مصادم له؛ لأن الوارد في الشرع هو أن تلك الكواكب أجرام نيرة متفاوتة في النور والضياء حسبما أودع فيها، أجرى الله تعالى المتحرك منها في مجاريها من أفلاكها ليهتدي الناس بها في أسفارهم وغير ذلك من الحكم.
والحق كما قاله بعض المحققين: أن القائلين بما ذكر انعكس عليهم كشفهم، فرأوا الأرض وما فيها من جبال ... إلخ، وحسبوا أن ذلك في الكواكب، كلا ورب العزة إن الكواكب السيارة ليس فيها شيء مما ذكروا حسبما يأتي النص على ذلك، وليست محلا له، فينبغي للمؤمن أن يتحاشى عن مثل هذه الخرافات، ويطلب معرفة أحكام دينه ويعمل بها ليحصل له الفوز الأكبر يوم القيامة عند ربه.
سؤال: ما حكم من أنكر وجود الجن؟ وما يترتب على إنكاره من الأحكام؟
الجواب: يحكم الشرع بارتداده، حيث اعتنق الإسلام قبل، وذلك أنه مكذب لصريح القرآن، أعني إخبار الله تعالى بوجودهم وأنهم شق للإنس، (١)
والتكليف من الشارع وارد على الشقين
_________
(١) قوله: والتكليف من ... إلخ، فمنكر التكليف كمنكر الوجود؛ لأن دليل كلٍّ الكتاب، وسئل العلامة محمد بن عبد الباقي الزرقاني عن هذه المسألة، فأجاب بما ملخصه: قال ابن عبد البر: الجن عند الجماعة مكلفون. قال عبد الجبار: لا نعلم خلافا بين أهل النظر في تكليف الجن، إلا ما حكي عن بعض الحشوية أنهم مضطرون إلى أفعالهم، وليسوا مكلفين. والدليل للجماعة: ما في القرآن من الوعد والوعيد، وهما لا يكونان إلا لمن خالف الأمر وارتكب النهي مع تمكنه من الفعل والترك. ونقل ابن عطية وغيره: الإجماع على أن الجن متعبدون بهذه الشريعة على الخصوص، وأن النبي مبعوث إليهم بإجماع، قال تعالى: ﴿لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾، والجن بلغهم القرآن؛ لقوله تعالى ﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ﴾ الآية، وقوله تعالى ﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ﴾، وقال تعالى: ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ﴾ ا. هـ. باختصار. وكذا سئل عنها أبو العباس أحمد التجاني أيضا، فأجاب بما ملخصه: لا فرق بين الجن وبني آدم في عموم التكليف، والنصوص في ذلك لا تقبل التأويل من الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فما ذكره تعالى في سورة الأحقاف وسورة الجن، ومن السنة "بعثت إلى الثقلين الجن والإنس"، وهو حديث مجمع على صحته، ومن اعتقد خلاف ذلك كفر، وكذا: "لهم ما لنا وعليهم ما علينا" يوم القيامة عند الامتثال والمخالفة ا. هـ. جواهر المعاني.
وقال في الإبريز: إن الجن والشياطين وقاتل النفس مع بعض العصاة يعذبون يوم القيامة بالزمهرير لا بالنار الحامية، أما غير الجن والشياطين فزيادة تشديد عليهم في العذاب، وأما هما فلأن النار الحامية طبعهما، فلا تضرهما، وإنما يعذبان بالزمهرير والبرد، والجن في الدنيا يخافون من البرد خوفا شديدا، فتراهم إذا كانوا في زمن الصيف وفي الهواء يتخوفون من هبوب الريح الباردة، فإذا هبت فروا فرار حمر الوحش، وأما الماء فلا يدخله الجن ولا الشياطين أبدا، فإن قدر على أحد بدخوله طفئ وذاب كما يذوب أحدنا إذا أدخل النار.
1 / 43