al-Bid‘ah wa Atharha fi Mihnat al-Muslimeen

Abu Ishaq al-Huwaini d. Unknown

al-Bid‘ah wa Atharha fi Mihnat al-Muslimeen

البدعة وأثرها في محنة المسلمين

Noocyada

البدعة وآثارها في محنة المسلمين [١] نشاهد اليوم كثيرًا من المسلمين يعتنقون البدع أكثر من المعاصي؛ لأن البدعة أحب إلى إبليس من المعصية، وقد أتى إبليس على الناس عن طريق الابتداع في الشرع، متمسكين ببعض الحجج الواهية، مخالفين بذلك خير القرون؛ فإنهم لم يغيروا ولم يبدلوا في دين الله.

1 / 1

خطر البدعة الإضافية على الشرع إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد ﵌، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد. لا فرق عند العلماء بين إخراج الحق من الدين وبين إدخال الباطل فيه؛ لأن كلاهما بخلاف مراد الشارع، فإخراج الحق من الدين يساوي إدخال الباطل فيه. ونحن بمناسبة الكلام على البدعة وعن أثرها في تأسيس محنة المسلمين اليوم، لابد أن نُلقي ضوءًا جليًا واضحًا على جيل الصحابة، وكيف كانوا يواجهون البدع. البدعة: شيء مخترع لا أصل له في الدين، وهذه يسميها الإمام الشاطبي: بالبدعة الحقيقية. شيء مخترع لا أصل له في دين الله ﷿، كالصلاة المذكورة في شهر رجب، أو صلاة النصف من شعبان، فهذه لا أصل لها في دين الله ﷿. وأنا أظن أن هذا النوع من البدع ليس بأكثر خطورة من النوع الآخر، الذي يسميه الإمام الشاطبي: البدعة الإضافية. فمحنتنا الآن هي البدعة الإضافية. البدعة الحقيقية من الممكن أن تنصب الدلائل على بدعيتها وتستريح، أما البدعة الإضافية فإنه يدخل شياطين الإنس من أبوابها، وسميت إضافية؛ لأنها تضاف إلى الشرع من وجه، وتباين الشرع من وجه آخر، فهذه هي مشكلتها؛ لذلك سماها العلماء: بالبدعة الإضافية، أي: لأنها أضيفت إلى الشرع ظلمًا وزورًا. ولنضرب مثلًا للبدعة الإضافية حتى يتضح معناها.

1 / 2

نموذج آخر للبدعة الإضافية ذات مرة في رمضان كنت في درس، فسألني ولد عن قراءة: (قل هو الله أحد) بين التراويح أهي سنة أم بدعة؟ قلنا: بدعة، أخذ الولد هذا الكلام وذهب إلى أبيه -وكان أبوه رأس البدعة في بلده-، وهو الذي يبتدئ بقراءة: (قل هو الله أحد) ثم الناس يقرءون معه، فذهب وأنكر على أبيه، فجاء أبوه في موعد الدرس الثاني، واستمع، وبعدما انفض المجلس جاء فقال: أنت قلت لولدي: إن قراءة: (قل هو الله أحد) بين التراويح بدعة؟ قلت: نعم. قال: قل هو الله أحد، ثلث القرآن بدعة! انظر كيف شدد! (قل هو الله أحد) ثلث القرآن بدعة! قلت له: أنا ما قلت إن قراءة القرآن بدعة، قلت إن قراءتك لـ (قل هو الله أحد) بين التراويح بدعة. قال: أنا ارتكبت حرامًا؟ فقلت له: لو أنك عطست الآن ماذا تقول؟ قال: أقول: الحمد لله، أو الحمد لله على كل حال. قلت: فهل يجوز أن تقول: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله؟ قال: لا، قلت: لماذا؟ الصلاة على الرسول حرام! يعني: هل أنت تحرم الصلاة على الرسول ﷺ، والله ﵎ يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب:٥٦] ما رأيك هل أقول: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله؟ قال: لا. وهكذا كان من فضل الله ﷿ أنه اختصر المسألة، ولو كابر وقال: نعم يصح، كان سيحوجنا إلى أن نأتي بدليل آخر، لكن من فضل الله ﷿ أنه اختصر فقلت له: لماذا لا نصلي على الرسول في العطاس؟ قال: لأن الرسول لم يقل ذلك، قلت: هذا عين جوابي، فالرسول ﵊ لمّا صلى التراويح هل كان يقرأ: (قل هو الله أحد) بين التراويح؟ فسكت قليلًا ثم قال -وهذا هو الشاهد-: يعني أنا مكثت ستين سنة مغفلًا؟! ما هو المانع؟ الصحابة رضوان الله عليهم قال غير واحد منهم: (كنا ضلالًا حتى جاءنا رسول الله ﷺ ما هي المشكلة أن أكون أنا مغفلًا ثم رجعت؟! احمد الله أنك رجعت غيرك مات وهو مغفل، فاحمد الله أن مد في عمرك، وسخر لك من يوقظك، واحمد الله أن رزقك القبول والتسليم، هذه أشياء يستحق الإنسان أن يحمد الله عليها، فمضى الرجل ولم يقتنع، الأدلة كلها تكبله؛ لكن هذا هو الشاهد، لا يسلِّم، المشكلة أن البدعة يعتقد صاحبها أنها دين، لذلك كانت المعصية أفضل من البدعة، الزاني أفضل من المبتدع، شارب الخمر أفضل من المبتدع، قاتل النفس أفضل من المبتدع، وليس معنى أفضل أن القتل حلال، لا. وإنما تفاضل في الشرع؛ لأن هناك كفرًا دون كفر وظلمًا دون ظلم، لماذا؟ لأن أي إنسان يعلم أن المعصية حرام وإن كابر فيها، فإذا علم أنها حرام يمكن أن يخرج منها يومًا بالتوبة. كنت أخطب الجمعة في سنة من السنوات في القاهرة، وتكلمت عن الرجم، وأن الزاني المحصن يرجم، ويحفر له في الأرض حفرة، ثم يرجم بالحجارة حتى يموت، فهذا هو الحد، وتكلمت ومضيت في الكلام، وبعد أن انتهيت من الخطبة وخرجت من المسجد، رأيت رجلًا في نحو السبعين أو الثمانين من عمره، يقف أمامي وهو يرتعد، قلت: إن هذا رجل أعصابه تعبانة، وأطرافه تهتز، وكان كذلك، لكن لم يكن المرض العصبي عنده هو السبب المباشر لهذا فقط، هذا الرجل يسكن بعيدًا عن المسجد فرجع إلى بيته بعد الخطبة، ثم قفل راجعًا إلى المسجد. وقال لي: أريدك على انفراد. ثم قال: أنا رجل عشت حياتي في الزنا، وأول مرة أسمع الكلام الذي قلته في الخطبة، كنت أريد أن أخرج من المسجد؛ لأني كنت أحس أنك ترجمني بالحجارة، لكن استحيت أن أقوم من المسجد، انتهت الصلاة لم أستطع المكوث في المسجد، ذهبت إلى البيت لكن ما استطعت القعود، ولا القيام، ولا استطعت الأكل ولا الشرب، بيتي بعيد، وليس عندي سيارة، ولكني رجعت لأسأل سؤالًا واحدًا، هل يمكن أن تقبل توبتي؟! هذا الرجل الذي ظل يزني عشرين سنة أو ثلاثين سنة أو أربعين سنة، أكثر من الزنا حتى صار لا يعلم أهو حلال أم حرام؟! ولا يمكن أن يعتقد إنسان في حرام بحت أنه حلال، إلا إذا كان جاهلًا بالمرة عن هذا الشيء، الرسول ﵊ عندما قسم الأشياء، جعلها ثلاثة: الحلال المحض البيَّن لا يحتاج إلى برهان، الحرام المحض البيَّن الذي لا يحتاج إلى برهان أيضًا، وبينهما الأمور المشتبهات. قال بعض العلماء: كيف لا يفطر المرء على معرفة الحلال المحض من الحرام المحض، وقد فطر الله الحيوانات على معرفة ذلك؟ وضرب المثل الذي نعرفه نحن جميعًا، إذا أعطيت القط قطعة لحم أكلها بجانبك، أما إذا خطفها فإنه يولي هاربًا، لماذا يولي هاربًا إذا خطفها؟ لأنه سارق، لكن إذا أعطيتها له أكلها بجانبك؛ لأنها جاءت من الحل، إذًا الإنسان الذي ركب الله فيه آلة العقل لا يستطيع أن يجهل الحرام المحض! بل يعرفه، لكن يكابر.

1 / 3

نموذج للبدعة الإضافية وإنكار الصحابة لها جاء في سنن الدارمي بسند صحيح عن يحيى بن سلمة بن كهيل عن أبيه قال: (كنا جلوسًا بباب عبد الله بن مسعود بعد صلاة الغداة، فبينما نحن جلوس إذ جاء أبو موسى الأشعري ﵁ وقال: أخرج أبو عبد الرحمن؟ قلنا: لا، فجلس معنا، فلما خرج اكتنفناه فقال أبو موسى: أبا عبد الرحمن لقد رأيت في المسجد آنفًا شيئًا أنكرته ولم أر والحمد لله إلا خيرًا، قال: وماذا رأيت؟ قال: إن عشت فستراه، رأيت قومًا حِلقًا حِلقًا، أمامهم حصى يسبحون الله ﵎، ويكبرونه، ويحمدونه، ومعهم رجل يقول: سبحوا مائة، فيأخذون مائة حصاة ويسبحون، كبروا مائة، فيكبرون مائة بالحصى. وفي بعض الروايات خارج الدارمي قال: (فرجع ابن مسعود إلى داره وتلثم، ثم دخل المسجد فإذا هم كما وصف أبو موسى الأشعري) . حينئذ كشف ابن مسعود ﵁ عن وجهه وقال: (ما أسرع هلكتكم يا أمة محمد! هاهو محمد ﷺ آنيته لم تكسر، وثيابه لم تبلَ حتى جئتم بشيءٍ ما فعله ولا أصحابه أنا عبد الله بن مسعود، أنا صاحب رسول الله ﷺ، فقالوا: والله يا أبا عبد الرحمن! ما نريد إلا الخير. -قولة كل مبتدع- فقال: كم من مريد للخير لا يبلغه؟ إن رسول الله ﷺ حدثنا: (أن رجالًا يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم وايم الله لعل أكثركم منهم، قال راوي الحديث: فلقد رأيت عامة هؤلاء يطاعنوننا يوم النهروان مع الخوارج) . فهذا مثال، وهناك بعض المسلمين يستحب التسبيح بهذه الصورة، وهو التسبيح على المسبحة؛ لأنه لا فرق بين التسبيح على الحصى باعتبار أن الحصى فرد، وبين أن تنظم هذا الحصى في عقد. فالآن من المسلمين من يُفتي باستحباب التسبيح على المسبحة، وهذه كانت بدعة عند الصحابة، فانظر إلى تطاول الزمن! كان عندهم بدعة ثم صار مستحبًا عندنا، وعبد الله بن مسعود أفقه صحابي، نزل الكوفة بعد علي بن أبي طالب، ويشهد الكل له بذلك، وكان فقيهًا في دين الله ﷿ لاسيما في كتابه ﵎، كان يقول: (لقد أخذت سبعين سورة من فم رسول الله ﷺ لو أعلم أن رجلًا عنده ما ليس عندي تضرب إليه أكباد الإبل لفعلت) . عندما يرى عبد الله بن مسعود رجالًا يسبحون الله على الحصى في المسجد، فهذه هي البدعة الإضافية، التسبيح مشروع لكن هيئته هي البدعة، فانظر كيف صار لها وجهان؟ وجه مشروع، وهو أصل التسبيح، ووجه غير مشروع وهو كيفية التسبيح؛ لذلك هؤلاء ينسبون هذه الهيئة كلها اعتمادًا على الأصل إلى الشرع، ولذلك أبو موسى الأشعري قال لـ عبد الله بن مسعود: (رأيت في المسجد شيئًا أنكرته، ولم أر والحمد لله إلا خيرًا) وإذا كان خيرًا لماذا تنكره؟ الكلام قد يبدو متناقضًا: (أنكرته ولم أر إلا خيرًا) إذا لم تر إلا خيرًا فما الداعي للإنكار؟ أي: أصل الذكر لا يُنكر، رجال جلسوا يذكرون الله، من ينكر هذا؟! فهذا الذي عناه أبو موسى الأشعري قال: لم أر والحمد لله إلا خيرًا. أما الذي أنكره فهو كيفية التسبيح. ولذلك كان في الماضي يوجد بدعة وسنة، أما الآن فالموجود هو بدعة وردة؛ لذلك أصبح الناس الآن يرون البدع ولا ينكرونها؛ لأنهم يرون في مقابل البدعة كفرًا بواحًا، فتهون البدعة عندهم، وما علم هذا المسكين أن عدم إنكاره للبدع هو السبب في وجود هذا الكفر. لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى الصحابة كان عندهم نفرة شديدة من أي محدثٍ مهما كان دقيقًا، لذلك ظل الدين نقيًا عندهم، فأنت إذا كان عندك حساسية شديدة للصغير فمن باب أولى أن تنكر الكبير؛ لكن إذا أنكرت الكبير فقط مر الصغير بسلام، وهذه هي المشكلة، صغير مع صغير مع صغير، تفاجأ أنه صار جبلًا يصعب عليك إنكاره. فالآن لو وجد شخص ينكر المسبحة، يقول له الآخر: تنكر عليه لماذا؟ ترى الناس قاعدين على المقاهي يشربون الحشيش والقهوة ولا تنكر عليهم، انظر كيف؟ أتى بالحشيش والأفيون في مقابل المسبحة، إذًا الذي يسبح بالمسبحة ﵁، ما دام أنك وضعت في مقابله هذا الحشاش، لكن عندما تقيس المسألة قياسًا صحيحًا، وتضع هذا الذي يسبح على الحصى في مقابل ما كان يفعله الصحابة، تقوم فتشنع على هذا الذي يسبح بالحصى، وذلك لأن الصحابة كانوا ينكرونه. لذلك نحن نريد أن نبين كيف كان الجيل الأول ينكر؟ لأنهم أفضل الناس علمًا وعملًا، وأرق الناس قلوبًا. فـ عبد الله بن مسعود وأبو موسى الأشعري أنكرا مجرد التسبيح. المبتدع إنما يريد أن يثبت بدعته اعتبارًا بدليل الأصل، وبعض الناس لما سمع هذا الحديث جاء وقال: ألم يقل الله ﵎: ﴿اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا﴾ [الأحزاب:٤١] فجعل الذكر مطلقًا لماذا تريد أن تقيده؟ هذا يرد على ابن مسعود وأبي موسى الأشعري لأنهما أنكرا مثل هذا الفهم المطلق، لا يجوز لنا أن نطلق فهمًا كان الصحابة يرونه مقيدًا، العبرة بهم فالنبي ﵊ لما علّم الصحابة قال لبعض زوجاته، أو لبعض النساء: (واعقدن التسبيح بالأنامل فإنهن مسئولات مستنطقات) والتسبيح يكون بالأنامل، كل أنملة يسبح عليها ثلاث مرات، والأنامل هي أطراف الأصابع، ومن استهون مثل هذا يستهون غيره، ومشكلة المبتدع أنه يعتقد بدعته دينًا، لذلك مهما جئته بكل آية لا يسلِّم.

