الحالة المذكورة. وإذا اعتبرنا أحد الأمور المتلازمة فقد اعتبرناها جميعًا، وقوله: "بالأشياء الحريفة" يجوز أن يكون معلمًا بالواو لشيئين:
أحدهما: أن هذا اللفظ يعم الشب والقَرَظ الواردين في خبر الدباغ وغيرهما، كالعَفَصِ وَقُشُورِ الرُّمَّانِ، وحكى بعضهم وجهًا: أن يختص الدِّباغ بالشب والقَرَظ كما يختص تطهير ولوغ الكلب بالتراب على الأظهر، والمذهب أنه لا فرق بينهما وبين غيرهما مما يصلح للدباغ، والشث بالثاء كذلك ذكره الأزهري (١)، وفي الصحاح (٢) أن الشب بالباء شيء يشبه الزَّاجَ، والشَّثُّ بالثاء نَبْتٌ يدبغ به.
الثاني: أنه يعم الطاهر والنجس من آلات الدباغ سواء كان نجس العين كذرق الطائر وغيره، وفيه وجهان:
أحدهما: لا يجوز الدّباغ بالنجس؛ لأن النجس لا يصلح للتطهير.
وأظهرهما: وهو ظاهر ما ذكره الجواز؛ لأن الغرض إخراج الجلد عن التعرض للعفونة والاستحالة، وهذا يحصل بالطاهر والنجس جميعًا، وهذا في طهارة العين. ويجب غسله بعد ذلك لا محالة بخلاف المدبوغ بالشيء الطاهر، ففي وجوب غسله [قولان] (٣) يأتي [ذكرهما] (٤). وإذا عرفت ذلك فاعلم أن النزع إنما اعتبر ليصير الجلد نظيفًا مصونًا عن الاستحالات والتغيرات فيطهر، كما كان في حال الحياة، ويترتب عليه أن التجميد بالإلقاء في التراب والشمس لا يكفي؛ لأن الفضلات لا تزول؛ ألا ترى أنه إذا نقع في الماء عاد الفساد. وعن أبي حنيفة: أنه يكفي ذلك، وبه قال: بعض الأصحاب لحصول الجفاف، وطيب الرائحة، ثم في الفصل مسألتان:
إحداهما: هل يجب استعمال الماء في أثناء الدباغ مع الأدوية؟ فيه وجهان:
إحداهما: نعم؛ لأن معنى الإزالة في الدباغ [أبلغ] (٥) والماء متعين لإزالة النجاسات، وأيضًا فقد روى أنه ﷺ قال: "أَلَيَسَ فِي الشَّب وَالْقَرَظِ وَالْمَاءِ مَا يُطَهِّرُه" (٦).