Al-Durrat Al-Bahiyya Sharh Al-Qaseedah Al-Ta'iyyah Fi Hall Al-Mushkilah Al-Qadariyyah
الدرة البهية شرح القصيدة التائية في حل المشكلة القدرية
Baare
أبو محمد أشرف بن عبد المقصود
Daabacaha
أضواء السلف
Lambarka Daabacaadda
الأولى
Noocyada
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المعتني
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد: فهذه طبعة جديدة لكتاب: "الدرة البهية شرح القصيدة التائية في حل المشكلة القدرية" لشيخ الإسلام ابن تيمية، تصنيف العلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله١.
وهذا الشرح الذي بين أيدينا من أمتع الشروح السهلة التي تذلل للقارئ الكثير مما في باب القدر من المشكلات، وصعوبة الفهم.
وقد اعتمدت في هذه الطبعة على النسخة المطبوعة قديما بتحقيق الشيخ عبد الغني عبد الخالق، فجعلتها أصلا، وقابلت نص القصيدة على ثلاث نسخ مطبوعة، وكنت أتمنى الحصول على نسخة خطية لنص القصيدة فلم أوفق.
١- النسخة المطبوعة ضمن مجموع الفتاوى جمع ابن القاسم.
٢- النسخة المطبوعة بتحقيق الشيخ محمد حامد الفقي سنة ١٣٧٥هـ والمطبوعة بمطبعة السنة المحمدية مع كتاب القول الأسنى في نظم الأسماء الحسنى للشيخ حسين بن عبد الوهاب. وإليها الإشارة بـ "س".
_________
١ تراجع ترجمة مفصلة للعلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي وضعناها في مقدمة تحقيقنا لكتابه (منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين)؛ فأغنى عن إعادته هنا.
1 / 5
٣- النسخة الموجودة ضمن كتاب "العقود الدرية من مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية" للعلامة محمد بن أحمد بن عبد الهادي الحنبلي المطبوعة بمطبعة المدني ص (٢٥٤-٢٦٠) وجاء في آخرها: "تمت بحمد الله وعونه وهي مائة وأربعة وثمانون بيتا بل هي مائة وخمسة أبيات" اهـ.
والذي يظهر بعد المقابلات بين النسخ المطبوعة السابقة: أن عدد الأبيات ١٢٥ بيتا، مع ملاحظة ما يلي:
* سقط بيت رقم ٧ من الأصل المطبوع، و"س"، واستدركته من الفتاوى والعقود وأيضا: سقط بيت رقم ١٢٤ من الأصل المطبوع، و"س" واستدركته من الفتاوى والعقود.
* سقط بيت رقم ١٠٣ من الفتاوى والعقود وهو موجود بالمطبوع، و"س".
* سقطت الأبيات من رقم ١١إلى ٢٩ من العقود وهي موجودة بباقي النسخ.
وقد نقل الحافظ ابن القيم منها بيتين (وهما رقما ٤، ٥) في طريق الهجرتين (١/١٦٧) .
هذا وقد قمنا بضبط الكتاب، وتنسيقه، وتخريج آياته وأحاديثه وعلقت عليه ببعض الفوائد المهمة، وغير ذلك مما يراه القارئ؛ سائلا المولى جل وعلا أن يحفظ علينا ديننا ودنيانا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يميتنا على الإسلام، إنه سبحانه على كل شيء قدير.
الإسماعيلية ١١صفر ١٤١٩هـ
أبو محمد أشرف عبد المقصود غفر الله له
1 / 6
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الشارح
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، الملك الحق المبين وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، سيد المرسلين. اللهم صل على محمد وآله وصحبه؛ والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فقد طلب مني بعض الإخوان: أن أشرح "المنظومة التائية في القدر" لشيخ الإسلام والمسلمين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية؛ لما فيها من التحقيق العظيم في مسألة القضاء والقدر. ولمتانتها وصعوبة فهمها، واحتياجها إلى شرح متوسط؛ يوضحها ويكشف عن معانيها؛ ولكون المقام والموضوع مقاما مهما جدا، والحاجة – بل الضرورة – داعية إلى علمه؛ والتحقق به معرفة واعتقادًا.