1 / 4

السر في كون البدعة أحب إلى إبليس من المعصية قال سفيان الثوري وغيره من العلماء: (البدعة أحب إلى إبليس من المعصية؛ لأن البدعة لا يتاب منها، والمعصية يتاب منها، ومن أظهر الدلائل على أن إبليس لا يكترث بالمعصية، حديث جابر الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه قال: قال رسول الله ﷺ: (إن إبليس يضع عرشه على الماء) فهو يضع عرشه أي: الكرسي، ثم يجلس عليه وبعد ذلك يعطي للأبالسة خط سير، كل واحد يذهب إلى بني آدم: (يرسل سراياه تترى إلى بني آدم ...) تترى: بعضها خلف بعض. لو أننا نعمل كالأبالسة لكنا من المصطفَين الأخيار، إنهم لا يكلون ولا ينامون ولا يهدءون، فإبليس لا يحاسب رأس كل شهر ولا أسبوع، إبليس يحاسب كل يوم، يرسل سراياه تترى، ثم بعد ذلك يأتون مرتصين أمامه كالطابور، وهو قاعد على الكرسي، كل واحد يأتي له بتقرير (يقول الأول: ما تركته حتى فعل كذا وكذا) ونحن يمكن أن نسمي كذا وكذا من عندنا، مثلًا يقول: ما تركته حتى زنى، نقول له إبليس لم تصنع شيئًا، وأنت؟! فيقول: ما تركته حتى قتل أخاه يقول له: لم تصنع شيئًا، وأنت؟! فيقول: ما تركته حتى شرب الخمر، وأنت؟ فيقول: ما تركته حتى سرق، لم تصنع شيئًا، كلهم لم يصنعوا شيئًا، حتى يأتي الدور على واحد منهم فيقول له: وأنت ماذا فعلت؟ يقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين أهله، حينئذ يقوم من كرسيه ويعتنقه (يلتزمه) ثم يقول له: نعم أنت، أنت أنت. هذا الشغل. إذًا أهل الطلاق حلال أم حرام؟ الطلاق بدون سبب مباح، والذي يقول: إنه لابد أن يكون للطلاق من علة مخطئ (فالنبي ﷺ لما طلق حفصة جاءه جبريل ﵇ فقال إن ربك يأمرك أن تراجعها فإنها صوامة قوامة) هل هناك أفضل من هذا؟ صوامة قوامة، فالطلاق مباح، لكن هل الزنا حلال؟ الخمر حلال؟ القتل حلال؟ أبدًا، كان المفروض أن إبليس عندما يقول له ابنه: ما تركته حتى زنى يقوم ليعانقه تعظيمًا لما قام به، فكيف يعظم إبليس شيئًا من المباحات ولا يكترث بالكبائر؟ مع أن هذا المطلق لزوجه لم يرتكب حرامًا، وهذا ارتكب كبيرة؛ لأن العبد إذا ملأ الأرض بالمعاصي ثم قال: رب تبت، قال: غفرت لك، إذًا ذهب جهد إبليس كله هدرًا، لذلك إبليس لا يكترث بالمعصية، لا تهمه؛ لأن العبد إذا تاب تاب الله عليه، لو ظل مائة عام يعصي الله ﷿، ثم رزقه الله الإنابة إليه، ووفقه إلى عمل صالح قدمه قبل موته، ذهب عمل إبليس كله. ولا أدل على ذلك من قصة الرجل الذي قتل تسعًا وتسعين نفسًا، لما ذهب يسأل العابد قال له: لا توبة لك فقتله فأكمل به المائة. هذه مائة نفس قتلها رجل واحد، وغفر الله ﵎ له، إذًا المعصية لا قيمة لها عند إبليس، إذ أنه يُتاب منها، أما البدعة فلا يُتاب منها؛ لأن العبد يعتقدها دينًا. ومن الأدلة الواضحة التي ذكرت في كتب التاريخ قصة الجعد بن درهم رأس الجهمية القدرية المعطلة، أخذ البدعة عن ابن سمعان، وابن سمعان أخذها عن طالوت، وطالوت أخذها عن لبيد بن الأعصم اليهودي الذي سحر النبي ﵊، والجهم بن صفوان أخذ المذهب الرديء عن الجعد بن درهم. انظر الإسناد! ظلمات بعضها فوق بعض، الجهم عن الجعد عن ابن سمعان عن طالوت عن لبيد اليهودي. الجعد بن درهم قال: إن الله لم يكلم موسى تكليمًا ولم يتخذ إبراهيم خليلًا، هذا مضاد لصريح القرآن: ﴿وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا﴾ [النساء:١٢٥] ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا﴾ [النساء:١٦٤]، لماذا تنكر؟ قال: لأن الكلام يحتاج إلى شفتين وأسنان ولهاة وحنك، ويحتاج إلى حنجرة وصوت وهواء وغيرها، والله منزه عن ذلك، إذًا الله لا يتكلم؛ ولأن إثبات الكلام معناه إثبات الجارحة والله ليس كمثله شيء، إذًا لا نثبت له الكلام، وهكذا دواليك، حتى نفى الصفات كلها فصار يعبد عدمًا. له إله لا سميعًا ولا بصيرًا ولا متكلمًا ولا عليمًا ولا قديرًا، ما هذا!! خلقه أحسن منه! يعني: أن الإنسان المخلوق سميع وبصير ومتكلم وحساس، وقادر، إذًا الإنسان أحسن من خالقه، فهذا المعطل يعبد عدمًا، فلما أظهر هذه المقالة الشنيعة طلبه الأمير آنذاك -وكان خالد بن عبد الله القسري - وأرسل الشرطة فقبضوا عليه وكان بإمكانه أن يتوب، لكنه لم يتب، وظل محبوسًا حتى عيد الأضحى، أتوا به مقيدًا ووضعوه تحت المنبر، خطب خالد بن عبد الله القسري خطبة العيد، وختمها بقوله: أيها الناس! ضحوا تقبل الله ضحاياكم فإني مضح بـ الجعد بن درهم، فإنه يزعم أن الله لم يكلم موسى تكليمًا، ولم يتخذ إبراهيم خليلًا، ونزل فذبحه في أصل المنبر، فشكر له علماء المسلمين ذلك انظر خطورة البدعة!! الله ﵎ رخص للمسلم أن يتكلم بكلمة الكفر لينجو، قال ﵎: ﴿إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ﴾ [النحل:١٠٦] . نزلت هذه الآية في عمار بن ياسر ﵁ كان نحيفًا ضعيفًا، فأخذه صناديد قريش وعذبوه العذاب الأليم، وشرطوا عليه لكي يتركوه أن يسب النبي ﵊، لم يتحمل العذاب، قال لهم: ماذا أقول؟ قالوا: قل: هو ساحر، هو كاهن، هو مجنون، قال: ساحر، كاهن، مجنون، فلما تركوه وبرد جلده، لام نفسه، وقال: هذا الذي أخرجني من الظلمات إلى النور! مجنون ساحر كاهن! ذهب إلى الرسول ﵊ وقال له ذلك فقال: (يا عمار كيف تجد قلبك؟ قال: يا رسول الله! أجده مطمئنًا بالإيمان. قال: يا عمار! إن عادوا فعد) مع أن سب الرسول ﵊ كفر، باتفاق العلماء أن الذي يسب الرسول ﵊ يقتل ولو تاب؛ حماية لجناب الرسول ﵊ حتى يكون معظمًا عند الناس؛ لأن من الممكن أن هذا التائب يكون كاذبًا في رجوعه، فلو تركنا الرسول ﵊ لكل أحد يسبه فممكن لأي شخص أن يسب ثم يدعي التوبة، حرمة الرسول ﷺ ليست مهزلة؛ فمن يسب النبي فإنه يقتل ولو تاب، فإن كان تاب حقًا نفعه هذا بينه وبين الله، وإن كان كاذبًا مات على ذلك، ما اتفق عليه العلماء، ومع ذلك الرسول ﵊ يقول له: (كيف تجد قلبك؟ يقول: أجده مطمئنًا بالإيمان، يقول: إن عادوا فعد) إن عادوا لضربك فعد إلى سبي. إذًا يرخص للمسلم إذا وقع في مثل هذه المواقف أن يصرح بكلمة الكفر؛ فكان يمكن للجعد بن درهم أن يقول: أنا كنت مخطئًا، أنا تبت، وينقذ نفسه ولو كاذبًا؛ لكنه أبى وفضّل أن يقتل دون أن يرجع عن هذه البدعة؛ لأنه يعتقدها دينًا، ولو أنك ذهبت إلى عالم من علماء المسلمين وقلت له: ارجع عن دينك لا يرجع أبدًا، كذلك المبتدع لا يرجع أبدًا، كما أن هذا العابد يعتقد بدعته دينًا، لذلك لا يمكن أن يرجع، فالبدعة خطيرة جدًا جدًا، وكل الذي بيننا من الخور أصله البدعة، ولو أننا هجرنا المبتدعة في الله مع مراعاة الأحكام الشرعية الخمسة، ومراعاة ضبط المصالح والمفاسد لذلوا، هم الآن أطول الناس أعناقًا. الذين يدعون الآن لاجتماع شمل المسلمين واهمون، كيف تجمع ما بين رجل يقول: الله في كل مكان، وما بين رجل يقول: الله في السماء وهذا هو القول الحق؟! الذي يقول: إن الله في كل مكان، يتهم الذي يقول: إن الله في السماء بأنه مجسم، اتهامات متبادلة، كيف تجمع ما بين رجال اختلفوا في ربهم، هناك من يقول: الله لا فوق ولا تحت ولا وراء ولا أمام ولا خارج العالم ولا داخله؟!

