Al-Anwar Al-Kashifa Limma Fi Kitab 'Adwaa Ala Al-Sunnah'
الأنوار الكاشفة لما في كتاب «أضواء على السنة» - ط السلفية
Daabacaha
المطبعة السلفية ومكتبتها / عالم الكتب
Goobta Daabacaadda
بيروت
Noocyada
ـ[الأنوار الكاشفة لما في كتاب "أضواء على السنة" من الزلل والتضليل والمجازفة]ـ
المؤلف: عبد الرحمن بن يحيى بن علي المعلمي اليماني (المتوفى: ١٣٨٦هـ)
الناشر: المطبعة السلفية ومكتبتها
تصوير: عالم الكتب - بيروت
سنة النشر: ١٤٠٦ هـ / ١٩٨٦ م
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع، ومذيل وبالحواشي]
1 / 2
بسم الله الرحمن الرحيم
أقدم كتابي هذا إلى أهل العلم وطالبيه الراغبين في الحق، المؤثرين له على كل ماسواه، سائلًا الله تعالى أن ينفعني وإياهم بما فيه من الحق، ويقيني وإياهم شر ما فيه من باطل حكيته عن غيري أو زلل منى، فإن حظى من العلم زهيد، وكان جمعي للكتاب على استعجال مع اشتغالي بغيره، فلم أكثر من مراجعة ما في متناولي من مؤلفات أهل العلم، ولا ظفرت ببعضها، ومنها ما هو من مصادر الكتاب المردود عليه «أضواء على السنة» .
وقد سبقني إلى الرد عليه فضيلة الأستاذ العلامة الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة، مدير دار الحديث بمكة المكرمة، والمدرس بالحرم الشريف، واستفدت من كتابه جزاه الله خيرًا.
ولفضيلة السلفي الجليل المحسن الشهير نصير السنة الشيخ محمد نصيف اليد الطولى في استحثاثي لإكمال الكتاب، وإمدادي بالمراجع.
وكذلك للأخ الفاضل البحاثة الشيخ سليمان بن عبد الرحمن الصنيع عضو مجلس الشورى، ومدير مكتبة الحرم المكي، فإنه أمدني ببعض المراجع من مكتبته الخاصة النفيسة.
ورجائي ممن يطالع كتابي هذا من أهل العلم أن يكتب إلي بما عنده من ملاحظات واستدراكات، لأراعيها أنا - أو من شاء الله تعالى- عند إعادة طبع الكتاب إن شاء الله تعالى. وفقنا الله جميعًا لما يحب ويرضي.
غرة شهر رجب سنة ١٣٧٨ هـ
المؤلف / عبد الرحمن بن يحيى المعلمي
1 / 3
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.
أما بعد، فإنه وقع إلي كتاب جمعه الأستاذ محمود أبو رية وسماه «أضواء على السنة المحمدية» فطالعته وتدبرته، فوجدته جمعًا وترتيبًا وتكميلًا للمطاعن في السنة النبوية، مع أشياء أخرى تتعلق بالمصطلح وغيره.
وقد ألف أخي العلامة الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة - وهو على فراش المرض- عافاه الله- ردًا مبسوطًا على كتاب أبي رية لم يكمل حتى الآن. ورأيت من الحق علي أن أضع رسالة أسوق فيها القضايا التي ذكرها أبو رية، وأعقب كل قضية ببيان الحق فيها متحريًا إن شاء الله تعالى الحق، وأسأل الله التوفيق والتسديد، إنه لا حول ولا قوة إلا به، وهو حسبي ونعم الوكيل.
عُني أبو رية بإطراء كتابه، فأثبت على لوحة: «دراسة محررة تناولت حياة الحديث المحمدي وتاريخه، وكل ما يتعلق به من أمور الدين والدنيا. وهذه الدراسة الجامعية التي قامت على قواعد التحقيق العلمي (؟!) هي الأولى في موضوعها، لم ينسج أحد من قبل على منوالها» .
وكرر الإطراء في مقدمته وخاتمته، وكنت أحب له لو ترفع عن ذلك وترك الكتاب يبنبيء عن نفسه، فإنه - عند العقلاء - أرفع له ولكتابه إن حمدوا الكتاب، وأخف للذم إذا لم يحمدوه.
1 / 4
بل استجراه حرصه على إطراء كتابه إلى أمور أكرهها له، تأتي الإشارة إلى بعضها قريبًا إن شاء الله.
كان مقتضى ثقته بكتابه وقضاياه أن يدعو مخالفيه إلى الرد عليه إن استطاعوا، فما باله يتقيهم بسلاح يرتد عليه وعلى كتابه، إذ يقول ص١٤ «وقد ينبعث له من يتطاول إلى معارضته ممن تعفنت أفكارهم وتحجرت عقولهم» .
ويقول في آخر كتابه «وإن تضق به صدور الحشوية وشيوخ الجهل من زوامل الأسفار، الذين يخشون على علمهم المزور من سطوة الحق، ويخافون على كساد بضاعته العفنة التي يستأكلون بها أموال الناس بالباطل، أن يكتنفهم ضوء العلم الصحيح، ويهتك سترهم ضوء الحجة البالغة، فهذا لا يهمنا، وليس لمثل هؤلاء خطر عندنا ولا وزن في حسابنا» .
أما أنا، فأرجوا أن لا يكون لي ولا لأبي رية ولا لمتبوعيه عند القراء خطر ولا وزن، وأن يكون الخطر والوزن للحق وحده.