وهذا النظم: قد أتى فيه الشيخ بالعجب العجاب، وبين الحق الصريح وكشف الشكوك والشبهات: التي طالما خالطت قلوب أذكياء العلماء وحيرت كثيرا من أهل العلم الفضلاء؛ لذلك أجبت السائل لما طلبه.
وأرجو الله وأسأله: أن يعين على تحقيقه وتوضيحه؛ فإن التوضيح والبيان – خصوصا في هذا المقام – أولى من الاختصار؛ وذكر الشواهد والأمثلة الموضحة أولى من الاقتصار.
وأسأله تعالى: أن يجعل الداعي إليه إرادة وجهه الكريم، وإرادة النفع به للمشتغلين.
1 / 7
والشيخ ﵀ وقدس روحه نظمها جوابا لسؤال أورده عليه من قال: "إنه ذمي"١ ليشبه على المسلمين، وليشككهم في أصول الدين فإن الإيمان بالقضاء والقدر أحد أصول الإسلام، ومبانيه العظام.
_________
١ الذمة في اللغة: الأمان والعهد، وأهل الذمة هم المعاهدون من النصارى واليهود وغيرهم ممن يقيم في دار الإسلام، وفي الحديث: "يسعى بذمتهم أدناهم" وفسر الفقهاء ذمتهم بمعنى الأمان، وقالوا في تفسير عقد الذمة: بأنه إقرار بعض الكفار على كفرهم بشرط بذل الجزية والتزام أحكام الملة.
وعلى هذا: يمكن القول بأن عقد الذمة عقد بمقتضاه يصير غير المسلم في ذمة المسلمين، أي في عهدهم وأمانهم على وجه التأبيد وله الإقامة في دار الإسلام على وجه الدام "أهـ "أحكام الذميين والمستأمنيين في دار الإسلام" لعبد الكريم زيدان ص (٢٠) .
وقي طبعة الشيخ محمد حامد الفقي لتائية شيخ الإسلام ذكر في أولها، أن الذي نظمها شاعر رافضي على لسان يهودي، وليس هذا ببعيد، فراجع ردود شيخ الإسلام في: "منهاج السنة النبوية" على الرافضي الخبيث ابن المطهر في مسائل القدر.
نص سؤال الذمي الذي كان سببا في نظم القصيدة ... وهذا نص السؤال نص السؤال الذمي للتشكيك في القدر أيا علماء الدين، ذمي دينكم ... تحير دلوه بأوضح حجة إذا ما قضى ربي بكفري بزعمكم ... ولم يرضه مني، فما وجه حيلتي؟ دعاني، وسد الباب عني٢، فهل إلى ... دخولي سبيل؟ بينوا لي قضيتي _________ ١ في الأصل: "دوني" وما أثبته من (س) والفتاوى والعقود.
نص سؤال الذمي الذي كان سببا في نظم القصيدة ... وهذا نص السؤال نص السؤال الذمي للتشكيك في القدر أيا علماء الدين، ذمي دينكم ... تحير دلوه بأوضح حجة إذا ما قضى ربي بكفري بزعمكم ... ولم يرضه مني، فما وجه حيلتي؟ دعاني، وسد الباب عني٢، فهل إلى ... دخولي سبيل؟ بينوا لي قضيتي _________ ١ في الأصل: "دوني" وما أثبته من (س) والفتاوى والعقود.
1 / 8
قضى بضلالي١، ثم قال: ارض بالقضا ... فهل٢ أنا راض بالذي فيه شقوتي
فإن كنت بالمقضي يا قوم راضيا ... فربي لا يرضى بشؤم بليتي
وهل٣ لي رضا، ما ليس يرضاه سيدي ... فقد حرت دلوني على كشف حيرتي
إذا شاء ربي الكفر مني مشيئة ... فهل أنا عاص في إتباع المشيئة؟
وهل لي اختيار أن أخالف حكمه؟ ... فبالله فاشفوا بالبراهين غلتي
هذه آخر السؤال المذكور
توضيح الشارح للسؤال
وحاصله: أنه إيراد على مذهب الجبرية القائلين: إن العبد مجبور مقهور على جميع أقواله وأفعاله؛ وإنه لا قدرة له على شيء منها.
بل هي عندهم واقعة بغير اختياره.
_________
١ في الأصل: "ضلالي" وما أثبته من (س) والفتاوى والعقود.
٢ في الفتاوى والعقود: "فما".
