القسم الثّالث
نفحات من استدراكات أمّ المؤمنين ﵂ -
رجوع الصّحابة ﵃ إليها ﵂ -
عائشة ﵂: حبيبة الحبيب المصطفى ﷺ، أَعْلَم وأفقه نساء الأمة قاطبة، ازَّيَّنت كُتُبُ الصِّحاح بفتاويها، وحفلت برواياتها.
كان كبار الصحابة وأعلامهم يستفتونها ويرجعون إليها، وكانت تناظِر الرَّاسخين منهم وتردُّ عليهم، ولم لا؟! فهي زوج النَّبيِّ ﷺ، لزمته في السَّفر والحضر، واطَّلعت وعلمت منه مِن المسائل والفضائل ما لم يعلمها غيرها.
وممّا يُظهِر سِعَةَ عِلْمِها رجوعُ كبارِ الصَّحابة والتَّابعين إليها في بعض المسائل، فهذا أبوها أبو بكر الصِّدِّيق ﵁ يَرْجِعُ إليها في مَرَضِهِ الَّذي مات فيه، ويسألها عن قَدْرِ كَفَنِ النَّبِيِّ ﷺ، وعن يوم موته ﷺ، روى البخاري عن عائشة ﵂، قالت:
" دَخَلْتُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ ﵁، فَقَالَ: فِي كَمْ كَفَّنْتُمْ النَّبِيَّ ﷺ؟ قَالَتْ: فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ (^١) لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ، وَقَالَ لَهَا: فِي أَيِّ يَوْمٍ تُوُفِّيَ رَسُولُ الله ﷺ؟ قَالَتْ: يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، قَالَ: فَأَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قَالَتْ: يَوْمُ الِاثْنَيْنِ، قَالَ: أَرْجُو فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ اللَّيْلِ، فَنَظَرَ إِلَى ثَوْبٍ عَلَيْهِ كَانَ يُمَرَّضُ فِيهِ، بِهِ رَدْعٌ (^٢) مِنْ زَعْفَرَانٍ، فَقَالَ: اغْسِلُوا ثَوْبِي هَذَا، وَزِيدُوا عَلَيْهِ ثَوْبَيْنِ فَكَفِّنُونِي فِيهَا، قُلْتُ: إِنَّ
هَذَا خَلَقٌ، قَالَ: إِنَّ الْحَيَّ أَحَقُّ بِالجدِيدِ مِنْ الميِّتِ، إِنَّمَا هُوَ لِلْمُهْلَةِ، فَلَمْ يُتَوَفَّ حَتَّى