/ قال أبو رية ص ٤ «تعريف بالكتاب» يعني كتابه طبعًا. ثم ذكر علو قدر الحديث النبوي، ثم قال: «وعلى أنه بهذه المكانة الجليلة والمنزلة الرفيعة، فإن العلماء والأدباء لم يولوه ما يستحق من العناية والدرس، وتركوا أمره لمن يسمون رجال الحديث يتداولونه فيما بينهم ويدرسونه على طريقتهم، وطريقة هذه الفئة التي اتخذتها لنفسها قامت على قواعد جامدة لا تتغير ولا تتبدل، فترى المتقدمين منهم وهم الذين وضعوا هذه القواعد قد حصروا عنايتهم في معرفة رواة الحديث والبحث على قدر الوسع في تاريخهم، ولا عليهم بعد ذلك إن كان ما يصدر عن هؤلاء الرواة صحيحًا في نفسه أو غير صحيح، معقولًا أو غير معقول، إذ وقفوا بعلمهم عند ما يتصل بالسند فحسب، أما المعنى فلا يعنيهم من أمره شيء ...»
أقول: مراده بقوله «العلماء» المشتغلون بعلم الكلام والفلسفة، ولم يكن منهم أحد في الصحابة والمهتدين بهديهم من علماء التابعين وأتباعهم والذين يلونهم، هؤلاء
1 / 5
كلهم ممن سماهم «رجال الحديث» ومنهم عامة المشهورين عند الأمة بالعلم والإمامة من السلف. أولئك كلهم ليسوا عند أبي رية علماء، لأنهم لم يكونوا يخوضون في غوامض المعقول، بل يفرون منها وينهون عنها ويعدونها زيفًا وضلالًا وخروجًا عن الصراط المستقيم، وقنعوا بعقل العامة!
وأقول: مهما تكن حالهم فقد كانوا عقلاء العقل الذي ارتضاه الله ﷿ لأصحاب رسوله ورضيهم سبحانه لمعرفته ولفهم كتابه، ورضى ذلك منهم، وشهد لهم بأنهم (المؤمنون حقًا)، (الراسخون في العلم)، (خير أمة أخرجت للناس) وقال لهم في أواخر حياة رسوله: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي)، فمن زعم أن عقولهم لم تكن مع تسديد الشرع لها كافية وافية بمعرفة الله تعالى وفهم كتابه ومعرفة ما لا يتم الإيمان ولا يكمل الدين إلا بمعرفته؛ فإنما طعن في الدين نفسه.
وكان التابعون المهتدون بهدي الصحابة أقرب الخلق إليهم عقلًا وعلمًا وهديًا، وهكذا من اهتدى بهديهم من الطبقات التي بعدهم، وهؤلاء هم الذين سماهم أبو رية «رجال الحديث» .
قد يقال: أما نفي العلم والعقل عنهم فلا التفات إليه، ولكن هل راعوا العقل في قبول الحديث وتصحيحه؟
أقول: نعم، راعوا ذلك في أربعة مواطن: عند السماع، وعند التحديث، وعند الحكم على الرواة، وعند الحكم على الأحاديث، فالمتثبتون إذا سمعوا خبرا تمتنع صحته أو تبعد لم يكتبوه ولم يحفظوه، فإن حفظوه لم يحدثوا به، فإن ظهرت مصلحة لذكره ذكروه مع القدح فيه وفي الراوي الذي عليه تبعته. قال الإمام الشافعي في الرسالة ص ٣٩٩: «وذلك أن يستدل على الصدق والكذب فيه بأن يحدث المحدث ما لا يجوز أن يكون مثله أو ما يخالفه ما هو أثبت أو أكثر دلالات بالصدق منه» . وقال الخطيب في الكفاية في علم الرواية ص ٤٢٩: «باب وجوب إخراج المنكر والمستحيل من الأحاديث» . وفي الرواة جماعة يتسامحون عند السماع وعند التحديث، لكن الأئمة بالمرصاد للرواة، فلا تكاد تجد حديثًا بين البطلان
1 / 6
إلا وجدت في سنده واحدًا أو اثنين أو جماعة قد جرحهم الأئمة، والأئمة كثيرًا ما يجرحون الراوي بخبر واحد منكر جاء به، فضلًا عن / خبرين أو أكثر.
ويقولون للخبر الذين تمتنع صحته أو تبعد: «منكر» أو «باطل» . وتجد ذلك كثيرًا في تراجم الضعفاء، وكتب العلل والموضوعات، والمتثبتون لا يوثقون الراوي حتى يستعرضوا حديثه وينقدوه حديثا ًحديثًا.
فأما تصحيح الأحاديث فهم به أعنى وأشد احتياطا، نعم ليس كل من حكي عنه توثيق أو تصحيح متثبتًا، ولكن العارف الممارس يميز هؤلاء من أولئك.
هذا وقد عرف الأئمة الذين صححوا الأحاديث، أن منها أحاديث تثقل على بعض المتكلمين ونحوهم، ولكنهم وجدوها موافقة للعقل المعتد به في الدين، مستكملة شرائط الصحة الأخرى، وفوق ذلك وجدوا في القرآن آيات كثيرة توافقها أو تلاقيها، أو هي من قبيلها، قد ثقلت هي أيضًا على المتكلمين، وقد علموا أن النبي ﷺ كان يدين بالقرآن ويقتدي به، فمن المعقول جدًا أن يجيء في كلامه نحو ما في القرآن من تلك الآيات.
