وإذا غلامٌ قد تنفّس الصّعداء ثمّ قال: عن أبو المسهر تسل؟ قلت نعم عنه سألت قال هيهات هيهات أصبح والله أبو المسهر لا ميؤوسًا فيهمل ولا مرجوًّا فيعلل؛ لا أصبح والله كما قال الشّاعر:
لعمرك ما حبّي لأسماء تاركي ... صحيحًا ولا أقضي به فأموت
قلت له: وما الذي به؟ قال لي: هو ميتٌ مولّهٌ! قلت: ومن أنت يا ابن أخي؟ قال: أنا أخوه. قلت وما يمنعك أن تركب طريق اخيك الذي ركبه، وتسلك مسلكه. ألا إنّك وأخاك كالوشي والنّجّار لا ترفعه ولا يرفعك. ثمّ انصرف وأنا أقول:
أرائحةٍ حجاج عذرة روحةً ... ولمّا يرح في القوم جعد بن مهجع
خليلان نشكو ما نلاقي من الهوى ... متى ما يقل أسمع، وإن قال يسمع
فلا يبعدنك الله خلًا، فإنّني ... سألقى كما لاقيت في الحبّ مصرعي
فلمّا كان في العام الآتي وقفت في الموضع الذي كنّا نقف فيه بعرفات، فإذا شابٌ قد أقبل وقد تغيّر لونه، وساءت هيئته فما عرفته إلاّ بناقته، فأقبل حتّى اعتنقني وجعل يبكي. قلت: ما هذا وما دهاك وما غالك؟ قال برّح الغرام وطول السّقام. وأخذ يشكو إليّ فقلت: يا أبا مسهر، إنّها ساعةٌ عظيمةٌ، فلو دعوت الله كنت تظفر بحاجتك. فجهل يدعو حتّى إذا بدت الشّمس للغروب وهمّ النّاس أن يفيضوا، سمعته يهمهم بشيءٍ، فأصغيت إليه مستمعًا فجعل يقول: