231

Xukunka Qur'aanka

أحكام القرآن لابن العربي

Daabacaha

دار الكتب العلمية

Lambarka Daabacaadda

الثالثة

Sanadka Daabacaadda

١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م

Goobta Daabacaadda

بيروت - لبنان

فَإِنْ قِيلَ وَهُوَ آخِرُ أَسْئِلَةِ الْقَوْمِ، وَأَعْمَدُهَا: الْقِرَاءَتَانِ كَالْآيَتَيْنِ، فَيَجِبُ أَنْ يُعْمَلَ بِهِمَا، وَنَحْنُ نَحْمِلُ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى مَعْنًى فَتُحْمَلُ الْمُشَدَّدَةُ عَلَى مَا إذَا انْقَطَعَ دَمُهَا لِلْأَقَلِّ، فَإِنَّا لَا نُجَوِّزُ وَطْأَهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ، وَتُحْمَلُ الْقِرَاءَةُ الْأُخْرَى عَلَى مَا إذَا انْقَطَعَ دَمُهَا لِلْأَكْثَرِ، فَنُجَوِّزُ وَطْأَهَا وَإِنْ لَمْ تَغْتَسِلْ.
قُلْنَا: قَدْ جَعَلْنَا الْقِرَاءَتَيْنِ حُجَّةً لَنَا، وَبَيَّنَّا وَجْهَ الدَّلِيلِ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا؛ فَإِنَّ قِرَاءَةَ التَّشْدِيدِ تَقْتَضِي التَّطَهُّرَ بِالْمَاءِ، وَقِرَاءَةُ التَّخْفِيفِ أَيْضًا مُوجِبَةٌ لِذَلِكَ كَمَا بَيَّنَّاهُ.
جَوَابٌ ثَانٍ: وَذَلِكَ أَنَّ إحْدَى الْقِرَاءَتَيْنِ أَوْجَبَتْ انْقِطَاعَ الدَّمِ، وَالْأُخْرَى أَوْجَبَتْ الِاغْتِسَالَ بِالْمَاءِ، كَمَا أَنَّ الْقُرْآنَ اقْتَضَى تَحْلِيلَ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ بِالنِّكَاحِ، وَاقْتَضَتْ السُّنَّةُ التَّحْلِيلَ بِالْوَطْءِ، فَجَمَعْنَا بَيْنَهُمَا.
فَإِنْ قِيلَ: إذَا اعْتَبَرْتُمْ الْقِرَاءَتَيْنِ هَكَذَا كُنْتُمْ قَدْ حَمَلْتُمُوهَا عَلَى فَائِدَةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِذَا اعْتَبَرْنَاهَا نَحْنُ كَمَا قُلْنَا حَمَلْنَاهَا عَلَى فَائِدَتَيْنِ مُتَجَدِّدَتَيْنِ، وَهِيَ اعْتِبَارُ انْقِطَاعِ الدَّمِ فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿تَطَهَّرْنَ﴾ [البقرة: ٢٢٢] فِي أَكْثَرِ الْحَيْضِ، وَاعْتِبَارُ قَوْلِهِ: يَطْهُرُ فِي الْأَقَلِّ.
قُلْنَا: نَحْنُ وَإِنْ كُنَّا قَدْ حَمَلْنَاهُمَا عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ فَقَدْ وَجَدْنَا لِذَلِكَ مِثَالًا فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَحَفِظْنَا نُطْقَ الْآيَةِ وَلَمْ نَخُصَّهُ، وَحَفِظْنَا الْأَدِلَّةَ فَلَمْ نَنْقُضْهَا؛ فَكَانَ تَأْوِيلُنَا يَتَرَتَّبُ عَلَى هَذِهِ الْأُصُولِ الثَّلَاثَةِ؛ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَأْوِيلٍ آخَرَ يَخْرُجُ عَنْهَا.
جَوَابٌ آخَرُ: وَذَلِكَ أَنَّ مَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنْ الْجَمْعِ يَقْتَضِي إبَاحَةَ الْوَطْءِ عِنْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ لِلْأَكْثَرِ، وَمَا قُلْنَا يَقْتَضِي الْحَظْرَ؛ وَإِذَا تَعَارَضَ بَاعِثُ الْحَظْرِ وَبَاعِثُ الْإِبَاحَةِ غَلَبَ بَاعِثُ الْحَظْرِ، كَمَا قَالَ عُثْمَانُ وَعَلِيٌّ ﵄ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ: " أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ، وَالتَّحْرِيمُ أَوْلَى ".
فَإِنْ قِيلَ: قَوْله تَعَالَى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ﴾ [البقرة: ٢٢٢] ثُمَّ قَالَ: ﴿فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ﴾ [البقرة: ٢٢٢] وَهُوَ زَمَانُ الْحَيْضِ، وَمَتَى انْقَطَعَ الدَّمُ لِدُونِ أَكْثَرِ الْحَيْضِ فَالزَّمَانُ بَاقٍ، فَبَقِيَ النَّهْيُ، وَهَذَا اعْتِرَاضُ أَبِي الْحَسَنِ الْقُدُورِيِّ.

1 / 233