Xukunka Qur'aanka
أحكام القرآن
Tifaftire
محمد صادق القمحاوي - عضو لجنة مراجعة المصاحف بالأزهر الشريف
Daabacaha
دار إحياء التراث العربي
Goobta Daabacaadda
بيروت
Noocyada
Fasiraadda
الْمُحْدِثَةُ لِأَنْفُسِهَا لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو مِنْ أَنْ تَكُونَ أَحْدَثَتْهَا وَهِيَ مَوْجُودَةٌ أَوْ مَعْدُومَةٌ فَإِنْ كَانَتْ مَوْجُودَةً فَوُجُودُهَا قَدْ أَغْنَى عَنْ إحْدَاثِهَا وَإِنْ كَانَتْ مَعْدُومَةً فَإِنَّهُ يَسْتَحِيلُ إيجَادُ الْفِعْلِ مِنْ الْمَعْدُومِ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّهَا بَعْدَ وُجُودِهَا غَيْرُ قَادِرَةٍ عَلَى اخْتِرَاعِ الْأَجْسَامِ وَإِنْشَاءِ الْأَجْرَامِ فَهِيَ فِي حَالِ عَدَمِهَا أَحْرَى أَنْ لَا تَكُونَ قَادِرَةً عَلَيْهَا وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ مِنْ الْحَيَوَانِ عَلَى الزِّيَادَةِ فِي أَجْزَائِهِ فَهُوَ بِنَفْيِ الْقُدْرَةِ عَلَى إحْدَاثِ جَمِيعِهِ أَوْلَى فَثَبَتَ أَنَّ الْمُحْدِثَ لَهَا هُوَ الْقَادِرُ الْحَكِيمُ الَّذِي لَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ مُحْدِثُ هَذِهِ الْحَيَوَانَاتِ مُشْبِهًا لَهَا مِنْ وجه لكان حُكْمَهَا فِي امْتِنَاعِ جَوَازِ وُقُوعِ إحْدَاثِ الْأَجْسَامِ وَأَمَّا دَلَالَةُ تَصْرِيفِ الرِّيَاحِ عَلَى تَوْحِيدِهِ فَهِيَ أَنَّ الْخَلْقَ لَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى تَصْرِيفِهَا لَمَا قَدَرُوا عَلَيْهِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ تَصْرِيفَهَا تَارَةً جَنُوبًا وَتَارَةً شَمَالًا وَتَارَةً صَبًّا وَتَارَةً دَبُورًا مُحْدَثٌ فَعَلِمْنَا أَنَّ الْمُحْدِثَ لِتَصْرِيفِهَا هُوَ الْقَادِرُ الَّذِي لَا شِبْهَ لَهُ إذْ كَانَ مَعْلُومًا اسْتِحَالَةُ إحْدَاثِ ذَلِكَ مِنْ الْمَخْلُوقِينَ فَهَذِهِ دَلَائِلُ قَدْ نَبَّهَ اللَّهُ تَعَالَى الْعُقَلَاءَ عَلَيْهَا وَأَمَرَهُمْ بِالِاسْتِدْلَالِ بِهَا وَقَدْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى قَادِرًا عَلَى إحْدَاثِ النَّبَاتِ مِنْ غَيْرِ مَاءٍ وَلَا زِرَاعَةٍ وَإِحْدَاثِ الْحَيَوَانَاتِ بِلَا نِتَاجٍ وَلَا زَوَاجٍ وَلَكِنَّهُ تَعَالَى أَجْرَى عَادَتَهُ فِي إنْشَاءِ خَلْقِهِ عَلَى هَذَا تَنْبِيهًا لَهُمْ عِنْدَ كُلِّ حَادِثٍ مِنْ ذَلِكَ عَلَى قُدْرَتِهِ وَالْفِكْرِ فِي عَظَمَتِهِ وَلِيُشْعِرَهُمْ فِي كُلِّ وَقْتٍ مَا أَغْفَلُوهُ وَيُزْعِجَ خَوَاطِرَهُمْ
لِلْفِكْرِ فِيمَا أَهْمَلُوهُ فَخَلَقَ تَعَالَى الْأَرْضَ وَالسَّمَاءَ ثَابِتَتَيْنِ دَائِمَتَيْنِ لَا تَزُولَانِ وَلَا تَتَغَيَّرَانِ عَنْ الحال التي جعلهما وخلقهما عليها بديا إلى وقت فنائها ثُمَّ أَنْشَأَ الْحَيَوَانَ مِنْ النَّاسِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأَرْضِ ثُمَّ أَنْشَأَ لِلْجَمِيعِ رِزْقًا مِنْهَا وَأَقْوَاتًا بِهَا تَبْقَى حَيَاتُهُمْ وَلَمْ يُعْطِهِمْ ذَلِكَ الرِّزْقَ جُمْلَةً فَيَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُسْتَغْنُونَ بِمَا أُعْطُوا بَلْ جَعَلَ لَهُمْ قُوتًا مَعْلُومًا فِي كُلِّ سَنَةٍ بِمِقْدَارِ الْكِفَايَةِ لِئَلَّا يَبْطَرُوا وَيَكُونُوا مُسْتَشْعِرِينَ لِلِافْتِقَارِ إلَيْهِ فِي كُلِّ حَالٍ وَوَكَلَ إلَيْهِمْ فِي بَعْضِ الْأَسْبَابِ الَّتِي يَتَوَصَّلُونَ بِهَا إلَى ذَلِكَ من الحرث والزراعة ليشعرهم أن للأعمال ثَمَرَاتٌ مِنْ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَيَكُونَ ذَلِكَ دَاعِيًا لَهُمْ إلَى فِعْلِ الْخَيْرِ فَيَجْتَنُونَ ثَمَرَتَهُ وَاجْتِنَابِ الشَّرِّ لِيَسْلَمُوا مِنْ شَرِّ مَغَبَّتِهِ ثُمَّ تَوَلَّى هو لهم من إنزال الماء مَا لَمْ يَكُنْ فِي وُسْعِهِمْ وَطَاقَتِهِمْ أَنْ يُنْزِلُوهُ لِأَنْفُسِهِمْ فَأَنْشَأَ سَحَابًا فِي الْجَوِّ وَخَلَقَ فيه ماء ثُمَّ أَنْزَلَهُ عَلَى الْأَرْضِ بِمِقْدَارِ الْحَاجَةِ ثُمَّ أَنْبَتَ لَهُمْ بِهِ سَائِرَ أَقْوَاتِهِمْ وَمَا يَحْتَاجُونَ إليه لملابسهم ثم لم يقتصر فيما أنزله مِنْ السَّمَاءِ عَلَى مَنَافِعِهِ فِي وَقْتِ مَنَافِعِهِ حَتَّى جَعَلَ لِذَلِكَ الْمَاءِ مَخَازِنَ وَيَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ يَجْتَمِعُ فِيهِ ذَلِكَ الْمَاءُ فَيَجْرِي أَوَّلًا فأولا
1 / 129