Xukunka Qur'aanka

Al-Jassas d. 370 AH
115

Xukunka Qur'aanka

أحكام القرآن

Baare

محمد صادق القمحاوي - عضو لجنة مراجعة المصاحف بالأزهر الشريف

Daabacaha

دار إحياء التراث العربي

Goobta Daabacaadda

بيروت

بِأَنْ يُفْقِرَهُمْ بِتَلَفِ أَمْوَالِهِمْ وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مِنْ قِبَلِ الْعَدُوِّ بِأَنْ يُغْلَبُوا عَلَيْهِ فَيَتْلَفَ ونقص من الأموال والأنفس والثمرات يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا لِأَنَّ النَّقْصَ مِنْ الْأَمْوَالِ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ سَبَبُهُ الْعَدُوَّ وَكَذَلِكَ الثَّمَرَاتُ لِشُغْلِهِمْ إيَّاهُمْ بِقِتَالِهِمْ عَنْ عِمَارَةِ أَرَاضِيهِمْ وَجَائِزٌ أن يكون من فعل الله تعالى بالجوانح الَّتِي تُصِيبُ الْأَمْوَالَ وَالثِّمَارَ وَنَقْصُ الْأَنْفُسِ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ مَنْ يُقْتَلُ مِنْهُمْ فِي الْحَرْبِ وَأَنْ يُرِيدَ بِهِ مَنْ يُمِيتُهُ الله منهم من غير قتل فأما الصبرا عَلَى مَا كَانَ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ فَهُوَ التَّسْلِيمُ وَالرِّضَا بِمَا فَعَلَهُ وَالْعِلْمُ بِأَنَّهُ لَا يَفْعَلُ إلَّا الصَّلَاحَ وَالْحَسَنَ وَمَا هُوَ خَيْرٌ لَهُمْ وَأَنَّهُ مَا مَنَعَهُمْ إلَّا لِيُعْطِيَهُمْ وَأَنَّ مَنْعَهُ إيَّاهُمْ إعْطَاءٌ مِنْهُ لَهُمْ وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ فِعْلِ الْعَدُوِّ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ الصَّبْرُ عَلَى جِهَادِهِمْ وَعَلَى الثَّبَاتِ عَلَى دَيْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يَنْكُلُونَ عَنْ الْحَرْبِ وَلَا يَزُولُونَ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ بِمَا يُصِيبُهُمْ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ بِالِابْتِلَاءِ مَا كَانَ مِنْهُمْ مِنْ فِعْلِ الْمُشْرِكِينَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَبْتَلِي أَحَدًا بِالظُّلْمِ وَالْكُفْرِ وَلَا يُرِيدُهُ وَلَا يُوجِبُ الرِّضَا بِهِ وَلَوْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى يَبْتَلِي بِالظُّلْمِ وَالْكُفْرِ لَوَجَبَ الرِّضَا بِهِ كَمَا رَضِيَهُ بِزَعْمِهِمْ حِينَ فَعَلَهُ وَاَللَّهُ يَتَعَالَى عَنْ ذَلِكَ وَقَدْ تَضَمَّنَتْ الْآيَةُ مَدْحَ الصَّابِرِينَ عَلَى شَدَائِدِ الدُّنْيَا وَعَلَى مَصَائِبِهَا عَلَى الْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرَ وَالْوَعْدُ بِالثَّوَابِ وَالثَّنَاءِ الْجَمِيلِ وَالنَّفْعِ الْعَظِيمِ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالدِّينِ فَأَمَّا فِي الدُّنْيَا فَمَا يَحْصُلُ لَهُ بِهِ مِنْ الثَّنَاءِ الْجَمِيلِ وَالْمَحَلِّ الْجَلِيلِ فِي نُفُوسِ الْمُؤْمِنِينَ لِائْتِمَارِهِ لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَلِأَنَّ فِي الْفِكْرِ فِي ذَلِكَ تَسْلِيَةً عَنْ الْهَمِّ وَنَفْيِ الْجَزَعِ الَّذِي رُبَّمَا أَدَّى إلَى ضَرَرٍ فِي النَّفْسِ وَإِلَى إتْلَافِهَا فِي حَالِ مَا يُعْقِبُهُ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا مِنْ مَحْمُودِ الْعَاقِبَةِ وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَهُوَ الثَّوَابُ الْجَزِيلُ الَّذِي لَا يَعْلَمُ مِقْدَارَهُ إلَّا اللَّهُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَقَدْ اشْتَمَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى حُكْمَيْنِ فَرْضٌ وَنَفْلٌ فَأَمَّا الْفَرْضُ فَهُوَ التَّسْلِيمُ لِأَمْرَ اللَّهِ وَالرِّضَا بِقَضَاءِ اللَّهِ وَالصَّبْرِ عَلَى أَدَاءِ فَرَائِضِهِ لَا يُثْنِيهِ عَنْهَا مَصَائِبُ الدُّنْيَا وَلَا شَدَائِدُهَا وَأَمَّا النفل فإظهار القول بإنا الله وإنا إليه راجعون فَإِنَّ فِي إظْهَارِهِ فَوَائِدَ جَزِيلَةً مِنْهَا فِعْلُ مَا نَدَبَ اللَّهُ إلَيْهِ وَوَعَدَهُ الثَّوَابَ عَلَيْهِ وَمِنْهَا أَنَّ غَيْرَهُ يَقْتَدِي بِهِ إذَا سَمِعَهُ وَمِنْهَا غَيْظُ الْكُفَّارِ وَعِلْمُهُمْ بِجِدِّهِ وَاجْتِهَادِهِ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى وَالثَّبَاتِ عَلَى طَاعَتِهِ وَمُجَاهَدَةِ أعدائه ويحكى عن دواد الطَّائِيِّ قَالَ الزَّاهِدُ فِي الدُّنْيَا لَا يُحِبُّ الْبَقَاءَ فِيهَا وَأَفْضَلُ الْأَعْمَالِ الرِّضَا عَنْ اللَّهِ وَلَا يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَحْزَنَ لِلْمُصِيبَةِ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ لِكُلِّ مُصِيبَةٍ ثَوَابًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أعلم بالصواب.

1 / 117