170

Akhlaq Cinda Ghazali

الأخلاق عند الغزالي

Noocyada

ولا يفوتنا أن نلفت النظر إلى أن الأحاديث التي رواها الغزالي في ذم الشعر اقتضتها ظروف خاصة، بدليل ما روى الغزالي نفسه ، مما يناقضها كل المناقضة، فكان عليه أن يراعي تلك الظروف.

الموسيقى

تكلم الغزالي في الموسيقى باحتياط يدل على مبلغ رأيه في هذا الفن الجميل، وهو يقسم الأصوات الموزونة باعتبار مخارجها إلى ثلاثة: ما يخرج من جماد: كصوت المزامير، والأوتار، وضرب القضيب، والطبل وغيره. وما يخرج من حنجرة حيوان، وذلك الحيوان إما إنسان، أو غيره: كصوت العنادل، والقمارى، وذوات السجع من الطيور. ثم يحكم بأن سماع هذه الأصوات يستحيل أن يحرم لكونها طيبة أو موزونة، إذ لا ذاهب إلى تحريم صوت العندليب، وسائر الطيور، ولا فرق بين حنجرة وحنجرة، ولا بين جماد وحيوان، فينبغي أن يقاس على صوت العندليب الأصوات الخارجة من سائر الأجسام باختيار الآدمي كالذي يخرج من حلقه، أو من القضيب والطبل والدف.

إلى هنا لا تجد شيئا يغض من الموسيقى باعتبار أنها فن جميل، ولكنك تجده يقول بعد ذلك: «ولا يستثنى من هذا إلا الملاهي والأوتار والمزامير التي ورد الشرع بالمنع منها، لا للذتها، إذ لو كان للذة لقيس عليها كل ما يلتذ به الإنسان، وإنما حرمت لعلل ثلاث: إحداها أنها تدعو إلى شرب الخمر، فإن اللذة الحاصلة بها إنما تتم بالخمر، ولمثل هذه العلة حرم قليل الخمر. الثانية: أنها في حق قريب العهد بشرب الخمر تذكر بمجالس الأنس بالشرب، فهي سبب الذكر، والذكر سبب انبعاث الشوق، وانبعاث الشوق إذا قوي فهو سبب الإقدام. والثالثة: الاجتماع عليها، وهو من عادة أهل الفسق.» ونجده بعد هذه الفقرة ينص على تحريم المزمار العراقي، والأوتار كلها، كالعود والصنج والرباب والبربط

1

وكل ما يذكر الخمر، ومجالس الخمر، فأما ما عدا ذلك فهو على الإباحة، قياسا على أصوات الطيور.

وما نريد أن نناقش هذا الرأي، ولا أن نبحث في الأساس الذي وضع عليه، ولكن ننبه على أن فيه دلالة على دقته في وقاية الجبهة الخلقية، وحرصه على أن يظل المرء بعيدا عن مثار الشهوات.

ونضيف إلى ما سلف من رأيه في الموسيقى، أنه عد بيع الملاهي من المنكرات التي يجب كسرها، حين تكلم عن منكرات الأسواق، وعد من منكرات الضيافة سماع الأوتار وسماع القيان، وعد إعطاء المال للمطرب إسرافا يجب على المحتسب إنكاره، ولم يعين مهنة المطرب، فصلح لأن يطلق على المغني والموسيقار. ونص في ص327 ج3 إحياء على أن أصوات المزامير والأوتار إذا ارتفعت في دار بحيث جاوزت الحيطان، فلمن سمعها دخول الدار وكسر الملاهي، ونص كذلك على أن للمرء الحق في أن يكسر العود إذا رأى شخصا يحمله.

ومما سلف نعلم أنه لا يحرم الموسيقى مرة واحدة، ولكننا نعرف أنه لا يقيم لها وزنا باعتبار أنها فن جميل، فمن الواضح أن لكل فن سيئات وحسنات، وأن السيئات لا تقل قيمة في نظر الفنان عن الحسنات، إذ كان جمال الفنون يرجع أكثره إلى ما تحدث في عشاقها من الجرأة على المألوف، وهو ما يخافه الغزالي ويتوقاه.

وهذا الذي يوجب كسر العود لا يبيح فيما نظن أن تبنى دار للموسيقى، وأن يختار للتعلم فيها حسان الأصوات، وصباح الوجوه!

Bog aan la aqoon