٣ في الفتاوى والعقود: "فهل".
1 / 9
وهذا القول باطل بالكتاب والسنة، وباطل بالعقل والحس؛ كما سيأتي بيانه إن شاء الله. وجميع المسلمين من جميع الطوائف أهل السنة وغيرهم ينكرون هذا المذهب ويتبرؤون منه.
فيقول هذا المشبه على المسلمين، المشكك لهم، بانيا على مذهب الجبرية الذي يتبرأ منه جميع الطوائف سوى غلاة الجهمية من الجبرية يقول: "إذا كان الله قضى علي بالكفر، وقدر علي أن لا أكون مسلما، أو قدر علي المعاصي وأن لا أكون طائعا؛ فكيف لي الخلاص من الكفر والمعاصي؟
وكيف أتمكن من الإيمان والطاعة بعدما قضى علي الكفر والمعصية؟ فهل أكون معذورا إذا تجرأت على الكفر والفسوق والعصيان، وأنا لا حيلة لي في الانفكاك عنها؟ ١
_________
١ فائدة: ولله در الإمام (أبي الخطاب) إذ يقول في قصيدته في السنة:
قالوا فأفعال العباد فقلت ما ... من خالق غير الإله الأمجد
قالوا فهل فعل القبيح مراده ... قلت الإرادة كلها للسيد
لو لم يرده وكان نقيصة ... سبحانه عن أن يعجزه الردى
وفي مناظرة بين الأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني، والقاضي عبد الجبار المعتزلي:
قال القاضي عبد الجبار في ابتداء جلوسه للمناظرة: سبحان من تنزه عن الفحشاء
فقال الأستاذ مجيبا: سبحان من لا يقع في ملكه إلا ما يشاء
فقال عبد الجبار: أفيشاء ربنا أن يعصى فقال الأستاذ أيعصى ربنا قهرا؟
فقال عبد الجبار: أفرأيت إن منعني الهدى وقضى علي بالردى أحسن إلي أم أساء؟
فقال الأستاذ: إن كان منعك ما هو لك فقد أساء وإن منعك ما هو له فهو يختص برحمته من يشاء. فانقطع عبد الجبار" اهـ طبقات الشافعية الكبرى للسبكي (٤/٢٦١، ٢٦٢) .
1 / 10
وكيف أجمع بين الرضا بالقضاء، وبين الرضا بالمقضي، من الكفر والمعاصي؛ فإن الله لا يرضى بالكفر والفسوق والعصيان، فكيف قدرها علي، وهو لا يرضاها؟. هذا حاصل هذا السؤال.
الجواب الإجمالي ورد الشارح على هذا السؤال
وجوابه على وجه الإجمال بسيط ولله الحمد
_________
فإنه لا يرد على مذهب جمهور طوائف المسلمين، من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وأئمة الهدى المشهود لهم بالعلم والإيمان، بل ولا على مذهب المعتزلة والقدرية والخوارج وغيرهم من أهل البدع.
فإن الجميع يقولون بما جاء به الكتاب والسنة من إثبات الأصلين:
أحدهما: الاعتراف بأن جميع الأشياء كلها أعيانها، وأوصافها وأفعالها بقضاء وقدر، لا تخرج عن مشيئة الله وإرادته؛ بل ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
والأصل الثاني: أن أفعال العباد من الطاعات والمعاصي وغيرها واقعة بإرادتهم وقدرتهم؛ وأنهم لم يجبروا عليها؛ بل هم الذين فعلوها؛ بما خلق الله لهم من القدرة والإرادة.
ويقولون: لا منافاة بين الأمرين فالحوادث كلها التي من جملتها أفعال العباد بمشيئة الله وإرادته؛ والعباد هم الفاعلون لأفعالهم، المختارون لها، فهم الذين اختاروا فعل الخيرات وفعلوها، واختاروا ترك المعاصي فتركوها.
والآخرون: اختاروا فعل المعاصي وفعلوها، واختاروا ترك الأوامر فتركوها.
1 / 11
فاستحق الأولون: المدح والثواب، واستحق الآخرون الذم والعقاب.