1 / 5

منهج السلف في إثبات أسماء الله وصفاته

1 / 6

الرد على شبهة المعتزلة والأشاعرة في أن خبر الواحد لا يحتج به في العقيدة ما قالوا كما قالت المبتدعة من المعتزلة والأشاعرة وأشباههم: إن خبر الواحد لا يحتج به في العقيدة هذا أصل من أصول المبتدعة التي ردوا بها دلالات النصوص الواضحة، لماذا تردون خبر الواحد؟ يقول لك: هل الواحد معصوم؟ لا. يمكن أن يخطئ؟ نعم. ما هو الدليل على أنه لم يخطئ في هذا الخبر؟ طالما أنه ليس بمعصوم، وأنه من الجائز أن يخطئ، فمن الممكن أن يخطئ في نقل صفة لله، فأنا لا أعبد الله بخبر من يمكن أن يدخل الخطأ في كلامه. إذًا لكي نقبل هذا الكلام: لابد أن يرويه عدد يستحيل تواطؤهم على الكذب أو الخطأ، هو هذا كلامهم، قاعدة عملية، تأتي له بأي صفة، يأتي بهذه القاعدة ويقول لك: هذا مخالف للعقل، عقل من؟ لعقلك أنت، أم لعقل زيد، أم لعقل عمرو؟! إذًا عقلك أفضل مني، لماذا؟ اختلفنا إذًا، نريد عقلًا ثالثًا يحكم بيننا، لو جاء برجل أقول له: أعقله أفضل مني؟ أنا لا أرضاه، لو جئته أنا برجل يقول: أعقله أفضل مني؟ أنا لا أرضاه، إذًا لابد من عقل معصوم وليس إلا النبي ﵊، إذًا رجعنا مرة أخرى للنقل؛ لأن الحكم الفيصل بيني وبين هذا الذي اختلفت معه، لابد أن يكون واحدًا هو محل ثقة مني ومنه، وهذا لا يكون إلا لرسول الله ﷺ. الرسول ﵊ لما أرسل معاذ بن جبل إلى اليمن قال: (إنك تأتي قومًا أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله) هذه عقيدة أم أحكام شرعية؟ هذه عقيدة، ومع ذلك أرسل معاذ بن جبل وحده، ثم أتبعه بـ أبي موسى الأشعري فصارا اثنين، والاثنان ليس تواترًا لا عندهم ولا عندنا، التواتر: عدد يستحيل تواطؤهم على الكذب، بعضهم يقول: عشرة؛ لكن العدد اثنان باتفاقنا معهم ليس تواترًا. الرسول ﵊ أقام الدين كله في اليمن بـ معاذ وأبي موسى الأشعري، واتفق المسلمون لا خلاف بينهم أن حاكم المسلمين لو أرسل رسوله إلى بلد ما، وعرض عليهم الإسلام فرفضوه، ورفضوا دفع الجزية أنه يغير عليهم، ولكانوا كفرة، وهذا واحد، لكن هؤلاء وضعوا هذا الأصل ليصدوا عن أنفسهم جيوش أدلة أهل السنة والجماعة، وصاروا يقيمون شبهًا عقلية تنطلي على من ليس من أهل العلم؛ لذلك حدث من الفساد ما لا يعلمه إلا الله، بل إنه حدث من الاختلاف شيء لا تصدقونه من هوله، عندما تقرءون كتب الفرق، هذا كله بسبب البدعة، فهي أخطر ما يكون؛ لذلك يجب علينا أن نهجر أهل البدع، مع مراعاة المصالح والمفاسد، يجب علينا أن نهينهم ولا نعظمهم، ولا نكبرهم ولا نثني عليهم، وقضية المصالح والمفاسد تحتاج إلى وقفة طويلة، لكن ليس هذا وقته؛ لأن بعض الناس ممكن يدخل من باب مراعاة المصالح والمفاسد ويهدم الحكم كاملًا. الحل، نحن نشبه بالإسلام لفظًا، ونشبه تطبيق المسلمين عملًا، بمثلث حاد الزاوية، تصوروا معي هذا المثل هو النقطة، ثم بعد ذلك تشد هذين الضلعين إلى هذه النقطة، والنقطة التي وضعناها هي برأس القلم على رأس هذا المثلث، ذاك زمان النبي ﷺ نقطة لا أبعاد فيها، فإن كان فيها أبعاد فهي قليلة صغيرة جدًا، بخلاف الذي كان موجودًا بابتعاث الرسول ﵊ فهو خلاف سهل وسرعان ما ينتهي، ابدأ وانزل بالضلعين من عند النقطة تبدأ المسافة تتسع بين الضلعين، تحت رأس المثلث مباشرة، ولاحظ أن المسافة أيضًا لا زالت صغيرة، إنما تزداد المسافة بُعدًا كلما نزلت كثيرًا عن رأس المثلث. إذًا كلما ابتعدت عن رأس المثلث، ازداد البعد بينك وبين هذا الدين، إذًا ما هو الحل؟ أن تصعد إلى رأس المثلث، فكلما صعدت إلى فوق قلَّ الفارق، لذلك نحن نؤكد على ضرورة الرجوع إلى القرون الثلاثة الأولى، خذوا منهم الفتوى في كل شيء: عقيدة، وحكمًا، حلالًا وحرامًا. إن كثيرًا من المتأخرين الذين لم يذوقوا طعم الرجوع إلى هذه القرون الماضية بفتاواهم هذه، إنما يباعدون ما بين المسلمين وما بين النص الشرعي. لذلك إذا أردت أن ترجع اصعد إلى فوق، وعليك بالعلو، لذلك أيها الإخوة! البدعة من أخطر ما يكون على هذا الدين، فهي معولُ هدمٍ، صاحب البدعة أولى بالهجر من صاحب المعصية، صاحب المعصية لعله يرجع، صاحب البدعة قل له: هذه بدعة، وتلطف في عرض الحق، فإذا ما ظهر لك أن هذا الرجل مستمر في غيه، لا يريد أن يرجع إلى الحق، حينئذٍ يجب عليك أن تهجره. أيها الإخوة! الكلام طويل طويل! وبالذات في مسألة البدعة، وهذه رءوس أقلام، وأنا أنصح بمطالعة كتاب: الاعتصام للإمام الشاطبي، وهذا الكتاب أولى أن يدرس في المساجد وأن يبسط؛ لأن عبارات الإمام الشاطبي أحيانًا تكون مغلقة، فهي عبارات قوية، هذا الكتاب يحتاج إلى تبسيط، وإلى حسن عرض على المسلمين؛ لأن المسلمين لو فقهوا كتاب: الاعتصام سيعرفون حد البدعة، بالذات البدعة الإضافية. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

1 / 7

عدم اختلاف الصحابة في الأسماء والصفات الصحابة رضوان الله عليهم ما اختلفوا قط في خبر فيه صفة أو اسم لله تعالى، وإنما اختلفوا في الأحكام الشرعية، في الحلال والحرام، اختلفوا كثيرًا كثيرًا، أبو هريرة ﵁ اختلف مع ابن عباس في الوضوء مما مست النار؛ لأن أبا هريرة كان يروي الحديث الصحيح الذي نسخ فيما بعد: (توضئوا مما مست النار) . لما تشرب الشاي تتوضأ، لما تأكل أي شيء مما مسته النار تتوضأ، هذا كان أولًا ثم نسخ بعد ذلك. فـ ابن عباس ﵁ جمعه مجلس مع أبي هريرة -وهذا الحديث في سنن الترمذي - فسمع أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (توضئوا مما مست النار)، فقال: يا أبا هريرة! أتوضأ من طعام أجده في كتاب الله حلالًا؟! يعني: آكل اللحمة غير مطبوخة؟ هذا حلال، يا أبا هريرة! أفلا نتوضأ من الحميم؟ يعني: حتى ولو نغتسل بماء حار، فيحتاج إلى أن نغتسل مرة أخرى بماء بارد؛ لأن الماء الحار مسته النار. فما كان من أبي هريرة إلا أن قبض حصى ملء كفه وقال: أشهد عدد هذا الحصى أنني سمعت رسول الله ﷺ يقول: (توضئوا مما مست النار) يا بن أخي! إذا حدثتك عن رسول الله ﷺ حديثًا فلا تضرب له الأمثال. هو هذا الأدب، اختلفوا في مسألة فقهية كهذه. اختلفوا في عدة المتوفى عنها زوجها، اختلفوا في الطاعون، اختلفوا في قضاء الوتر بعد صلاة الفجر، عشرات الأحكام الفقهية اختلفوا فيها، لكن هل اختلفوا في خبر فيه صفة لله ﵎؟ أبدًا، لا يمكن أن تجد هذا، معنى هذا الكلام أنهم سلموا بذلك.

1 / 8

الصحابة آمنوا بكل ما جاء في القرآن والسنة لقد كان الصحابة يثبتون لله الأسماء والصفات كما أثبتها القرآن والسنة، ولذلك نحن نقول: كلمة التوحيد قبل توحيد الكلمة. فهل تريد أن تجمع أجسادًا متراصة دون عقيدة واحدة؟ ماذا يفعلون؟! أنا أرى الذي بجانبي مبتدعًا ضالًا مضلًا، وهو يراني كذلك، ما هو النفع أن تجمعني به؟! يا جماعة! لنكن صرحاء، إن ما حدث في أفغانستان واضح جدًا للعيان، لقد كانوا أصحاب رايات متفرقة، كل واحد له عقيدة وشكل: هذا أشعري، وهذا جهمي، وهذا قدري، وهذا سني، وهذا شيعي، عندما جاء الروس قالوا: نجتمع كلنا عليهم، فلما خرج الروس تصارعوا فيما بينهم، وهذا شيء طبيعي جدًا؛ لأن كل واحد يقول: أنا أريد أن أمكن لديني وعقيدتي في الأرض. فأنت عندما تقول: الله مستوٍ على العرش، يقول هو: قاعد على العرش معناه: أنه جسم، فأنت تجسم ربك، أنا لا أمكن لك أن تنشر هذا المذهب الرديء، وبدأ كل منهم يقاتل الآخر، فلو أن هؤلاء قبل أن يجتمعوا كانوا موحدين حقًا لانتصروا على الروس انتصارًا ساحقًا، بل إن الصحابة كانوا قلة، ونأخذ العبرة بيوم بدر، كان عددهم ثلاثمائة وأربعة عشر رجلًا، لم يخرجوا لقتال، ولم يتأهبوا له، ليس معهم غير فرسين اثنين، يعني: تشبه الآن الطائرات المقاتلة، والرسول ﵊ ما خرج لقتال، فقاتلوا ألف رجل خرجوا هم للقتال، وماذا فعلوا فيهم؟ قتلوا صناديدهم، قتلوا سبعين رجلًا كافرًا عنيدًا، قتلهم ثلاثمائة وأربعة عشر رجلًا، كان أبو جهل ومن معه كل يوم يذبحون عشرة جمال ويأكلونها، والصحابة الفقراء يقتسمون التمرات، يقسم التمرة بينه وبين أخيه، في غزوة جيش البحر جابر بن عبد الله الأنصاري كان يقول: (كنا نضع التمرة تحت ألسنتنا نمصها كما يمص الصبي، ونشرب عليها الماء) سعد بن أبي وقاص يقول: (كنا نأكل من ورق الشجر) هم هؤلاء الذين أعز اللهم بهم الإسلام، لأنهم كانوا على قلب رجل واحد. وأنتم تعرفون قصة الرجل الذي طلب الماء وهو في الرمق الأخير، فلما أراد أن يشرب سمع أخاه يقول: الماء، فقال: أعط أخي وهو في الرمق الأخير سوف يموت، وذلك سمع رجلًا يطلب الماء، فقال: أعط أخي، وكل واحد يقول: أعط أخي، فلما رجع إلى الأول وجده قد مات، ثم مر على الذي بعده فإذا به قد مات، حتى مات العشرة ولم يشربوا الماء. الرسول ﵊ أول ما بدأ بدأ بتأسيس البنيان ببناء القاعدة، كان بإمكانه أن يأمر بتشكيل عصابات ويأمر من معه بتقتيل الجميع؛ لكن هذا تقويض لدعوته؛ لأنه جاء يدعو إلى مكارم الأخلاق، وهذه الأشياء تنافي مكارم الأخلاق. لذلك هو قضى ﵊ ثلاثة عشر عامًا، حتى أو جد هذه القاعدة العريضة التي قاتل بها، إذًا قبل ما ندعو المسلمين جميعًا ونقول: وحدوا الصفوف، نقول أولًا: وحدوا الله، أولًا: كلمة التوحيد نجتمع عليها، فإذا اجتمعنا عليها هان كل شيء، لكن العقيدة الرسمية الموجودة الآن التي تدرس هي عقيدة الأشاعرة، ما هي العقيدة التي كان عليها السلف الصالح. أين الله؟ يقول: في كل مكان، هذا أقبح من قول النصارى؛ لأن النصارى خصوا الحلول بالمسيح وأمه، وهؤلاء يجعلون الله يحل في كل مكان، وهذا من لوازم قولهم، وهو أقبح من كلام النصارى نفسه. أبو الحسن الأشعري ﵀ عندما رجع عن هذا المذهب الرديء في جملة، -وإن كان عليه بعض الأشياء التي أنكرها السلف بعدما رجع- كان يقول: إن الله ﵎ عندما يقول: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه:٥] هنا يمدح نفسه ﷿ أنه استوى على العرش، فلو كان في كل مكان لكان استواؤه على العرش كاستوائه على أي مكان، وحاشا لله! تعرضت نصوص الكتاب والسنة لا أقول: للتأويل، بل للتحريف، لتثرية هذه البدع. عندما يأتي شخص -مثلًا- وينظر للقرآن فقط دون السنة النبوية التي رواها أثبتُ أهل الحديث -وهو يطعن في عقيدة الصحابة والتابعين- وهي كلام الرسول ﵊. حديث أبي سعيد في الصحيحين: (فيكشف الله عن ساقه) يقوم فيتهم القائل بهذه المقالة أنه مجسم، وهذا اتهام للرسول ﵊؛ لأنه هو الذي نطق بهذا، فيقوم يحتج بأن القرآن لم يضف الساق إلى الله ﷿، نعم في القرآن لم تضف الساق إلى الله ﵎: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ﴾ [القلم:٤٢] لكن الرسول ﵊ وهو المبين لكلام الله تعالى نسب الساق إلى الله فقال: (يوم يكشف الله عن ساقه) . إذًا لله ساق، لكن هل كساق المخلوقين؟ لا. لله ساق، لله قدم، لله أصبع، كما جاءت بذلك الأحاديث كما يليق بجلاله. نعم موجود. أنت موجود؟ نعم موجود. وجوده كوجودك؟ لا. إذًا لماذا لا تقل في الصفات كما قلت في الذات؟ أنت قلت: ذاته ليست كذوات المخلوقين، لماذا جعلت صفاته كصفات المخلوقين؟ فعندما تقول: ذاته ليست كذواتنا، فمن الطبيعي جدًا أن تقول: وصفاته ليست كصفاتنا. وإذا قلت: الله له يد، قال: لا تقل ذلك إنه ليس له يد؛ لأنك لو قلت: له يد فمعنى ذلك أنك شبهته، لماذا شبهته؟ فتقول: كما أن ذاته ﵎ ليست كذاتنا، كذلك صفاته ﵎ ليست كصفاتنا، وبهذا نرتاح.

