الدروس الفقهية

على مذهب السادة الشافعية

تأليف

محمد محيي الدين عبد الحميد

المدرس في كلية اللغة العربية

بالجامع الأزهر

يطلب من المكتبة التجارية الكبرى بأول شارع محمد علي بمصر

لصاحبها: مصطفى محمد

الطبعة الأولى: سنة ١٣٥٢ هـ

حقوق الطبع محفوظة

مطبعة الاستقامة

بشارع أم الغلام رقم ١٤ بالحسين

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين. والصلاة والسلام على إمام المتقين، وسيد رسل الله أجمعين، وقائد الغر المحجلين، البشير النذير، الرءوف بالمؤمنين، ختام الأنبياء والمرسلين، صفوة الصفوة، وإنسان عين الهداة والأئمة: سيدنا محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب ابن هاشم، النبي الأمي، الهاشمي القرشي، سيد العرب والعجم، الذي جعله حبه سببا للزلفى إليه، وطريقا إلى النجاة من أهوال يوم الدين، وأوجب على الناس طاعته والاقتداء به: فمن أطاعه فقد نجا، ومن عصاه فقد ضل وغوى.

اللهم كما أنعمت علينا بالإيمان به، واتباع سننه، والاهتداء بهداه، فاملأ قلوبنا من حبه، ونور بصائرنا بمعرفة قدره العظيم، واشرح أفئدتنا للاقتداء به في سائر أعماله، وفقهنا بكتابك وبيانه، ولا تردنا على أدبارنا خزايا ولا نادمين. ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وهب لنا من لدنك رحمة؛ إنك أنت الوهاب. ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا. ربنا عليك توكلنا، وإليك أنبنا، وإليك المصير.

أما بعد: فقد دعاني إلى تصنيف هذه الرسالة في أصول العقائد ومسائل العبادات رغبتي في أن أسلك بنابتة البلاد الإسلامية طريقا سهلا.

وسبيلا واضحة فى تفهم ما يجب عليهم نحو بارئهم الذى فطرهم وصورهم فأحسن صورهم، فقد - والله - خشيت على هذه الحنيفية أن تعبث بها أيدى الضياع فيسألنى الله تعالى عما قدمت لدينه الكريم شكرانا لنعمة العلم فأكون من الهالكين.

والسر فى ذلك ما أشاهده من صعوبة كتب المتقدمين من سلفنا الصالح ـرضى الله عنهم وجزاهم عن دينه وحرصهم عليه أحسن الجزاء؛ فإنهم أثا بهم الله - صنفوا كتبهم لنابتة غير هذه النابتة ونشء غير هذا النش. بعبارة عالية وتفريعات كثيرة إذ كانت غايتهم حفظ ماحملوا من أمانة وتأديتها کماوعوها، و کان لهم من إقبال تلاميذهم وتحملهم المشاق فى سبيل العلم مشجع ودافع. أما الآن - وقد فترت هذه الرغبة، وضعف أمر المسلمين - فنحن بأشد ماتكون أمة حاجة إلى تيسير السبيل وتعبيد طريق علم الدين.

وقد جعلت هذا الكتاب فى بابين: الباب الأول فى مسائل الاعتقاد، الباب الثانى: فى مسائل العبادات، وجعلت کل باب منهما فى فصول، و كل فصل فى دروس، وجعلت كل درس على قسمين: القسم الأول: فما يجب على الناشىء أن يحفظه ويستظهره، والقسم الثانى: فى بيان القسم الأول وإيضاحه بعبارة سهلة وأسلوب قريب من إدراكه وتعقله

ورجاؤنا إلى حضرات المدرسين أن يبذلوا الجهد في تقريب ماعسى أن يلتوي علينا فيه القصد، والله المسئول أن يجزيهم عن ذلك، ويثيبهم على قدر إخلاصهم فيه.

ورغبتنا إلى الله تعالى وحده في أن ينفع بهذا العمل: كاتبه، وقارئه ومتفهمه، وناشره، النفع المرجو؛ إنه ولي الإجابة، آمين.

