Akhbar Muwaffaqiyyat
الأخبار الموفقيات للزبير بن بكار
Baare
سامي مكي العاني
Daabacaha
عالم الكتب
Lambarka Daabacaadda
الثانية
Sanadka Daabacaadda
١٤١٦هـ-١٩٩٦م
Goobta Daabacaadda
بيروت
١٧٥ - حَدَّثَنِي عَمِّي مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ الْوَالِبِيِّ، قَالَ: دَخَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ عَلَى أُمِّهِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ حِينَ رَأَى مِنَ النَّاسِ مَا رَأَى مِنْ خُذْلانِهِمْ، فَقَالَ: يَا أُمَّهْ، خَذَلَنِي النَّاسُ، حَتَّى وَلَدِي وَأَهْلِي، فَلَمْ يَبْقَ مَعِي إِلا الْيَسِيرُ مِمَّنْ لَيْسَ عِنْدَهُ مِنَ الدَّفْعِ أَكْثَرَ مِنْ صَبْرِ سَاعَةٍ، وَالْقَوْمُ يُعْطُونَنِي مَا أَرَدْتُ مِنَ الدُّنْيَا، فَمَا رَأْيُكِ؟ قَالَتْ: أَنْتَ وَاللَّهِ أَعْلَمُ بِنَفْسِكَ يَا بُنَيَّ، إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ عَلَى حَقٍّ وَإِلَيْهِ تَدْعُو فَامْضِ لَهُ، فَقَدْ قُتِلَ عَلَيْهِ مَنْ مَضَى مَنْ أَصْحَابِكَ، وَلا تُمَكِّنْ مِنْ رَقَبَتِكَ يَتَلَعَّبُ بِهَا غِلْمَانُ بَنِي أُمَيَّةَ، وَإِنْ كُنْتَ إِنَّمَا أَرَدْتَ الدُّنْيَا، فَبِئْسَ الْعَبْدُ أَنْتَ، أَهْلَكْتَ نَفْسَكَ، وَأَهْلَكْتَ مَنْ قُتِلَ مَعَكَ، وَإِنْ قُلْتَ: كُنْتُ عَلَى حَقٍّ فَلَمَّا وَهَنَ أَصْحَابِي ضَعُفَتْ نِيَّتِي، فَكُلُّ هَذَا لَيْسَ مِنْ فِعْلِ الأَحْرَارِ، وَلا أَهْلِ الدِّينِ، كَمْ خُلُودُكَ يَا بُنَيَّ فِي الدُّنْيَا؟ الْقَتْلُ أَحْسَنُ.
فَدَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ فَقَبَّلَ رَأْسَهَا، ثُمَّ قَالَ: هَذَا وَاللَّهِ رَأْيِي وَعَزْمِي، وَالَّذِي هَمَمْتُ بِهِ دَاعِيًا إِلَى يَوْمِي هَذَا، وَمَا رَكَنْتُ إِلَى الدُّنْيَا، وَلا أَحْبَبْتُ الْحَيَاةَ فِيهَا، وَمَا دَعَوْتُ إِلَى الْخُرُوجِ إِلا الْغَضَبُ لِلَّهِ أَنْ تُسْتَحَلَّ حُرَمُهُ، وَلَكِنِّي أَحْبَبْتُ أَنْ أَعْلَمَ رَأْيَكِ، فَزِدْتِنِي قُوَّةً وَبَصِيرَةً مَعَ بَصِيرَتِي، فَانْظُرِي يَا أُمَّهْ، فَإِنِي مَقْتُولٌ مِنْ يَوْمِي هَذَا أَنْ لا يَشْتَدَّ جَزَعُكِ عَلَيَّ، وَسَلِّمِي لِأَمْرِ اللَّهِ، فَإِنَّ ابْنَكِ لَمْ يَتَعَمَّدْ إِتْيَانَ مُنْكَرٍ، وَلا عَمِلَ بِفَاحِشَةٍ، وَلَمْ يَجُرْ فِي حُكْمٍ، وَلَمْ يَغْدِرْ فِي أَمَانٍ، وَلَمْ يَتَعَمَّدْ ظُلْمَ مُسْلِمٍ، وَلا مُعَاهِدٍ، وَلَمْ يَبْلُغْنِي عَنْ أَحَدٍ مِنْ عُمَّالِي سُوءٌ فَرَضِيتُهُ، بَلْ أَنْكَرْتُهُ، وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ عِنْدِي آثَرَ مِنْ رِضَا رِبِّي، اللَّهُمَّ لا أَقُولُ هَذَا تَزْكِيَةً لِنَفْسِي، أَنْتَ أَعْلَمُ بِي، وَلَكِنِّي أَقُولُهُ تَعْزِيَةً لأُمِّي لِتَسْلُوَ عَنِّي.
فَقَالَتْ أُمُّهُ: إِنِّي لَأَرْجُو مِنَ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ عَزَائِي عَنْكَ حَسَنًا، إِنْ تَقَدَّمْتَنِي أَوْ تَقَدَّمْتُكَ، فَفِي نَفْسِي حَرَجٌ حَتَّى أَنْظُرَ إِلامَ يَصِيرُ إِلَيْهِ أَمْرُكَ؟ فَقَالَ: جَزَاكِ اللَّهُ خَيْرًا يَا أُمَّهْ، فَلا تَدَعِي الدُّعَاءَ قَبْلِي وَبَعْدِي، فَقَالَتْ: لا أَدْعُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَبَدًا، فَمَنْ قُتِلَ عَلَى بَاطِلٍ، فَقَدْ قُتِلْتَ عَلَى حَقٍّ.
ثُمَّ قَالَتْ: اللَّهُمَّ ارْحَمْ طُولَ ذَلِكَ الْقِيَامِ فِي اللَّيْلِ الطَّوِيلِ، وَذَاكَ النَّحِيبَ وَالظَّمَأَ فِي هَوَاجِرِ الْمَدِينَةِ، وَمَكَّةَ، وَبِرَّهُ بِأَبِيهِ وَبِي، اللَّهمَّ إِنِّي سَلَّمْتُ فِيهِ لأَمْرِكَ، وَرَضِيتُ بِمَا قَضَيْتَ، فَأَثَبْنِي فِي عَبْدِ اللَّهِ ثَوَابَ الشَّاكِرِينَ الصَّابِرِينَ.
ثُمَّ خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ مِنْ عِنْدِهِا، وَلَبِسَ دِرْعًا وَمَغْفَرًا، فَوَقَفَ عَلَيْهَا، ثُمَّ دَنَا، فَتَنَاوَلَ يَدَهَا وَقَبَّلَهَا، فَقَالَتْ: هَذَا وَدَاعٌ، فَلا تَبْعِدْ إِلا مِنَ النَّارِ.
1 / 117