1 / 9

البدعة وآثارها في محنة المسلمين [٢] بعض المسلمين يزيد في الدين ما ليس منه بحجة أن ذلك خير وقربى إلى الله ﷾، وما أصيب المسلمون بهذه المصائب إلا بسبب الجهل والاجتهاد الشخصي عند بعض الناس دون الرجوع إلى العلماء الربانيين؛ ولذا لابد من مناصحة هؤلاء بالحكمة، فإن لم ينتصحوا وجب هجرهم مع مراعاة ضوابط الهجر، وتقديم درء المفاسد على جلب المصالح.

2 / 1

حكم الزيادة في الدين إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:١٠٢] . ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:١] . ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب:٧٠-٧١] . أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد ﵌، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. فقبل أن نشرع في الرد على محسني البدع نذكر مقدمة ضرورية بين يدي هذا الرد، وهذه المقدمة تتمثل في التنفير من البدعة وذكر مساوئها، وهذه طريقة قرآنية إن الله ﵎ إذا أراد أن ينفر من النار ذكر شيئًا من عذاب أهل النار، وإذا أراد أن يرغب في الجنة ذكر بعض نعيم أهل الجنة، وذلك لأن النفوس تتشوق إلى ذلك. إن العبد إذا علم شر منقلب أهل البدع، لم يلجأ إلى التأويل الذي تأوله أهل البدع، إنما نريح أنفسنا بذكر هذه المقدمة، لأن الموضوع إذا نوقش فيه بطريقة الجدل النظري لا نصل فيه إلى نتيجة، إذًا: لا بد من دخول المعنى الإيماني في المناقشة، ليست المسألة نظرية بحتة كما يفعل أهل البدع في النقاش، إنما نتكلم عن خير الهدي، وخير الهدي من أعظم الخوارم فيه: البدع إذًا: لا بد من دخول المعنى الإيماني أثناء المناقشة ولا يكون هذا إلا بذكر سوء منقلب أهل البدع. صاحب البدعة عمله مردود؛ لقوله ﷺ: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) وأصحاب البدعة يدخلون دخولًا أوليًا في قوله تعالى: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾ [الكهف:١٠٣-١٠٤] وذلك لأن صاحب البدعة ليس معه برهان من الله ورسوله على الذي يفعله شيء استحسنه ففعله، والبرهان لا بد أن يكون كاملًا؛ لأن أصحاب البدعة الإضافية يحتجون بالأصل على الوصف، فأخذوا جزءًا وتركوا جزءًا آخر، لذلك لابد أن يكون البرهان كاملًا وشاملًا حتى يشفع لصاحبه في العمل، كل أصحاب البدع يظنون أنهم يحسنون صنعًا، والباب الذي ولجوا منه هو زيادة التعبد لله ﵎ بالبدعة. وتعريف البدعة كما يقول الإمام الشاطبي ﵀: هي طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها التعبد لله ﵎. فقوله: (في الدين): أخرج بمفهومه الدنيا، حتى لا يعترض بالسيارات والطائرات والقاطرات والصواريخ؛ لأن هذه كلها تعتبر بدع، إذ أنها لم تكن موجودة ثم وجدت، وهذا هو معنى البدعة اللغوية، كما قال ﵎: ﴿قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ﴾ [الأحقاف:٩] أي: ما أنا بأول رسول أرسلت، بل أرسل قبلي. فقوله: (طريقة في الدين) حتى لا يعترض أهل البدع بأشياء محدثة في الدنيا، فكلما جادلناهم قالوا: قال رسول الله ﷺ: (أنتم أعلم بشئون دنياكم) . وقوله: (مخترعة) أي: ليس لها برهان، ولا دليل شرعي، أي: فيها شبه من الأدلة الشرعية، فالذين يذكرون الله ﷿ عن طريق التمايل يمنة ويسرة، أصل الذكر الذي يفعلونه مشروع، لكن الطريقة التي يفعلونها غير مشروعة. ما هو مقصود المبتدع؟ إننا لا نزعم أن المبتدع يريد أن يغير دين الله، لا. بل هو يريد بهذا أن يتقرب إلى الله أكثر، لكن هل شفعت له نيته هذه؟ الجواب: لا. كما يقول الناس: (طريق جهنم ملآن بالنيات الصالحة) وأجود من هذا قول ابن مسعود ﵁ (كم من مريد للخير لا يبلغه) لأننا كنا ضلالًا فهدانا الله بالنبي ﷺ، فإذا التمسنا الخير في غير طريقه ضللنا إذا كل خير لم يكن من طريق الرسول ﷺ، فليس من الخير وإن ظنناه كذلك، فما من مبتدع إلا وهو يريد أن يتقرب إلى الله ﵎ ببدعته فهو يظن أنه أحسن الصنيع بهذه القربى. الخادم الذي يخدم المقبور هل قصد أن يخرج بدينه من ذلك؟ الجواب: لا. هل يظن أنه مأجور على ذلك؟! الجواب: نعم لذلك هو يبالغ في تنظيف الضريح وبالعناية به على اعتبار أن هذه خدمة لأولياء الله، ويلبس عليه الشيطان فتاوي الخدمة لهذا المقبور مع الخدمة للعلماء الأحياء، يقول: لو أن عالمًا جليلًا خدمته كنت مأجورًا على ذلك، فأي فرق بين أن تخدم وليًا من أولياء الله وعالمًا من علماء المسلمين؟! إذا هو يظن أنه يحسن الصنع بهذه الخدمة، لذلك إذا قلت له: لا تخدم الضريح لأن هذا لا يجوز، ما ترك خدمة الضريح أبدًا، لأنه يعتبرها دينًا وقربة إلى الله، وهذا كما لو قلت لعالم من علماء المسلمين: دع تعليم الناس، يقول: لا أدع تعليم الناس أبدًا، إنه قربى إلى الله ﷿، فهذا هو معنى الآية: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا﴾ [الكهف:١٠٣] وجاء لفظ (الأخسر) بصيغة المبالغة إذ ليس هناك من هو أخسر من هذا الإنسان؛ لأن طرق الرجعة كلها مسدودة بالنسبة لهذا الإنسان لاعتقاده أنه يتقرب إلى الله، فإذا زجرته ظن أنك تريد أن تسحبه من طريق الله ﷿؛ لذلك كان ذلك أدعى له أن يستمر، ولذلك كان أخسر الناس، وهذه الآية حجة على أن المبتدع أخطر من العاصي، لأن العاصي يعلم ولو بنسبة جزئيةٍ ضئيلة أنه ليس على الحق، والله ﵎ لما خلق الناس جعل في أنفسهم ضميرًا، ولذلك تجد الرجل الجاهل الذي لا يدري شيئًا يأتي ليسأل عن شيء في صدره، وهو لا يعلم أحلالٌ أم حرام؟ فما الذي أهاج فيه هذا السؤال؟ هذا الضمير، الذي هو داعي الله في نفس كل مؤمن -كما قال ﵊ فما من معصيةٍ إلا والعبد يعلم أنها معصية سواء علمًا كليًا أو جزئيًا، لذلك يمكن أن يرجع من معصيته إذا وجد رجلًا قويًا خاطب فيه محل الإيمان، بخلاف العاصي المبتدع الذي يتعبد الله ببدعته، ومن أظهر الدلائل على التفريق بينهما حديث عمر بن الخطاب ﵁ الذي رواه البخاري ومسلم: أن رجلًا اسمه عبد الله، وكان يلقب حمارًا، وكان يضحك النبي ﷺ، وكان يشرب الخمر، وشربها أكثر من مرة، وحد أكثر من مرة، فجيء به مرةً وهو سكران، فأقام النبي ﵊ عليه الحد، فقال رجلٌ بعدما أقيم عليه الحد: اللهم العنه، ما أكثر ما يجاء به وهو سكران! وفي رواية: ما أكثر ما جلد! فقال النبي ﷺ: (لا تلعنه، فقد علمتُ أنه يحب الله ورسوله) وهذا عاص شارب للخمر، فقد يجتمع حب الله ورسوله والعصيان في نفس رجل؛ لأن المعصية قد يكون أساسها الهوى، وليس استمراء المخالفة. إن كثيرًا من العاصين يعصون الله ﷿ بسبب ضعف عزائمهم، أو ضعف إيمانهم، وحديث أبي هريرة ﵁ أيضًا في البخاري. قال: (جاء رجلٌ شرب الخمر على عهد النبي ﷺ، فقال: اضربوه، قال: فمنا الضارب بنعله، ومنا الضارب بثوبه، ومنا الضارب بالعصا، فقال رجلٌ: اللهم العنه، فقال ﵊: لا تعن الشيطان على أخيك)، فهذا عاص، وكف النبي ﷺ الرجل أن يلعنه، وقال: (لا تعن الشيطان على أخيك) .