كتبه

محمد محي الدين عبد الحميد

القاهرة:

٩ من شوال ١٣٥٢

٢٥ من يناير ١٩٣٤

الباب الأول

في مسائل الاعتقاد، وفيه فصلان

الفصل الأول

في الإيمان، وفيه أربعة دروس

(١) الدرس الأول

حقيقة الإيمان، أركانه، معنى الإيمان بالله، معنى الإيمان بالملائكة

حقيقة الإيمان

الإِيمَانُ فِي اللُّغَةِ: عِبَارَةٌ عَنِ التَّصْدِيقِ وَالاعْتِقَادِ الْجَازِمِ، وَفِي الشَّرْعِ هُوَ التَّصْدِيقُ بِكُلِّ مَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ غَيْرِهِمَا.

أركان الإيمان

وَلَا بُدَّ فِي تَحَقُّقِ الإِيمَانِ مِنَ التَّصْدِيقِ بِاللهِ تَعَالَى، وَمَلَائِكَتِهِ، وَرُسُلِهِ، وَكُتُبِهِ، وَالْيَوْمِ الآخِرِ، وَالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ: خَيْرِهِ وَشَرِّهِ.

معنى الإيمان بالله

ومعنى الإيمان بالله أن نعتقد بوجوده، وأنه خالق هذا الكون ومدبره، وأنه متصف بكل كمال ومنزه عن كل نقص، وأنه قديم، باق، لا يتغير، واحد، قادر، مريد، عالم، حي، سميع، بصير، متكلم.

معنى الإيمان بالملائكة

ومعنى الإيمان بالملائكة أن نعتقد بأن الله تعالى قد خلق عالمًا آخر يسمى الملائكة، وأنهم - كما جاء في الشرع - أجسام نورانية أعطيت القدرة على إتيان الأعمال الغريبة، وأنهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.

إيضاح

ولدي: هداك الله، إنك بلا شك قد نظرت إلى هذا العالم الذي تعيش فيه فأعجبك نظامه البديع، وراقك إحكام صنعته وجميل تركيبه: السماء

التي تُظِلُّكَ قُبَّةٌ عظيمة ارتفعت بغير عَمَد، وَازَّيَّنَتْ بالشّمس المضيئة نهارًا وبالنجوم التي نهتدي بها ليلاً، والأرضُ التي تُقِلُّكَ مُعَلّقَةٌ في الفضاء بقدرة لا تماثلها قدرة، وهي تُخْرِجُ لك من جَوْفِها الزرعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ، وكلّ شيء في هذا الكون عجيبٌ صُنْعُه، جميلٌ في رُوَائِه وَمَنْظَرِه، وأنت تعلم علم اليقين أنه لا يمكن أن يُوجَدَ شيء من غير مُوجِدٍ يُوجِدُه: فالقلم الذي تكتب به لم يصل إلى يدك من غير أن يسعى إليك به أحدٌ، والكتاب الذي تقرؤه له مؤلف وصُنّاع عملوا فيه حتى كان بين يديك، والكرسي الذي تجلس عليه له صانع، والثوب الذي تلبسه له صانع نسجه وآخر خاطه، والرغيف الذي تأكله كم يد عملت فيه حتى أكلته. وعلى وجه العموم كل صنعة لابد لها من صانع، وكلما رأيتَ أنت صنعة استَدْلَلْت بها على صانعها، وكلما كانت الصناعة دقيقةً مُحْكَمَةً دَلَّتْكَ على قدرة صانعها وتَفَوُّقه؛ وقد عرفت أن الْعَالَمَ صَنْعَةٌ بالِغَةٌ غايةَ الإتقان، فهي إذَنْ دليل على أن لها صانعًا قديرًا حكيمًا. وهذا الصانع القدير الحكيم هو الله تعالى يا ولدي، إذا تمكن هذا من نفسك لم تَسْتَبعد أن يَخْلُقَ هذا القادر الحكيم ما شاء من أنواع العالم: ما رأيت منها، وما لم تَرَ. ومن هذه المخلوقات ما أخبرنا الله تعالى بوجوده، وهم الملائكة، وهم فِرَقٌ: فمنهم الْمُوَكَّلون

بالمطر، ومنهم الموكلون بقبض الأرواح، ومنهم الموكلون بإنزال أنواع العذاب على من يريد الله تعذيبه من الخلق، ومنهم حملة عرش الله، ومنهم خزنة النار، ومنهم الموكلون بسؤال الميت في القبر، إلى غير ذلك مما خلقهم الله لأجله.

