132

Aimmat Yaman Bi Qarn Rabic Cashr

أئمة اليمن الاحتياط

Noocyada

ثم لما توجه أحمد مختار باشا من الحضرة السلطانية إلى اليمن، وكان قائم الآل في ذلك الوقت الإمام المحسن بن أحمد كان بينه وبين المأمورين ملاحم. ثم بعدهم الإمام الأعظم شرف الدين ولا زال ظلم المأمورين يتضاعف من عام إلى عام، وتنوعهم في المعاصي وارتكاب الشهوات ظاهرا بلا حياء ولا احتشام، وكلما ظهر شيء من ذلك وازداد كثرت البغضاء في قلوب أهل اليمن المأمورين والعناد. فالإيمان يمان والحكمة يمانية. حتى قام والدنا رضي الله عنه وقد ضرب ضلال المأمورين بجرانه وتطاردت أفراس شهواتهم في حلبة الفجور وميدانه، فكان بينه وبين المأمورين ما كان، حتى مضى لسبيله، وألحق بحزب جده الأمين وجبيله، فانتصبنا لذلكم المقام حين نفور أهل اليمن عن مأموري السلطنة على التمام. ولم نقم والله لدرهم ولا دينار، ولا لطلب علو ولا فخار، ولكنه أكرهنا على ذلك قوله تعالى: { ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون } . ونحوها وما في معناه من صرائح الكتاب. وقوله صلى الله عليه وسلم «إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أنه كان الرجل يلقى الرجل فيقول له يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد وهو على حالته فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده. فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض، ثم قال { لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون. كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه-إلى قوله-فاسقون } ثم قال: كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا» ونحوها مما تواتر معنى. ثم كان بين أهل اليمن وبين المأمورين ما كان. وكان منا غاية الإحسان إلى اتباع سلطان الإسلام كما عرفه من له بما كان أي إلمام. وعقد الصلح بيننا وبين المأمورين مؤكدا بذمة الله تعالى وذمة رسوله وذمة سلطان الإسلام، مع إغفال النظر عن إمكان الغدر وخفر الذمم مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «يجير على المسلمين أدناهم» فلم يرعنا إلا محررات من الحاج أحمد فيضي باشا مشعرة بما تقشعر منه الجلود من نقشه لتلكم العهود، فراجعناه ونصحناه وأعلمناه بما في خفر ذمة الله من التعرض للوبال والاستعجال للنكال فلم يزده ذلك إلا شدة وثقة بما في يد غير الله من العدد والعدة، فكان ما كان من خراب الدور وسفك الدماء وذهاب الأموال، ولم يكن منا غير مجرد الدفاع المأمور به شرعا. ثم أردنا السكون والاشتغال بما أماته المأمورين من إحياء العلم الشريف وإقامة شرع الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعليم الناس معالم الدين، وإرسال المعلمين إلى القرى لتعليم أهلها الصلوات. هذا في البلاد التي لا أمر للمأمورين فيها، فلم يثرنا إلا تجاوز يوسف باشا الحدود وتبنيد الأبناد وتجنيد الجنود، ودخوله إلى أطراف بلاد حاشد، وإلى ما هو بأيدينا، فلم يسعنا السكوت. فكان ما كان. نعم: والمأمورين لم يزالوا يثيرون غضب السلطان على أهل اليمن ويستمدون منه الأجناد المترادفة والأموال المتكاثفة ويغرونه باستئصال أهل البيت النبوي والدين المصطفوي، وينسبوننا عنده إلى الخوارج والرافضة وربما يخرجوننا عن دائرة الملة المحمدية. ولا والله ما لنا من مذهب غير ما كان عليه خير القرون والسلف الصالحون. وإنا لنبرأ إلى الله من الخوارج والروافض وأهل البدع المحدثة. والمأمورون يعرفون ذلك منا، لكنه حداهم إلى ذلك ما جبلوا عليه من حب جمع الأموال والتسلق لأخذها من غير الوجه الحلال، ولا يتم لهم ذلك إلا باستمرار القتال والتنقل من حال إلى حال. فتراهم يحسبون على الأموال الأميرية ما يأخذونه على الأهالي بيد العدوان، ويضاعفون أجر الحيوانات، على أنهم كثيرا ما يغتصبونها ولا يعطون أهلها شيئا، ومع ذلك فهم على اللذات والشهوات عاكفون، وعلى التفنن في الفجور يتنافس المتنافسون. تنكرهم المساجد والجوامع، ويجحدهم شهر الصوم الذي هو لكل خير جامع، وتعرفهم الكئوس والأقداح، وتصافيهم الرباب ورنات الملاح، وكل هذا بين واضح سترونه عيانا إن لم يضرب عنكم الحجاب وتوصد الأبواب. ومع ذلك تراهم يصادقون لرابطة عداوتنا كل ضال، حتى أنهم يقربون الباطنية الكفرة ويعطونهم كثرات الأموال، ولا وأيم الله ما هنالك بينهم من جامعة غير عداوتنا آل محمد، مع أن مصادقتهم لمثل الباطنية مما يزيدنا إلى الناس حبا، ويزيدهم إليهم كراهة وبغضا، واسألوا أهل الإنصاف عن جميع ما حررناه. ولقد أكثر المأمورون على سلطان الإسلام تزويرات الكلام، حتى خيلوا إليه أن محاربتنا أقدم من محاربة الكفار الطغام، وشغلوه لمحاربة آل النبي المختار:

يا قلبه القاسي ورقة خصره ... هلا نقلت إلى هنا من ههنا

وفي خلال المدة السابقة أرسل سلطان الإسلام أيد الله به شريعة سيد الأنام هيئة بعد هيئة ومفتشين بعد مفتشين، وكلما خرج منهم أحد تلقاه المأمورين بالإحسان، وأدخلوا عليه من لا يتكلم بغير مرادهم، وحالوا بينه وبين ما هو مأمور بإمضائه، وسيكون ذلك أو نوع منه معكم أو قد كان، حتى لقد أرسلنا كتبا عديدة إلى الباب العالي من طرق شتى فلم يعد لنا جواب رأسا لاحتفال المأمورين بردها عن ذلكم الباب، ومنعها عن خرق الستر والحجاب. هذا وأما الأحكام الشرعية فما كأنهم أمروا بغير هدمها ومحو اسمها وطمس رسمها. فإنا لله وإنا إليه راجعون.

انتهت الشقشقة مع قبض لرسنها شديد، فهي تنادي بهل من مزيد، عودا على بدء النصيحة مقبولة. غير أنا نحب أن تطلعوا ما دار بيننا وبين الحاج أحمد فيضي باشا ومن كاتب إلينا من المأمورين، لتعرفوا مسلكنا في الإنصاف، وبعدنا عن الميل والاعتساف.

Bogga 138