من الحقائق التي يجب أن لا يغفل عنها أن الفريق الأول وهم الصحابة ومن اهتدى بهديهم من التابعين وأتباعهم ومن بعدهم عاشوا مع الله ورسوله، فالصحابة مع النبي ﷺ وهديه ومع القرآن، والتابعون مع القرآن والصحابة والسنة وهلم جرا. وأن الفريق الثاني وهم المتكلمون والمتفلسفون ونحوهم عاشوا مع النظريات والشبهات والأغلوطات والمخاصمات، والمؤمن يعلم أن الهدي بيد الله، وأنه سبحانه إذا شرع إلى الهدى سبيلًا فالعدول إلى غيره لن يكون إلا تباعدًا عنه وتعرضًا للحرمان منه، وبهذا جاء القرآن، وعليه تدل أحوال السلف واعتراف بعض أكابرهم في أواخر أعمارهم، والدقائق الطبيعية شيء والحقائق الدينية شيء آخر، فمن ظن الطريق إلى تلك طريقًا إلى هذه فقد ضل ضلالًا بعيدًا.
1 / 7
واعلم أن أكثر المتكلمين لا يردون الأحاديث التي صححها أئمة الحديث، ولكنهم يتأولونها كما يتأولون الآيات التي يخالفون معانيها الظاهرة. لكن بعضهم رأى أن تأويل تلك الآيات والأحاديث تعسف ينكره العارف باللسان وبقانون الكلام وبطبيعة العصر النبوي، والذي يخشونه من تكذيب القرآن لا يخشونه من تكذيب الأحاديث، فأقدموا عليه وفي نفوسهم ما فيها، ولهم عدة مؤلفات في تأويل الأحاديث أو ردّها - قد طبع بعضها - فلم يهملوا الأحاديث كما زعم أبو رية.
قول أبي رية «والأدباء» يعني بهم علماء البلاغة، يريد أنهم لم يتصدوا لنقد الأحاديث بمقتضى البلاغة، قال في ص٦ «ولما وصلت من دراستي إلى كتب الحديث ألفيت فيها من الأحاديث ما يبعد أن يكون في / ألفاظه أو معانيه أو أسلوبه من محكم قوله وبارع منطقه صلوات الله عليه ... ومما كان يثير عجبي أنى إذا قرأت كلمة لأحد أجلاف العرب أهتز لبلاغتها، وتعروني أريحية من جزالتها، وإذا قرأت لبعض ما ينسب إلى النبي ﷺ من قول لا أجده له هذه الأريحية ولا ذاك الاهتزاز، وكنت أعجب كيف يصدر عنه صلوات الله عليه مثل هذا الكلام المغسول من البلاغة، والعارى عن الفصاحة، وهو أبلغ من نطق بالضاد، أو يأتي منه مثل تلك المعاني السقيمة، وهو أحكم من دعا إلى رشاد» .
أقول: أما الأحاديث الصحيحة فليست هي بهذه المثابة، والاهتزاز والأريحية مما يختلف باختلاف الفهم والذوق والهوى، ولئن كان صادقًا في أن هذه حاله مع الأحاديث الصحيحة فلن يكون حاله مع كثير من آيات القرآن وسوره إلا قريبًا من ذلك. هذا والبلاغة مطابقة الكلام لمقتضى الحال، والنبي ﷺ كان همه إفهام الناس وتعليمهم على اختلاف طبقاتهم، وقد أمره الله تعالى أن يقول (وما أنا من المتكلفين) والكلمات المنقولة عن العرب ليست بشيء يذكر بالنسبة
1 / 8
إلى كلامهم كله، وإنما نقلت لطرافتها، ومقتضى ذلك أنه لم يستطرف من كلامهم غيرها. وكذلك المنقول من شعرهم قليل، وإنما نقل ما استجيد، والشعر مظنة التصنع البالغ، ومع ذلك قد تقرأ القصيدة فلا تهتز إلا للبيت والبيتين، ثم إن كثيرًا مما نقل عن النبي ﷺ روي بالمعنى كما يأتي، فأما سقم المعنى فقد ذكر علماء الحديث أنه من علامات الموضوع، كما نقله أبو رية نفسه ص ١٠٤.
وذكر ابن أبي حاتم في تقدمة (الجرح والتعديل) ص ٣٥١ في علامات الصحيح «أن يكون كلامًا يصلح أن يكون من كلام النبوة» فإن كان أبو رية يستسقم معاني الأحاديث الصحيحة فمن نفسه أُتي.
ومن يكُ ذا فم مرّ مريض ... يجد مرًّا به العذبَ الزُّلالا
قوله: «أما المعنى فلا يعنيهم من أمره شيء» كذا قال، وقد أسلفتُ أن رعايتهم للمعنى سابقة، يراعونه عند السماع، وعند التحديث، وعند الحكم على الراوي، ثم يراعونه عند التصحيح، ومنهم من يتسامح في بعض ذلك، وهم معروفون كما تقدم. وقد قال أبو رية ص١٠٤: «ذكر المحققون أمورًا كلية يعرف بها أن الحديث موضوع ...» فذكر جميع ما يتعلق بالمعنى- نقلًا عنهم.
فإن قال: ولكن مصححي الأحاديث لم يراعوا ذلك.