أسئلة

ما هو الإيمان في اللغة؟ ما أركان الإيمان؟ ما معنى الإيمان بالله؟ ما معنى الإيمان بالملائكة؟ ما المراد بالإيمان في الشرع؟ كيف تستدل على وجود الله؟ أخبرني عما تعرفه عن وجود الملائكة، أذكر أربعة أعمال تؤديها الملائكة

(٢) الإيمان "أيضا"

(٢) الدرس الثاني منه

معنى الإيمان بالرسل، الواجب معرفته من الأنبياء، أولو العزم من الرسل، الصفات التي يتصف بها الرسل، ما لا يجوز على الرسول، الجائز في حق الرسول.

معنى الإيمان بالرسل

الإيمان بالرسل أن تعتقد أن الله تعالى أرسل رسلًا من خلقه كل واحد إلى أمته، مبشرين ومنذرين، وجعل سبحانه طاعتهم من طاعته، وأيدهم بالمعجزات الدالة على صدقهم.

الواجب معرفته من الأنبياء

ويجب علينا أن نؤمن على وجه الإجمال بأن الله أرسل رسلًا لا يحصى عددهم إلا هو، وأن منهم من قص الله علينا في القرآن الكريم ومنهم من لم يقصص علينا، وعلى وجه التفصيل يجب أن نؤمن بنبوة خمسة وعشرين، وهم: آدم، وإدريس، ونوح، وإبراهيم،

وَلُوطٌ، وَإِسْحَاقُ، وَإِسْمَاعِيلُ، وَيَعْقُوبُ، وَيُوسُفُ، وَدَاوُدُ، وَسُلَيْمَانُ، وَأَيُّوبُ، وَهَارُونُ، وَمُوسَى، وَزَكَرِيَّا، وَيَحْيَى، وَعِيسَى، وَإِلْيَاسُ، وَالْيَسَعُ، وَيُونُسُ، وَهُودٌ، وَشُعَيْبٌ، وَصَالِحٌ، وَذُو الْكِفْلِ، وَنَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.

أولو العزم من الرسل

ومن هؤلاء الرسل جماعةٌ اختصَّهم الله تعالى بفضله، وتسمِّيهم الشريعةُ أولو العزم، وهم خمسةٌ: نُوحٌ، وإبْرَاهِيمُ، ومُوسَى، وعِيسَى، وخَاتَمُهُمْ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.

الصفات التي يجب أن يتصف بها الرسول

وكلُّ واحدٍ من هؤلاء الرسل جميعًا يجب أن يتصفَ بالصِّدْقِ، والأَمَانَةِ، والتَّبْلِيغِ، والفَطَانَةِ.

مالا يجوز على الرسول

ويستحيل في حقِّ كلِّ واحدٍ منهم أن يتصفَ: بالكَذِبِ، أو

الْخَيانةَ، أَوِ الْكِتْمَانِ، أَوِ الْبَلَادَةِ.