2 / 2

خطر البدعة وأهلها خذ على الجانب الآخر المبتدع حديث ذي الخويصرة لما جاء إلى النبي ﷺ فقال: اعدل فإنك لم تعدل!! فقال: (ويحك! ومن أحق أهل الأرض أن يعدل إذا لم أعدل أنا، فقال رجلٌ: ألا أقتله يا رسول الله؟ قال: دعه فإن له أصحابًا يحقر أحدكم صلاته إلى صلاتهم، وصيامه إلى صيامهم، يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد) هؤلاء هم المبتدعة، وهذا جد الخوارج الذين كفروا الصحابة وخرجوا عليهم، فانظر كيف قال فيهم: (لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد) أي: لأشرعن في قتلهم قتلًا ذريعًا كما قتل الله قوم عاد، وهذه مبالغة في تقتيلهم، ومعلوم أن دم المسلم معصوم لا يهدر إلا من الدين، فما الذي أهدر دم هذا الرجل؟ إنها البدعة. انظركيف تكلم عن أهل المعاصي وأثبت ما أثبت في الله ورسوله مع وجود المعصية، وانظر كيف قال في أهل البدع. ثم أصحاب البدع يحملون أوزارهم وأوزار الذين أضلوهم، كما قال ﵎: ﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ [النحل:٢٥] إن المبتدعة ليس عندهم علم ولا برهان، وإنما هو استحسان، شيءٌ ظنه قربة إلى الله ﷿؛ لذلك نخرج من هذا بالقاعدة المعروفة عند أهل السنة: إن الزيادة في الخير ليست خيرًا إلا أن تكون مشروعة، وعلى هذا يخرّج كلام الإمام القرطبي عندما استنبط من قوله تعالى: ﴿وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ﴾ [الحديد:٢٧] فقال: ذم الله الذين ابتدعوا الرهبانية؛ لأنهم ما استمروا عليها، فلو أنهم استمروا عليها ما ذمهم، ورددنا على هذا المعنى، لكن قال القرطبي: إن الذي ينوي خيرًا لا بد أن يتمه. نقول: إن الذي نوى خيرًا بشرط أن يكون مشروعًا دون اللغو فيه، لأننا نقول في بدء كل خطبة: خير الهدي هدي محمدٍ ﷺ، إن المبتدع نصب نفسه ندًا للرسول ﵊؛ لأنه يقول بلسان الحال أو بلسان المقال: إن الشريعة ما تمت، لذلك ينبغي أن نضيف شيئًا لتتميمها، وكفى به خسرانًا مبينًا أن ينصب نفسه ندًا للرسول ﵊! ثم إن المبتدع لا تقبل توبته حتى يدع بدعته: قال ﷺ: (إن الله احتجر -وفي رواية-: احتجز التوبة عن صاحب كل بدعةٍ حتى يدع بدعته) رواه الإمام الترمذي وحسنه. ولو لم يكن في الترهيب من البدعة غير هذا الحديث لكان كافيًا؛ لأنه يعبد الله ﷿ من تلقاء نفسه بغير برهان، فكأنما لم يعبد الله بشيء. وأضف إلى ذلك أن صاحب البدعة محرومٌ من شربة الحوض، كما قال ﷺ: (ليردن أقوامٌ على حوضي أذودهم عنه) . أي: أدفعهم، وفي رواية: (ليذادن أقوامٌ عن حوضي فأقول: رب! أصحابي، فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقًا سحقا)، أي: بعدًا لكم. وهذا الحديث: احتج به الرافضة -وهم الشيعة الموجودون في إيران وغيرهم- على فسق جميع الصحابة واستثنوا علي، والمقداد، وحذيفة، وعمارًا، وسلمان، فهل المقصود بهؤلاء: أصحاب النبي ﷺ؟ هناك جوابان لأهل العلم: الجواب الأول: أن المقصود بقوله: (أصحابي) هنا، هم أهل الردة الذين منعوا الزكاة وحاربهم الصحابة. وهناك جوابٌ آخر أقوى: وهو أن لفظ (الصاحب) لا يشترط فيها المصاحبة الفعلية الحسية، بل تشمل المصاحبة ولو باتفاق المذهب مع اختلاف الزمان، ألا ترى أن أي شافعي الآن، أو حنبلي يقول: وهذا قول أصحابنا، مثلًا: كـ أبي يعلى، وابن الجوزي، وابن عقيل، والمروذي، ولا يزال أصحاب المذاهب يقولون: وهذا قول أصحابنا أمثال فلان وفلان، وبينه وبين الذي سماه مئات السنين، صار صاحبًا له في الطريقة، وإن لم يصطحبا حقيقةً، فقوله ﵊: (أصحابي أصحابي) أي: الذين آمنوا به واعتنقوا دين الإسلام، وإن تباعد بهم الزمان، وإنما أقول هذا التوضيح حتى لا يلتبس في ذهن أحدٍ. والحديث الصحيح الذي قال فيه النبي ﵌: (وددنا لو أنا رأينا إخواننا، فقالوا: يا رسول الله! أولسنا إخوانك؟ قال: لا. أنتم أصحابي، وإخواني أقوامٌ يأتون من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني) فمن الممكن أن يقول بعض الناس: هؤلاء هم أصحاب الرسول ﵊، ونفى أن نكون أصحابه نحن معاشر المتأخرين، بل نحن إخوانه، فيقول: إذًاَ قوله: (أصحابي أصحابي) يدل على الصحابة. نقول: لا. إن لفظ (الصاحب) يطلق على المعاشرة الحقيقية، وعلى الموافقة في المذهب، وإن لم تكن هناك معية ذاتية؛ لذلك قوله ﵊: (أصحابي أصحابي) أي: الذين اعتنقوا دين الإسلام بعد الرسول ﵊. فصاحب البدعة محروم من شربة الحوض؛ ثم إن صاحب البدعة ملعون لقوله ﷺ: (من أحدث فيها - أي: في المدينة- أو آوى مُحْدِثًا -والمُحدث: المبتدع- فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) . ثم إن صاحب البدعة مردود الشهادة باتفاق العلماء؛ لأنه مخروم العدالة، فأي شيء بقي للمبتدع؟! ما بقي له دينٌ ولا دنيا؛ لذلك ينبغي للمسلم إذا أراد أن يتقرب إلى الله ﷿ أن يسأل أهل العلم، هل الذي سأفعله قربة إلى الله ﵎ أم لا؟! ربما يسأل سائل فيقول: إن العوام يسألون من ليسوا من أهل العلم؛ فيحسنون لهم البدع، أعليهم وزرٌ في ذلك؟ لأن غالب القرى والأرياف المسيطرا عليها قديمًا ولا زال فيها فلول الصوفية، فيحسنون لهم البدعة؛ فهل هؤلاء العوام عليهم وزرٌ في ارتكابهم لهذه البدع؟ نقول: إن الرجل إذا ظن في رجلٍ أنه من أهل العلم وهو جاهلٌ بسمت العالم، لكن بذل وسعه في البحث عمن يظن أنه من أهل العلم، فوافق ظنه مبتدعًا من المبتدعة فأفتاه بتحصيل بدعة ما، فعبد الله بها أنه مأجورٌ على ذلك. وأنا ذكرت قيدًا مهمًا في الكلام وهو: أن يكون ليس له هوى، وبذل الوسع في السؤال عمن يظن أنه من أهل العلم، وبهذا فعل الذي عليه: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل:٤٣] فأهل الذكر عنده فلانٌ وفلان، وقد يصادف أنهم من المبتدعة، فلا لوم عليه إذا فعل الذي أمر به في حدود إمكانياته.

2 / 3

وجوب هجر أهل البدع بعد هذه المقدمة الضرورية -وفيها التنفير من البدعة- نذكر شيئًا آخر نذيل به النتيجة النهائية، وهو: وجوب هجران أهل البدع، فلو أننا وقفنا في وجه المبتدعة وقوفًا حازمًا وهجرناهم في الله ﷿؛ لانحصرت دائرة المبتدعة. إن العاصي ليس أولى بالهجران من المبتدع؛ لأن كلًا يعطى ما يستحقه، وبما أن المبتدع أشر من العاصي، كان التأكيد في حق هجر المبتدع، أعظم من التأكيد في حق هجر العاصي. إن الرسول ﵊ سنَّ لنا هجران العصاة، فهجر كعب بن مالك وأصحابه: مرارة بن الربيع وهلال بن أمية لما تخلفوا عن غزوة تبوك، وهجرهم المسلمون خمسين ليلة، وهو يعلم أنهم يحبون الله ورسوله، وظاهر ذلك من حالهم، فـ هلال بن أمية ربط نفسه في البيت، وظل يبكي طيلة خمسين ليلة، ولا يكون البكاء المتواصل إلا من رجلٍ نادمٍ حق الندم، حتى إن النبي ﷺ لما أمرهم أن يعتزلوا نساءهم جاءت امرأة هلال وقالت: يا رسول الله! إن هلالًا رجلٌ فانٍ ما له من أرب في النساء، يعني: رجل عجوز، وشهوة العجوز مكسورة، لأن الشهوة لا تكون في القوة والشدة إلا في الشباب، أضف إلى ذلك إذا انضم إلى امتثال الشهوة بسبب تقدم السن الغم الذي يملأ الصدر، فلو أن رجلًا فتيًا مليء بالقوة والحيوية أصابه غم لا يكون له أرب إلى النساء، فكيف إذا اجتمع الغم مع تقدم السن؟! فقالت: أفتأذن لي أن أخدمه، قال: (بشرط ألا يقربك؟ قالت: والله ما به من أرب وهو يحب الله ورسوله)، وظاهر من حاله الندم الحقيقي، ومع ذلك هجرهم خمسين ليلة. فالرسول ﵊ سنَّ لنا هجر العاصي، فهجر المبتدع من باب أولى، لأن جرمه أعظم من جرم العاصي. أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم

2 / 4

ضوابط هجر المبتدع الحمد لله رب العالمين، له الحمد الحسن والثناء الجميل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يقول الحق وهو يهدي السبيل، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم. إن هجر المبتدع له ضوابط: فإن هذا الهجر داخلٌ في باب إنكار المنكر، وإنكار المنكر عند العلماء منوطٌ أو مقيدٌ بألا يعقب الإنكار منكرًا أعظم منه، فلو كان للمبتدعة في بلدٍ ما شوكةٌ عظيمة، فأنكرت عليهم هذه البدعة قتلوك أو قلصوا دعوتك؛ حينئذٍ يجب عليك أن تتوقف في إنكار البدعة، إن البدعة لها دولة تقوم عليها، ولها إمكانات هائلة؛ لأن البدعة تواكب هوى النفس بخلاف التكليف، وسميت النصوص الشرعية تكليفًا لأنها كلفة على الناس ومشقة. فأيهما أهون: أن تصلي جمعة في أول رجب تجبر لك تقصيرك في الصلاة طوال العمر، أو أن تصلي العمر كله؟! الأشق أن تصلي العمر كله، فكلما أذن المؤذن قمت تتوضأ وتصلي، وهناك بدعة قبيحة تتكئ على حديث مكذوب على النبي ﷺ (من صلى الجمعة الأولى في رجب جبر كل صلاة تركها العبد قبل هذه الجمعة) . تصوروا هذا الحديث المناقض مناقضةً صريحة لقول الله ﵎: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ [النساء:١٠٣]، ومناقض لقوله ﷿: ﴿وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي﴾ [طه:١٤] الذكر هنا مقيدٌ وهو الأذان، وليس مجرد أن تسمع ذكر الله فتقوم لتصلي، ﴿وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي﴾، فكلما ذكر الله في الأذان فقم إلى الصلاة، مع ما تواتر من النصوص الصحيحة أن النبي ﵊ جعل الصلاة خمسًا، وأحاديث المواقيت معروفة، وأجمع المسلمون إجماعًا ضروريًا على أن الصلاة خمس ولا زالوا يفعلونها. هل تتصور أن هذا يروج على رجل عاقل؟ الجواب: لا. وهل المبتدعة مجانين؟ الجواب: لا. لكنهم خبثاء كسالى، يريدون أن يكونوا من الأبرار بغير جهد. قلت لكم: إن للمبتدعة دولة في شارع عابدين، مبنى من خمسة أدوار لنشر تراث المبتدعة، وتوزع الكتب مجانًا، أو بسعر التكلفة، ولهم مجلة (الإسلام وطن) يكفرون فيها الأبرار الأخيار من العلماء، وينشرون كتبًا على حساب المغفلين، الذين ينفقون أموالهم ويظنون أنهم يحسنون صنعًا بإنفاقها. والوصية المكذوبة للشيخ أحمد، والتي فيها أن خمسين ألفًا يموتون كل سنة على غير دين الإسلام، وأن الرسول ﵊ جاءه في المنام وقال له ذلك، وأنه خادم الحجرة النبوية، وأن أي شخص تقع في يده هذه الورقة يجب عليه أن يكتبها خمسين مرة ويرسلها إلى الناس، والذي تصله الورقة ولا يفعل فمصيبته تكون سوداء، وأنه كان هناك مقاول كبير وصلته الورقة ولم يكتبها فاحترقت كل أمواله، وأن هناك آخر وهو فقير وصلته الورقة وكتبها فجاءه الكثير من المال. وتصور أنه عندما ينشغل كل مسلم بكتابة خمسين ورقة فماذا بقي للمسلمين من الوقت الجاد؟! ولك أن تحسب عدد المسلمين على وجه الأرض، ولا مانع إذا وصلتك الورقة فكتبتها خمسين وأرسلتها لك مرة أخرى فتكتبها خمسين مرة أخرى، وتظل طوال عمرك كاتبًا، وإلا مت على غير دين الإسلام. هناك من يتطوع بطبع هذه الورقة وإرسالها للمسلمين حسبة لله، وجاره قد يكون على وشك الموت من الجوع فلا يعطيه رغيف خبز!! ينشر كتاب مكتوب تحته: طبع على نفقة بعض المسلمين، وهو كذبٌ على الله ورسوله، لأنه ظاهر غير مستتر، فالكذب عندما يكون مستترًا قد يهضم، ونقول: معذور صاحبه، قد يكون لفق عليه، لكن عندما يكون الكذب واضحًا جدًا كيف يقال: إنه طبع على نفقة بعض المحسنين. مضمون هذا الكتاب أنه (كان هناك رجل اسمه عبد الله على عهد النبي ﵊ -إذًا هو صحابي- وكان يعاقر النساء، ويشرب الخمر، ولا يشهد الصلاة والرسول ﵊ -ورغم أن هذا الرجل كان يرتكب كل هذه العظائم- كان غضبان فقط) فتصور ردة فعل النبي ﷺ على هذا الرجل أنه فقط غضبان، يعني: الذين جلدمه في شرب الخمر هؤلاء أقل شرًا من عبد الله هذا الذي يشرب الخمر، والذين قتلهم في الزنا، كان يعلم الرسول أنه يزني وتركه يزني إلا أنه غضب عليه، وهذا لا يؤدي الزكاة ولا يصوم رمضان، والرسول ﵊ تركه، أليس هذا قدحًا في الرسول ﵊؟ يقول صاحب الكتاب: فلما مات عبد الله كان من الطبيعي ألا يصلي عليه الرسول ﵊ لأنه غضبان، فإذا بجبريل ﵊ ينزل ويسد بأجنحته الآفاق، ويقول للرسول ﵊: إن الله يأمرك أن تصلي على عبد الله، فيقول ﵊ -وهو لا يدري-: كيف نصلي على عبد الله؟! ولكنه مأمور، فيقول الرسول ﵊ مندهشًا -فيظهرونه بمظهر ثالث، الذي لا يدري شيئًا ويصلي على عبد الله - ثم بعد أن جاء ليدفنه يرى الحور كل واحدة تحمل كوبًا فيه عصير وتقول: خذ يا عبد الله مني، يتسابقن إليه، وهو عبد الله الفاجر الداعر المخمور، فتزداد حيرة الرسول ﵊! ويدفنه، ثم يقول للصحابة: هيا بنا نذهب لامرأته؛ لكي يعلم ماذا كان يعمل عبد الله؟! فيذهبون إلى امرأته ويدقون عليها الباب، فتقول امرأته: من الفاجر الذي يدق الباب؟ فيقال لها: يا أمة الله! اتق الله إنه رسول الله -وهذا منشور موجود وهو كتاب عندي ومكتوب عليه: طبع على نفقة بعض المحسنين، أليس هذا أولى بالقتل من قطاع الطرق؟ أليس هذا أولى بحد المحاربة؟! - فيدخل ﵊ المندهش وأصحابه على المرأة ويقولون لها: ماذا كان يفعل عبد الله؛ لأن جبريل نزل والحوريات يتسابقن إليه، فماذا كان يفعل هذا الرجل؟ قالت: يا رسول الله! والله ما كان يفعل شيئًا، كان داعرًا وفاجرًا وسكيرًا، وكان لا يصلي ولا يصوم رمضان، إلا أنه إذا كان يوم في رجب قام فصلى ركعتين ودعا الله بهذا الدعاء واستغرق هذا الدعاء في الكتاب أربع ورقات؛ فلما علم الرسول ﵊ بهذه المعجزة وهذا الثواب العظيم الجزيل الذي فاته ولم يعرفه إلا من هذا المخمور قام، فقال: من سره أن يأخذ أجر نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليهم فليقرأ هذا الدعاء. إذًا: ما هو المطلوب من هذا الكتاب؟ المطلوب هو ألا تصلوا! ولا تزكوا ولا تصوموا، ولكن في أول ليلة من رجب قوموا واقرءوا هذا الدعاء فتأخذوا أجر أولي العزم من الرسل. قلت لكم: إنه كذب قبيح لا يمكن أن ينطلي على أحد ومع ذلك ينشر، كيف ينشر ويقال: طبع على نفقة بعض المحسنين؟! إنه يذكرني بالمرأة التي ذهبت إلى رجلٍ قاتل محترف، وقالت له: إن زوجي قتله فلان أريدك أن تقتله، فقال: بكم؟ فبكت المرأة وقالت: أنا فقيرة! فرق قلب القاتل لها وقال: سأقتله لوجه الله!! ثم يكتب على الكتاب: طبع على نفقة بعض المحسنين! يمكن أن تنطلي بدعة مغلفة على إنسان ويعذر لها، لكن هذا المناقض لدين الإسلام كليةً وجزئيةً، كيف يمكن أن يقال: إن هذا إحسان؟!! قلت لكم: إن المبتدعة لهم دولة، وأهل السنة لا يملكون إلا مجلة ضعيفة تعاني من نقص الإمكانيات، كل إماكانياتهم ضعيفة، ومجلة هؤلاء مرصود لها الملايين على نفقة بعض المحسنين. ينبغي أن يكون الإنسان فقيهًا إذا أنكر البدعة، وهذا له مجالٌ آخر. أسأل الله ﵎ أن يقينا وإياكم شر البدعة، ويقبضنا وإياكم على المحجة البيضاء، اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، اللهم قنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا، رب آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم اغفر لنا هزلنا وجدنا، وخطأنا وعمدنا وكل ذلك عندنا وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

2 / 5

البدعة وآثارها في محنة المسلمين [٣] من أساليب أهل البدع في إثبات بدعهم، وما أحدثوه في الدين هو تحريف آيات الكتاب وأحاديث السنة؛ إما بلي أعناقها لإثبات مقصودهم وأهوائهم، أو بتفسيرها بما يسمى عندهم بالتفسير الباطني، أو تحريف الأحاديث بذكر زيادات لم تصح وغير ذلك، وقد تصدى أهل العلم لهذه التحريفات بفضل الله، فقاموا بتفنيد هذه الشبه، وفضح أهل البدع، بكل ما أوتوه من قوة وبيان.

3 / 1

طرق أهل البدع في تحريف الكتاب والسنة إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:١٠٢] . ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:١] ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب:٧٠-٧١] . أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد ﵌، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. للمبتدعة طرق شتى في تحريف القرآن والسنة يصلون بها إلى مرامهم، وهذه الخطبة بدايةٌ لفضح هذه الأساليب، فلا يختلف أحدٌ من العلماء أن أعظم جريمة تحيط بالمعنى وهي نزع الكلام عن السياق، وأنها تنتج نتيجة مغايرةً تمامًا لما وضع الكلام له، وهذه طريقة يهودية صرفة. قال الله ﵎: ﴿مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ﴾ [النساء:٤٦]، وقال تعالى: ﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ﴾ [المائدة:١٣]، وقال: ﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ﴾ [المائدة:٤١]، وقال: ﴿وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ﴾ [البقرة:٧٥] والذين فعلوا هذا هم اليهود، وهذا الكتاب ناطق عليهم فاضح لهم، والسنة أيضًا: ففي صحيح البخاري من حديث ابن عمر ﵄ أن رجلًا وامرأة من اليهود زنيا -رجلٌ محصن وامرأة محصنة، ومعروف أن حد الزاني المحصن عند اليهود كعندنا، وهو الرجم- وفي سنن أبي داود من طريق آخر: أن رجلًا من أحبار اليهود زنى بامرأة، فقال بعضهم لبعض: هلم إلى هذا النبي فإنه جاء بالتخفيف، فإن أتانا بشيء خفيف فعلناه واحتججنا به عند ربنا بأننا تحاكمنا إلى نبيك وحكم بذلك، وقال الله ﵎ لهؤلاء: ﴿وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ﴾ [المائدة:٤٣] فلما جاءوا إلى النبي ﷺ وعنده عبد الله بن سلام وهو حبر اليهود الذي أسلم، قالوا: يا رسول الله! هذا رجلٌ زنى بهذه المرأة، قال: ألا تجدون شيئًا في كتابكم؟! قال: نجد الجلد والتغريب، قال: ائتوا بالتوراة، فجاءوا بالتوراة، فوضع القارئ يده على آية الرجم وقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك، فرفعها فوجد آية الرجم. والكلام عند علماء البيان ثلاثة: خلاف، وسباق، ولحاق، فهذا الكلام يسبقه كلام ويعقبه كلام، فإذا نزعت ما في الوسط عما قبله وبعده أعطاك معنىً مغايرًا لما وضع الكلام له، فلو قرأ قارئ فقال: ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ﴾ [الماعون:٤] وسكت، فهذا نزع للكلام عن السياق، وقد استفاد من هذا النزع شاعر ماجن وهو أبو نواس عندما قال: دع المساجد للعباد تسكنها وطف بنا حول خمار ليسقينا ما قال ربك ويل للأولى سكروا ولكن قال ويل للمصلينا وهو كمن قرأ: ﴿لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ﴾ [النساء:٤٣] ولا يقرأ ما قبلها ولا ما بعدها، فهل وضع الكلام لذلك؟ لا. إذًا: أخذ الكلام من السياق دون مراعاته قلب للحقائق، وإخراج لمعان جديدة لم يوضع لها الكلام، ومن جراء هذه العملية أيضًا قال من قال: إن كيد النساء أعظم من كيد الشيطان، فهل هذا صحيح؟ قال: قال الله ﵎: ﴿إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ﴾ [يوسف:٢٨]، وقال في كيد الشيطان: ﴿إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾ [النساء:٧٦] كذبت. هذه عن السياق الأول وتلك عن السياق الثاني، فخرج بهذه النتيجة الخاطئة، ولو أخذ السياق كاملًا لاتضح الكلام، فكيد النساء ليس أعظم من كيد الشيطان أبدًا؛ لكن الآية الأولى جاءت مقارنة بين كيد الرجال والنساء في قصة يوسف ﵇، فقال الله ﷿: ﴿إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ﴾ [يوسف:٢٨] أي: في مقابل كيد يوسف ﵇، والآية الثانية: كيد الشيطان في مقابل كيد الله، فلذلك كان كيد الشيطان ضعيفًا ﴿الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾ [النساء:٧٦] فهذا مقابل بكيد الله، فلا شك أن يكون ضعيفًا، فهذا أحد أسلحة المبتدعة؛ وهو: نزع الكلام من السياق، وهو أحد ألوان تحريفهم، لأنه تحريف الكلام عن مواضعه متعدد وهذا أحدها.

3 / 2

إدخال المبتدعة الزيادات غير الصحيحة في أحاديث الرسول ﷺ ومن تحريفاتهم أيضًا: أنهم يدخلون الزيادات غير الصحيحة في أحاديث الرسول ﵊: نشروا ورقة وكانوا يوزعونها، وهي قصة الخوارج: (يخرج قومٌ يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، قالوا: يا رسول الله! صفهم لنا، قال: لحاهم طويلة، وثيابهم قصيرة، إن لقيتوهم فاقتلوهم)، رواه مخبر. (إن لقيتموهم فاقتلوهم)، ومكتوب في الأسفل: رواه البخاري، وهو كذب مقطوع؛ لأنه يعلم أن الجماهير تقرأ ولا تبحث عن الأصالة ولا عن تأصيل الكلام، لا تكلف نفسها بعد سكوت العلماء، حتى هانوا على الناس، وجاءت الدائرة عليهم الآن فوضعوهم مع الوهابيين في خندق واحد، ألم تكتب مجلة (روز اليوسف) أن شيخ الأزهر هو الذي نشر التطرف، وجعلوا شيخ الأزهر مع الإرهابيين في خندق واحد، وجاءت الدائرة عليه لأنه سكت طويلًا، إن الشر إذا جاء لا يفرق بين أحدٍ، فهو يأخذ الكل كالطوفان الذي لا يميز. فسكوتهم هو الذي جرأ هؤلاء عليهم، فوالله الذي لا إله غيره إن الراقصات يفتين في دين الله، ويؤخذ برأيهن في كلام الله ورسوله، وينشر هذا في الجرائد والمجلات، أهناك هوان أكثر من هذا؟! كل مهنة لها نقابة إلا هذا الدين ليس له حمى، إن نقابة الأطباء أوقفت أشهر طبيب جراح في الجهاز الهضمي، والكل يعترف بكفاءته -وهو طبيب واحد في مصر ومعدود من أشهر الجراحين في العالم- عندما زعم أنه اخترع دواء للإيدز وجربه على بعض الآدميين، فأوقفوه، وقالوا: ليست أرواح الناس محل التجربة! وكيف يجرب هذا الدواء قبل أن يعرضه على لجنة وتقره؟ فأوقفوه ولم يراع منصبه العلمي، ولا الأوسمة التي حصل عليها؛ لأن هناك نقابة حماية تقوم بحماية أبدان الآدميين، لكن حماية دينهم لا تضر. وجاءت الدائرة فلم تفرق، وقد قدح أحدهم في مجلة (روز اليوسف) في شيخ الأزهر قدحًا لا تقوله امرأة في شارع، وقال له: إن عدت عدنا، وإن قلت زدنا. فإذا أهينت أكبر عمامة في البلد ولم ينتصر لها فنحن سنداس بالنعال. قلت لكم: إن للمبتدعة دولة وعندهم رأس مال، ولا يسأل أحدهم من أين لك هذا؟! لهم طرق شتى في تحريف كلام الله ورسوله، وما ذكرته الآن على سبيل المثال لا الحصر، وإلا فهناك أمثال يشيب لها رأس الولد سنتعرض لها في هذا المسلسل، وهو فضح هؤلاء المبتدعة، وقبح طريقتهم في التعامل مع النصوص الشرعية. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

