله تعالى، وفي الحديث:
«إنّ الله حييّ ستّير يحبّ السّتر».
والسّتر: بالفتح: مصدر سترت الشيء، أستره: إذا غطيته فاستتر.
1 / 13
ثالثا: طلب المغفرة من الله تعالى، فهو وحده غفّار الذنوب. وأصل «الغفر»:
التغطية، والسّتر، والغفر: الغفران.
قال ابن الجزري:
الحمد لله على ما يسّره ... من نشر منقول حروف العشرة
المعنى: يرفع المؤلّف أكفّ الضراعة إلى الله تعالى بالثناء عليه، والشكر له، حيث وفّقه، وأعانه على تصنيف كتابه: «النشر في القراءات العشر» وقد جمع «ابن الجزري» في كتابه «النشر» قراءات الأئمة العشرة، ثم نظم هذه القراءات في منظومته: «طيّبة النشر في القراءات العشر».
قال ابن الجزري:
ثمّ الصلاة والسلام السّرمدي ... على النبيّ المصطفى محمد
وآله وصحبه ومن تلا ... كتاب ربّنا على ما أنزلا
المعنى: بعد أن بدأ المؤلّف بالثناء على الله تعالى، ثنّى بالصّلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا «محمد» ﷺ.
والصلاة من الله تعالى: الرحمة، والسلام: التحيّة، والأمان. «وآل» النبيّ ﷺ: هم أقاربه المؤمنون بالله تعالى من «بني هاشم، وبني المطلب».
و«صحبه» ﷺ: اسم جمع لصاحب، والمراد به هنا الصحابيّ، وهو من اجتمع بالنبي ﵊ في حياته، وآمن به، وبالرسالة التي جاء بها.
وقوله: «ومن تلا» الخ أي قرأ كتاب الله تعالى قراءة صحيحة ووفقا للكيفية التي قرأ بها رسول الله ﷺ، ثم علمها صحابته، والصحابة علموها من بعدهم، وهكذا حتى وصلت إلينا بطريق التواتر، والسند الصحيح، دون أيّ تحريف، أو تغيير، أو تبديل.
1 / 14
«فضل حملة القرآن»
قال ابن الجزري:
وبعد فالإنسان ليس يشرف ... إلّا بما يحفظه ويعرف
المعنى: بعد أن بدأ «ابن الجزري» رحمه الله تعالى ألفيته بالثناء على الله تعالى، ثم ثنى بالصلاة والسلام الدائمين على الهادي البشير ﷺ.
ثم ثلث بالصلاة والسلام على «آل الرسول» ﵊، وأصحابه الكرام رضوان الله عليهم أجمعين.
ثم على كلّ من قرأ «القرآن الكريم» وعمل بما فيه من أحكام، وآداب.
شرع في بيان الأمور التي بها يشرف الإنسان، وترتفع منزلته بين المسلمين، فبيّن أن الإنسان المسلم لا تسمو مكانته، ولا ترتفع منزلته إلّا بما يحفظه، ويعيه من الفنون، والعلوم.
قال ابن الجزري:
لذاك كان حاملو القرآن ... أشراف الامّة أولي الإحسان
المعنى: هذا شروع من «ابن الجزري» رحمه الله تعالى، في بيان أهمّ أنواع المعرفة التي يسمون بها المؤمن وبخاصة عند الله تعالى، فبين أن حملة «القرآن الكريم» هم أشراف الأمّة الإسلامية، لأن القرآن الكريم هو المعجزة الكبرى لنبينا «محمد» ﷺ، وأنه المصدر الأول من مصادر التشريع الإسلامي، ومما يدلّ على أن حفظة «القرآن الكريم» هم أشراف الأمّة الإسلامية، الكثير من أحاديث الهادي البشير ﷺ، منها
قوله ﷺ: في الحديث الذي روي عن:
«عثمان بن عفان» ﵁، أن النبي ﷺ قال: «خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه» اهـ. «١».
قال ابن الجزري:
وإنّهم في الناس أهل الله ... وإن ربّنا بهم يباهي
_________
(١) رواه البخاري، وأبو داود، والترمذي، انظر: التاج ج ٤/ ٣.
