108

Xukunka Qur'aanka

أحكام القرآن

Tifaftire

محمد صادق القمحاوي - عضو لجنة مراجعة المصاحف بالأزهر الشريف

Daabacaha

دار إحياء التراث العربي

Goobta Daabacaadda

بيروت

Noocyada

Fasiraadda
طَرِيقِ الْحُجَّةِ وَجَبَ أَنْ يَكُونُوا حُجَّةً عَلَى أَهْلِ عَصْرِهِمْ الدَّاخِلِينَ مَعَهُمْ فِي إجْمَاعِهِمْ وَعَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ سَائِرِ أَهْلِ الْأَعْصَارِ فَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَهْلَ عَصْرٍ إذَا أَجْمَعُوا عَلَى شَيْءٍ ثُمَّ خَرَجَ بَعْضُهُمْ عَنْ إجْمَاعِهِمْ أَنَّهُ مَحْجُوجٌ بِالْإِجْمَاعِ الْمُتَقَدِّمِ لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَدْ شَهِدَ لِهَذِهِ الْجَمَاعَةِ بِصِحَّةِ قَوْلِهَا وَجَعْلِهَا حُجَّةً وَدَلِيلًا فَالْخَارِجُ عَنْهَا بَعْد ذَلِكَ تَارِكٌ لِحُكْمِ دَلِيلِهِ وَحُجَّتِهِ إذْ غَيْرُ جَائِزٍ وُجُود دَلِيلِ اللَّهِ تَعَالَى عَارِيًّا عن مَدْلُولِهِ وَيَسْتَحِيلُ وُجُودُ النَّسْخِ بَعْدَ النَّبِيِّ ﷺ فَيُتْرَكُ حُكْمُهُ مِنْ طَرِيقِ النَّسْخِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ فِي أَيِّ حَالٍ حَصَلَ مِنْ الْأُمَّةِ فَهُوَ حُجَّةٌ الله ﷿ غَيْرُ سَائِغٍ لِأَحَدٍ تَرْكُهُ وَلَا الْخُرُوجُ عَنْهُ وَمِنْ حَيْثُ دَلَّتْ الْآيَةُ عَلَى صِحَّةِ إجْمَاعِ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ فَهِيَ دَالَّةٌ عَلَى صِحَّةِ إجْمَاعِ أَهْلِ الْأَعْصَارِ إذْ لَمْ يُخَصِّصْ بِذَلِكَ أَهْلُ عَصْرٍ دُونَ عَصْرٍ وَلَوْ جَازَ الِاقْتِصَارُ بِحُكْمِ الْآيَةِ عَلَى إجْمَاعِ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ دُونَ أَهْلِ سَائِرِ الْإِعْصَارِ لَجَازَ الِاقْتِصَارُ بِهِ عَلَى إجْمَاعِ أَهْلِ سَائِرِ الْأَعْصَارِ دُونَ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ لَمَّا قَالَ [وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطًا] فَوَجَّهَ الْخِطَابَ إلَى الْمَوْجُودِينَ فِي حَالِ نُزُولِهِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمْ هُمْ الْمَخْصُوصُونَ بِهِ دُونَ غَيْرِهِمْ فَلَا يَدْخُلُونَ فِي حُكْمِهِمْ إلَّا بِدَلَالَةِ قِيلَ لَهُ هَذَا غَلَطٌ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى [وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطًا] هُوَ خِطَابٌ لِجَمِيعِ الْأُمَّةِ أَوَّلِهَا وَآخِرِهَا مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مَوْجُودًا فِي وَقْتِ نُزُولِ الْآيَةِ وَمَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ كَمَا أَنَّ قَوْله
تَعَالَى [كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ] وقوله [كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ] وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْآيِ خِطَابٌ لِجَمِيعِ الْأُمَّةِ كَمَا كَانَ النَّبِيُّ ﷺ مَبْعُوثًا إلَى جَمِيعِهَا مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مَوْجُودًا فِي عَصْرِهِ وَمَنْ جَاءَ بَعْدَهُ قَالَ اللَّهُ تعالى [إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَداعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجًا مُنِيرًا] وَقَالَ تَعَالَى [وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ] وَمَا أَحْسِبُ مُسْلِمًا يَسْتَجِيزُ إطْلَاقَ الْقَوْلِ بِأَنَّ النَّبِيِّ ﷺ لَمْ يَكُنْ مَبْعُوثًا إلَى جَمِيعِ الْأُمَّةِ أَوَّلِهَا وَآخِرِهَا وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً عَلَيْهَا وَشَاهِدًا وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ رَحْمَةً لِكَافَّتِهَا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ لَمَّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى [وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطًا] وَاسْمُ الْأُمَّةِ يَتَنَاوَلُ الْمَوْجُودِينَ فِي عَصْرِ النَّبِيِّ ﷺ وَمَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ فَإِنَّمَا حُكْمُ لِجَمَاعَتِهَا بِالْعَدَالَةِ وَقَبُولِ الشَّهَادَةِ وَلَيْسَ فِيهِ حُكْمٌ لِأَهْلِ عَصْرٍ وَاحِدٍ بِالْعَدَالَةِ وَقَبُولِ الشَّهَادَةِ فَمِنْ أَيْنَ حَكَمْتَ لِأَهْلِ كُلِّ عَصْرٍ بِالْعَدَالَةِ حَتَّى جَعَلْتهمْ حُجَّةً عَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ قِيلَ لَهُ لَمَّا جُعِلَ مَنْ حُكِمَ لَهُ بِالْعَدَالَةِ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِ فِيمَا يُخْبِرُ بِهِ أَوْ يَعْتَقِدُهُ مِنْ أَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَانَ مَعْلُومًا أَنَّ ذَلِكَ صِفَةٌ قَدْ حَصَلَتْ لَهُ فِي الدُّنْيَا وَأَخْبَرَ

1 / 110