Ahkaam al-Khawateem
أحكام الخواتيم
Baare
أبي مصعب طلعت بن فؤاد الحلواني
Daabacaha
الفاروق الحديثة للطباعة والنشر
Lambarka Daabacaadda
الأولى
Sanadka Daabacaadda
١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م
Noocyada
أحكام الخواتيم
2 / 647
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله عَلَى سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إِلَى يوم الدين.
وبعد فهذه فصول في بيان الخاتم وما جاء فيه.
اعلم أن الخاتم يجوز بكسر التاء وفتحها، والفتح أفصح وأشهر؛ لأنّه آلة الختم، وهي ما (يختم) (*) به، وهي بناء الآلات كذلك كالقالب والطابع.
وحكي في طائفة من المتأخرين لغتين أخرتين وهما:
خَاتَام وخَيتَام. ذكره ابن السرَّاج والنووي.
وقد اختلف أهل العِلْم في لبسه في الجملة، فأباحه في من أهل العِلْم ولم يكرهوه، وهو ظاهر كلام الإمام أحمد، وهو اختيار أكثر أصحابه. قال في رواية أبي داود وصالح وعلي بن سعيد: ليس به بأس.
واستدلوا عَلَى ذلك بما في الصحيحين عن ابن عمر (١) قال: «اتَّخَذَ رَسُولُ اللهِ ﷺ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ فَكَانَ فِي يَدِهِ، ثُمَّ كَانَ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ كَانَ فِي يَدِ عُمَرَ، ثُمَّ كَانَ فِي يَدِ عُثْمَانَ حَتَّى وَقَعَ مِنْهُ فِي بِئْرِ أَرِيسٍ».
وفيهما أيضًا عن أنس بن مالك (٢): «أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ لَبِسَ خَاتَمَ فِضَّةٍ، فِيهِ فَصٌّ حَبَشِيٌّ، كَانَ يَجْعَلُ فَصَّهُ مِمَّا يَلِي كَفَّهُ».
فحديث أنس رواه عنه: قتادة والزهري وحميد وعبد العزيز بن صهيب وثابت والحسن وثمامة.
_________
(*) تختم: "نسخة".
(١) أخرجه البخاري (٥٨٧٣)، ومسلم (٢٠٩١/ ٥٤).
(٢) أخرجه البخاري (٥٨٦٨) بنحوه دون ذكر الفص وما بعده، ومسلم (٢٠٩٤) من طريق يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن أنس.
2 / 649
فحديث قتادة أخرجاه في الصحيحين من طرق (١)، عن قتادة، وكذلك حديث الزهري (٢).
وحديث حميد (٣) رواه البخاري من طرق أيضًا عنه.
وحديث ابن صهيب أخرجاه من طرق (٤) أيضًا عنه.
وحديث ثابت رواه مسلم (٥) من حديث حماد بن سلمة عنه.
وحديث الحسن تفرد به البخاري من رواية قرة بن خالد (٦) عنه.
وحديث ثمامة رواه البخاري من حديث الأنصاري (٧) عن أبيه عن ثمامة.
قال: وزاد فيه أحمد بن حنبل (٨).
_________
(١) أخرجه البخاري (٥٨٧٥)، ومسلم (٢٠٩٢/ ٥٦) من طريق شعبة عنه.
وأخرجه البخاري (٥٨٧٢) من طريق سعيد بن أبي عروبة عنه.
وأخرجه مسلم (٢٠٩٢/ ٥٧) من طريق هشام الدستوائي عنه.
وأخرجه مسلم (٢٠٩٢/ ٥٨) من طريق خالد بن قيس عنه.
(٢) أخرجه البخاري (٥٨٦٨)، ومسلم (٢٠٩٤) من طريق يونس بن يزيد عنه.
وأخرجه مسلم (٢٠٩٣/ ٥٩) من طريق إبراهيم بن سعيد عنه.
وأخرجه مسلم (٢٠٩٣/ ٦٠) من طريق زياد عنه.
(٣) أخرجه البخاري (٥٨٦٩) من طريق يزيد بن زريع عنه، و(٥٨٧٠) من طريق معتمر عنه.