ولم يجبر الله أحدا منهم على خلاف مراده واختياره، فلا عذر للعاصين إذا عصوا وقالوا: إن الله قدرها علينا، فلنا بذلك العذر. فيقال لهم: إن الله قد أعطاكم المكنة والقدرة على كل ما تريدون وأنتم بزيغكم وانحرافكم أرتم الشر ففعلتموه، والله قد حذركم وهيأ لكم كل سبب يصرف عن معاصيه، وأراكم سبيل الرشد فتركتموه وسبيل الغي فسلكتموه.
زيادة إيضاح للجواب الإجمالي
وإذا أردت زياد إيضاح لهذا المقام:
فإنه من المعلوم لكل أحد: أن كل فعل يفعله العبد، وكل كلام يتكلم به، فلا بد فيه من أمرين:
١- قدرة منه على ذلك الفعل والقول.
٢- وإرادة منهم.
فمتى اجتمعن، وجدت منه الأقوال والأفعال.
والله تعالى هو الذي خلق قدرة العبد وإرادة العبد.
وخالق السبب التام، خالق للسبب.
فالله تعالى خالق أفعال العباد، والعباد هم الفاعلون لها حقيقة.
فهذا الإيراد الذي أورده هذا المشكك وما أشبهه من الإيرادات التي يحتج بها أهل المعاصي بالقدر
1 / 12
يجيبونهم بهذا الجواب المفحم فيقولون: دلت أدلة الكتاب والسنة الكثير على أن الخالق كل شيء، وعلى كل شيء قدير وأن كل شيء بقضاء وقدر: الأعيان والأوصاف والأفعال.
* ودلت أيضا أدلة الكتاب والسنة: أن العباد هم الفاعلون لفعلهم حقيقة بقدرتهم واختيارهم، فإنه تعالى نسب إليهم وأضاف إليهم كل ما فعلوه من إيمان وكفر، وطاعة ومعصية. وإنه تعالى مكنهم من هذا ومن هذا.
ولكنه تعالى حبب إلى المؤمنين الإيمان وزينه في قلوبهم وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان.
وولى الآخرين ما تولوا لأنفسهم، حيث اختاروا الشر على الخير وأسباب العقاب على أسباب الثواب.
وهذا كما أنه معلوم بالضرورة من الشرع، فهو معلوم بالحس الذي لا يمكن أحدا المكابرة فيه.
فإن العبد يفرق بين أفعاله التي يقسر ويجبر ويقهر عليها، وبين أفعاله التي يختارها ويريدها، ويحب حصولها.
فهذا الجواب المجمل.
1 / 13
الجواب المفصل للناظم هذا سؤال معند مختصم لله وهو من جنس سؤال إبليس اللعين
...
الجواب المفصل للناظم
وأما الجواب المفصل. فقد ذكره الشيخ قدس الله روحه فقال:
١- سؤالك يا هذا، سؤال معاند ... مخاصم١ رب العرش، باري البرية
٢- فهذا سؤال، خاصم الملأ العلا ... قديما به إبليس، أصل البلية
٣- ومن يك خصما للمهيمن يرجعن ... على أم رأس هاويا في الحفيرة
هذا سؤال معاند مخاصم الله وهو من جنس سؤال إبليس اللعين
الشرح
بين الشيخ في أول الجواب: أن هذا السؤال والإيراد، إنما صدر عن رجل معاند مكابر، مخاصم لله.
فإن هذا السؤال في الحقيقة موجه إلى الله والسائل قد أورده على ربه واعترض عليه، وزعم: أن الله ظالم له، حيث قدر عليه الكفر والمعاصي وعذبه عليه. وكل من عاند الله، فحجته داحضة باطلة، وهو مخصوم محجوج.
وهذا السؤال من جنس سؤال إبليس حيث قال: ﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ (لأعراف:١٦)
فقال: ﴿فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي﴾ ولم يقل: "غويت".
_________
١ في العقود: "تخاصم".
1 / 14
وإبليس هو الذي غوى واستكبر عن أمر ربه، حيث أمره بالسجود لأدم فقال: ﴿قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا﴾ (الإسراء:٦١، ٦٢) .
فإبليس خاصم الله، وبادأه بالمعصية، واستكبر عن أمره، واستكبر على آدم.
فكل من خاصم عن نفسه، أو عن غيره في معصية الله، فهو وارث إبليس، وعنه أخذ هذه الخصومة. فكل من خاصم الحق، فلج وخصم، كما أن كل من خاصم بالحق فلج وغلب.
﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ (الإسراء:٨١) .
وكل من نصر الباطل، فهو من خصوم الله
ولكن: أصناف القدرية الثلاثة١، هم أحق الناس بهذا الوصف.
_________
١ قسم شيخ الإسلام القدرية إلى ثلاثة أقسام في غير موضع من كتبه: فقال: "وأهل الضلال الخائضون في القدر انقسموا إلى ثلاث فرق: مجوسية ومشركية وإبليسية
فالمجوسية: الذين كذبوا بقدر الله وإن آمنوا بأمره ونهيه؛ فغلاتهم أنكروا العلم والكتاب ومقتصدوهم أنكروا عموم مشيئته وخلقه وقدرته وهؤلاء هم المعتزلة ومن وافقهم
والفرقة الثانية: المشركية الذين أقروا بالقضاء والقدر وأنكروا الأمر والنهي؛ قال تعالى: ﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ﴾ (الأنعام: ١٤٨) فمن احتج على تعطيل الأمر والنهي بالقدر فهو من هؤلاء وهذا قد كثر فيمن يدعي الحقيقة من المتصوفة
والفرقة الثالثة: وهم الإبليسية الذين أقروا بالأمرين لكن جعلوا هذا متناقضا من الرب ﷾ وطعنوا في حكمته وعدله كما يذكر ذلك عن إبليس مقدمهم؛ كما نقله أهل المقالات ونقل عن أهل الكتاب" اهـ التدمرية (٢٠٧، ٢٠٨)
وراجع أيضا: الاستقامة (١/٤٣٣) ومنهاج السنة (٣/٨٢) ومجموع الفتاوى (٢٢/١٣١، ١٣٢) وطريق الهجرتين لابن القيم (١٦٧-١٧٨) .
1 / 15
فلهذا قال الشيخ:
بيان طوائف القدرية الثلاث، خصوم الله يوم المعاد
٤- ويدعى١ خصوم الله يوم معادهم ... إلى النار طرا، معشر القدرية
٥- سواء نفوه، أو سعوا ليخاصموا ... به الله، أو ماروا به للشريعة
الشرح
يشير الشيخ إلى ما رواه ابن ماجه عن عائشة ﵂، قالت: سمعت النبي ﷺ يقول: " من تكلم في شيء من القدر، سئل عنه يوم القيامة "٢. أي: سؤال تقريع وتوبيخ. وهو كما ذكر الشيخ يشمل طوائف القدرية الثلاثة:
١- القدرية النفاة
٢- والقدرية المجبرة
٣- والقدرية المشركين
فكل الطوائف الثلاث خاضوا في القدر خوضا منحرفا، وبعضهم أغلظ من بعض، وكلهم عن الصراط ناكبون.
_________
١ في الأصل: (وتدعى) وما أثبته من (س) والفتاوى والعقود وهو الموافق لما نقله ابن القيم في طريق الهجرتين.
٢ حديث ضعيف: رواه ابن ماجه (٨٤) من طريق يحي بن عثمان مولى أبي بكر ثنا يحي بن عبد الله بن أبي مليكة عن أبيه أنه دخل على عائشة فذكر لها شيئا من القدر فقالت: سمعت رسول الله ﷺ الحديث. وقال البوصيري في الزوائد: إسناد هذا الحديث ضعيف؛ لاتفاقهم على ضعف يحي بن عثمان، قال فيه ابن معين، والبخاري وابن حبان: منكر الحديث وزاد ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به، ويحي بن عبد الله بن أبي مليكة قال ابن حبان: يعتبر حديثه إذا روى عنه غير يحي بن عثمان" وضعفه الألباني في ضعيف الترمذي برقم (١٦) .
1 / 16
حقيقة مذهب القدرية النفاة وبيان أنهم مجوس هذه الأمة
...
١- فأما القدرية النفاة:
فهم الذين يطلق عليهم أكثر العلماء اسم "القدرية".
وهم الذين ورد فيهم الحديث، الذي في "السنن": " أنهم مجوس هذه الأمة "١.
وأكثر أهل "المعتزلة" على هذا المذهب الباطل.
وحقيقة مذهبهم أنهم يقولون: إن أفعال العباد، وطاعاتهم ومعاصيهم لم تدخل تحت قضاء الله وقدره.