مايجوز فى حق الرسول

وَيَجُوزُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حُدُوثُ الْأَعْرَاضِ الَّتِي تَحْدُثُ لِغَيْرِهِمْ مِنَ الْبَشَرِ كَالْمَرَضِ، إِلَّا مَا تَنَفَّرُ مِنْهُ الطِّبَاعُ السَّلِيمَةُ كَالْجُنُونِ وَالْبَرَصِ وَنَحْوِهِمَا فَلَا يَعْرِضُ لَهُمْ

إيضاح

ياولدى الرشيد، أيده الله. أنت تعلم أن الإنسان لا يستغنى بنفسه، ولا يستقل بشؤونه كلها، بل لا بد له من الاختلاط بغيره والتعاون معه على قضاء حاجياته. وتعلم - مع هذا - أن الإنسان مَفْطُور على الشر ويَجْبُلُ على حب النفس، وأن الطباع أقرب إلى الحيوانية، والشر أغلب للنفس من الخير. وإذا كان هذا مَرْكُوزًاً فى السجايا لم يُؤْمَنْ أن يقع النزاع بين الناس فى معاملاتهم، فلم يُؤْمَنْ أن يُحْدِثُوا من أنواع التعامل ما لا تكون عاقبته محمودة، أو يسيروا مع حيوانيتهم الغالبة عليهم فى طريق تُوَصِّل إلى الفناء والانحلال الْخُلُقىِّ؛ من أجل هذا كله اقتضت إرادة الله تعالى أن يبعث لكل أمة رسولا منهم يبلغهم أوامر ربهم ليتبعوها

ونواهيه ليجتنبوها، ويبين لهم طريق الخير ليسلكوه، وطريق الشر ليتباعدوا عنه، وجعل سبحانه طاعة هؤلاء الرسل واجبة على أممهم، وأعطى كل رسول مُعْجزَةً خارقة للعادة لا يستطيع واحد من قومه أن يأتي بها كالعصا لموسى، وإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى لعيسى، والخروج من النيران الملتهبة من غير أذى لإبراهيم، والقرآن المعجز ببلاغته النادرة لخاتم الأنبياء سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى إخوانه وسلم. وهذه المعجزات من عند الله برهان على صدقهم في دعوى الرسالة. وآية ناطقة بأنهم لم يجيئوا من عند أنفسهم، وإلاَّ لَقَدَرَ كُلُّ إنسان على الإتيان بمثل ما جاءوا به.

يا بني: وهؤلاء الرسل كثيرون، وقد قص الله تعالى علينا نبأ طائفة منهم، ولم يتعلق غرضه بذكر أخبار جماعة آخرين (منهم من قصصنا عليك. ومنهم من لم نقصص عليك).

يعني: وهؤلاء الرسل يجب أن يكونوا صادقين؛ إذ لو جاز عليهم الكذب لكذبوا فيما يبلغون عن ربهم، ولو جاز هذا للزم فساد عظيم، فلا تكون الرسالة التي جاءوا بها مؤدية إلى الغرض منها، ويجب كذلك أن يكونوا أمناء؛ إذ لو جازت عليهم الخيانة لخانوا الله تعالى فيما أمرهم، وأن يكونوا مُبَلِّغين لكل ما يُؤْمَرُونَ بتبليغه بمعنى ألا يكتموا منه شيئًا؛ إذ لو جاز عليهم الكتمان لبقيت بعض الشرائع التي يريد الله تعالى إنفاذها

غَيْرَ نافذة، وأن يكونوا في غاية الْفِطْنَة؛ لأنهم يُحَاجُّونَ قَوْمَهُمْ ويبرهنون لهم على خَطَأ عباداتهم ومعاملاتهم، وهذا لا يتأتى أن يقوم به البليد.

يابني: وليس واجبًا في حق هؤلاء الرسل أن يسلموا من العوارض التي تطرأ على سائر الناس: فهم يمرضون، ويأكلون، ويشربون، ويمشون في الأسواق، ويتزوجون، ويتناسلون، إلى غير هذا مما يصنع غيرهم. ولكن الأعراض التي تنفر الناس منهم: كالمرض الْمُعْدِى لا تجوز في حقهم عليهم الصلاة والسلام

أسئلة

ما معنى الإيمان بالرسل؟ ما الذي يجب معرفته من الأنبياء؟ ما هي العوارض التي تجوز على الرسل؟ مثل لثلاثة أعراض يجوز أن تطرأ عليهم، ما هي الصفات التي يجب أن يتصف بها الرسل؟ ما الذي يستحيل في حق الرسل؟

(٣) الإيمان أيضًا

(٣) الدرس الثالث منه

معنى الإيمان بالكتب، أهم الكتب المنزلة، منزلة القرآن

معنى الإيمان بالكتب

الإيمان بالكتب هو أن نعتقد بأن الله تعالى أنزل على بعض رسله كتبًا، وأمرهم بإبلاغها إلى قومهم.