(٤) أخرجه البخاري (٥٨٧٧)، ومسلم (٢٠٩٢) من طريق حماد بن زيد عنه.
وأخرجه البخاري (٥٨٧٤) من طريق عبد الوارث عنه.
وأخرجه مسلم (٢٠٩٢) من طريق إسماعيل ابن علية عنه.
(٥) برقم (٢٠٩٥).
(٦) برقم (٦٠٠)، وقد علق الحافظ عَلَى هذا الحديث تعليقًا نافعًا (٢/ ٨٩ سلفية) فانظره فإنَّه مهم.
(٧) برقم (٥٨٧٨).
(٨) برقم (٥٨٧٩) قال البخاري: وزادني أحمد: حدثنا الأنصاري .. إلخ. وقال الحافظ في التعليق عَلَى هذه الرواية (١٠/ ٣٤١ سلفية): قوله: "وزادني أحمد حدثنا الأنصاري إِلَى آخره" هذه الزيادة موصولة، وأحمد المذكور جزم المزي في "الأطراف"=
2 / 650
وسنذكر إِن شاء الله تعالى نهيه عن خاتم الذهب ونهيه عن التختم به في السبابة والوسطى، وهو يدل بمفهومه عَلَى إباحته عَلَى غير تلك الصفة.
وقد ثبت لبس الخاتم عن جماعة من الصحابة منهم: طلحة وسعد وابن عمر وخباب بن الأرت والبراء بن عازب والمغيرة بن شعبة وغيرهم.
ولم ينقل عن أحد منهم إنكار لبسه لكونه خاتمًا، ثم إِن طائفة من الأصحاب قالوا: متى كان لبسه لغرض التَّزين به لا غير، كره.
ومنهم من قال: تركه حينئذٍ أولى.
وهذا يفيد أن الإباحة إِنَّمَا هي مع إطلاق القصد، ولا يقال مع قصد الاتباع أيضًا، لأن هؤلاء لا يرونه مستحبًّا، ولا يجعلون لبس الشارع له تشريعًا فلا يمكن قصد الاتباع حينئذٍ، اللهم إلا في التشبه بصورة الفعل، وإن كان مباحًا، كما كان ابن عمر يفعله، وهذا ينبغي اختصاصه بالرجال، فإن النساء لا يكره لهن لبس الخاتم للزينة بلا ريب لأنّه من جملة الحلي، "وقد كُنَّ النساء يلبسن الخواتم عَلَى عهد رسول الله ﷺ وقد تصدقن بها يوم العيد بحضرته لما حثهن عَلَى الصدقة" (١).
وذهبت طائفة إِلَى استحباب لبس الخاتم للرجال أيضًا وهذا وجه لأصحابنا.
وروى مالك عن صدقة بت يسار قال (سألت) (*) سعيد بن المسيب عن لبس الخاتم فَقَالَ: "البسه وأخبر الناس أني قد أفتيتك بذلك". واحتج لهذا
_________
=أنَّه أحمد بن حنبل، لكن لم أر هذا الحديث في "مسند أحمد" من هذا الوجه أصلًا.
(١) أخرجه البخاري (٩٦٤)، ومسلم (٨٨٤) من حديث ابن عباس ولفظ البخاري: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلَّى يَوْمَ الفِطْرِ رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلاَ بَعْدَهَا، ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ وَمَعَهُ بِلاَلٌ، فَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ، فَجَعَلْنَ يُلْقِينَ، تُلْقِي المَرْأَةُ خُرْصَهَا وَسِخَابَهَا» وفي أحد ألفاظ الحديث: "فَجَعَلْنَ يُلْقِينَ الفَتَخَ وَالخَوَاتِم فِي ثَوبِ بِلال".
(*) ليس في "النسخ الثلاث المخطوطة"، والسياق يقتضيها، وهي في الموطأ.
