Xukunka Qur'aanka
أحكام القرآن
Baare
محمد صادق القمحاوي - عضو لجنة مراجعة المصاحف بالأزهر الشريف
Daabacaha
دار إحياء التراث العربي
Goobta Daabacaadda
بيروت
وَالْهُدَى أَلَا تَرَى أَنَّ قَوْله تَعَالَى [إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمامًا] قد أفاد ذلك من غير تقييد وأنا لَمَّا ذَكَرَ أَئِمَّةَ الضَّلَالِ قَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ يَدْعُونَ إلى النار وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ اسْمِ الْإِمَامَةِ يَتَنَاوَلُ مَا ذَكَرْنَاهُ فَالْأَنْبِيَاءُ ﵈ فِي أَعْلَى رُتْبَةِ الْإِمَامَةِ ثُمَّ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ الْعُلَمَاءُ وَالْقُضَاةُ الْعُدُولُ وَمَنْ أَلْزَمَ اللَّهُ تَعَالَى الِاقْتِدَاءَ بِهِمْ ثُمَّ الْإِمَامَةُ فِي الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ ﵇ أَنَّهُ جَاعِلُهُ لِلنَّاسِ إمَامًا وَأَنَّ إبْرَاهِيمَ سَأَلَهُ أَنْ يَجْعَلَ مِنْ وَلَدِهِ أئمة بقوله [وَمِنْ ذُرِّيَّتِي] لِأَنَّهُ عُطِفَ عَلَى الْأَوَّلِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ وَاجْعَلْ مِنْ ذُرِّيَّتِي أَئِمَّةً وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ ومن ذريتي مَسْأَلَتَهُ تَعْرِيفَهُ هَلْ يَكُونُ مِنْ ذُرِّيَّتِي أَئِمَّةٌ فَقَالَ تَعَالَى فِي جَوَابِهِ [لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ] فَحَوَى ذَلِكَ مَعْنَيَيْنِ أَنَّهُ سَيَجْعَلُ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ أَئِمَّةً إمَّا عَلَى وَجْهِ تَعْرِيفِهِ مَا سَأَلَهُ أَنْ يُعَرِّفَهُ إيَّاهُ وَإِمَّا عَلَى وَجْهِ إجَابَتِهِ إلَى مَا سَأَلَ لِذُرِّيَّتِهِ إذَا كَانَ قَوْلُهُ ومن ذريتي مَسْأَلَتَهُ أَنْ يَجْعَلَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ أَئِمَّةً وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا وَهُوَ مَسْأَلَتُهُ أَنْ يَجْعَلَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ أَئِمَّةً وَأَنْ يُعَرِّفَهُ ذَلِكَ وَأَنَّهُ إجَابَةٌ إلَى مَسْأَلَتِهِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ إجَابَةٌ إلَى مَسْأَلَتِهِ لَقَالَ ليس في ذريتك أئمة أو قال لَا يَنَالُ عَهْدِي مِنْ ذُرِّيَّتِك أَحَدٌ فَلَمَّا قال [لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ] دَلَّ عَلَى أَنَّ الْإِجَابَةَ قَدْ وَقَعَتْ لَهُ في أن ذُرِّيَّتِهِ أَئِمَّةً ثُمَّ قَالَ [لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ] فَأَخْبَرَ أَنَّ الظَّالِمِينَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ لَا يَكُونُونَ أَئِمَّةً وَلَا يَجْعَلهُمْ مَوْضِعَ الِاقْتِدَاءِ بِهِمْ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ السُّدِّيِّ فِي قَوْله تَعَالَى [لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ] أَنَّهُ النُّبُوَّةَ وَعَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ الظَّالِمَ لَا يَكُونُ إمَامًا وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِعَهْدِ الظَّالِمِ فَإِذَا عَقَدَ عَلَيْك فِي ظُلْمٍ فَانْقُضْهُ وَقَالَ الْحَسَنُ لَيْسَ لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ يُعْطِيهِمْ عَلَيْهِ خَيْرًا فِي الْآخِرَةِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ جَمِيعُ مَا رُوِيَ مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي يَحْتَمِلُهُ اللفظ وجائز أن يكون جميعه مراد الله تَعَالَى وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَنَا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الظَّالِمُ نَبِيًّا وَلَا خَلِيفَةً لِنَبِيٍّ وَلَا قَاضِيًا وَلَا مَنْ يَلْزَمُ النَّاسَ قَبُولُ قَوْلِهِ فِي أُمُورِ الدِّينِ مِنْ مُفْتٍ أَوْ شَاهِدٍ أَوْ مُخْبِرٍ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ خَبَرًا فَقَدْ أَفَادَتْ الْآيَةُ أَنَّ شَرْطَ جَمِيعِ مَنْ كَانَ فِي مَحَلِّ الِائْتِمَامِ بِهِ فِي أَمْرِ الدِّينِ الْعَدَالَةُ وَالصَّلَاحُ وهذا يدل أيضا على أَئِمَّةَ الصَّلَاةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونُوا صَالِحِينَ غَيْرَ فُسَّاقٍ وَلَا ظَالِمِينَ لِدَلَالَةِ الْآيَةِ عَلَى شَرْطِ الْعَدَالَةِ لِمَنْ نُصِبَ مَنْصِبَ الِائْتِمَامِ بِهِ فِي أُمُورِ الدِّينِ لِأَنَّ عَهْدَ اللَّهِ هُوَ أَوَامِرُهُ فَلَمْ يُجْعَلْ قَبُولُهُ عَنْ الظَّالِمِينَ مِنْهُمْ وَهُوَ مَا أَوْدَعَهُمْ مِنْ أُمُورِ دِينِهِ وَأَجَازَ قَوْلَهُمْ فيه وأمر الناس بقوله مِنْهُمْ وَالِاقْتِدَاءِ بِهِمْ فِيهِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى [أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا
1 / 85