1 / 15
المعنى: لا زال الحديث عن بيان فضل أهل القرآن، فحفاظ القرآن هم أهل الله وخاصته، يؤيد ذلك الحديث التالي:
فعن «أنس بن مالك» ﵁ قال:
قال رسول الله ﷺ: «إنّ لله أهلين من الناس، قالوا من هم يا رسول الله؟ قال: أهل القرآن هم أهل الله وخاصته» اهـ «١».
ومن فضل أهل القرآن أن الله ﷿ يفاخر بأهل القرآن ملائكته، وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدلّ على حبّ الله لهم، يوضح هذا المعنى الحديث التالي:
فعن «أبي هريرة» ﵁، أن النبي ﷺ قال: «من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهّل الله له طريقا إلى الجنّة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلّا نزلت عليهم السّكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده» اهـ «٢».
قال ابن الجزري:
وقال في القرآن عنهم وكفى ... بأنه أورثه من اصطفى
المعنى: أشار «ابن الجزري» رحمه الله تعالى في هذا البيت، إلى قول الله تعالى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا (سورة فاطر الآية ٣٢).
قال ابن الجزري:
وهو في الأخرى شافع مشفّع ... فيه وقوله عليه يسمع
يعطى به الملك مع الخلد إذا ... توّجه تاج الكرامة كذا
يقرا ويرقى درج الجنان ... وأبواه منه يكسيان
المعنى: أشار «ابن الجزري» رحمه الله تعالى بهذه الأبيات إلى بعض الأحاديث الواردة في فضل حفاظ القرآن:
_________
(١) رواه النسائي، وابن ماجة، والحاكم، انظر: الترغيب ج ٢/ ٥٩٣.
(٢) رواه مسلم، وأبو داود، انظر: التاج ج ٤/ ٥.
1 / 16
١ - فعن «علي بن أبي طالب» ﵁، أن النبي ﷺ قال: «من قرأ القرآن واستظهره، فأحلّ حلاله وحرّم حرامه، أدخله الله به الجنّة وشفّعه في عشرة من أهل بيته كلهم وجبت له النار» اهـ. «١».
٢ - وعن «أبي أمامة الباهليّ» ﵁، أن النبي ﷺ قال: «اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه، اقرءوا الزهراوين: البقرة، وسورة آل عمران، فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو كأنهما غيابتان، أو كأنهما فرقان من طير صوافّ تحاجّان عن أصحابهما، اقرءوا سورة البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة» اهـ «٢».
٣ - وعن «عبد الله بن عمرو بن العاص» ﵄، أن النبي ﷺ قال: «يقال لصاحب القرآن: اقرأ، وارتق، ورتّل كما كنت ترتّل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية
تقرؤها» اهـ «٣».
٤ - وعن «أبي هريرة» ﵁ أن النبي ﷺ قال: «يجيء القرآن يوم القيامة فيقول: يا ربّ حلّة، فيلبس تاج الكرامة، ثم يقول: يا رب زده فيلبس حلّة الكرامة، ثم يقول: يا ربّ ارض عنه فيرضى عنه، فيقال له:
اقرأ وارق، وتزاد بكل آية حسنة» اهـ «٤».
٥ - وعن «أبي هريرة» ﵁ أن النبي ﷺ قال: «من قرأ القرآن وعمل بما فيه ألبس والده تاجا يوم القيامة ضوؤه أحسن من ضوء الشمس في بيوت الدنيا لو كانت فيكم، فما ظنكم بالذي عمل بهذا» اهـ «٥».
_________
(١) رواه الترمذي، انظر: الفضائل للدكتور/ محمد سالم محيسن ص ٢٤٢. وانظر: التاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول ج ٤/ ٦.
(٢) انظر: الفضائل في ضوء الكتاب والسنة للدكتور/ محمد سالم محيسن ص ٢٤٥.
(٣) انظر: الفضائل في ضوء الكتاب والسنة للدكتور/ محمد سالم محيسن ص ٢٤٠.