أهم الكتب المنزلة

وقد أنزل الله تعالى كتبًا على كثير من رسله، وأهم هذه الكتب التوراة التي أنزلها على موسى، والإنجيل الذي أنزله على عيسى، والزبور الذي أنزله على داود، والقرآن - ويسمى الفرقان - الذي أنزله على خاتم الأنبياء سيدنا محمد، عليهم الصلاة والسلام.

منزلة القرآن

والقرآن أفضل كتب الله؛ لاشتماله على جميع ما يحتاج الناس إليه في أمور دنياهم وآخرتهم، ولصلاحية أحكامه لكافة الأمم في

كُلِّ الْأَزْمِنَةِ، وَقَدْ نَسَخَ اللهُ بِهِ سَائِرَ الْكُتُبِ، وَتَعَهَّدَ بِحِفْظِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ

إيضاح

ياولدي العزيز: قد عرفت أن الله تعالى أرسل لعباده رسلا يبشرونهم وينذرونهم، وأنه بين لكل رسول شريعة وأمره بإبلاغها لقومه، وأعلم الآن أن هذه الشرائع المبلغة منها ما أنزل الله في شأنها كتابا، ومنها مالم ينزل؛ وكُتُبُ الله إلى رسله كثيرة: فمنها صُحُفُ إبراهيم، ومنها التوراة، والإنجيل، والزبور، والقرآن. وقد كانت أحكام كل كتاب مطابقة للأمة التي أرسل الرسول إليها وللعصر الذي نزلت فيه، فلما أراد الله أن يختم رسالته بمحمد صلى الله عليه وسلم أنزل عليه القرآن، وفيه أحكام كل شيء، وهي صالحة لكل زمان ولكل مكان، وجعل أحكامه ناسخة لأحكام جميع الكتب، وَضَمِنَ لأمته حِفْظَه من يَدِ الْعَبَثِ والتغيير (إنا نحن نزلنا الذكر، وإنا له لحافظون) وهو مالم يكن لكتاب من قبل.

أسئلة

ما معنى الإيمان بالكتب؟ اذكر ثلاثة كتب منزلة مع ذكر الرسول الذي أنزل الكتاب عليه. ما هو الكتاب الذي نزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؟ ما الفرق بين القرآن وغيره من الكتب

(٤) الإيمان «أيضا»

(٤) الدرس الرابع منه

معنى الإيمان باليوم الآخر، معنى الإيمان بالقضاء والقدر

معنى الإيمان باليوم الآخر

الإيمان باليوم الآخر هو أن نعتقد بأن الله يبعث الخلق بعد موتهم، وأنه يجازيهم في هذا اليوم على ما عملوا في الدنيا، وأن له دارين أعدهما لمجازاة عباده: إحداهما الجنة وهي دار المؤمنين، والثانية النار ويعذب بها الكفار وعصاة المسلمين.

معنى الإيمان بالقضاء والقدر ^(١)

والإيمان بالقضاء والقدر هو أن نعتقد أن جميع ما حصل في هذه الدنيا من خير وشر وجميع ما حصل أو سيحصل فيها إنما هو بإرادة الله تعالى وسابق علمه، وليس للعبد إلا السعي، وهو عمل

اخْتِيَارِيٌّ يَكُونُ سَبِيلًا لِلثَّوَابِ أَوِ الْعِقَابِ.

