وجد نفسه مباشرة أمام وجه مشرق بالرضا والابتسامة العريضة بالرغم من آثار الإرهاق البادي عليه. هتف وهو يمد ذراعه مرحبا: قربنا من نصف الليل يا عم عبد الحق، تفضل اقعد.
قال التومرجي وهو يطرق برأسه معتذرا: العفو يا حازم بك، أستغفر الله يا سيادة النقيب.
هتف به النقيب: دائما مثل البلسم على الجرح، قلت لك ألف مرة ناد باسمي فقط، ألست واحدا من أولادك؟ - ربنا العالم بالقلوب، وأعز والله. - تأخرنا عليك يا عم عبد الحق والعقيد استأذن من شدة تعبه. - الله يكون في عونكم يا حازم بك، كنتم مشغولين على الآخر. - ياه، كان مولد وانفضت زفة العريس والعروسين، تصور، عريس وعروسين مرة واحدة، المهم ربك سترها. ابن المسئول الكبير نجا بمعجزة، شفت آخرة الفجر وعدم الانضباط؟ خل الحكومة تندم على تدليلها للأغنياء وأولاد الأغنياء، المهم ندخل في الموضوع، ما هي آخر أخبار المصاب؟ - المصاب بعيد عنكم مات في ساعتها. لما وصلنا كان السر الإلهي خرج منه، صدمة شديدة في المخيخ كما قال الدكتور نبيل. - هل كشف عليه بنفسه؟ والله كتر خيره، مع أنه كان معنا طول الوقت في الدوامة، وأين حدث هذا؟ - أمام دار الكتب، عشرة أمتار فقط من سلالمها العالية، كان المسكين يريد أن يلحق بالترام القادم من شارع محمد علي فصدمته شاحنة فاجأته كالصاعقة، الظاهر أنه ...
كان النقيب حازم يدون بعض الملاحظات في دفتر أمامه ليثبت الحالة ويتمم المحضر.
ولأن الكاتب ووكيل النيابة كانا غائبين بعد ذلك اليوم المرهق، فقد وجد نفسه مضطرا لتسجيل كل شيء بنفسه. رفع رأسه بعد قليل وسأل عبد الحق الذي غمر وجهه الأبيض العريض ضوء ناصع ينبعث من نور داخلي خفي: قلت الظاهر أنه ... - نعم، نعم، الظاهر أن خياله سرح من كثرة ما قرأ في الدار. - ولماذا لا تقول إنه موظف فيها؟ - لا لا. البواب بنفسه أكد أنه يتردد عليها من سنوات ليقرأ فيها، بل أكد لي صبيان أنهما يعرفانه أيضا بالمكان المحدد الذي يشغله دائما في قاعة المطالعة، على فكرة ...
تساءل حازم وقد غلبه الشوق لمعرفة الحكاية وأنساه لهفته على الانصراف: نعم يا عم عبد الحق؟ - أحدهما قال إنهم يسمونه الشاعر، والآخر قال عنده لطف.
ضحك حازم رغما عنه وقال: والشعراء في كل واد ... ما المانع أن يكون الاثنين في وقت واحد؟
قال عبد الحق وهو يمد ذراعه إلى النقيب ويسلمه المحفظة السوداء التي ظلت طول الوقت راقدة على ركبته كقطة سوداء ميتة: من يدري يا سعادة النقيب؟ ربما تكشف هذه الحقيبة التي وجدناها ...
أمسك حازم بالحقيبة وقلبها بين كفيه وطافت على وجهه ظلال حزن غامض عندما أحس أن كل ما فيها ورق في ورق، نظر لوجه عبد الحق وقال: قبل فتحها وفحص محتوياتها، ألم تجد في جيوبه شيئا يدل على شخصيته؟ - طبعا قمت بالفحص الأولي، لم أجد أي شيء مفيد. - لا بطاقة ولا إيصال؟ من أي نوع لا يهم، إيجار، نور، سداد مبلغ مالي، أي شيء يمكن ... - للأسف يا حازم يا بني، منديل جيب رخيص، بضعة قروش وورقة قديمة من ذات الخمسين قرشا، وتذكرة الترام الذي ركبه في الصباح. - من أين؟ ربما تهدي إلى سكنه أو حتى الحي الذي ركب منه. - يظهر أن حضرتك لم تركب المواصلات من سنين، التذاكر لا يوجد عليها إلا السعر والرقم المسلسل، ثم كيف نهتدي إلى ...
وضع حازم القلم على المكتب وحاول أن يخرج ضحكة تخفف حيرته ثم قال وهو ينظر في ساعة يده: والعمل الآن؟ أغثنا، أدركنا يا عم عبده. - ليس أمامنا إلا فتح الحقيبة، ربما ... - وماذا تنتظر؟ هيا بسرعة، تشرب فنجان قهوة.
Bog aan la aqoon