2 / 651
بأن الخاتم لم يزل في يد النبي ﷺ حتى مات، وفي يد أبي بكر وعمر حتى ماتا، وفي يد عثمان حتى وقع منه في بئر أريس، وهذه المداومة تدل عَلَى مشروعيته، وبما في حديث بريدة "أَنَّ النَّبِيِّ ﷺ لَمَّا رَأَى فِي يَدِ ذَلِكَ الرَّجُلَ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ فَقَالَ: «مَا لِي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ الأَصْنَامِ».
ثم قال له: «اتَّخِذْهُ مِنْ فِضَّةٍ، وَلَا تَزِدْ عَلَى مِثْقَالٍ».
أخرجه أحمد (١) والنسائي (٢) والترمذي (٣) والبزار في "مسنده". وهذا أمرٌ أقل أحواله الندب.
ويروى من طريق عمر بن هارون، عن يونس، عن الزهري عن أنس أن النيي ﷺ قال: «أُمِرْتُ بِالنَّعْلَيْنِ وَالْخَاتَمِ».
أخرجه الطبراني في "المعجم الصغير" (٤).
وروينا من طريق نعيم بن سالم بن قيس قال: سمعت أنسًا يحدث عن النبي ﷺ في قول الله ﷿: ﴿خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ (٥) قال: "النعل والخاتم" (٦).
وذهبت طائفة إِلَى كراهة الخاتم إلا لذي سلطان، واحتجوا بالحديث الَّذِي
_________
(١) (٥/ ٣٥٩).
(٢) (٨/ ١٧٢).
(٣) برقم (١٧٨٥) وقال: هذا حديث غريب. وأخرجه أبو داود أيضًا (٤٢٢٣).
(٤) (١/ ١٦٦) وقال: لم يروه عن الزهري إلا يونس. ولا عن يونس إلا عمر بن هارون، تفرد به أبو حبيب عن سعيد بن يعقوب.
وأخرجه ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (٢/ ٢٠٣) وقال: عمر متروك، تركه ابن مهدي وأحمد، وقال ابن حبان: يروي عن الثقات المعضلات ويدعي شيوخًا لم يرهم.
(٥) الأعراف: ٣١.
(٦) أورد نحوه السيوطي في "الإتقان" (٢/ ٥١٠) وقال: أخرج ابن مردويه وغيره بسند ضعيف عن أنس عن النبي ﷺ في قوله: ﴿خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ قال: صلوا في نعالكم.
2 / 652
رواه الإمام أحمد في "المسند" (١) وأبو داود (٢) والنسائي (٣) من حديث الهيثم ابن شفي عن صاحب له عن أبي ريحانة "أن النبي ﷺ نهى عن (لُبُوسِ) (*) الْخَاتَمِ إِلَّا لِذِي سُلْطَانٍ".
ولأن النبي ﷺ لم يكن يلبس الخاتم لُبس تجمل وتزين به كالرداء والعمامة والنعل، وإنَّما اتخذه لحاجة ختم الكتب التي يبعثها إِلَى الملوك، كما في حديث أنس «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَتَبَ إِلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَالنَّجَاشِيِّ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُمْ لاَ يَقْبَلُونَ كِتَابًا إِلَّا بِخَاتَمٌ: فَصَاغَ رَسُولُ اللهِ ﷺ خَاتَمًا حَلْقَتُهُ فِضَّةً، وَنَقَشَ فِيهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ» (٤).
وأبو بكر إِنَّمَا لبسه بعده لأجل ولايته، فإنَّه كان يحتاج إِلَيْهِ كما كان النبي ﷺ يحتاج إِلَيْهِ، وكذلك عمر إِنَّمَا لبسه بعد أبي بكر لهذه المصلحة، وكذلك عثمان ﵃.
وحكى ابن عبد البر عن طائفة من العُلَمَاء أنهم كرهوا لبسه مطلقًا، احتجاجًا بحديث أنس "أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نبذه ولم يلبسه".
وقد رُوي "أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَخْتِمُ بِهِ وَلَا يَلْبَسُهُ". كما رواه الترمذي في "الشمائل" (٥) ثنا قتيبة، ثنا أبو عوانة عن أبي بشر، ثنا نافع عن ابن عمر "أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ، فَكَانَ يَخْتِمُ بِهِ وَلَا يَلْبَسُهُ".
(رواه) (**) النسائي أيضًا (٦)، ويؤيد هذا ما في الصحيحين (٧) عن الزهري عن أنس «أَنَّهُ رَأَى فِي يَدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ يَوْمًا وَاحِدًا، ثُمَّ إِنَّ
_________
(١) (٤/ ١٣٤).
(٢) برقم (٤٠٤٩) وقال أبو داود: الذي تفرد به من هذا الحديث ذكر الخاتم.
(٣) برقم (٥١٠٦).
(*) لبس: "نسخة". والمثبت من المصادر الثلاثة الذين أخرجوا الحديث.
(٤) أخرجه البخاري (٥٨٧٣، ٥٨٧٥)، ومسلم (٢٠٩٢).
(٥) برقم (٨٣).
(٦) (٨/ ١٩٥).
(٧) أخرجه البخاري (٥٨٦٨)، ومسلم (٢٠٩٣).
(**) فرواه: "نسخة".
2 / 653
النَّاسَ اصْطَنَعُوا الخَوَاتِيمَ مِنْ وَرِقٍ وَلَبِسُوهَا، فَطَرَحَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَطَرَحَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ».
والصواب: القول الأول، فإن لبس النبي ﷺ للخاتم إِنَّمَا كان في الأصل لأجل مصلحة ختم الكتب التي يرسلها إِلَى الملوك، ثم استدام لبسه، ولبسهُ أصحابه معه، ولم ينكره عليهم، بل أقرهم عليه، فدل ذلك عَلَى إباحته المجردة.
فأما ما جاء في حديث الزهري عن أنس "أن النبي ﷺ لَبِسَهُ يَوْمًا وَاحِدًا ثُمَّ أَلْقَاهُ". فقد أجيب عنه بثلاثة أجوبة:
أحدها: أنَّه وهم من الزهري وسهو جرى عَلَى لسانه بلفظ الوَرِق، وإنَّما الَّذِي لبسه يومًا ثم ألقاه كان من ذهب، كما ثبت ذلك من غير وجه من حديث ابن عمر وأنس أيضًا، وسنذكره إِنَّ شاء الله تعالى. ويدل عَلَى هذا إخبار ابن عمر أن النبي ﷺ لبسه وكان في يده، وكذلك أنس، وإنَّما نُسبَ السهو إِلَى الزهري هاهنا؛ لأنّه رواه عنه كذلك يونس بن يزيد، وإبراهيم بن سعد، وزياد بن سعد، وشعيب، وابن هشام، وكلهم قالوا: من وَرِق.
قلت: رُوي عن زياد بن سعد وعبد الرحمن بن خالد بلفظة: "من ذهب"، وسنذكره.
الثاني: أن الخاتم الَّذِي رمى به النبي ﷺ لم يكن كله من فضة، وإنَّما كان (من حديد) (*) عليه فضة، وهذا الجواب ظاهر ما ذكره أحمد في رواية أبي طالب "كان للنبي ﷺ خاتم من حديد عليه فضة فرمى به، فلا يصلى في الحديد والصُّفر". وهذا الَّذِي قاله أحمد من خاتم الحديد. قد رواه أبو داود (١) والنسائي (٢) من حديث إياس بن الحارث بن
_________
(*) حديدًا: "نسخة".
(١) برقم (٤٢٢٤).
(٢) برقم (٥٢٢٠).
2 / 654
معيقيب ﴿عن جده﴾ (١) وكان عَلَى خاتم النبي ﷺ قال: «كَانَ خَتمُ النَّبِيِّ ﷺ مِنْ حَدِيدٍ مَلْوِيٌّ عَلَيْهِ بِفِضَّةٌ».
إياس لم يرو عنه إلا نوح بن ربيعة، فلعل هذا هو الَّذِي لبسه يومًا واحدًا ثم طرحه كما قال أحمد، ولعله هو الَّذِي كان يختم به ولا يلبسه، كما جاء في حديث ابن عمر الَّذِي رواه الترمذي في "شمائله" إِن ثبت.