(٤) انظر: الفضائل في ضوء الكتاب والسنة للدكتور/ محمد سالم محيسن ص ٢٤٠.
(٥) انظر: الفضائل في ضوء الكتاب والسنة للدكتور/ محمد سالم محيسن ص ٢٤١. انظر: التاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول ج ٤/ ٥.
1 / 17
«فضل قراءة القرآن»
قال ابن الجزري:
فليحرص السّعيد في تحصيله ... ولا يملّ قطّ من ترتيله
المعنى: هذه وصية من «ابن الجزري» رحمه الله تعالى لكل مسلم أن يحرص على حفظ القرآن، وليقرأه ليل نهار، ففي ذلك الأجر العظيم، والثواب الجزيل، يوضح ذلك الأحاديث الآتية:
١ - فعن «عائشة» أم المؤمنين، ﵂، أن النبي ﷺ قال: «الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ وهو يشتدّ عليه له أجران» اهـ «١».
٢ - وعن «عبد الله بن عمر» ﵄، أن النبي ﷺ قال: «من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: الم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف» اهـ «٢».
٣ - وعن «أبي سعيد الخدريّ» ﵁، أن النبي ﷺ قال: «يقول الله تعالى: «من شغله القرآن وذكري عن مسألتي، أعطيته أفضل ما أعطي السائلين، وفضل كلام الله تعالى على سائر الكلام كفضل الله على خلقه» اهـ «٣».
٤ - وعن «ابن عباس» ﵄، قال: قال رجل: يا رسول الله أيّ العمل أحبّ إلى الله تعالى؟ قال: «الحالّ المرتحل» قال: وما الحالّ المرتحل؟
قال: «الذي يضرب من أوّل القرآن إلى آخره كلّما حلّ ارتحل» اهـ «٤».
_________
(١) رواه الأربعة، انظر: التاج الجامع للأصول ج ٤/ ٤.
(٢) رواه الترمذي، انظر: الفضائل في ضوء الكتاب والسنة ص ٢٤١.
(٣) رواه الترمذي، انظر: الفضائل في ضوء الكتاب والسنة ص ٢٤٣.
(٤) رواه الترمذي، انظر: التاج الجامع للأصول ج ٤/ ٧.
1 / 18
«أركان القراءة الصحيحة»
قال ابن الجزري:
وليجتهد فيه وفي تصحيحه ... على الذي نقل من صحيحه
فكلّ ما وافق وجه نحو ... وكان للرّسم احتمالا يحوي
وصحّ إسنادا هو القرآن ... فهذه الثلاثة الأركان
وحيثما يختلّ ركن أثبت ... شذوذه لو أنّه في السّبعة
فكن على نهج سبيل السّلف ... في مجمع عليه أو مختلف
المعنى: هذا شروع من المصنّف رحمه الله تعالى في بيان أركان القراءة الصحيحة، وقد تصدّى لبيان هذه الأركان في كتابه «النشر في القراءات العشر» فقال ما معناه: «ثم إن القراء كثروا، وتفرقوا في البلاد، وانتشروا، وخلفهم أمم بعد أمم، عرفت طبقاتهم واختلفت صفاتهم، فكان منهم المتقن للتلاوة، المشهور بالرواية، والدّراية.
ومنهم من اقتصر على وصف من هذه الأوصاف، وكثر بينهم لذلك الاختلاف، وقلّ الضبط، واتّسع الخرق، وكاد الباطل يلتبس بالحق.
فقام جهابذة علماء الأمّة، وصناديد الأمّة، فبالغوا في الاجتهاد، وبيّنوا الحقّ المراد، وجمعوا الحروف، والقراءات، وعزوا الوجوه، والروايات، وميزوا بين المشهور، والشاذ، والصحيح، والفاذ، بأصول أصّلوها، وأركان فصّلوها.
وها نحن نشير إليها، ونعوّل كما عوّلوا عليها فنقول:
١ - كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه.
٢ - ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالا.
٣ - وصح سندها.
