Xukunka Qur'aanka
أحكام القرآن لابن العربي
Daabacaha
دار الكتب العلمية
Lambarka Daabacaadda
الثالثة
Sanadka Daabacaadda
١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م
Goobta Daabacaadda
بيروت - لبنان
وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُسِيغُهَا؛ لِأَنَّهَا حَالَةُ ضَرُورَةٍ.
وَقَدْ قَالَ الْعُلَمَاءُ: مَنْ اُضْطُرَّ إلَى أَكْلِ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ فَلَمْ يَأْكُلْ دَخَلَ النَّارَ، إلَّا أَنْ يَعْفُوَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ.
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ حَرَّمَ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ أَعْيَانًا مَخْصُوصَةً فِي أَوْقَاتٍ مُطْلَقَةٍ، ثُمَّ دَخَلَ التَّخْصِيصُ بِالدَّلِيلِ فِي بَعْضِ الْأَعْيَانِ، وَتَطَرَّقَ التَّخْصِيصُ بِالنَّصِّ إلَى بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَالْأَحْوَالِ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ﴾ [البقرة: ١٧٣]؛ فَرَفَعَتْ الضَّرُورَةُ التَّحْرِيمَ، وَدَخَلَ التَّخْصِيصُ أَيْضًا بِحَالِ الضَّرُورَةِ إلَى حَالِ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: حَمْلًا عَلَى هَذَا بِالدَّلِيلِ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ مُحَرَّمٌ، فَأَبَاحَتْهُ الضَّرُورَةُ كَالْمَيْتَةِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ مَنْ يَقُولُ: إنَّ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ لَا يَحِلُّ بِالضَّرُورَةِ ذَكَرَ أَنَّهَا لَا تَزِيدُهُ إلَّا عَطَشًا، وَلَا تَدْفَعُ عَنْهُ شِبَعًا؛ فَإِنْ صَحَّ مَا ذَكَرَهُ كَانَتْ حَرَامًا، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ وَهُوَ الظَّاهِرُ أَبَاحَتْهَا الضَّرُورَةُ كَسَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ.
وَأَمَّا الْغَاصُّ بِلُقْمَةٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَمَّا فِيمَا بَيْنَنَا فَإِنْ شَهِدْنَاهُ فَلَا يَخْفَى بِقَرَائِنِ الْحَالِ صُورَةُ الْغُصَّةِ مِنْ غَيْرِهَا، فَيُصَدَّقُ إذَا ظَهَرَ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ حَدَدْنَاهُ ظَاهِرًا وَسَلِمَ مِنْ الْعُقُوبَةِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى بَاطِنًا.
[مَسْأَلَة الْبَاغِي وَالْعَادِي]
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: قَوْله تَعَالَى: ﴿غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ﴾ [البقرة: ١٧٣].
فِيهَا أَقْوَالٌ كَثِيرَةٌ نُخْبَتُهَا اثْنَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْبَاغِيَ فِي اللُّغَةِ، وَهُوَ الطَّالِبُ لِخَيْرٍ كَانَ أَوْ لِشَرٍّ، إلَّا أَنَّهُ خُصَّ هَاهُنَا بِطَالِبٍ الشَّرِّ، وَمِنْ طَالِبِ الشَّرِّ الْخَارِجُ عَلَى الْإِمَامِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ. وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى﴾ [الحجرات: ٩]. وَالْعَادِي، وَهُوَ: الْمُجَاوِزُ مَا يَجُوزُ إلَى مَا لَا يَجُوزُ، وَخُصَّ هَاهُنَا بِقَاطِعِ السَّبِيلِ، وَقَدْ قَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَابْنُ جُبَيْرٍ
1 / 84