فحنى رأسه كالمستحي، ومط بغنج كلمة لا. ثم قال: ولكن الأحباب يتذاكرون، ونحن من تعرف.
فقلت له: كأنك راض عن أخاديد وجهي، وحواجبي المنتفشة كريش القنفذ، وتحب أن تعرف أين صار دماغي، فإذا كان الأمر هكذا فخذ: سقطت مرة عن رأس الدرج متدحرجا يوم كنت ابن أربع خمس سنوات، وانكسر عظم جبهتي، ولكني نجوت، وكتبت تلك الوقعة على جبهتي كلمة «لا» بالمقلوب إلى أن أخفتها يد الأربعين وإخوانها. ثم سقطت ثانية عن رأس سطح بيت مع حجر كبير ولكنه لم يمعسني. ومرة ثالثة تدهورت أنا والمحدلة عن سطح «مدرسة النصر» ولكني سلمت أيضا.
وكنت سائرا مرة بالليل فضللت الطريق قبالة قرطبا، وصرت على قاب قدمين من الهاوية، ولكن الله ستر وإلا كانت تخت عظامي.
والتفت إليهم فرأيت «الموارنة» الصغار يضحكون. فقلت: ما بالكم؟! فهتفوا بمرح الصبيان: كمل.
فقلت: ودنوت مرة من حائط لأقضي حاجتي على طريقة بني إسرائيل ... فإذا بالحيط أفعى راصدة ولو لم أنتبه لها لاصطدمت بالثعبان وقضي الأمر ...
وسهرت مرة في قهوة رأس العين ببعلبك، وفي عودتي إلى «الأوتيل» أطلقوا علي الرصاص وهم يحسبوني غيري، ولكن العمر كان لا يزال طويلا.
ومرة كمن لي أحدهم في الطريق ليلا فتبادل التحيات الرصاصية مع غيري وفزت أنا؛ لأني لم أشهد المعركة ...
ومرة أطلقت الرصاص من مسدسي في حفلة مرفعية، وأعدته إلى زناري فانطلقت الرصاصة الباقية في شروالي ... ولكنها زلقت على المرحوم كرشي، فما أصيب أحد من السكان ...
وهنا قاطعني أحد السبعة والستين وقال: أكل حياتك أخطار؟ حدثنا عن أيام ملذاتك.
فأجبته: صدقني يا عزيزي، إذا قلت لك: إنه قلما كان لي يوم فراغ ألتذ فيه، كل لذات حياتي كانت «على الماشي» كما يقولون. الحياة ركض وراء الرغيف، والرغيف دولاب كما تعلم، والدولاب أسرع من الرجلين. حياتي كلها عمل متواصل، حركة بلا بركة، وإذا مت لا يجدون في جيبي حق الكفن، أتصدقني؟! والله ما زلت كما تركتموني.
Bog aan la aqoon