ومما أنكروا عليه قوله في الإحياء: المقصود بالرياضة تفريغ القلب، وليس ذلك إلا بالخلوة، والجلوس في مكان مظلم، فإن لم يكن مظلما لف رأسه في جيبه، أو تدثر بكساء أو رداء فإنه في مثل هذه الحالة يسمع نداء الحق تعالى ويشاهد جلال الربوبية (!؟).
وقد تنبه ناقدوه إلى أن التقلل من الطعام قد يورث الجنون! فمن يدرينا أن ما يسمعه المتريض هو نداء الحق، أو أن الذي يشاهدوه هو جلال الربوبية، ومن يضمن أن لا يكون ما يجده هو من الوساوس والخيالات الفاسدة! (5)
وأنكروا عليه كذلك تقريره قول الجنيد: إذا كان الأولاد عقوبة شهوة الحلال، فما ظنكم بعقوبة شهوة الحرام (!). (6)
وأنكروا عليه كذلك تقريره ما حكاه عن بعضهم أنه بات عند السباع في برية ليمتحن توكله على الله هل صح أم لا (!؟) قالوا وكيف جاز له أن يسكت على ما فعله هذا الرجل مع تعرضه لأسباب الهلاك؟ (7)
ومما أنكروا عليه قوله: كان بعض الشيوخ في بدايته يكسل عن قيام الليل، فألزم نفسه القيام على رأسه طول الليل لتصير نفسه بحيث تجيبه إلى قيام الليل اختيارا، وكذلك عالج بعضهم حب المال: فباع جميع أمتعته ورمى ثمنها في البحر خوفا من أن يقع في حب تزكية الناس له، ووصفه بالجود، أو الرياء في فعلها، ولذلك كان بعضهم يستأجر من يشتمه على رؤوس الأشهاد ليعود نفسه الحلم، وكان آخر يركب البحر في الشتاء عند اضطراب الأمواج ليعود نفسه الشجاعة، وكان بعضهم إذا خاف النوم يقف على رأس حائط عال حتى لا يأخذه النوم (!) قال ابن القيم: وإني لأتعجب من أبي حامد هذا كيف يأمر بهذه الأمور التي تخالف ظاهر الشريعة، وكيف يحل لأحد أن يقوم على رأسه طول الليل، وكيف يحل رمي المال في البحر، وكيف يحل سب المسلم بلا سبب، وهل يجوز لمسلم أن يستأجر من يشتمه، وهل يجوز لأحد أن يقوم على رأس جدار عال ويعرض نفسه للوقوع بالنوم فتنكسر رقبته فيموت؟؟ (8)
ومما أنكروا عليه حكايته عن ابن التكريتي شيخ الجنيد أنه قال: نزلت في محلة فعرفت فيها بالصلاح، فشت قلبي، ونفر منه، فدخلت الحمام، وسرقت ثيابا فاخرة ولبستها، ثم لبست مرفعتي فوقها، وخرجت فجعلت أمشي قليلا قليلا، فلحقوني وأخذوا مني الثياب، وصفعوني وسموني لص الحمام، فسكنت نفسي (!؟) قال الغزالي: فهكذا كانوا يروضون أنفسهم حتى يخلصهم الله تعالى من فتنة النظر إلى الخلق ومراعاتهم لهم، وأهل النظر إلى النفس وأرباب الأحوال ربما عالجوا أنفسهم بما لا يفتي به الفقيه، إذا رأوا صلاح قلوبهم في ذلك، ثم يتداركون ما فرط منهم من صورة التقصير كما فعل هذا في الحمام (!!) قال ابن القيم: سبحان من أخرج أبا حامد من دائرة الفقه بتصنيفه كتاب الإحياء؟ فليته لم يحك فيه مثل هذه الأمور التي لا يحل لأحد السكوت عليها، ثم نقل نص الإمام أحمد والشافعي في أن من سرق من الحمام ثيابا عليها حافظ وجب قطع يده. ثم قال: وتعجبي من هذا الفقيه الذي استلب التصوف علمه وعقله، أكثر من تعجبي من هذا المستلب الثياب من الحمام! فيا ليت أبا حامد بقي مع قواعد الفقه واستغنى عن هذه الهذيانات. (9)
وأنكروا عليه تقرير ما حكاه عن أبي الحسن الدينوري أنه حج اثنتي عشرة حجة، وهو حاف مكشوف الرأس! قال ابن القيم: وهذا من أعظم الجهل لما في ذلك من الأذى للرأس والرجلين، ولا تسلم الأرض من الشوك والوعر، وكان هؤلاء الصوفية ابتكروا من عند أنفسهم شريعة سموها بالتصوف، وتركوا شريعة محمد
صلى الله عليه وسلم ، فنعوذ بالله من تلبيس إبليس. فإن مثل هذه الحكايات تفسد عقائد العوام، إذ يظنون أن فعل مثل هذا من الصواب. (10)
وأنكروا عليه تقريره عن أبي الخير الأقطع التيتاني قوله: إني عقدت مع الله عهدا أن لا آكل شيئا من الشهوات، فمددت يدي إلى ثمرة في شجرة فقطعتها، فبينما أنا أمضغها إذ ذكرت العهد فرميت بها من فمي ، فدار بي فرسان وقالوا قم! وأخرجوني إلى ساحل بحر إسكندرية، وإذا أمير وحوله خيل وجند، فقالوا أنت من اللصوص، وإذا معهم جماعة من لصوص السودان، فسألوهم عني، فقالوا لا نعرفه، فكذبهم الأمير وشرع يقدم يدا ويقطعها إلى أن وصل إلي وقال لي: تقدم ومد يدك، فمددتها فقطعت إلى آخرها!! قالوا: فانظروا ما يفعل الجهل العظيم بصاحبه، فلو أن عند التيتاني رائحة علم، لعلم أن ما فعله حرام عليه، وليس لإبليس عون على الزهاد والعباد أكثر من الجهل، وما أظن غالب ما يقع لهؤلاء إلا من الجنون. (11)
وأنكروا عليه قوله: إن الاشتغال بعلم الظاهر بطالة (!) قال ابن القيم: هذا جهل مفرط منه. وأصل ذم الصوفية للعلم أنهم رأوا طريق الاشتغال به لا يوصلهم إلى الرياسة إلا بعد طول زمان، بخلاف طريقتهم المبتدعة من لبسهم الزي، وصلاتهم بالليل، وصيامهم بالنهار، وتقصير الثياب والأكمام. (12)
Bog aan la aqoon