فهذه القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردّها، ولا يحلّ إنكارها، بل هي من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن. ووجب على الناس قبولها، سواء كانت عن الأئمة السبعة، أم عن العشرة، أم عن غيرهم من الأئمة المقبولين. ومتى
1 / 19
اختلّ ركن من هذه الأركان الثلاثة أطلق عليها: ضعيفة أو شاذّة، أو باطلة.
سواء كانت عن السبعة، أو عمّن هو أكبر منهم، هذا هو الصحيح عن أئمّة التحقيق من: السلف والخلف. صرح بذلك:
١ - الإمام الحافظ أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني ت ٤٤٤ هـ.
٢ - أبو محمد مكّي بن أبي طالب ت ٤٣٧ هـ.
٣ - الإمام أبو العباس أحمد بن عمّار المهدوي ت ٤٣٠ هـ.
٤ - أبو القاسم عبد الرحمن بن اسماعيل أبو شامة ت ٦٦٥ هـ.
فلا ينبغي أن يغترّ بكلّ قراءة تعزى إلى واحد من هؤلاء الأئمة السبعة، ويطلق عليها لفظ الصحة وإن هكذا أنزلت إلّا إذا دخلت في ذلك الضابط، وحينئذ لا ينفرد بنقلها مصنّف عن غيره، ولا يختصّ ذلك بنقلها عنهم، بل إن نقلت عن غيرهم من القراء فذلك لا يخرجها عن الصحة، فإن الاعتماد في استجماع تلك الأوصاف، لا عمّن تنسب إليه، فإن القراءات المنسوبة إلى كل قارئ من السبعة، وغيرهم منقسمة إلى المجمع عليه، والشّاذ، غير أن هؤلاء السبعة لشهرتهم، وكثرة الصحيح المجتمع عليه في قراءتهم تركن النفس إلى ما نقل عنهم فوق ما ينقل عن غيرهم» «١».
«الأدلة على نزول القراءات»
قال ابن الجزري:
وأصل الاختلاف أن ربّنا ... أنزله بسبعة مهوّنا
وقيل في المراد منها أوجه ... وكونه اختلاف لفظ أوجه
المعنى: يشير «ابن الجزري» رحمه الله تعالى بهذين البيتين إلى الأحاديث الواردة في نزول القراءات على الهادي البشير ﷺ «٢». وأقول: لقد تواتر الخبر عن رسول الله ﷺ بأنّ القرآن الكريم أنزل على سبعة أحرف.
_________
(١) انظر: المزيد من هذا في النشر بتحقيقنا ج ١/ ٥٣ - ٦٠ وانظر هذا المبحث مفصلا في كتابنا في رحاب القرآن ج ١/ ٤٠٥ - ٤٢٣.
(٢) لقد وفّيت الكلام على ذلك مفصّلا في كتابي: في رحاب القرآن ج ١/ ٢١١ - ٢٦٢.
1 / 20
روى ذلك من الصحابة رضوان الله عليهم ما يقرب من اثنين وعشرين صحابيّا «١» سواء كان ذلك مباشرة عنه ﷺ، أو بواسطة.
وإليك قبسا من هذه الأحاديث التي تعتبر من أقوى الأدلّة على أن القراءات القرآنية كلها كلام الله تعالى، لا مدخل للبشر فيها، وكلها منزلة من عند الله تعالى، على نبينا «محمد» ﷺ، ونقلت عنه نقلا متواترا حتى وصلت إلينا دون تحريف، أو تغيير:
الحديث الأول: عن «ابن شهاب محمد بن مسلم أبي بكر الزهري» ت ١٢٤ هـ قال: حدّثني «عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهلالي» ت ٩٨ هـ أنّ «عبد الله بن عباس» ت ٦٨ هـ ﵄ حدّثه: أن رسول الله ﷺ قال: «أقرأني جبريل ﵇ على حرف واحد فراجعته، فلم أزل أستزيده ويزيدني، حتى انتهى إلى سبعة أحرف» اهـ «٢».
