وقررهما القاضي في ذلك، وكتب لهما حجة مضى لها نحو
ثلاثين
سنة، ثم إن عبد الغني قبيل وفاته أوصى بالنظر قبل أن يصل إليه إلى بكر، قام بكر ينازع زيدا وعمرا في ذلك قائلا: إن الواقف لم يجعل الإيصاء بالنظر للشيخ إسماعيل، بل جعله للسيد عبد الغني، وإن السيد عبد الغني قد أوصى لبكر على وفق شرط الواقف، هذا خلاصة السؤال؟ وقد أرسل إلينا مع السؤال ورقة كتب فيها صورة أجوبة عنه من مفتي طرابلس، ومن مفتي حمص، ومن مفتي دمشق الشام سابقا، اتفقت كلها على أن الولاية لبكر، وأن من أوصى لهما الشيخ إسماعيل لا حق لهما في النظر.
(وقد ظهر لي في الجواب خلاف هذا، وذلك: أن الواقف إنما جعل النظر للأرشد من نسبه، ثم للشيخ إسماعيل، ثم للسيد عبد الغني، ثم لوصي عبد الغني إلخ معلقا على شرط عدم الإيصاء من الواقف لأحد؛ لأنه قال: فإن لم يكن أوصى لأحد يكون للأرشد من نسبه، ثم للشيخ إسماعيل ثم وثم، فحيث علق ذلك على هذا الشرط فهم منه: أنه إن أوصى لأحد لا يكون الحكم كذلك، بل يكون شيئا آخر سكت عنه الواقف سهوا أو عمدا، ولا يمكن أن يجعل الحكم فيما إذا أوصى لأحد، كما إذا لم يوص؛ لأن مفهوم الشرط وغيره من المفاهيم معتبر في كلام الواقفين، وحينئذ فإن كان الواقف أوصى للشيخ إسماعيل صار الشيخ إسماعيل ناظرا، ويصح فراغه عن النظر لمن أراد؛ لأنه وصي الواقف وقائم مقامه، فالمفروغ لهما يصيران ناظرين ما داما حيين، وبعدهما ينصب القاضي من أقارب الواقف من رآه أهلا، فإن لم يوجد منهم أهل فمن الأجانب.
وأما عبد الغني فليس له حق في النظر، ولا لوصيه من بعده؛ لما علمت من أن حق عبد الغني وغيره مشروط بما إذا لم يكن الواقف أوصى لأحد، وأما إن كان الواقف سلم النظر للشيخ إسماعيل ولم يوص له بذلك يصير ناظرا مدة حياته، وبعد موته يكون النظر للأرشد من نسب الواقف.
(ونسب) الرجل: كل من يجتمع معه في أقصى أب له في الإسلام من جهة الأب دون الأم، فمن كان علويا -مثلا - فنسبه كل من يجتمع معه في علي من جهة الآباء، فإذا عجز الشيخ إسماعيل، وقرر القاضي المأذون له بذلك كلا من أخي الواقف وعمه صح؛ إن كانا أرشد من يوجد من نسب الواقف، وإلا فيقرر الأرشد من النسب، وأما عبد الغني، ووصيه فلا حق لهما مادام من نسب الواقف أهل للنظر؛ لتأخير الواقف لهما عن نسبه، هذا ما ظهر لي في الجواب، والله تعالى أعلم بالصواب.
(وسئلت) في ذي الحجة الحرام سنة ١٢٤١ عن ذمي تشاجر مع مسلم، فقال له المسلم: يا كافر، فقال الذمي: لست بكافر، فقال له المسلم: قل آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر، فأجابه قائلا: آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر. فقال له المسلم: الرسل كثيرون فأجابه كلهم بحضور
2 / 171