3 / 3

التفسير الباطني للآيات والأحاديث عند المبتدعة ومن جملة تحريف الكلام عن مواضعه ما يسمونه: التفسير الباطني للموضوع، أو تحريف معنى الكلام نفسه، عندما ذهبت منذُ سنتين إلى أمريكا سمعت بعض الناس يحاضر هناك ويقول: إن الإسلام سيخرج من أمريكا وأوروبا، ومصداق ذلك في كلام النبي ﵌؛ أحسست أن كل حواسي تشتد إلى هذا المتكلم، ترى أين هذا الدليل الذي أتى به؟ يقول: قال ﷺ: (لا تقوم الساعة حتى تخرج الشمس من مغربها) والشمس هي الإسلام، والمغرب هو أمريكا وأوروبا. انظر إلى الكلام!! وهذا الحديث لو بحثت عنه -أيها المسلم- في جميع دواوين الإسلام لوجدته في كتاب الفتن، وما معنى كتاب الفتن؟ يعني: علامات الساعة، فهذا الحديث معناه: لا تقوم الساعة -أي: القيامة- حتى تخرج الشمس من مغربها، حينئذٍ تقوم الساعة، هذا هو فهم جميع علماء الإسلام لهذا الحديث، وهم الأولى بفهم الدين منا. فما الذي ذلل هذا المعنى لهذا الرجل؟! إنه التأويل الباطني، إذ أن ظاهره لا يوحي بذلك، وأكثر من ارتكب هذه الطريقة هم الصوفية المبتدعة، وعلى رأسهم ابن عربي، وهو النكرة ليس المحلى بالألف واللام، لأن عندنا عالم آخر اسمه ابن العربي، وهذا عالم مالكي جليل اسمه: أبو بكر بن العربي، لكن ابن عربي وابن سبعين، وابن الفارض هؤلاء كلهم يدخلون في زمرة الذين قلبوا حقيقة الإسلام بما أسموه بالتأويل الباطني. وهذا من تحريف الكلام عن مواضعه، ومن أخبث ما ارتكبوه قول ابن عربي في قول الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ﴾ [البقرة:٦] قال: نزلت هذه الآية في أهل الورع (إن الذين كفروا) والكلام فيه تقدير لمحذوف، ومعناه: إن الذين كفروا إيمانهم، أي: غطوه وحجبوه، وأصل الكفر هو التغطية، ومنه سميت الكفور كفورًا، هناك بلاد سميت: كفور؛ لأنها عبارة عن مجموعة من البيوت التفت حولها الأشجار فسترتها عن العيون، والذين كفروا إيمانهم أي: غطوه وحجبوه لئلا يحبط بالرياء. قال تعالى: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ﴾ * ﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ فلا يدخلها غيره ﴿وَعَلَى سَمْعِهِمْ﴾ فلا يسمعون إلا منه، ﴿وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ﴾ فلا يرون غيره، ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [البقرة:٧] أي: من المخالفين، هل هذا هو تفسير القرآن؟!! كان يقول الإمام أحمد بن حنبل ما معناه: (إن القرآن ما وقر في سمع الرجل العامي) فأول ما تسمع القرآن فالمعنى الذي يكون في صدرك من القرآن هذا هو تفسير القرآن؛ لأن الله ﷿ أنزله حجة على كل الخلق على اختلاف طبقاتهم وثقافتهم. وهذا مما فعله الصوفية بالقرآن الكريم، ولهم مخارج أخرى كثيرة سنتناولها، وهذ هو أس بدعتهم؛ لأنهم يحتجون بالقرآن والسنة، لذلك قلنا كثيرًا ولا نزال نقول حتى نراه في واقع المسلمين: عقيدتنا القرآن والسنة بفهم السلف الصالح، هذا الخير هو الذي يميز أهل السنة والجماعة عن أهل البدعة والضلالة، فهم يحتجون بالقرآن والسنة على فهمهم هم. هناك رجل من أكثر قرأة القرآن في هذا الزمان، ذهب ليقرأ القرآن في محافظة الشرقية لما ماتت أم أحد الأعيان، فجاء الرجل وجاء الناس من كل صوب ليروا هذا القارئ صاحب الصوت الشجي، فقرأ ولعلع وهاص الناس وانسجموا، وأنهى الثلاثة أرباع، فحلف عليه صاحبه أن يأتي بربع رابع ويحاسبه، فأبى وقال: عندي مواعيد، فقام له صاحبه -وكان يأخذ على الربع آنذاك في عام (٧٥) و(٧٦) أربعمائة جنيه- فقال: أليس هذا بكثير؛ أربعمائة جنيه في ربع؟ فقال: قال الله ﵎: ﴿وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ [البقرة:٤١] . فهذا قارئ القرآن والقرآن يلعنه، يأخذ حساب الثلاثة أرباع ويضعه في البنك كأنما ما قرأ آية! ربا في القرآن الكريم! ولو جعلت الدنيا كلها ذهبًا في مقابل حرف من كتاب الله، فإنك تكون قد اشتريت به ثمنًا قليلًا، فهو متصور أنه كلما رفع السعر فهو يعظم القرآن، فاحتج بكلام الله على بدعته، وهذه كانت أعظم شوكة في ظهر المسلمين على مدار الأعصار والأزمان، تحريف آيات القرآن الكريم باسم التأويل، وما تعددت طرق المبتدعة في العقيدة وغيرها إلا بسبب هذا الأصل الذي ذكرت، فالتحريف سواء بنزع الكلام من السياق أو بلي أعناق الكلمات، كقول ابن عربي في قوله ﵎: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾ [البقرة:٢٥٥] قال: ليس المعنى ما يتبادر إلى ذهنك من ظاهر الكلام؛ لأن ظاهر الكلام أن الله ﵎ يقول: من الذي يشفع عند الله لنفسه أو لغيره إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى، هذا هو معنى الكلام، لكن المعنى عند ابن عربي: (من ذا الذي) أي: من ذل نفسه، و(ذي): اسم إشارة، و(يشفع) من الشفاع، و(عِ) فعل أمر من وعى أي: عِ هذا الكلام واهتم به!! أهذا في كتاب الله؟!! أليس هذا أولى بالقتل من قطاع الطرق؟ أليس هذا أولى بأن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف من المحاربين لله ورسوله، بل هذا من أعظم الحرب لله ورسوله، ما ضل اليهود والنصارى إلا بعد تحريف الكلام، وما ضل الذين جاءوا من بعد إلا بسبب تحريف الذين سبقوهم للكلام، وتحريف الكلام مستمر.

3 / 4

أدلة أهل البدع على تقسيم البدعة إلى حسنة وسيئة والرد عليها احتج أهل البدع على تقسيم البدعة إلى بدعة حسنة وبدعة سيئة، بالحديث الذي رواه مسلم عن جرير بن عبد الله البجلي ﵁ قال: (بينما كنا عند رسول الله ﷺ إذ جاء قوم عامتهم من مضر، بل كلهم من مضر، مجتابي النمار؛ فلما رآهم النبي ﷺ، تمعر وجهه -مما رآهم عليه من الفاقة- فأمر بلالًا فأذن فأقام فصلى، فخطب في الناس ثم قال: ليتصدق أحدكم من صاع بره، من صاع تمره، من درهمه، حتى ذكر شق التمرة، فقام رجل من الأنصار فأتى بصرة كادت يده أن تعجز عن حملها بل عجزت فوضعها، فتتابع الناس كل يأتي بما عنده حتى صار عند النبي ﷺ كومان من طعام وإهاب، فرأيت وجه رسول الله ﷺ تهلل كأنه مذهب، ثم قال: من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن في الإسلام سنةً سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة) . فهذا الحديث أحد أدلتهم على وجود ما يسمى بالبدعة الحسنة، وأول سؤال يتبادر إلى الذهن: نحن نعلم أن البدعة طريقة في الدين مخترعة، ترى ما الذي اخترعه الأنصاري؟! ما فعل الأنصاري أكثر من أنه جاء بصرة مال اتباعًا لأمر النبي ﷺ: القائل: (ليتصدق ...) إذًا الذي جاء به الأنصاري صدقة، فعندما قيل: (ليتصدق أحدكم) جاء بصدقة، فهل الصدقة ابتدعها الأنصاري أم حض عليها ﵎ في الكتاب المنزل، وحض عليها النبي ﵊ في كلامه؟ إذًا ما وجه الاحتجاج بهذا الحديث على وجود البدعة الحسنة؟ إنه لما فصل الكلام عن سياق الموضوع ظهر هذا المعنى الجديد، فليس في هذا الحديث حجة على الذين يقولون بالبدعة الحسنة، لاسيما وكلام النبي ﷺ الذي لم يدخله مكذوب قط يمنع من القول بذلك، وهو قوله ﵊: (كل بدعة ضلالة) جملة موجبةٌ كلية، (موجبة): لم يسبقها ناصب ولا جازم (كلية): أي مكبرةٌ بلفظ (كل) الذي يفيد العموم والشمول، وهذا كقوله ﵊: (كل مسلم) فهي جملة من أقوى الجمل، بل هي قاعدةٌ فقهية لشمولها، ولا تسمى القاعدة قاعدة إلا إذا انتظمت كل الجزئيات تحتها. إذًا لا يصير القول قاعدة إلا إذا كانت جميع الجزئيات تحته، وهذا الحديث قاعدة كلية. ومما يحتج به أيضًا هؤلاء المبتدعة: قوله ﵊: (ما رآه المسلمون حسنًا فهو حسن، وما رأوه قبيحًا فهو قبيح) . والجواب: أن هذا الحديث لا أصل له مرفوعًا عن النبي ﷺ، وليس له وجهٌ صحيح، إنما الصواب: أنه من كلام ابن مسعود، لكن المبتدعة نزعوه من كلام ابن مسعود أيضًا. فـ ابن مسعود لم يقل هذه الكلمة فقط، بل قال كلامًا قبلها، وإذا قرأت الكلام قبلها علمت كيف لعبوا أيضًا بكلام ابن مسعود ونزعوه من السياق، قال ابن مسعود ﵁: (إن الله نظر في قلوب العالمين، فاختار قلب محمد ﵌ لرسالته؛ ثم نظر في قلوب العالمين فاختار أصحابه له، فما رآه المسلمون حسنًا فهو حسن، وما رآه المسلمون قبيحًا فهو قبيح) . فانظر إلى الجملة عندما وضعت في مكانها هل أفادت ما يحتج به؟ الجواب: لا. (ثم نظر في قلوب أصحابه فاختارهم له، فما رآه المسلمون) فمن المقصود بالمسلمين هنا؟ إنهم أصحاب الرسول ﵊، إذًا لفظ المسلم وإن خرج مخرج العموم فالمقصود به هم أصحاب الرسول ﵊ بدلالة السياق، والسياق (أيها المسلمون) من المقيدات وهذه خطورته، وخطورة نزع كلمة أو جملة منه، فكلمة (عين) إذا سمعتها أيها العربي فأول شيء يتبادر إلى ذهنك أنها العين التي تبصر بها، فإذا سمعته يقول: صنعتها على عيني، هل يعني هذا أنه وضع شيئًا في عينه واشتغل فيه؟ (صنعته على عيني) أي: أوليته اهتمامي، والذي جعلك تؤول لفظ العين في المثال الثاني هو السياق، فإذا قلت: أرسلت إلى العدو عينًا، أليس هذا هو الجاسوس؟ تعددت معاني كلمة العين عندما أدخلتها في السياق، والسياق هو الذي يرجح المعنى، لذلك حذف كلمة أو جملة منه جريمة. الفعل (رغب) يتعدى بحرف الجر (عن) مرة، و(في) مرة، وفي كلا التعديتين مناقضة للأخرى، تقول: رغبت في كذا أي: أردته، ورغبت عنه أي: كرهته، ما الذي حول هذا اللفظ؟ إنه السياق. ولذلك قول ابن مسعود ﵁: (ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن) أي: ما رآه الصحابة، بدلالة السياق؛ لأنه أورد هذا الكلام تعظيمًا لأصحاب الرسول ﵊، ولئن قلنا: ليس المقصود بالمسلمين خصوص الصحابة، فيكون لفظ المسلمين يفيد إجماع المسلمين، والإجماع حجة شرعية ملزمة إذا ثبتت، وهو أحد الأدلة الأربعة المتفق عليها بين الجماهير، وهي: القرآن، والسنة، والإجماع، والقياس، ومن العلماء من يكفر مخالف الإجماع، وأكثرهم يضللونه ويفسقونه. فيكون اللفظ: (ما رآه المسلمون) أي: ما رآه العلماء المحققون إجماعًا قطعًا هو عند الله حسن، والدلالة على ذلك قوله ﷺ: (إن الله عصم هذه الأمة أن تجتمع على ضلالة) والسر في ذلك أن أية أمة تبتدع بدعة أو تغير شيئًا في شريعتها كان الله ينزل نبيًا، كما حدث لبني إسرائيل، فلما قضى الله ﵎ أن نبينا ﷺ آخر الرسل، ولو ابتدعت الأمم بدعة أو غيرت شيئًا من شريعتها فلن يرسل رسولًا؛ لأنه عصم الأمة أن تجتمع على ضلالة. وليس المقصود بالأمة هنا من كانت في مصر أو في الشام، بل المقصود: مجموع الأمة كلها، فلو أجمع الناس في بلدنا على تحليل الخمر مثلًا، فطالما أن هناك في الشام من ينكرها فقد خرق الإجماع، ولا يكون إجماعًا حينئذٍ، ويستحيل أن تجد الأمة مجمعة على تحريم ما أحل الله، أو على تحليل ما حرم الله، وإلا ذهبت حجة الله على الخلق، بل ما من مكانٍ إلا ولله فيه قائم بحجة. إذًا: قوله: (ما رآه المسلمون حسنًا) لا يستفاد منه إلا تحريم أي شيء من البدع، لا سيما إذا علمنا أن البدعة هي طريقة في الدين مخترعة.

