أهل الطبيعة تؤثر بنفسها أم بغيرها؟ وما حكم من يعتقد تأثير الطبيعة بنفسها؟
الجواب، والله الموفق للصواب: قالوا: إن الحكم على الشيء فرع من تصوره، فأولا: نتصور علم الطبيعة ما هو؛ لنعلم منه الطبيعة، ونحكم على معتقد تأثيرها بنفسها، فعلم الطبيعة: هو علم يبحث عن الجسم من جهة ما يلحقه من الحركة والسكون، فينظر في الأجسام السماوية والعنصرية وما يتولد عنها من حيوان وإنسان ونبات ومعدن، وما يتكون في الأرض من العيون والزلازل، وفي الجو من السحاب والبخار والرعد والبرق والصواعق وغير ذلك، فنقتصر في هذا التعريف على البحث في قولنا: وما يتولد عنها من حيوان ... إلخ، فالمتولد مطبوع، والمتولد عنه طبيعة، فنحتاج إلى تفصيل في المعتقدين ذلك، فمن اعتقد أن بين الطبيعة ومطبوعها ارتباطا يصح تخلفه، وأن الطبيعة لا تأثير لها في مطبوعها، وأن المؤثر هو الفاعل المختار، فهذا مسلم مؤمن بلا ريب، وإنما عبر بالطبيعة والطبوع بدل السبب والمسبب، ولا نظر للشارع في الألفاظ، وإنما نظره في الاعتقاد، ومن اعتقد أن الطبيعة ينشأ عنها مطبوعها بلا فاعل غيرها فهذا كافر بلا توقف في كفره حيث جعل لله شريكا في ملكه.
(ولنحصل) لك ما في المقام، فنقول بحول الله وقوته: إن هناك طوائف مختلفة في الاعتقاد في العالم، فمنهم من يقول: إن العالم بأسره نشأ عن واحد من كل وجه، ويسمونه بالعقل الأول وبعلة العلل، وفي اعتقادهم أنه نشأ عنه عقل ثان، وفلك أول أنشأ المعلول عن علته، يعني بغير اختيار فيما نشأ عنه، ونشأ عن العقل الثاني عقل ثالث وفلك ثان، وهكذا إلى العقل التاسع، نشأ عنه عقل عاشر وفلك تاسع، يسمى عندهم بالفياض؛ لأنه أفاض الوجود على الأرض
1 / 45