الحديث الثاني: عن «ابن شهاب» قال: «أخبرني عروة بن الزبير بن العوام بن خويلد الأسدي» ت ٩٣ هـ أنّ «المسور بن مخرمة بن نوفل بن أهيب القرشي» ت ٦٤ هـ و«عبد الرحمن بن عبد القارّي» ت ٨٠ هـ. حدّثاه أنهما سمعا «عمر بن الخطاب» ت ٢٣ هـ ﵁ يقول: «سمعت هشام بن حكيم» يقرأ سورة «الفرقان» في حياة رسول الله ﷺ فاستمعت لقراءته، فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله ﷺ، فكدت أساوره في الصلاة، فتصبّرت حتّى سلم، فلبّبته بردائه فقلت: من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ؟
قال: أقرأنيها رسول الله ﷺ، فقلت: كذبت، فإن رسول الله ﷺ قد
_________
(١) وهم: عمر بن الخطاب، عثمان بن عفّان، علي بن أبي طالب، عبد الله بن مسعود، أبيّ بن كعب، أبو هريرة، معاذ بن جبل، هشام بن حكيم، عمرو بن العاص، عبد الله بن عباس، حذيفة بن اليمان، عبادة بن الصّامت، سليمان بن صرد، أبو بكرة الأنصاري، أبو طلحة الأنصاري، أنس بن مالك، سمرة بن جندب، أبو جهيم الأنصاري، عبد الرحمن بن عوف، عبد الرحمن بن عبد القاري، المسور بن مخرمة، أمّ أيوب، رضي الله عن الجميع.
(٢) رواه البخاري ج ٦/ ١٠٠.
1 / 21
أقرأنيها على غير ما قرأت، فانطلقت به أقوده إلى رسول الله ﷺ فقلت: إنّي سمعت هذا يقرأ «سورة الفرقان» على حروف لم تقرئنيها، فقال رسول الله ﷺ «لعمر»: «أرسله». فأرسله «عمر» فقال: «لهشام»: اقرأ يا هشام، فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ، فقال رسول الله ﷺ: «كذلك أنزلت».
ثم قال: «اقرأ يا عمر، فقرأت القراءة التي أقرأني، فقال رسول الله ﷺ:
«كذلك أنزلت، إنّ هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرءوا ما تيسّر منه» اهـ واللفظ للبخاري «١».
«بيان المراد من الأحرف السبعة»
بعد ذلك انتقل إلى الحديث عن بيان المراد من الأحرف السبعة فأقول وبالله التوفيق:
لقد اهتم العلماء قديما وحديثا ببيان المراد من الأحرف السبعة: ومن هؤلاء العلماء:
١ - أبو عبيد القاسم بن سلام ت ٢٢٤ هـ في كتابه: غريب الحديث.
٢ - أبو جعفر محمد بن جرير الطبري ت ٣١٠ هـ في تفسيره المشهور.
٣ - مكّي بن أبي طالب ت ٤٣٧ هـ في كتابه: الإبانة عن معاني القراءات.
٤ - شهاب الدين المعروف بأبي شامة ت ٦٦٥ هـ في كتابه: المرشد الوجيز.
٥ - بدر الدين الزركشي ت ٧٩٤ هـ في كتابه: البرهان في علوم القرآن.
٦ - جلال الدين السيوطي ت ٩١١ هـ في كتابه: الإتقان في علوم القرآن إلى غير ذلك من المفسرين، والكتّاب عن «علوم القرآن» ومن يطالع مصنفات هؤلاء العلماء يجد العجب العجاب حيث إن الكثيرين من هؤلاء المصنفين يجعل كلّ همه نقل العديد من الآراء حتّى ولو كانت غير معزوّة إلى أحد من العلماء «٢».
_________
(١) رواه البخاري ج ٦/ ١٠٠، ومسلم ج ٢/ ٢٠٢، والترمذي ج ١١/ ٦١ وأبو داود ج ٢/ ١٠١.
أنظر: المرشد الوجيز ص ٧٧، في رحاب القرآن ج ١/ ٢١٤.
(٢) لقد بلغت الأقوال التي نقلها السيوطي في الإتقان نحو أربعين قولا.