فأثبتوا قدرة الله على أعيان المخلوقات وأوصافها، ونفوا قدرته على أفعال المكلفين، وقالوا: إن الله لم يردها ولم يشأها منهم، بل هم الذين أرادوها وشاءوها، وفعلوها استقلالا بدون مشيئة الله.
ويزعمون: أنهم بهذا القول ينزهون الله عن الظلم، لأنه لو قدر المعاصي عليهم، ثم عذبهم عليها، لكان ظالما لهم، وللزم من إثبات قدرة الله على أفعالهم الجبر، الذي هو باطل بالشرع والعقل، كما تقدمت الإشارة إليه.
_________
١ حديث حسن: رواه أبو داود (٤٦٩١) والحاكم (١/٨٥) من طريق أبي حازم سلمة بن دينار عن ابن عمر، وهو منقطع لأن أبا حازم لم يسمع من ابن عمر، ولكن الحديث له شواهد ترقيه لمرتبة الحسن؛ ولذا حسنه الألباني في تخريج شرح الطحاوية لابن أبي العز (٢٨٤) وفي تخريج كتاب السنة لابن أبي عاصم (٢٣٨، ٣٢٩) وراجع مختصر سنن أبي داود للمنذري (٧/٦١) .
1 / 17
ولكنهم بهذا القول الباطل ردوا نصوصا كثيرة من الكتاب والسنة تثبت وتصرح أن جميع أعمال العباد من خير وشر، وطاعة ومعصية بقضاء الله وقدره.
كما أجمع المسلمون: أنه ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.
وسموا "مجوس هذه الأمة"، لأنهم أشبهوا "المجوس" الذين أثبتوا خالقا للخير، وخالقا للشر، وهو إبليس على زعم "المجوس" ١.
وهؤلاء "القدرية" أثبتوا: أن الله خالق للعباد لأعيانهم وأوصافهم، ولم يثبتوا أنه خالق لأفعالهم.
فأخرجوا أفعال العباد عن قدر الله، ولم يهتدوا إلى ما اهتدى إليه أهل السنة، من أن الله كما أنه الذي خلقهم، خلق ما به يفعلون من قدرتهم وإرادتهم، ثم فعلوا الأفعال المتنوعة من طاعة، ومعصية بقدرتهم وإرادتهم اللتين خلقهما الله باتفاق المسلمين.
حتى هؤلاء "القدرية" يثبتون: أن قدرة العباد وإرادتهم مخلوقة له.
وحيث وقعت أفعال العباد بقدرتهم وإرادتهم اللتين خلقهما الله في العبد ليتمكن بهما من كل ما يريده من أقوال وأفعاله.
وخالق السبب التام خالق السبب.
_________
١ راجع معالم السنن للخطابي (٧/٥٦-٥٨) وجامع الأصول لابن الأثير (١٠/١٢٨) .
1 / 18
فالعبد المؤمن: هو الذي يصلي، ويصوم، ويتصدق، ويحج، ويعمل أعمال البر، بما مكنه الله، وأعطاه من قدرة وإرادة يتمكن بهما من أفعال الخير.
والعبد الكافر أو الفاجر،: هو الذي يشرك، ويقتل، ويزني، ويسرق ويعمل أجناس المعاصي، بما مكنه الله به وأعطاه من قدرة وإرادة يفعل بهما تلك الأفعال.
والقدرة والإرادة اللتان أعطاهما الله للعبد خير ونعمة، وفضل من الله، لكن العبد العاصي هو الذي وجه قواه وأفعاله إلى أعمال الشر.
فلم يكن له على الله حجة، بل لله عليه الحجة البالغة، نهج الله له طريق الخير فأباه، وسلك بنفسه طريق الشر وارتضاه، فلا يلومن من بعد ذلك إلا نفسه. فمن احتج مع ذلك على ربه وقال: إنه قدر علي المعاصي فلا لوم علي؟! ١
_________
١ ولشيخ الإسلام ابن تيمية كلام نفيس في مسألة الاحتجاج بالقدر فليراجع مجموع الفتاوى (٨/٣٠٣-٣٧١) .
الرد على من احتج بالمعاصي على القدر قيل له: هذه حجة أبطلها الله في كتابه، حيث قال: ﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ (الأنعام:١٤٨-١٤٩) .