قلت: أما المثبتون كالبخاري ومسلم فقد راعوا ذلك، بلى في كل منهما أحاديث يسيرة انتقدها بعض الحفاظ أو ينتقدها بعض الناس. ومرجع ذلك إما إلى اختلاف النظر، وإما إلى اصطلاح لهما يغفل عنه المنتقد، وإما إلى الخطأ الذي لا ينجو منه بشر، وقد انُتقدت عليهما أحاديث من جهة السند، فهل يقال لأجل ذلك إنهما لم يراعيا هذا أيضًا؟
/ قال ص٥ «وعلى أنهم قد بذلوا أقصى جهدهم في دراسة علم الحديث من حيث روايته ... فإنهم قد أهملوا جميعًا أمرًا خطيرًا ... أما هذا كله ... فقد انصرف عنه العلماء والباحثون، وتركوه أخبارًا في بطون الكتب مبعثرة ...» .
1 / 9
يعني فجمعها هو في كتابه. وغالب ذلك قد تكفلت به كتب المصطلح، وسائره في كتب أخرى من تأليف المحدثين أنفسهم، ومنها ينقل أبو رية.
وقال ص٦ «أسباب تصنيف هذا الكتاب الخ» إلى أن قال: «ومما راعني أني أجد في معاني كثير من الأحاديث ما لا يقبله عقل صريح» .
أقول: لا ريب أن في ما ينسب إلى النبي ﷺ من الأخبار ما يرده العقل الصريح، وقد جمع المحدثون ذلك وما يقرب منه في كتب الموضوعات، وما لم يذكر فيها منه فلن تجد له إسنادًا متصلًا إلا وفي رجاله ممن جرحه أئمة الحديث رجل أو أكثر، وزعم أن في الصحيحين شيئًا من ذلك سيأتي النظر فيه وقد تقدمت قضية العقل.
قال «ولا يثبته علم صحيح ولا يؤيده حس ظاهر أو كتاب متواتر» أقول: لا أدري ما فائدة هذا، مع العلم بأن ما يثبته العلم الصحيح أو يؤيده الحس الظاهر لابد أن يقبله العقل الصريح، وإن القرآن لا يؤيد ما لا يقبله العقل الصريح.
ثم قال: «كنت أسمع من شيوخ الدين عفا الله عنهم أن الأحاديث التي تحملها كتب السنة قد جاءت كلها على حقيقتها ...»
أقول: العامة في باديتتا اليمن، والعامة من مسلمي الهند، إذا ذكرت لأحدهم حديثاُ قال: أصحيح هو؟ فإن قلت له: هو في سنن الترمذي- مثلًا- قال: هل جميع الأحاديث التي في الكتاب المذكور صحيحة؟ فهل هؤلاء أعلم من شيوخ الدين في مصر؟
ثم ذكر حديث «من كذب عليّ الخ» وقضايا أخرى ذكر أنها انكشفت له، أجمل القول فيها هنا على أن يفصلها بعد، فأخرت النظر فيها إلى موضع تفصيلها
ثم قال ص ١٣ «لما انكشف لي ذلك كله وغيره مما يحمله كتابنا، وبدت لي حياة الحديث المحمدي في صورة واضحة جلية تتراءى في مرآة مصقولة، أصحبت على بينة من أمر ما نسب إلى الرسول من أحاديث آخذ ما آخذ منه
1 / 10
ونفسي راضية، وأدع ما أدع وقلبي مطمئن، ولا على في هذا أو ذلك حرج، أو جناح»
أقول: أما إنه بعد إطلاعه على ما نقله في كتابه هذا صار عارفا بتاريخ الحديث النبوي إجمالًا فهذا قريب، لولا أن هناك قضايا عظيمةيصورها في كتابه هذا على نقيض حقيقتها كما سنقيم عليه الحجة الواضحة إن شاء الله تعالى.
وأما أنه أصحب على بينة إلى آخر ما قال فهذه دعوى تحتمل تفسيرين: الأول: أنه أصبح يعرف بنظرة واحدة إلى الحديث من الأحاديث حقيقة حاله من الصحة قطعًا أو ظنًا/ أو احتمالًا أو البطلان كذلك.
الثاني: أنه ساء ظنه بالحديث النبوي- إن لم يكن بالدين كله - فصار لا يراه إلا أداة يستغلها الناس لأهوائهم، فأصبح يأخذ منه ما يوافق هواه، ويرد ما يخالف هواه، بدون اعتبار لما في نفس الأمر من صحة أو بطلان.
من الجور أن نزعم أن مراد أبي رية هو ما تضمنه التفسير الأول، لأن ذلك باطل مكشوف، وذلك أن للقضية شطرين: الأول: أن يدع الحديث، الثاني: أنه يأخذ به.
فأما الشطر الأول، فالمسلم لا يدع الحديث وقلبه مطمئن، إلا إذا بان له أنه لا يصح، والذي في كتاب أبي رية مما ذكر أنه يدل على عدم الصحة، إما أن يقتضي امتناع الصحة قطعًا، كمناقضة الخبر للعقل الصريح أو للحس أو لنص القرآن، وإما أن يقتضي استبعادها فقط، والأول لا يحتاج الناس فيه إلى كتاب أبي رية هذا، والثاني لا يكفي، فإنه قد يثبت الخبر ثبوتًا يدفع الاستبعاد، إذن فثمرة مجهوده وكتابه بالنظر إلى هذا الشطر ضئيلة لا يليق التبجح بها.
