Xukunka Qur'aanka
أحكام القرآن لابن العربي
Daabacaha
دار الكتب العلمية
Lambarka Daabacaadda
الثالثة
Sanadka Daabacaadda
١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م
Goobta Daabacaadda
بيروت - لبنان
قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ: وَقَدْ حَضَرْت فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ طَهَّرَهُ اللَّهُ بِمَدْرَسَةِ أَبِي عُتْبَةَ الْحَنَفِيِّ وَالْقَاضِي الرَّيْحَانِيِّ يُلْقِي عَلَيْنَا الدَّرْسَ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ، فَبَيْنَمَا نَحْنُ كَذَلِكَ إذْ دَخَلَ عَلَيْنَا رَجُلٌ بَهِيُّ الْمَنْظَرِ عَلَى ظَهْرِهِ أَطْمَارٌ، فَسَلَّمَ سَلَامَ الْعُلَمَاءِ، وَتَصَدَّرَ فِي صَدْرِ الْمَجْلِسِ بِمَدَارِعِ الرِّعَاءِ، فَقَالَ لَهُ الرَّيْحَانِيُّ: مَنْ السَّيِّدُ؟ فَقَالَ لَهُ: رَجُلٌ سَلَبَهُ الشُّطَّارُ أَمْسِ، وَكَانَ مَقْصِدِي هَذَا الْحَرَمَ الْمُقَدَّسَ، وَأَنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ صَاغَانَ مِنْ طَلَبَةِ الْعِلْمِ فَقَالَ الْقَاضِي مُبَادِرًا: سَلُوهُ، عَلَى الْعَادَةِ فِي إكْرَامِ الْعُلَمَاءِ بِمُبَادَرَةِ سُؤَالِهِمْ.
وَوَقَعَتْ الْقُرْعَةُ عَلَى مَسْأَلَةِ الْكَافِرِ إذَا الْتَجَأَ إلَى الْحَرَمِ، هَلْ يُقْتَلُ فِيهِ أَمْ لَا؟ فَأَفْتَى بِأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ، فَسُئِلَ عَنْ الدَّلِيلِ، فَقَالَ: قَوْله تَعَالَى ﴿وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ﴾ [البقرة: ١٩١].
قُرِئَ: وَلَا تَقْتُلُوهُمْ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ، فَإِنْ قُرِئَ وَلَا تَقْتُلُوهُمْ فَالْمَسْأَلَةُ نَصٌّ، وَإِنْ قُرِئَ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ فَهُوَ تَنْبِيهٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا نَهَى عَنْ الْقِتَالِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْقَتْلِ كَانَ دَلِيلًا بَيِّنًا ظَاهِرًا عَلَى النَّهْيِ عَنْ الْقَتْلِ.
فَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ الْقَاضِي الرَّيْحَانِيُّ مُنْتَصِرًا لِلشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَإِنْ لَمْ يَرَ مَذْهَبَهُمَا عَلَى الْعَادَةِ، فَقَالَ: هَذِهِ الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ [التوبة: ٥].
فَقَالَ لَهُ الصَّاغَانِيُّ: هَذَا لَا يَلِيقُ بِمَنْصِبِ الْقَاضِي وَعِلْمِهِ، فَإِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ الَّتِي اعْتَرَضْت بِهَا عَلَيَّ عَامَّةٌ فِي الْأَمَاكِنِ، وَالْآيَةَ الَّتِي احْتَجَجْت بِهَا خَاصَّةٌ، وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ الْعَامَّ يَنْسَخُ الْخَاصَّ، فَأَبَهَتْ الْقَاضِي الرَّيْحَانِيُّ، وَهَذَا مِنْ بَدِيعِ الْكَلَامِ.
وَقَدْ سَأَلَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَهْلَ بِلَادِنَا، فَقَالَ لَهُمْ: إنَّ الْعَامَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
1 / 152