1 / 22
ومن يقف على الأحاديث الواردة في هذه القضيّة يجد هاتين الظاهرتين:
الظاهرة الأولى: لم تتعرض تلك الأحاديث- على كثرتها- إلى بيان ماهيّة الاختلاف في القراءات القرآنية التي جعلت الصحابة رضوان الله عليهم يتخاصمون، ويتحاكمون إلى النبي ﷺ.
الظاهرة الثانية: لم يثبت من قريب أو بعيد أن النبي ﵊ بيّن المراد من الأحرف السبعة.
ولعل ذلك يرجع إلى عدّة عوامل أهمها:
أنّ ذلك كان معروفا لدى الصحابة رضوان الله عليهم، فلم يحتاجوا إلى بيانه، لأنهم لو كانوا في حاجة إلى معرفة ذلك لسألوا عنه الرسول ﷺ، فعدم سؤالهم دليل على عدم خفاء ذلك عليهم.
ولقد اتفق العلماء قديما وحديثا على أنه لا يجوز أن يكون المراد بالأحرف السبعة: هؤلاء القراء السبعة المشهورين، كما يظنّه بعض العوامّ، والكثيرون من الذين لا صلة لهم بعلوم القرآن، لأن هؤلاء القراء السبعة لم يكونوا قد وجدوا أثناء نزول القرآن الكريم.
«ولقد تتّبعت أقوال العلماء الواردة في هذه القضية الهامّة في كتابي: «في رحاب القرآن» ج ١/ ٢٣٨ - ٢٦٢. ورتّبت هذه الأقوال ترتيبا زمنيّا، وانتهيت إلى الرأي الآتي:
فقلت: والذي أراه في هذه القضية الهامة، أن المراد من الأحرف السبعة هو:
أن القرآن الكريم نزل بلغة كلّ حيّ من أحياء العرب، وهذا القول هو الذي قال به كلّ من:
١ - «الإمام علي بن أبي طالب» ت ٤٠ هـ ﵁.
٢ - عبد الله بن عباس ت ٦٨ هـ ﵄.
ومن ينعم النظر في هذا القول يجد أنه يندرج تحته العديد من اللهجات العربيّة المشهورة.
1 / 23
وهذه اللهجات كلها تندرج بالتالي تحت قولهما:
«نزل بلغة كلّ حيّ من أحياء العرب «١».
وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
«الأئمة العشرة، ورواتهم العشرون وسلسلة أسانيدهم حتى رسول الله ﷺ»
قال ابن الجزري:
قام بها أئمة القرآن ... ومحرز التّحقيق والإتقان
ومنهم عشر شموس ظهرا ... ضياؤهم وفي الأنام انتشرا
حتى استمدّ نور كلّ بدر ... منهم وعنهم كلّ نجم درّي
وها همو يذكرهمو بياني ... كلّ إمام عنه راويان
فنافع بطيبة قد حظيا ... فعنه قالون وورش رويا
المعنى: أخبر المؤلف رحمه الله تعالى بأن الأحرف السبعة التي نزلت على الهادي البشير ﷺ بوساطة أمين الوحي «جبريل» ﵇، وقد علّمها الرسول ﷺ صحابته رضوان الله عليهم، والصحابة علموها من بعدهم، وهكذا حتى وصلت هذه القراءات إلى الأئمة العشرة، ورواتهم، بطريق التواتر، والسند الصحيح.
وهؤلاء الأئمة العشرة، ورواتهم انتشر ذكرهم في الآفاق، وذاع صيتهم، وثبتت عدالتهم، ووثق جميع المسلمين فيهم، حيث عرفوا بالصدق، والأمانة، وجودة القراءة والإتقان، فانتشرت قراءاتهم في جميع الأقطار، يتلقاها جيل بعد جيل، بالرضا، والقبول، وقد تلقيتها وقرأت بها وأقرأت بها. والحمد لله رب العالمين.
_________
(١) لقد جعلت فصلا خاصّا في كتابي: «المقتبس من اللهجات العربية والقرآنية» ضمنته الحديث بالتفصيل عن «اللهجات العربية في القرآن الكريم» فمن أراد الوقوف على ذلك فليرجع إليه.