وأما الشطر الثاني، فمن الواضح أن انتفاء الموانع الظاهرة كمناقضة العقل الصريح ونحوه إنما يفيد إمكان الصحة، ثم يحتاج بعد ذلك إلى النظر في السنة، فإن كان موثق الرجال، ظاهر الاتصال، قيل: صحيح الإسناد، ثم يبقى احتمال
1 / 11
العلة القادحة بما فيه من الشذوذ الضار، والتفرد الذي لا يحتمل.
والنظر في ذلك هو كما قال أبو رية ص ٣٠٢ «لا يقوم به إلا من كان له فهم ثاقب وحفظ واسع، ومعرفة تامة بالأسانيد والمتون وأحوال الرواة» وهذه درجة لا تنال بمجهود أبي رية ولا بأضعاف أضعافه، فبان يقينًا أن أبا رية لا يمكنه الاستقلال بتصحيح حديث، بل كتابه ينادي عليه أنه لا يمكنه أن يستقل بتصحيح إسناد. إذن فلم يفده مجهوده شيئًا في هذا الشطر، وبقي فيه كما كان عالة على تصحيح علماء الحديث. هذا حال التفسير الأول.
وأما التفسير الثاني فلا أدري، غير أنه يشهد له صنيع أبي رية في ما يأتي من كتابه من رد الأحاديث والأخبار الثابتة، والاحتجاج كثيرًا بالضعيفة والواهية والمكذوبة، والله أعلم.
قال ص ١٣ «ولا يتوهمن أحد أني بدع في ذلك، فإن علماء الأمة لم يأخذوا بكل حديث نقلته إليهم كتب السنة، فليسعني ما وسعهم بعد ما تبين لي ما تبين لهم، وهذا أمر معلوم لا يختلف فيه عالم، اللهم إلا الحشوية الذين يؤمنون بكل ما حمل سيل الرواية، سواء كان صحيحًا أم غير صحيح، ما دام قد ثبت سنده على طريقتهم»
أقول: لم يجهل أحد من أهل العلم ما قدمته قريبًا في شأن صحة الحديث، ولكنهم لا يجيزون مخالفة حديث تبين إمكان / صحته ثم ثبت صحة إسناده ولم يعلم ما يقدح فيه أو يعارضه. وأبو رية يعيب عليهم هذا، ويبيح لنفسه أن يعارض نصوص القرآن وإجماع أهل الحق بأحاديث وأخبار وحكايات لا يعرف حال أسانيدها، ومنها الضعيف والواهي والساقط والكذب، ويكثر من ذلك كما ستراه
قد يقال: ربما يدّعي أنه أصبحت له ملكة وذوق يعرف بهما الصحيح بدون معرفة سند ولا غيره!
أقول: هذه دعوى لا تقع من عاقل يحترم عقول
1 / 12
الناس، وقد قال أبو رية ص ٢١ «قد ثبت أن النبي ﷺ كان يصدق بعض ما يفتريه المنافقون» ونقل ص ١٤٢ عن صاحب المنار محتجًا به قوله «والنبي ﷺ ما كان يعلم الغيب، فهو كسائر البشر يحمل كلام الناس على الصدق إذا لم تحف به شبهة، وكثيرًا ماصدق المنافقين والكفار في أحاديثهم» فهل يدّعي أبو رية لنفسه درجة لم يبلغها النبي ﷺ ولا غيره؟ إذن فلن نعدم ممن عرف ما في كتابه هذا وأضعاف أضعافه من يعارضه قائلًا: قد حصل لي ملكة وذوق أعلى مما حصل لك، وأنا أعرف بطلان هذا الذي احتججت به، فتسقط الدعويان، ويقوم العقل والعدل. أما ذكره عن علماء الأمة فستأتي حكايته في ذلك ونبين حالها إن شاء الله.
والحق أنه لم يكن في علماء الأمة المرضيين من يرد حديثًا بلغه إلا لعذر يحتمله له أكثر أهل العلم على الأقل، ولو كان حال أبي رية في الرد والعذر كحال أحدهم لساغ أن يقال: يسعه ما يسعهم، وإن كان البون شاسعًا جدًا. ولكن له شأن آخر كما يأتي.
قال: قال ابن أبي ليلى «لا يفقه الرجل في الحديث حتى يأخذ منه ويدع» وقال عبد الرحمن بن مهدي «لا يكون إمامًا في الحديث من تتبع شواذ الحديث، أو حدث بكل ما يسمع، أوحدث عن كل أحد»
أقول: هذا موجه إلى فريق من الرواة كانوا يكتبون ويروون كل ما يسمعون من الأخبار، يرون أنه ليس عليهم إلا الأمانة والصدق وبيان الأسانيد، تاركين النقد والفقه في الحديث والإمامة لغيرهم. فأما الأخذ والرد للعمل والاحتجاج، فكل أحد يعلم أنه يؤخذ ما يصح، ويترك ما لا يصح. ومر قريبًا حال أو رية في هذا.
قال أبو رية «ولما كان هذا البحث لم يعن به أحد من قبل كما قلنا ...» أقول: قد تقدم أن الذي يسوغ له ادعاؤه هو أنه جمع في كتابه هذا ما لم يجمع
1 / 13
في كتاب من قبل، والقناعة راحة.
ثم قال «وكان يجب أن يفرد بالتأليف منذ ألف سنة عندما ظهرت كتب الحديث المعروفة ... حتى توضع هذه الكتب في مكانها الصحيح من الدين، ويعرف الناس حقيقة ما روي فيها من أحاديث ...»