إيضاح

يا ولدي، إنك لترى كثيرًا من الناس قد أنعم الله عليهم بالعافية ورزقهم المال الكثير وآتاهم من فضله، وهم - مع هذا كله - يجحدون نعمة الله، ولا يبالون بأوامره: فهم يأتون من المنكر ما أمر الله بالانتهاء عنه، وترى أيضًا قومًا لا مال لهم ولا ضياع يؤدون حق الله، ويبتعدون عما نهى الله، ويصبرون على ما أصابهم، وكم ترى من الناس من يعتدي على غيره فيسلبه حقوقه معتزًا بقوته مرتكنًا إلى سطوته، فهل تظن أن الذي خلق هذا العالم على هذا النظام البديع والصنعة المحكمة، قد أهمل أمر العدل والمساواة بين الناس؟ كلا، إنه سبحانه قد فرق بين الناس في هذه الدنيا ليبلوهم أيهم أحسن عملًا، ثم يردهم إلى يوم يناقشهم فيه الحساب، ويعدل فيه بينهم: فيأخذ للمظلوم حقه من ظالمه، ويجازي المسرف على نفسه في الدنيا بالعذاب الأليم، والمحسن بالنعيم المقيم. ليتكافأ أمر الناس، والعقل السليم يقضي بهذا، وقد أخبرنا الله تعالى على لسان نبيه به، وهو أمر هين على من أوجد العالم من غير سابقة؛ فكان الإيمان به أمرًا لازمًا.

يا بني، وهل تظن أن شيئًا من الأشياء يحصل في هذا الكون بغير

(٢)

إرادة الله وسابق علمه: خَيْرًا كان أو شَرًّا، حُلْوًا أو مُرَّا؟ مَعَاذَ الله أن يكون ذلك !! سبحانه وتعالى عما يقول المبطلون، فكل شىء كان أو هو كائن إلى يوم القيامة مسبوق بارادة الله لوقوعه وعلمه به ، والعقل يقضى بهذا ؛ لأنه يعترف بأن الله قادر حكيم عليم مُرِيدٌ لكل شىء، فالايمان بالقدر أمر لازم لمن يؤمن بالله وبأنه متصف بجميع الكالات ، وفى الإيمان بالقدر سُلْوَانٌ لنفسِ الجازع ، وَأمَانٌ لقلب الخائف ، وتْكين لانفعالات الثائر. وفيه أيضا دَفْعُ النفس إلى الإقدام على ما يُحبُّ وإن كان فى طريقه الموت ؛ لأنه يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتبه الله

أسئلة

ما معنى الإيمان باليوم الآخر؟ ما معنى الايمان بالقضاء والقدر ؟ كيف تستدل على أن جزاء العباد أمر حق؟ ما مغزى الإيمان بالقدر ؟

الفصل الثاني

في الإسلام، وفيه خمسة دروس

(٥) الدرس الأول منه

حقيقة الإسلام، أركانه، معنى الشهادتين، شروطهما، حكمهما

حقيقة الإسلام

الإسلام في اللغة الانقياد والطاعة، وهو في الشرع الامتثال لكل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.

أركانه

أركان الإسلام خمسة: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلًا.

معنى الشهادتين

ومعنى شهادة أن لا إله إلا الله أن تقول هذه الجملة بلسانك وتعتقد بقلبك أنه لا معبود بحق إلا الله تعالى، ومعنى شهادة أن محمدًا

رسول الله أن تنطق بهذه الجملة بلسانك، وتعتقد بقلبك أنه رسول من عند الله أرسله إلى الناس كافة بشيرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا.

شروط الشهادتين

ولا تتم الشهادتان إلا إذا تحقق فيهما خمسة شروط: توالي ألفاظهما وتتابعها، والتعبير بلفظ "أشهد" فيهما، وفهم معناهما، وعدم التردد فيهما وإنكار جميع ما يخالفهما.

حكم الشهادتين

ويجب على كل مسلم أن ينطق بالشهادتين، ولو مرة واحدة في عمره، والإكثار من ذكرهما مستحب.

إيضاح

يا بني، قد علمت في الإيمان أن فطرة العقول تعترف بوجود صانع خالق لهذا الكون، وأنه لا يحصل الإيمان للإنسان إلا إذا اعترف بذلك. الآن نقول لك: إن العقل يقضي أيضًا بأن يكون هذا الصانع واحدًا