Al-Ahkam Al-Sultaniyyah
الأحكام السلطانية
Daabacaha
دار الحديث
Goobta Daabacaadda
القاهرة
وَوَقَفْتُ إذْ جَبُنَ الْمُشَجَّعُ ... مَوْقِفَ الْقِرْنِ الْمُنَاجِزْ
إنِّي كَذَلِكَ لَمْ أَزَلْ ... مُتَسَرِّعًا نَحْوَ الْهَزَاهِزْ
إنَّ الشَّجَاعَةَ فِي الْفَتَى ... وَالْجُودَ مِنْ خَيْرِ الْغَرَائِزْ
فَقَامَ عَلِيٌّ ﵇ فَاسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فِي الْمُبَارَزَةِ، فَأَذِنَ لَهُ وَقَالَ: "اُخْرُجْ يَا عَلِيٌّ فِي حِفْظِ اللَّهِ وَعِيَاذِهِ"، فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ مِنَ "الْكَامِلِ":
أَبْشِرْ أَتَاكَ يُجِيبُ صَوْ ... تَكَ فِي الْهَزَاهِزِ غَيْرُ عَاجِزْ
ذُو نِيَّةٍ وَبَصِيرَةٍ ... يَرْجُو الْغَدَاةَ نَجَاةَ فَائِزْ
إنِّي لَأَرْجُو أَنْ أُقِـ ... يمَ عَلَيْكَ نَائِحَةَ الْجَنَائِزْ
مِنْ طَعْنَةٍ نَجْلَاءَ يَبْ ... هَرُ ذِكْرُهَا عِنْدَ الْهَزَائِزْ
وَتَجَاوَلَا وَثَارَتْ عَجَاجَةٌ١ أَخْفَتْهُمَا عَنِ الْأَبْصَارِ، ثُمَّ انْجَلَتْ عَنْهُمَا وَعَلِيٌّ ﵇ يَمْسَحُ سَيْفَهُ بِثَوْبِ عَمْرٍو وَهُوَ قَتِيلٌ؛ حَكَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي مَغَازِيهِ، فَدَلَّ هَذَانِ الْخَبَرَانِ عَلَى جَوَازِ الْبِرَازِ مَعَ التَّغْرِيرِ بِالنَّفْسِ، فَأَمَّا إذَا أَرَادَ الْمُقَاتِلُ أَنْ يَدْعُوَ إلَى الْبِرَازِ مُبْتَدِئًا فَقَدْ مَنَعَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، لِأَنَّ الدُّعَاءَ إلَى الْبِرَازِ وَالِابْتِدَاءَ بِالتَّطَاوُلِ بَغْيٌ، وَجَوَّزَهُ الشَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّهُ إظْهَارُ قُوَّةٍ فِي دِينِ اللَّهِ -تَعَالَى وَنُصْرَةِ رَسُولِهِ، فَقَدْ نَدَبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إلَى مِثْلِهِ وَحَثَّ عَلَيْهِ وَتَخَيَّرَ لَهُ، مَعَ اسْتِظْهَارِهِ بِنَفْسِهِ مَنْ أَقْدَمَ عَلَيْهِ وَبَدَأَ بِهِ.
حَكَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ ظَاهَرَ يَوْمَ أُحُدٍ بَيْنَ دِرْعَيْنِ وَأَخَذَ سَيْفًا فَهَزَّهُ وَقَالَ: "مَنْ يَأْخُذُ هَذَا السَّيْفَ بِحَقِّهِ"؟ فَقَامَ إلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ﵁ فَقَالَ: أَنَا آخُذُهُ بِحَقِّهِ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثُمَّ هَزَّهُ الثَّانِيَةَ وَقَالَ: "مَنْ يَأْخُذُ هَذَا السَّيْفَ بِحَقِّهِ"؟ فَقَامَ إلَيْهِ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ وَقَالَ: أَنَا آخُذُهُ بِحَقِّهِ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَوَجَدَا فِي أَنْفُسِهِمَا، ثُمَّ عَرَضَهُ الثَّالِثَةَ وَقَالَ: "مَنْ يَأْخُذُ هَذَا السَّيْفَ بِحَقِّهِ"؟ فَقَامَ إلَيْهِ أَبُو دُجَانَةَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ فَقَالَ: وَمَا حَقُّهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "أَنْ تَضْرِبَ فِي الْعَدُوِّ حَتَّى يَنْحَنِيَ"، فَأَخَذَهُ مِنْهُ وَأَعْلَمَ بِعِصَابَةٍ حَمْرَاءَ
_________
١ أعجَّت الريح، وعَجَّت: اشتدَّ هبوبها وساقت العجاج، والعجاج: مثير العجاج. والتعجيج: إثارة الغبار. [اللسان: ٢/ ٣٢٠] .
1 / 75