The Sickness and the Cure
الداء والدواء
Daabacaha
دار المعرفة
Lambarka Daabacaadda
الأولى
Sanadka Daabacaadda
1418 AH
Goobta Daabacaadda
المغرب
Noocyada
Suufinimo
الْأَمْرَيْنِ، وَهُمَا اللَّذَانِ أَثْنَى اللَّهُ بِهِمَا سُبْحَانَهُ عَلَى أَنْبِيَائِهِ بِهِمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ﴾ [سُورَةُ ص: ٤٥] .
فَالْأَيْدِي: الْقُوَّةُ فِي تَنْفِيذِ الْحَقِّ، وَالْأَبْصَارُ: الْبَصَائِرُ فِي الدِّينِ، فَوَصَفَهُمْ بِكَمَالِ إِدْرَاكِ الْحَقِّ وَكَمَالِ تَنْفِيذِهِ، وَانْقَسَمَ النَّاسُ فِي هَذَا الْمَقَامِ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ، فَهَؤُلَاءِ أَشْرَفُ الْأَقْسَامِ مِنَ الْخَلْقِ وَأَكْرَمُهُمْ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى.
الْقِسْمُ الثَّانِي: عَكْسُ هَؤُلَاءِ، مَنْ لَا بَصِيرَةَ لَهُ فِي الدِّينِ، وَلَا قُوَّةَ عَلَى تَنْفِيذِ الْحَقِّ، وَهُمْ أَكْثَرُ هَذَا الْخَلْقِ، وَهُمُ الَّذِينَ رُؤْيَتُهُمْ قَذَى الْعُيُونِ وَحُمَّى الْأَرْوَاحِ وَسَقَمُ الْقُلُوبِ، يُضَيِّقُونَ الدِّيَارَ وَيُغْلُونَ الْأَسْعَارَ، وَلَا يُسْتَفَادُ مِنْ صُحْبَتِهِمْ إِلَّا الْعَارُ وَالشَّنَارُ.
الْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَنْ لَهُ بَصِيرَةٌ بِالْحَقِّ وَمَعْرِفَةٌ بِهِ، لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ لَا قُوَّةَ لَهُ عَلَى تَنْفِيذِهِ وَلَا الدَّعْوَةِ إِلَيْهِ، وَهَذَا حَالُ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَالْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْهُ.
الْقِسْمُ الرَّابِعُ: مَنْ لَهُ قُوَّةٌ وَهِمَّةٌ وَعَزِيمَةٌ، لَكِنَّهُ ضَعِيفُ الْبَصِيرَةِ فِي الدِّينِ، لَا يَكَادُ يُمَيِّزُ بَيْنَ أَوْلِيَاءِ الرَّحْمَنِ وَأَوْلِيَاءِ الشَّيْطَانِ، بَلْ يَحْسَبُ كُلَّ سَوْدَاءَ تَمْرَةً وَكُلَّ بَيْضَاءَ شَحْمَةً، يَحْسَبُ الْوَرَمَ شَحْمًا وَالدَّوَاءَ النَّافِعَ سُمًّا.
وَلَيْسَ فِي هَؤُلَاءِ مَنْ يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ فِي الدِّينِ، وَلَا هُوَ مَوْضِعٌ لَهَا سِوَى الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾ [سُورَةُ السَّجْدَةِ: ٢٤] .
فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ بِالصَّبْرِ وَالْيَقِينِ نَالُوا الْإِمَامَةَ فِي الدِّينِ، وَهَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ اسْتَثْنَاهُمُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِنْ جُمْلَةِ الْخَاسِرِينَ، وَأَقْسَمَ بِالْعَصْرِ - الَّذِي هُوَ زَمَنُ سَعْيِ الْخَاسِرِينَ وَالرَّابِحِينَ - عَلَى أَنَّ مَنْ عَدَاهُمْ فَهُوَ مِنَ الْخَاسِرِينَ، فَقَالَ تَعَالَى ﴿وَالْعَصْرِ - إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ - إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [الْعَصْرِ: ١ - ٣] .
وَلَمْ يَكْتَفِ مِنْهُمْ بِمَعْرِفَةِ الْحَقِّ وَالصَّبْرِ عَلَيْهِ، حَتَّى يُوصِيَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِهِ وَيُرْشِدَهُ إِلَيْهِ وَيَحُضَّهُ عَلَيْهِ.
وَإِذَا كَانَ مَنْ عَدَا هَؤُلَاءِ فَهُوَ خَاسِرٌ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَعَاصِيَ وَالذُّنُوبَ تُعْمِي بَصِيرَةَ الْقَلْبِ فَلَا يُدْرِكُ الْحَقَّ كَمَا يَنْبَغِي، وَتَضْعُفُ قُوَّتُهُ وَعَزِيمَتُهُ فَلَا يَصْبِرُ عَلَيْهِ، بَلْ قَدْ يَتَوَارَدُ عَلَى الْقَلْبِ حَتَّى
1 / 93