17

Dhamaadka Adduunka

آخر الدنيا

Noocyada

وعن طريق الريس عبد اللطيف وصل الأمر إلى المدير العام. والظاهر أنه لم يكن لديه ما يشغله، أو أنه وجد المشكلة غريبة ومضحكة في الوقت نفسه، وأراد أن يتفرج على الموظف الأعجوبة هذا الذي رفض أن يكتب ألف الأحرار. الظاهر هذا لأنه بناء على المذكرة التي قدمها السيد عبد اللطيف كان باستطاعته أن يمضي قرار الفصل في الحال، أو يخفض العقاب إلى خصم وإنذار مثلا.

وأن يطلب المدير العام موظفا صغيرا معناه في العادة كارثة سوف تحل بالموظف، أقلها أن يوقف أو يفصل أو يتهم في تبديد. وهكذا مضى أحمد يتلقى كلمات التعزية والتشجيع، وهو يخطو إلى مكتب المدير العام بخطوات راعى أن تكون منتظمة ومتماسكة ووقورة.

وكانت أول مرة يدخل فيها أحمد مكتب المدير العام، وخيل إليه حين أصبح في الداخل أنه لم ير في حياته مكانا فيه كل تلك الفخامة والأناقة والروعة، حتى النتيجة المعلقة على الحائط مطلية بماء الذهب. وكل شيء في الحجرة مدير عام؛ المقاعد والستائر والهواء المكيف اللذيذ الذي يكاد يصيب الداخل بقشعريرة جنسية، والسكون التام المطبق الذي تحس فيه بدقات ساعة يدك عالية قبيحة بلدية.

وما كاد أحمد يستجمع شعاعات نفسه الطائرة، ويلتقط أنفاسه، ويبدأ يبحث عن المدير العام في تلك الصالة الفخمة الواسعة، حتى فوجئ بصوت نحيف يقول له: قرب يا شاطر.

وتقدم أحمد بضع خطوات أخرى حتى بدأ يتبين ذلك الرجل النحيف جدا القابع وراء المكتب، لا يظهر منه غير رأس دقيق كرأس الفأر. وبينما أحمد حائر ماذا يفعل أو يقول، جاءه الصوت مرة أخرى: إيه الحكاية؟ فيه إيه؟ مش عايز تكتب ألف الأحرار ليه يا شاطر؟

ووجد أحمد نفسه باندفاع ولا إرادة: عشان أنا إنسان يا سيادة المدير.

وضحك المدير وقهقه ... ضحك كثيرا جدا، وظل كرسيه يدور به وهو يضحك ويعلو، حتى كاد يصبح فوق المكتب. وعرق أحمد وتلجلج وأحس أنه قال كلمة سخيفة لا معنى لها؛ إذ ما أدرى المدير العام بكل ما دار في عقله من خواطر؟ وبدأ يبتلع ريقه وأفكاره بسرعة؛ ليبلل حلقه الجاف وعقله ويستطيع أن يتكلم، وتكلم ... وشرح للمدير كل ما عن له من خواطر. وكلما رأى الرجل يستمع كان يحس أنه رجل طيب جدا، على عكس ما يتصوره الناس عن مديري العموم.

وحين انتهى فوجئ بالمدير العام يقهقه ويدور في كرسيه، والكرسي يهبط به حتى كاد يصبح تحت المكتب ... واعتمد المدير رأسه على كفيه وقال: أمال انت فاكر ايه ياسمك إيه؟ دا مش انت بس اللي مكنة ... انت مكنة وعبد اللطيف رئيسك مكنة، وأنا مكنة، وكلنا مكن. مش أنا المدير العام أهه؟ رئيسي عضو مجلس الإدارة المنتدب افرض قال لي اشتري ألف سهم من أسهم الشركة، أقدر أشتري 999؟ لازم أشتري ألف، وإذا عملت كده أترفد ولا لأ؟ طبعا أترفد. يبقى أنا في الحالة دي إيه؟ انطق. أبقى إيه؟

وقال أحمد بصوت لم يصل أبدا إلى أذن المدير: تبقى سيادتك مكنة.

فقال المدير وهو يستدير في كرسيه، ويولي أحمد رشوان ظهره، والمشكلة بالنسبة إليه قد انتهت: روح أحسن اعتذر لرئيسك. وأنا حاكتفي بخصم يوم واحد من مرتبك. اتفضل! كلنا مكن يا مغفل ... كلنا مكن.

Bog aan la aqoon