أقول: إن ما جمعه في كتابه من كلام غيره منه ماهو مقبول، ومنه ما يعلم حاله من رسالتي هذه، فأما المقبول فمن مؤلفات/ المحدثين نقل، وفيها أكثر منه وأنفع وأرفع، وأما المرذول فليس له حساب وقد نبهوا عليه في مؤلفاتهم، وكثرة الباطل نقصان، غير أن للباطل هواة: منهم طائقة يثني عليها أبو رية من قلبه، وطائفة لا يرضها ولكنه رأى أن في كلامه ما يعجبها فراح يتملقها في مواضع رجاء أن يروج لديها كتابه كما راج لديها كتاب فلان.
ثم قال ص ١٤ «ولأن هذا البحث كما قلنا طريف أو غريب»
أقول: قد خجلت من كثرة مناقشة أبي رية في إطرائه لكتابه، مع أنه عنده بمنزلة ولده يتعزى به عن ولده العزيز مصطفى، ولذلك جعله باسمه كما ذكره أول الكتاب تحت عنوان «الاهداء» وأحسبه يتصور أن الرد على كتابه معناه أن يلحق هذا الولد بمصطفى، ولذلك يقول هنا «وقد ينبعث له من يتطاول إلى معارضته ممن تعفنت أفكارهم وتحجرت عقولهم» ولو قال: قلوبهم لكان أنسب لحاله.
قال «فقد استكثرت فيه من الأدلة التي لا يرقى الشك إليها، وأتزيد من الشواهد التي لا ينال الضعف منها»
أقول: سوف ترى إذا انجلى الغبار ... أفرس تحتك أم حمار!
قال: «وبرغمي أن أنصرف في هذا الكتاب عن النقد والتحليل، وهي الأصول التي يقوم العلم الصحيح في هذا العصر عليها»
1 / 14
أقول: قد ذكر هو ص ٣٢٧ أن علماء الحديث قد عرفوا تلك الأصول ونقل عن صاحب المنار قوله «إن لعلماء فقه الحديث من وراء نقد أسانيد الأخبار والآثار نقدا آخر لمتونها.. ويشاركهم في هذا النوع من النقد رجال الفلسفة والأدب والتاريخ ويسمونه في عصرنا النقد التحليلي» فإن كان أبو رية يحسنه فإنمًا عدل عنه ليتسع له المجال فيما يكره أن يتضح للمثقفين
لكن قال بعد هذا «وقد اضطررت إلى ذلك لأن قومنا حديثوا عهد بمثل هذا البحث، على أني أرجو أن يكون قد انقضى ذلك العهد الذي لا يشيع فيه إلا النفاق العلمي والرثاء الديني، ولا ينشر فيه إلا ما يروج بين الدهماء ويرضي عنه من يزعمون للناس زورا أنهم من المحدِّثين أو العلماء» وهذا يشعر أو يصرح بأنه يريد بالنقد التحليلي أمرًا آخر انصرف برغمه عنه اتقاء لعلماء المسلمين وعامتهم وأخذا بنصيب مما يسميه بالنفاق العلمي والرثاء الديني. وفي كتابه أشياء تدل على قرب وأشياء تلد على بعد، وعبارته هذه ونحوها قريب من الضرب الأول وتلفت النظر إلى الثاني، فمنه ما مر في أول كتابه من الإشارة إلى أن جميع الذين اشتهروا في القرون الأولى بالعلم والإمامة ليسوا عنده علماء. ويأتي كلامه في الصحابة ﵃ وهجوه السوقى لأبي هريرة ﵁ ومحاولته قلب محاسنه عيوبًا والاستدلال بالحكايات الكاذبة للغض منه واختلاق التهم / الباطلة لتكذيبه، وذلك ينبئ عن فقر مدقع من توقير النبي ﷺ واحترام جانبه وجحود شديد لبركة صحبته وملازمته وخدمته، وأهم من ذلك أن أبا رية يقسم الدين إلى عام وخاص، ويقول إن العام هو الدلائل القطعية من القرآن، والسنن العملية المتواترة التي أجمع عليها مسلمو الصدر الأول وكانت معلومة عندهم بالضرورة. انظر ص ٣٥٠ في كتابه. ثم يعود فيقرر أن الدلائل النقلية كلها ظنية. انظر ٣٥٣،٣٤٦منه. وأن الدين كله في القرآن لا يحتاج معه إلى غيره. «حسبنا كتاب الله» انظر ص ٣٤٩ منه، وأنه لا يلزم من الإجماع على
1 / 15
حكم مطابقته لحكم الله في نفس الأمر» انظر ص٣٥٢ منه. ومجموع هذا يقتضي أن يكون الدين كله خاصًا عنده. ومعنى الخاص على ما يظهر من كلامه أن الدين فيما عدا الأمور القضائية «موكول إلى اجتهاد الأفراد» كأنه يريد أنه قضية فردية تخص كل فرد فيما بينه وبين الله لا شأن له بغيره ولا لغيره به. وفي الأمور القضائية «موكول إلى أولى الأمر» كأنه يريد أن للمقنن أو القاضي أن يأخذ بالحكم الديني إذا وافق رأيه وله أن يدعه. انظر ص ٣٥٣ منه. وتجده يحتج كثيرًا بأقوال لا يعتقد صحتها بل قد يعتقد بطلانها ولكنه يراها موافقة لغرضه. ويحاول إبطال أحاديث صحيحة بشبهات ينتقل الذهن فور إيرادها إلى ورودها على آيات من القرآن. فهذا وأشباهه يجعلنا نشفق على أبي رية ومنه.
قال «وأرجو كذلك وقد حسرت النقاب عن وجه الحق في أمر الحديث المحمدي الذي جعلوه الأصل الثاني من الأدلة الشرعية بعد السنة العملية ...» أقول: نعم نحن المسلمين لا نفرق بين الله ورسله، بل نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله المبلغ لدين الله والمبين لكتاب الله بسنته، بقوله وفعله وغير ذلك مما بين به الدين، ونؤمن وندين بما بلغنا إياه بالكتاب وبالسنة، والأحاديث أخبار عن السنة، إذا ثبتت ثبت ما دلت عليه السنة، ولسنا نحن بالجاعلى السنة بهذه المرتبة، بل الله ﷿ جعلها. وهذا أمر معلوم من الدين بالضرورة، وقد تكفل الله تعالى بحفظ دينه، ووفق الأمة التي وصفها بأنها خير أمة أخرجت للناس فقام أئمتها وعلماؤها بما أمروا به من حفظ الدين وتبليغه على الوجه الذي اختاره الله ورسوله فلم يزل محفوظًا إن خفي بعضه على الجهال لم يخف على العلماء، وإن خفي على بعض العلماء لم يخف على بقيتهم، وما في كتابك هذا من حق فمنهم نقلته، وباطلك مردود عليك.
قال «واتخذوا منه أسانيد لتأييد الفرق الإسلامية ودلائل على الخرافات
1 / 16
والأوهام، وقالوا بزعمهم إنها دينية»
أقول: ما من فرقة من الفرق الإسلامية إلا ولديها شيء من الحق، وما تسميه أنت خرافات وأوهاما منه ما هو حق وإن / زعمت. والأحاديث التي يثبتها أهل العلم حق ولا يستنكر للحق أن يشهد للحق، وأما الأحاديث الباطلة فمنها ما نصوا على بطلانه وهو كثير، ومنها ما يعرف بالنظر فيه على طريقتهم بطلانه أو وهنه أو على الأقل الشك في صحته.
قال «وكشفت القناع عما خفي على الناس أمره»
أقول: أما أهل العلم فلم تزدهم علمًا، وأما غيرهم فالذي في كتابك مما يضللهم ويلبس عليهم دينهم أكثر مما قد يفيدهم
ثم قال «أرجو أن أكون قد وفقت إلى ... الدفاع عن السنة القولية وحياطتها عما يشوبها، وأن يصان كلام الرسول من أن يتدسس إليه شيء من افتراء الكاذبين، أو ينال منه كيد المنافقين وأعداء الدين، وأن تنزه ذاته الكريمة من أن يعزى إليها إلا ما يتفق وسمو مكانها وجلال قدرها ...»
أقول: أما ما نقله من كتب علماء الحديث من شرائط الصحيح وبيان المعتل وعلامات الموضوع وبيان أن كثيرًا من الأحاديث الصحيحة رويت بالمعنى ونحو ذلك فإنه يليق به هذاالوصف. وأما كثير مما نقله عن غيرهم أو جاء به من عنده فوصفه بذلك بمنزلة أن يجمع رجل كتابًا يطعن في آيات كتيرة من القرآن بزعم أنها ليست منه وأن فيه كثيرًا من ذلك ثم يزعم أن غرضه هو «الدفاع عن الكلام الرباني وحياطته عما يشوبه،أن يصان كلام رب العزة ... وأن تنزه ذاته المقدسة من أن يعزى إليها إلا ما يليق بجلالها ...» ونحو ذلك.
قال ص١٥ «وإذا كان هذا الكتاب سيغير ولا ريب من آراء كثير من المسلمين فيما ورثوه من عقائد ... فإنه سيقفهم إن شاء الله على حقائق كثيرة
1 / 17
تزيدهم تبصرة وعلمًا بدينهم، ويحل لهم مشاكل متعددة مما تضيق به صدروهم، ويدفع شبهات يتكئ عليها المخالفون ...»
أقول: الكلام على هذا نحو مما قبله.
وبعد فإن أضر الناس على الإسلام والمسلمين هم المحامون الاستسلاميون، يطعن الأعداء في عقيدة من عقائد الإسلام أوحكم من أحكامه ونحو ذلك فلا يكون عند أولئك المحامين من الإيمان واليقين والعلم الراسخ بالدين والاستحقاق لعون الله وتأييده ما يثبتهم على الحق ويهديهم إلى دفع الشبهة، فيلجأون إلى الاستسلام بنظام، ونظام المتقدمين التحريف ونظام المتوسطين زعم أن النصوص النقلية لا تفيد اليقين والمطلوب في أصول الدين اليقين، فعزلوا كتاب الله وسنة رسوله عن أصول الدين، ونظام بعض العصريين التشذيب.