3 / 5

الرد على من يقولون بترك الختان للمرأة الحمد لله رب العالمين، له الحمد الحسن والثناء الجميل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يقول الحق وهو يهدي السبيل، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. موضوع الختان كان نسيًا منسيًا، تدارك الناس فعله جيلًا بعد جيل، وفي خضم الأزمات والاهتمام بالصغائر والكبائر لم يطرق أحد مسألة الختان، ولم تشكل هذه الظاهرة أي مؤثرات سلبية على مدار القرون السالفة، ولم تلفت نظر أحدٍ على الإطلاق، ثم فجأة وببركات عقد مؤتمر السكان عندنا، والتمثيلية التي عرضت في الإعلام، قامت الدنيا وصار الحديث حول الختان، فأصدرت وزارة الصحة بيانًا إلى مديريات الصحة في المحافظات، ووقع في يدي صورة للخطاب الموجه من وزارة الصحة للمديريات في المحافظات، يفندون الختان من ثمانية أوجه؛ منها: أنه لا يجوز المساس بجسد الأنثى إلا بإذن الطبيب. ومنها: أن الختان عادة جاهلية وليست إسلامية! وهذا بكل أسف ما ورد في الجرائد الرسمية على لسان المفتي وغيره! ومنها: أن الرسول ﷺ لم يثبت أنه ختن بناته الأربع! ومنها: أنه لم يجمع أحد من الفقهاء على وجوب الختان، والإجماع قائم على أنه غير ضروري! ومنها: أنه يسبب عقدًا نفسية للبنت، وبعض الأمراض الفتاكة منها: سرطان عنق الرحم، دون الأزمات النفسية والجانبية التي يسببها مثل هذا الأمر. قلت لكم قبل ذلك: كأنهم يكتبون للصم البكم العمي وكأن الذين يخاطبونهم من الأموات، ليس عندهم كتاب، ولا قرءوا صفحة في الفقه، فهل الختان فعلًا سنة جاهلية؟ الجواب: لا. قال ﷺ في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي هريرة، ورواه مسلم من حديث عائشة، وأبو داود من حديث عمار وغيره: (خمس من الفطرة -وفي لفظ: الفطرة خمس- منها: الختان) ولفظ الفطرة لفظٌ ثابتٌ لا يتغير بتغير الشرائع، فالفطرة ثابتةٌ في جميع شرائع الأنبياء لا تتبدل، كالحدود وغيرها، وإنما هي من الثوابت، فإذا قلت الفطرة فاعلم أنه الشيء الذي لا يتبدل: ﴿فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾ [الروم:٣٠] . فعندما نسمع الفطرة: نعرف أن هذه السنة موجودة من لدن آدم ﵇ إلى نبينا ﷺ، هذا معنى كلمة (الفطرة) ومنها الختان، فكيف يقال: إن هذه عادةٌ جاهلية؟! ثانيًا: قال ﷺ: (إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل) . الختان الأول: كناية عن فرج الرجل، والختان الثاني: كناية عن فرج المرأة. فإذا التقى الفرجان مجرد التقاء وجب الغسل، واحتج الإمام أحمد بهذا الحديث على سنية الختان بالنسبة للنساء: (إذا التقى الختانان ...)، وهذا حديث صحيح عند البخاري ومسلم. قال الشافعية والحنابلة: الختان للرجال والنساء واجب. وواجب يعني: فرض، فمن لم يفعله يأثم. فكيف يقال: إنه ليس أحد من الفقهاء قال بوجوبه؟! والرأي الراجح عند الشافعية وجوب الختان للرجال والنساء، والرأي المرجوح عند الشافعية أنه مكرمة للنساء فقط. والصواب: أن الختان واجب على الرجال والنساء معًا، فإذا لم تختتن المرأة فهي آثمة، مع مراعاة هل البظر يحتاج إلى ختان أم لا؟ فقد يكون البظر صغيرًا خلقة فلا يحتاج إلى ختان، ولكن كلامنا فيمن تستحق الختان من النساء، أما الرجال فلا إشكال، لكن كلامنا على ختان النساء؛ لأن هذا هو الموضوع. ومن الدلائل على وجوبه قول الله ﵎: ﴿ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا﴾ [النحل:١٢٣] وثبت في صحيح البخاري وغيره أن النبي ﷺ قال: (اختتن إبراهيم ﵇ وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم) جاء عليه ثمانون عامًا وأمر بالختان فاختتن بالقدوم. والقدوم إما أن يكون اسم مكان أي: البلد التي كان يسكنها واختتن فيها، وإما أن يكون القدوم هو الآلة المعروفة، أنه قطع الجلدة الزائدة بالقدوم، فصار هذا من ملة إبراهيم التي أمرنا باتباعها. ثانيًا: هناك حديث للنبي ﷺ مختلف في تصحيحه وتضعيفه، والظاهر حسنه، وقد حسنه من المتقدمين جماعة، أن رسول الله ﷺ قال لخاتنه بالمدينة: (أشمي ولا تنهكي، فإنه أفضل للرجل وأحظى للمرأة) (أشمي ولا تنهكي) أي: لا تقطعي البظر قطعًا شديدًا فتنهكيه، إنما اقطعي منه القدر الزائد فقط، ولأن الأصل ألا تثبت عبادة إلا بدليل وهذا دليل، وما سبق أيضًا. أما العلماء الذين قالوا: إن الختان سنة للرجال ومكرمة للنساء، فاعتمدوا فيه على حديث منكر لا يصح، وهو ما رواه الإمام أحمد في مسنده أن النبي ﷺ قال: (الختان سنة للرجال مكرمة للنساء)، والممارس لألفاظ النبي ﷺ يعلم أن هذا حديث أقرب إلى كلام الفقهاء منه إلى كلام النبوة، وهو منكرٌ كما حكم عليه البيهقي وغيره، فما بقي إلا القول بالوجوب ولا صارف من القول بالوجوب، فإذا كان العلماء اختلفوا هل هو واجب أم مستحب فلم يقل أحد منهم أنه عادةٌ جاهلية، أي: اختلفوا ما بين الاستحباب والوجوب، ومستحبٌ، أي: مشروع، حينئذٍ ينظر: هل فعلًا ترك الختان من مصلحة المرأة؟! حدثني بعض المتخصصين -وهو طبيب في أمراض النساء والولادة- في هذا المجال قال: إنه قرأ بحثًا إن ترك الختان للمرأة يصيب المرأة بسرطان في الرحم، ولذلك هذا النوع من المرض منتشر في نساء أوروبا وأمريكا أكثر منه في نساء الشرق. ولا يوجد في نساء الشرق هذا المرض إلا لمامًا لمامًا، وما زالت الفاحشة على قدم وساق في بلاد أمريكا وأوروبا بسبب ترك الختان. إننا ضد الختان بالطريقة الجاهلية، فلا بد على الذي يختن أن يكون عالمًا بالختان، وتكلم الفقهاء في مسألة الضمان إذا أتلف الخاتن بظر الأنثى بالكلية، أي: إذا قص الرجل الخاتن البظر كله هل عليه ضمان أم لا؟ أي هل عليه دية يدفعها أم لا؟ قالوا: عليه دية إذا لم يكن من العالمين، وليس عليه أن يقص البظر كله، وتكلم العلماء في هذا حتى وصلوا إلى مسألة الضمان. وقالت الشافعية على وجه الخصوص: إذا تمالأ أهل بلدٍ على ترك الختان قاتلهم الإمام، فإذا علم الحاكم أن بلدًا تمالئوا وتكاتفوا على تركه فيجب على ولي الأمر أن يقاتلهم حتى لو قتلهم جميعًا، والمسألة موجودة في كتب الفقه فكيف يقال: إن هذا ليس من الإسلام؟! تصدر للتدريس كل مهوس بليد يدعي بالفقيه المدرس فحق لأهل العلم أن يتمثلوا ببيت قديم شاع في كل مجلس لقد هزلت حتى بدا من هزالها كلاها وحتى سامها كل مفلس هذا هو الواقع بالنسبة لديننا، فسيل كسيل العرم على أصحاب الصحف والمجلات تهاجم ما هو من ديننا، أيقال: ليس من الإسلام الختان؟! وليس من الإسلام في شيء النقاب؟! قلت لكم: يكتبون للصم البكم العمي، ولو فتح هذا المنكر أقل كتاب فقه أو مختصرات كتب الفقه لوجد هذه الأحكام السالفة وكلام العلماء فيها، فكيف لا يحاسب هؤلاء؟! إذا كان الحفاظ على دين الدولة أمر مرفوض، وهم يقولون بذلك: لا يحاكم هؤلاء، كيف لا يكون هناك حظر على نزع ما هو ضد الإسلام؟ فلا حمى له، ولا نريد أن نكتفي بأن نقول: للدين رب يحميه فقط! بل لا بد من بذل السبب. إن الله أهلك أقوامًا كفوا عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لعل الله يحفظنا بمثل هذا الصوت الذي ينهى عن المنكر ويأمر بالمعروف: ﴿وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ﴾ [الأعراف:١٦٤] . إن الله مسخ بني إسرائيل قردةً وخنازير؛ لأنهم لم يأمروا بالمعروف وتركوا المنكر فلم ينكروه، فلولا إنكار المنكر ما وصلك هذا الدين، فهذا الدين وصلك على أشلاء أناس ودمائهم، فما مالئوا ولا هادنوا ولا لانوا في جنب الله ﷿، ولنا فيهم أسوةٌ حسنة، لا تأخذون دينكم إلا ممن تثقون في دينه وعلمه، كثرت الفتن، وأقبل بعضها تلو بعضٍ كأمواج البحر، ولا عاصم من أمر الله إلا من رحم، فلا بد من بذل السبب. والسبب أنك تأخذ دينك من الكتب المعروفة الموثقة، وتأخذ فتواك من العلماء المحققين، ولا تعطي أذنك للذين يلونون مواقفهم ويتقلبون ظهرًا لبطن. نسأل الله ﵎ أن يعافينا وإياكم من الفتن وأن يردنا إلى ديننا ردًا جميلًا، اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين، اللهم اجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، والحمد لله رب العالمين.

3 / 6