طبع مكتبة الكليات الأزهرية بالقاهرة، وطبع مكتبة شباب الجامعة بالإسكندريّة.
1 / 24
وهكذا فقد عمّ نور «القرآن الكريم» جميع أنحاء الدنيا، وصدق الله حيث قال: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (سورة الحجر الآية ٩).
ثم بيّن المؤلف رحمه الله تعالى بأن كلّ إمام من الأئمة العشرة، وإن كان تتلمذ عليه الكثيرون، إلا أنه اشتهر بالأخذ عنه راويان.
ثم أخذ المؤلف يذكر بالتفصيل هؤلاء الأئمة العشرة، ورواتهم.
وأقول: بعون الله تعالى، وتوفيقه سأقوم بإلقاء الضوء على تاريخ الأئمة العشرة، ورواتهم، بعيدا عن الإطناب الممل، أو التقصير المخلّ، مع بيان سلسلة أسانيدهم في القراءة حتى رسول الله ﷺ: الإمام الأول: نافع المدني.
هو: أبو رويم نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم الليثي، أصله من أصفهان، وهو من علماء الطبقة الرابعة «١»، وكان شديد سواد اللون، وهو مولى «جعونة بن شعوب الليثي».
قال «الإمام مالك بن أنس» ت ١٧٩ هـ: «نافع إمام الناس في القراءة» اهـ.
وقال «أحمد بن هلال المصري» قال لي الشيباني، قال لي رجل ممّن قرأ على «نافع»: إنّ «نافعا» كان إذا تكلّم يشمّ من فيه رائحة المسك، فقلت له: يا أبا عبد الله، أو يا أبا رويم أتتطيّب كلّما قعدت تقرئ؟ قال: ما أمسّ طيبا، ولكنّي رأيت النبي ﷺ وهو يقرأ في «فيّ» فمن ذلك أشمّ من «فيّ» «هذه الرائحة» اهـ «٢».
قال «ابن معين» يحيى بن معين بن عون بن زياد الغطفاني ت ٢٣٣ هـ:
«كان الإمام نافع ثقة».
وقال «أبو حاتم محمد بن حبّان بن أحمد التميمي» ت ٣٥٤ هـ: «كان «نافع» صدوقا».
_________
(١) أنظر: معرفة القراء الكبار للذهبي ط القاهرة ج ١/ ٩٠.
(٢) أنظر: معرفة القراء الكبار للذهبي ط القاهرة ج ١/ ٩٠.
1 / 25
شيوخ الإمام «نافع»:
اتفقت جميع المصادر على أن «الإمام نافعا» قرأ على سبعين من التابعين، أذكر منهم»:
١ - أبا جعفر يزيد بن القعقاع ت ١٢٨ هـ.
٢ - عبد الرحمن بن هرمز الأعرج ت ١١٧ هـ.
٣ - شيبة بن نصاح القاضي ت ١٣٠ هـ.
٤ - يزيد بن رومان ت ١٢٠ هـ.
٥ - مسلم بن جندب الهذلي ت ١٣٠ هـ.
وقد تلقّى هؤلاء الخمسة القراءات عن ثلاثة من الصحابة وهم:
١ - أبو هريرة ت ٥٩ هـ.
٢ - عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ت ٦٨ هـ.
٣ - عبد الله بن عيّاش بن ربيعة المخزومي ت ٧٨ هـ.
وقرأ هؤلاء الثلاثة على: «أبي بن كعب» ت ٢٠ هـ.
وقرأ «أبي بن كعب» على رسول الله ﷺ.
من هذا يتبين أن قراءة «الإمام نافع» متواترة، ومتصلة السند بالرسول ﷺ.
تلاميذ «الإمام نافع»:
لقد تتلمذ على «الإمام نافع» عدد كثير، من المدينة المنورة، ومصر، والشام، والبصرة، وغير ذلك من سائر بلاد المسلمين، ومن تلاميذ «الإمام نافع»:
١ - «قالون» وهو الراوي الأول عن «نافع».
٢ - «ورش» وهو الراوي الثاني عن «نافع».
وإليك إلقاء الضوء على تاريخ كل منهما:
1 / 26