وأبو رية يحاول استعمال الأنظمة الثلاثة ويوغل في الثالث، على أن أولئك الذين سميتهم محامين كثيرًا ما يكونون هم الخصوم، والباطل جشع، وقد قال الله ﵎ (٧٠:٢٣ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن)
/ وقال الله ﷿ (١٢٠:٢ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم، قل إن هدى الله هو الهدى) وقال سبحانه (١٠٠:٣ يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقًا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين. وكيف تكفرن بالله وأنتم تتلى علكيم آيات الله وفيكم رسوله) والرسول فينا بسنته. وقال تعالى (٢١٧:٢ ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا، ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدينا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون)
قال أبو رية ص ١٥: «وإني لأتوجه بعملي هذا - بعد الله سبحانه وله العزة- إلى المثقفين من المسلمين خاصة، ولى المعتمين بالدراسات الدينية عامة»
1 / 18
يعني المستشرقين من اليهود والنصارى والملحدين «ذلك بأن هؤلاء وهؤلاء الذين يعرفون قدره. والله أدعو أن يجدوا فيه جميعًا ما يرضيهم ويرضي العلم والحق معهم»
أقول: أما المستشرقون فالذي يرضيهم معروف. وأما المثقفون فيريد أبو رية الثقافة الغربية، ويطمع أبا رية فيهم أن يرى أكثرهم عزلًا عن الواقيين الاسلاميين: العلم الديني، والمناعة. وأما علماء المسلمين، وعامتهم وهم مظنة الخير فهم عند أبي رية سفهاء، واقرأ عشرين آية من أول سورة البقرة
ثم ختم أبو رية مقدمته بالدعاء لمجهوده وكتابه. وأنا أسأل الله ﵎ أن ينفعني والمسلمين ومن شاء من عباده بما في كتابي من صواب، ويقيني وإياهم شر ما فيه من خطأ، ويوفقنا جميعًا لما يحبه ويرضاه
1 / 19
السنة
ثم شرع أبو رية بعد الخطبة في الكتاب فقال في ص ١٦ «السنة ...»، ونقل عبارات منها عبارة عن تعريفات الجرجاني زاد في آخرها زيادة في نحو ثلاثة أسطر لم أجدها في التعريفات في آخرها «ثم اصطلح المحدثون على تسمية كلام الرسول حديثًا وسنة» ثم قال أبو رية «وقالوا: السنة تطلق في الأكثر على ما أضيف إلى النبي من قول أو فعل أو تقرير»
أقول: تطلق السنة لغة وشرعًا على وجهين: الأول: الأمر يبتدئه الرجل فيتبعه فيه غيره. ومنه ما في صحيح مسلم في قصة الذي تصدق بصرة فتبعه الناس فتصدقوا فقال رسول الله ﷺ: «من سن في الإسلام سنة حسنة فعمل بها بعده كتب له مثل أجر من عمل بها ...» الحديث. والوجه الثاني: السيرة العامة، وسنة النبي صلى الهل عليه وسلم بهذا المعنى هي التي تقابل الكتاب، وتسمى الهدى.
وفي صحيح مسلم: أن النبي ﷺ كان يقول في خطبته «أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة» هذا وكل شأن من شئون النبي ﷺ الجزئية المتعلقة بالدين من قول أو فعل أو كف أو تقرير، سنة بالمعنى الأول، ومجموع ذلك هو السنة بالمعنى الثاني. ومدلولات الأحاديث الثابتة هو السنة أو من السنة حقيقة، فإن أطلقت «السنة» على ألفاظها فمجاز أو اصطلاح. وإنما أوضحت هذا لأن أبا رية يتوهم أو يوهم أنه لا علاقة للأحاديث بالسنة الحقيقية.
ثم قال ص١٧ «مكان السنة من الدين. جعلوا السنة القولية في الدرجة الثانية أو في الدرجة الثالثة من الدين.... وأما الذي هو في الدرجة الثانية من الدين فهو السنة العملية»
1 / 20
أقول: المعروف بين أهل العلم قولهم «الكتاب والسنة» ثم يقسمون دلالات الكتاب إلى قطعية وغيرها، والسنة إلى متواتر وآحاد، وإلى قول وفعل وتقرير- إلى غير ذلك من التقسيمات. وسيأتي ذكر «ثلاث مراتب» من صاحب المنار، وننظر فيه.
فأما منزلة السنة جملة من الدين فلا نزاع بين المسلمين في أن ما ثبت عن النبي ﷺ من أمر الدين فهو ثابت عن الله ﷿، ونصوص القرآن في ذلك كثيرة، منها (٨٠:٤ من يطع الرسول فقد أطاع الله) وكل مسلم يعلم أن الإيمان لا يحصل إلا بتصديق الرسول فيما بلغه عن ربه، وقد بلغ الرسول بسنته كما بلغ كتاب الله ﷿.
ثم تكلم الناس في الترتيب بالنظر إلى التشريع، فمن قائل: السنة قاضية على الكتاب/ وقائل: السنة تبين الكتاب. وقائل: السنة في المرتبة الثانية بعدالكتاب. وانتصر الشاطبي في الموافقات لهذا القول وأطال، ومما استدل به هو وغيره قول الله ﷿ (٨٩:١٦ويوم نبعث في كل أمة شهيدًا عليهم من أنفسهم وجئنًا بك شهيدًا على هؤلاء، ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة للمسلمين. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون)
قالوا: فقوله «تبيانًا لكل شيء» واضح في أن الشريعة كلها مبينة في القرآن. ووجدنا الله تعالى قد قال في هذه السورة (٤٤:١٦ وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون) فعلمنا أن البيان الذي في قوله (تبيانًا لكل شيء) غير البيان الموكول إلى الرسول. ففي القرآن سوى البيان المفصل الوافي بيان مجمل وهو ضربان: الأول: الأمر بالصلاة والزكاة والحج
1 / 21