Al-Andalus: From Conquest to Fall
الأندلس من الفتح إلى السقوط
Noocyada
وجه تعلق الجيش الإسلامي في موقعة بلاط الشهداء بالغنائم ودخول العنصرية القبلية فيه
السؤال
كيف تعلق الجيش الإسلامي في موقعة بلاط الشهداء بالغنائم، وتحدث مشاكل عنصرية وقبلية فيه، مع أنهم من التابعين أو تابعي التابعين، وهم قريبو عهد من رسول الله ﷺ ومن صحابته الكرام ﵃ أجمعين؟
الجواب
قد حدث ذلك في غزوة أحد في السنة الثالثة للهجرة، وبلاط الشهداء كأنها أحد أخرى، يقول ﷾ في كتابه الكريم: ﴿مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ﴾ [آل عمران:١٥٢]، هذه الآية نزلت في صحابة رسول الله ﷺ في موقعة أحد، ألم يترك الرماة مواقعهم في موقعة أحد طلبًا للغنيمة بعد أن أيقنوا بالنصر، ونزلوا وخالفوا أمر رسول الله ﷺ طلبًا للغنيمة؟ قال عنهم ربهم ﷾ في كتابه الكريم: ﴿مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ﴾ [آل عمران:١٥٢]، حتى إن عبد الله بن مسعود ﵁ وأرضاه كان يقول: ما كنت أحسب أن منا من يريد الدنيا حتى نزلت الآية: ﴿مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ﴾ [آل عمران:١٥٢].
فهزم المسلمون بعد النصر، وهكذا أيضًا في بلاط الشهداء، فقد دخل المسلمون في أول يومين أو ثلاثة أيام من أيام المعركة وكان النصر حليفًا للمسلمين، ثم انقلبت المعركة لما التف النصارى حول غنائم المسلمين وأخذوها، فحدثت الانكسارة لجيش المسلمين ثم هزموا.
﴿وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ﴾ [آل عمران:١٥٢]، يقول ابن كثير على هذه الآية: أي: لم يستأصلكم في هذه الموقعة، بل أعطاكم الفرصة للقيام من جديد، وهكذا أيضًا في بلاط الشهداء لم يستأصل الجيش الإسلامي، ولكنه عاد وانسحب ليقوم من جديد، فبلاط الشهداء كأنها أحد بل أكثر من ذلك، ففي غزوة بدر بعد أن انتصر المسلمون على الكفار اختلفوا على الغنائم، وهم الرعيل الأول والجيل المصاحب لرسول الله ﷺ، وفي سورة الأنفال بعد هذا النصر المجيد جاء تعظيم أمر الاختلاف على الغنائم، قال تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [الأنفال:١]، وهذا كلام شديد جدًا على صحابة رسول الله ﷺ، لكن هكذا أمر النفس البشرية.
إذًا: هذه عيوب موجودة في الناس.
والدرس والعبرة من بلاط الشهداء ومن أحد وبدر تدارك الأمر بسرعة بعد المعركة، ورسول الله ﷺ تدارك الأمر بسرعة بعد غزوة أحد، وحمس المسلمين وذكرهم بالآخرة حتى واصلوا المسير خلف الكفار إلى حمراء الأسد، وهكذا أيضًا في بلاط الشهداء قام رجل من جديد يحمس المسلمين هو عقبة بن الحجاج ﵀، لكن هذا لم يكن في أرض بواتييه، إنما كان بعد العودة إلى أرض الأندلس، لذلك لم تحدث موقعة مثل موقعة حمراء الأسد مباشرة بعد بلاط الشهداء، والسبب في اختلاف موقعة بلاط الشهداء عن غزوة أحد أن غالب جيش المسلمين في بلاط الشهداء كانت الدنيا والغنائم في قلوبهم، ولذلك لم يعودوا مباشرة كما عادوا في أحد، أما في أحد فقد قال عنهم ربهم: ﴿مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ﴾ [آل عمران:١٥٢]، ولما أشيع في غزوة أحد أن رسول الله ﷺ قد مات، حدث الفرار والهزيمة والانكسار الكبير، وكذلك لما قتل عبد الرحمن الغافقي ﵀ انسحب المسلمون من غزوة بلاط الشهداء.
لذلك الشبه كبير جدًا، والتكرار في التاريخ أمر طبيعي جدًا، والهزائم شديدة الشبه، وعلى المسلمين أن يتعظوا ويعتبروا.
أما ظهور العنصرية والقومية في ذلك الجيش، وفي ذلك الوقت المتقدم من الزمان، فإن العنصرية والقبلية قد ظهرت أيضًا في عهد رسول الله ﷺ، ولعلكم تذكرون الحادثة المشهورة بين أبي ذر ﵁ وأرضاه وبين بلال لما قال أبو ذر لـ بلال: يا ابن السوداء! فسبه بشيء في شكله ولونه، وغضب بلال ﵁ وأرضاه، وذهب إلى رسول الله ﷺ يشتكي، فغضب رسول الله ﷺ غضبًا شديدًا، وقال لـ أبي ذر: (يا أبا ذر! طف الصاع إنك امرؤ فيك جاهلية، لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأعجمي على عربي، ولا أسود على أحمر، ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى)، هكذا ﷺ أخذ يذكره بالتقوى، فاستجاب أبو ذر ﵁ وأرضاه لذلك، فوضع رأسه على التراب، وأصر على بلال ﵁ وأرضاه أن يطأ وجهه بقدمه حتى يكفر عن خطاياه، لكن لم يفعل
4 / 6