Xukunka Qur'aanka
أحكام القرآن
Baare
محمد صادق القمحاوي - عضو لجنة مراجعة المصاحف بالأزهر الشريف
Daabacaha
دار إحياء التراث العربي
Goobta Daabacaadda
بيروت
وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ أَقْسَامِ الْكَلَامِ وَالتَّحَدِّي بِتَمَنِّي الْمَوْتَ إنَّمَا تَوَجَّهَ إلَى الْعِبَارَةِ الَّتِي فِي لُغَتِهِمْ أَنَّهَا تَمَنٍّ وَالْوَجْهُ الْآخَرُ أَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَتَحَدَّاهُمْ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَالتَّكْذِيبِ وَالتَّوْقِيفِ عَلَى عِلْمِهِمْ بِصِحَّةِ نُبُوَّتِهِ وَبَهْتِهِمْ وَمُكَابَرَتِهِمْ فِي أَمْرِهِ فَيَتَحَدَّاهُمْ بِأَنْ يَتَمَنَّوْا ذَلِكَ بِقُلُوبِهِمْ مَعَ عِلْمِ الْجَمِيعِ بِأَنَّ التَّحَدِّيَ بِالضَّمِيرِ لَا يَعْجِزُ عَنْهُ أَحَدٌ فَلَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَقَالِهِ وَلَا فَسَادِهَا وَأَنَّ الْمُتَحَدَّى بِذَلِكَ يُمْكِنْهُ أَنْ يَقُولَ قد تمنيت بقلبي ذلك ولا يمكن خصمه إقَامَةُ الدَّلِيلِ عَلَى كَذِبِهِ وَأَيْضًا فَلَوْ انْصَرَفَ ذَلِكَ إلَى التَّمَنِّي بِالْقَلْبِ دُونَ الْعِبَارَةِ بِاللِّسَانِ لَقَالُوا قَدْ تَمَنَّيْنَا ذَلِكَ بِقُلُوبِنَا فَكَانُوا مُسَاوِينَ لَهُ فِيهِ وَيَسْقُطُ بِذَلِكَ دَلَالَتُهُ عَلَى كَذِبِهِمْ وَعَلَى صِحَّةِ نُبُوَّتِهِ فَلَمَّا لَمْ يَقُولُوا ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ لَوْ قَالُوهُ لَنُقِلَ كَمَا لَوْ عَارَضُوا القرآن بأى كلام كان لقل فَعُلِمَ أَنَّ التَّحَدِّيَ وَقَعَ بِالتَّمَنِّي بِاللَّفْظِ وَالْعِبَارَةِ دون الضمير والاعتقاد.
باب السجود وَحُكْمُ السَّاحِرِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى [وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ] إلَى آخَرِ الْقِصَّةِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْوَاجِبُ أَنْ نُقَدِّمَ الْقَوْلَ فِي السِّحْرِ لِخَفَائِهِ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَضْلًا عَنْ الْعَامَّةِ ثُمَّ نُعَقِّبُهُ بِالْكَلَامِ فِي حُكْمِهِ فِي مُقْتَضَى الْآيَةِ فِي الْمَعَانِي وَالْأَحْكَامِ فَنَقُولُ إنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ يَذْكُرُونَ أَنَّ أَصْلَهُ فِي اللُّغَةِ لِمَا لطف وخفى سببه والسحر عندهم بالفتح هو الغذاء لخفائه ولطف مجاريه قال لبيد:
أرنا مَوْضِعَيْنِ لِأَمْرِ غَيْبٍ ... وَنُسْحِرُ بِالطَّعَامِ وَبِالشَّرَابِ
قِيلِ فِيهِ وَجْهَانِ نُعَلَّلُ وَنُخْدَعُ كَالْمَسْحُورِ وَالْمَخْدُوعِ وَالْآخَرُ نُغَذَّى وَأَيُّ الْوَجْهَيْنِ كَانَ فَمَعْنَاهُ الْخَفَاءُ وَقَالَ آخَرُ:
فَإِنْ تَسْأَلِينَا فِيمَ نَحْنُ فَإِنَّنَا ... عَصَافِيرُ مِنْ هَذَا الْأَنَامِ الْمُسَحَّرِ
وَهَذَا الْبَيْتُ يَحْتَمِلُ مِنْ الْمَعْنَى مَا احْتَمَلَهُ الْأَوَّلُ وَيَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنَّهُ أَرَادَ بِالْمُسَحَّرِ أَنَّهُ ذُو سِحْرٍ وَالسَّحَرُ الرِّئَةُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْحُلْقُومِ وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى مَعْنَى الْخَفَاءِ وَمِنْهُ قَوْلُ عَائِشَةَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّه ﷺ بَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي وقَوْله تَعَالَى [إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ] يَعْنِي مِنْ الْمَخْلُوقِ الَّذِي يُطْعَمُ وَيُسْقَى وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى [وَما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا] وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى [مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ] وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ ذُو سِحْرٍ مِثْلُنَا وَإِنَّمَا يُذْكَرُ السِّحْرُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لِضَعْفِ هَذِهِ الْأَجْسَادِ وَلَطَافَتِهَا وَرِقَّتِهَا وَبِهَا مَعَ ذَلِكَ قَوَامُ
1 / 50