الرد على من احتج بالمعاصي على القدر قيل له: هذه حجة أبطلها الله في كتابه، حيث قال: ﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ (الأنعام:١٤٨-١٤٩) .
1 / 19
فتضمنت هاتان الآيتان: أن الاحتجاج بالقدر على المعاصي باطل من وجوه:
منها: أن هذا هو احتجاج المشركين.
ومنها: أن هذا الاحتجاج بالقدر على الشر، لم يمنعهم من عذاب الله. حيث قال: ﴿كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا﴾ .
ومنها: أن الله وبخهم على ذلك، وطالبهم بالبرهان في قوله: ﴿قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا﴾ (الأنعام: ١٤٨) . فنفى عنهم العلم وأخبر أنهم يتبعون الظن الذي لا يغني من الحق شيئا.
ومنها: أنه أخبر أن له الحجة البالغة على جميع من تجرأ على معاصيه. فمن احتج على المعاصي فهو أظلم الظالمين.
وأيضا: فهذا المحتج بالقدر، المقيم لعذر نفسه على ربه، هو يكذب نفسه بنفسه، فإنه لو تجرأ عليه أحد بتعد على ماله أو بدنه أو محبوباته، واعتذر بالقدر لم يقبل عذره، فكيف يقبل عذر نفسه على تجرئه على ربه؟! فالمحتج بالقدر على المعاصي: يكذبه الكتاب والسنة والعقل، وضميره يكذبه كما ذكرنا، وإنما يقصد باحتجاجه دفع الشناعة عن نفسه.
وكانت طائفة القدر في أول أمرهم ينكرون العلم، وينكرون القدر١ فيقولون: إن الله لا يعلم أعمال العباد قبل أن يعملوها، ولا تعلقت بها
_________
١ قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " وهذا القول أول ما حدث في الإسلام بعد انقراض عصر الخلفاء الراشدين وبعد إمارة معاوية بن أبى سفيان في زمن الفتنة التي كانت بين بن الزبير وبين بني =
1 / 20
مشيئة الله. فلما شنع عليهم المسلمين وكفروهم بذلك تحولوا عن قولهم الأول، فأثبتوا العلم، وأنكروا القدر.
ولهذا كان الأمة كالإمام أحمد، وغيره يقولون: "ناظروا القدرية بالعلم، فإن أنكروا العلم كفروا، وإن اعترفوا به خصموا"١.
يعني: أن "القدرية" النافين لعلم الله بأفعال عباده، جاحدون لنصوص الكتاب والسنة المصرحة بإحاطة علم الله، بما كان وما يكون من أعيان وأوصاف، وأفعال، مما دق وجل.
فمن أنكر ذلك فقد كذب الكتاب والسنة صريحا، وذلك هو الكفر. وإن اعترفوا بإحاطة علم الله بكل شيء، وبأفعال العباد قبل وقوعها كما هو القول الذي استقر عليه مذهبهم خصموا.
_________
= أمية في أواخر عصر عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وغيرهما من الصحابة وكان أول من ظهر عنه ذلك بالبصرة معبد الجهني فلما بلغ الصحابة قول هؤلاء تبرءوا منهم وأنكروا مقالتهم كما قال عبد الله بن عمر لما أخبر عنهم إذا لقيت أولئك فأخبرهم أنى بريء منهم وأنهم برءاء مني وكذلك كلام بن عباس وجابر بن عبد الله وواثلة بن الأسقع وغيرهم من الصحابة والتابعين لهم بإحسان وسائر أئمة المسلمين فيهم كثير حتى قال فيهم الأئمة كمالك والشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهم أن المنكرين لعلم الله المتقدم يكفرون ثم كثر خوض الناس في القدر فصار جمهورهم يقر بالعلم المتقدم والكتاب السابق لكن ينكرون عموم مشيئة الله وعموم خلقه وقدرته ويظنون أنه لا معنى لمشيئته إلا أمره فما شاءه فقد أمر به وما لم يشأه لم يأمر به "جموع الفتاوى (٨/٤٥٠)
وراجع أيضا: مجموع الفتاوى (٢٨/٤٩٠، ١٣/٣٦، ٣٧، ٧/٣٨٤، ٣٨٥) ومنهاج السنة النبوية (١/٣٩٠) .
