وكتموا أو فرطوا، فحيث افتضح أمرهم بقبض الجواسيس والتجار لزمهم العقاب، لأنهم بالمخالفة والكتمان والتفريط عصوا الله ورسوله.
وعزر الإمام لمعصية الله، أمّا بالعقوبة في الأبدان فلا خلاف، وأمّا بالأموال فعلى نزاع، فأجازها البرزلي ومنعها غيره، لكن قالوا محل الخلاف: (إذا تمكن الإمام من إقامة الحدود وإجرائها على مقتضى الشريعة، وإلاّ فالعقوبة بالمال أولى من الإهمال) اهـ.
وبجوازها- أيضًا- مع عدم التمكن من إقامة الحدود أفتى سيدي العربي الفاسي- حسبما في شرح نظم العمل- قائلاّ: (الواقع الآن بالمشاهدة أن القبائل التي لا تنالها أحكام السلاطين لا تمكن فيهم العقوبة بالأدان، فالعقوبة بالمال وإنْ كانت ممنوعة فهي هذا الزمان محل الضرورة وفعلها عام المصلحة) اهـ باختصار.
وإذا تقرّر هذا (فإليكم) ١ النظر في كونكم متمكّنين من إقامة الحدود في أولئك القبائل، وعدم تمكّنكم من إقامتها.
وأمّا قولكم في السؤال: أم يتركون على حالهم ... إلخ، فذلك ممّا لا يحلّ كتابًا وسنة وإجماعًا، لأنّ من قدر على تغيير المنكر وجب عليه تغييره، وهو فرض عين على الولاة، وما نصبوا إلاّ لتغييره، ولا منكر أعظم من ترك القبائل المذكورين على ما هم عليه من نقل الأخبار ومبايعة الكفّار، لأن ذلك مفض إلى هدم الإسلام، وقد قال العلماء- ﵃ (من ترك أمة محمد ﷺ من الولاة تجري على أحكام تخالف أحكام الكتاب والسنة فقد غشها)، وقال- ﵊: "من غشّ أمّتي فعليه لعنة الله" وقال- أيضًا-: "إذا ظهرت البدع، وسكت العالم فعليه لعنة الله".
وأما حكم المتخلّف عن الجهاد بعد أن استنفره الإمام: فلا يخفى عليكم قوله- تعالى-: ﴿إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ...﴾، ولا يخفى عليكم قول "خليل": (وتعيّن بتعيين الإمام ... إلخ)، لأنّ الإمام حيث استنفرهم فقد
١ - في نفس المصدر السابق: (فالحكم).