Akhbar Muwaffaqiyyat
الأخبار الموفقيات للزبير بن بكار
Baare
سامي مكي العاني
Daabacaha
عالم الكتب
Lambarka Daabacaadda
الثانية
Sanadka Daabacaadda
١٤١٦هـ-١٩٩٦م
Goobta Daabacaadda
بيروت
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللِّهِ الزُّبَيْرُ الْعَرَبُ تَتَحَدَّثُ بِأَشْيَاءَ هِيَ عِنْدَهَا صَحَيِحَةٌ، وَقَدْ نَطَقَتْ بِذَلِكَ أَشَعَارُهَا، وَتَمَثَّلَتْ بِهِ وَلا تَكَادُ النَّفْسُ تُصَدِّقُ بِهَا، وَأَحْسَبُ أَمْرَ حَاتِمٍ حِيلَةً مِنْ وَرَثَتِهِ وَنَسَبُوهُ إِلَيْهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، أَوْ مِنَ الْجِنِّ، وَهُوَ عِنْدِي أَشْبِهُ، وَقَدْ كَانَ حَاتِمٌ شَاعِرًا وَجَوَادًا، وَكَانَ شِعْرُهُ يُشْبِهُ جُودَهُ، وَكَانَ حَيْثُ مَا نَزَلَ لَمْ يَخْفَ مَنْزِلُهُ، لِبَذْلِهِ الطَّعَامَ، وَكَانَ شُجَاعًا مُظَفَّرًا كَرِيمًا، وَآلَى أَنْ لا يَقْتُلَ وَاحَدَ أُمِّهِ، وَلا يَأْسِرَهُ، مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ:
أَمَاوِيَّ إِنِّي رُبَّ وَاحِدِ أُمِّهِ ... أَجَرْتُ فَلا قَتْلٌ عَلَيْهِ وَلا أَسْرُ
وَكَانَتْ قُدُورُهُ الَّتِي يَطْبُخُ فِيهَا الْجُزُرَ مِنْ نُحَاسٍ عِظَامًا لا تَزُولُ عَنِ الأَثَافِيِّ، وَلَهَا أَسْمَاءٌ، فَاسْمُ إِحْدَاهُنَّ ثَفَالٌ، وَالأُخْرَى مُشْبِعَةٌ، وِالأُخْرَى رَبَلَةٌ، وَالأُخْرَى هَوَادٍ.
وَكَانَ إِذَا أَهَلَّ الشَّهْرُ الأَصَمُّ، وَهُوَ رَجَبٌ، الَّذِي كَانَتْ مُضَرُ تُعَظِّمُهُ فِي جَاهِلِيَّتِهَا، كَانَ يَنْحَرُ كُلَّ يَوْمٍ جَزُورًا، وَيُطْعِمُهَا النَّاسَ وَيَجْتَمِعُونَ إِلَيْهِ فِيهِ.
وَكَانَتْ أُمُّهُ النَّوَارُ، رَأَتْ فِي مَنَامِهَا، وَهِي حَامِلٌ بِهِ، فَقِيلَ لَهَا: غُلامٌ سَمْحٌ يُقَالُ لَهُ: حَاتِمٌ الأَقَلُّ، أَيْ يَكُونُ وَاحِدًا فِي جُودِهِ، أَحَبُّ إِلَيْكِ، أَمْ غِلْمَةٌ عَشْرَةٌ كَالنَّاسِ، لُيُوثٌ سَاعَةَ الْبَأْسِ لَيْسُوا بِأَوْغَالٍ وَلا أَنْكَاسٍ؟ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: الأَوْغَالُ: الَّذِينَ يَدْخُلُونَ مَعَ الْقَوْمِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُدْعَوْا، فَيَشْرَبُونَ.
وَالأَنْكَاسُ: الْجُبْنُ الضِّعَافُ.
قَالَتْ: بَلْ حَاتِمٌ أَحَبُّ إِلَيَّ، فَوَلَدَتْ حَاتِمًا، فَلَمَّا شَبَّ وَتَرَعْرَعَ أَقْبَلَ يَخْرُجُ بِطَعَامِهِ، فَإِنْ وَجَدَ أَحَدًا يَأْكُلُ مَعَهُ أَكَلَ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدًا يَأْكُلُهُ مَعَهُ أَلْقَاهُ.
فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَبُوهُ مِنْ فِعْلِهِ، وَأَنَّهُ يُبَدِّدُ طَعَامَهُ، قَالَ لَهُ: الْحَقْ بِالْإِبِلِ، فَخَرَجَ إِلَيْهَا لِيَقُومَ فِي رَعْيِهَا، وَوَهَبَ لَهُ أَبُوهُ جَارِيَةً وَفَرَسًا وَفَلُوُّهًا، وَكَانَ اسْمُ أَبِيهِ عَبْدَ اللَّهِ، فَلَمَّا أَتَى الْإِبِلَ، وَصَارَ فِيهَا، طَفِقَ يَلْتَمِسُ النَّاسَ لِيَقْرِيَهُمْ، فَلا يَجِدُهُمْ، وَيَأْتِي الطَّرِيقَ فَيَقِفُ عَلَيْهَا، فَلا يَجِدُ عَلَيْهِ أَحَدًا، فَبَيْنَا هُوَ فِي تَلَمُّسِهِ النَّاسَّ إِذْ بَصُرَ بَرَكْبٍ مُقْبِلِينَ، فَأَتَاهُمْ، فَلَمَّا بَصُرُوا بِهِ قَالُوا: يَا فَتَى هَلْ مِنْ قِرًى؟ قَالَ: أَتَسْأَلُونَنِي الْقِرَى وَقَدْ تَرَوْنَ الْإِبِلَ؟ ! نَعَمْ وَكَرَامَةً انْزِلُوا، وَكَانُوا ثَلاثَةَ نَفَرٍ يُرِيدُونَ النُّعْمَانَ بْنَ الْمُنْذِرِ بِالْحِيرَةِ، وَهُمْ: عَبِيدُ بْنُ الأَبْرَصِ، وَبِشْرُ بْنُ أَبِي خَازِمٍ الأَسَدِيَّانِ، وَزِيَادُ بْنُ جَابِرِ الْقَيْسِيُّ، وَهُوَ النَّابِغَةُ نَابِغَةُ بَنِي ذُبْيَانَ، فَنَزَلُوا فَانْتَحَرَ لَهُمْ ثَلاثَةَ جُزُرٍ، لِكُلْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَزُورًا، فَقَالَ عَبِيدُ بْنُ الأَبْرَصِ: إِنَّمَا سَأَلْنَاكَ الْقِرَى اللَّبَنَ، وَالَّذِي كُنَّا نَكْتَفِي بِهِ بِكْرَةً إِذَا كُنْتَ لابُدُّ أَرَدْتَ بِقِرَانَا الطَّعَامَ.
1 / 161