١ راجع السنة للخلال (١/٥٣٢) .
1 / 21
ووجه ذلك: أنهم يقولون: إن أفعالهم لا تتعلق بها مشيئة الله وإرادته، وإنما هم مستقلون بها من كل وجه.
إذا كان هذا قولهم في مشيئة الله، مع قولهم: وإن الله يعلم أعمال العباد قبل أن يعملوها؛ فهذا تناقض محض!!
كيف يعلمها وهو لم يقدرها ولم يردها؟ هذا محال ﴿أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ (الملك:١٤) .
فيلزم أحد الأمرين:
١- إما أن لا يتناقضوا، فينفوا الأمرين علم الله بأفعاله، ومشيئته لها. فيتضح كفرهم.
٢- وإما أن يرجعوا إلى الحق الذي دل عليه الكتاب والسنة وأجمع عليه المسلمون، وهو: أنه تعالى كما أنه بكل شيء عليم، وبكل شيء محيط؛ فإنه على كل شيء قدير.
ومن جملة الأشياء: أفعال العباد طاعتهم ومعاصيهم فهو تعالى يعلمها إجمالا وتفصيلا قبل أن يعملوها.
وأعمالهم وأفعالهم داخلة تحت مشيئة الله وإرادته؛ فقد شاءها منهم وأرادها، ولم يجبرهم لا على الطاعات، ولا على المعاصي، بل هم الذين فعلوها باختيارهم، كما قال تعالى: ﴿لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ (التكوير:٢٨، ٢٩) .
1 / 22
فهذه الآية فيها: رد على القدرية النفاة وعلى القدرية المجبرة وإثبات للحق الذي عليه أهل السنة والجماعة.
فقوله: ﴿لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ﴾ أثبتت أنه لهم مشيئة حقيقية وفعلا حقيقيا وهو الاستقامة باختيارهم.
فهذا رد على الجبرية.
وقوله: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ أخبر أن مشيئتهم تابعة لمشيئة الله، وأنها لا توجد بدونها.
فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
ففيها رد على القدرية القائلين: إن مشيئة العباد مستقلة، وليست نابعة لمشيئة الله.
بل عندهم: يشاء العباد ويفعلون ما لا يشاؤه الله ولا يقدره.
ودلت الآية على الحق الواضح، وهو: أن العباد هم الذين يعملون الطاعات والمعاصي حقيقة، وليسوا مجبورين عليها.
وأنها مع ذلك تابعة لمشيئة الله، كما تقدم كيفية وجه ذلك.
والآيات الدالات على هذا كثيرة جدا.
فهذه إحدى الطوائف الثلاث المخاصمين لله؛ فإنهم أنكروا عموم مشيئته وقدره، وجحدوا ما قرره الله في كتابه، وعلى لسان رسوله من شمول قدره لكل شيء. فزعموا: أن أفعال العباد خارجة من هذا العموم.
1 / 23
٢- حقيقة مذهب القدرية المجبرة والرد عليهم
وأما الطائفة الثانية فهم الجبرية:
الذين يقال لهم: "القدرية المجبرة".
وهم "غلاة الجهمية" الذين إمامهم في هذا وغيره "جهم بن صفوان" المتفق على بدعته، بل بدعه الخبيثة المتنوعة.
*فزعموا: أن عموم مشيئة الله، وعموم إرادته تقتضي:
- أن العبد مجبور على أفعاله، مقسور مقهور على أقواله وأفعاله.
- لا قدرة له على شيء من الطاعات، ولا على ترك المعاصي.
- ومع أنه لا قدرة له على ذلك عندهم، فهو مثاب معاقب على ما لا قدرة له عليه.
وهذا القول من أشنع البدع وأنكرها.
وهو مخالف للكتاب والسنة وإجماع الأئمة المهتدين، من الصحابة والتابعين لهم بإحسان.
ومخالف للعقول والفطر، ومخالف للمحسوس.
وكل قول يمكن صاحبه أن يطرده إلا هذا القول الشنيع، فإنه لا يمكن أن يعمل به ويطرده، كما تقدم: أنه لا يعذر من ظلمه وتعدى عليه، مع اعتذار المعتدي بالقدر.
فإن الجبري لا يعذره، بل يرى اعتذاره بالقدر زيادة ظلم، وتهكما به.
1 / 24