وروى أبو جعفر بن جرير فى "أسماء من روى عن النبي ﷺ من القبائل" حدثنا عمر بن شبة، ثنا أحمد ثنا إسحاق بن سعيد بن عمرو بن سعيد القرشي عن أبيه سعيد بن عمرو، عن خالد بن سعيد أنَّه "أَتَى النَّبِيَّ ﷺ وَفِي يَدِهِ خَاتَمٌ فَقَالَ: مَا هَذَا الْخَاتَمُ في يدك يا خالد؟ قال: خاتم من حديد.
قال: اطرحه إليَّ فإذا بخاتم من حديد قد لوي عليه فضة. فقال: ما نقشه؟ قال: محمد رسول الله ﷺ فأخذه النبي ﷺ، فتختم حتى مات" (٢).
الثالث: إِن طرحه إِنَّمَا كان لئلا يظن أنَّه سنة مسنونة، فإنهم اتخذوا الخواتيم لما رأوه قد لبسه، فتبين بطرحه أنَّه ليس بمشروع ولا سنة، وبقي أصل الجواز بلبسه.
وقد أجيب أيضًا عنه بأن طرحه كان زجرًا للناس عند اصطناعهم الخواتيم، لئلا يتشبه المفضول بالفاضل والرعية بالإمام، ولكن هذا يعود إِلَى كراهة لبسه لغير الإمام ..
وأجيب أيضًا بأن طرحه كان بسبب نقش الناس عَلَى نقشه، لنهيه عن ذلك. وعلى هذا فلا يلزم من طرحه ذلك اليوم استدامة طرحه، فإن هذا مخالف للأحاديث المستفيضة.
وروى ثمامة عن أنس قال: كان خاتم النبي ﷺ من فضة وفصه منه
_________
(١) سقط من الناسخ فالحديث من رواية الحارت بن معيقيب عن جده معيقيب.
(٢) وأخرجه الطبراني في الكبير (٤/ ٤١١٨)، والحاكم (٣/ ٢٧٩) من طريق إسحاق بن سعيد به وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وذكره الهيثمي في المجمع (٥/ ١٥٢) وقال: رواه الطبراني وفيه: يحيى بن عبد أحمد الحماني وهو ضعيف.
2 / 655
نقشه ثلاثة أسطر: سطر محمد، وسطر رسول، وسطر الله، وكان في يد رسول الله ﷺ حتى قبض وفي يد أبي بكر وفي يد عمر، وفي يد عثمان، فبينا هو قاعد عَلَى بئر أريس إذ سقط منه في البئر، فنزح ماه البئر فلم يقدر عليه. وفي رواية (١): "وفي يد عثمان ست سنين". وأصله في البخاري (٢).
وقد جاء حديث مبين فيه سبب طرحه.
قال المروذي في كتاب "الورع" (٣): قرأت عَلَى أبي عبد الله ثنا عثمان بن عمر، ثنا مالك بن مغول، عن سليمان الشيباني، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: "اتخذ رسول الله ﷺ خاتمًا فلبسه فَقَالَ: شغلني هذا عنكم منذ اليوم، إِلَيْهِ نظرة وإليكم نظرة، ثم رمى به".
ورواه ابن عدي (٤) من جهة عن عبد الله بن محمد بن المغيرة عن مالك بن مغول في جملة أحاديث، وقال: هذه الأحاديث عن مالك عامتها مما لا يتابع عليه، ﴿وعبد الله محمد بن المغيرة﴾ (٥) مع ضعفه يكتب حديثه.
قلت: هذا قد توبع عليه إلا أن ابن المغيرة خالف في إسناده.
وأما حديث بريدة الَّذِي فيه: "اتخذه من فضة". فسنذكره إِن شاء الله تعالى، ونبين ضعفه، وأن أحمد استنكره، ولو ثبت لم يكن حجة، فإنَّه لما نهاه عن خاتم الذهب والحديد سأله مما أتخذه؟ قال: اتخذ من فضة. فلم يأمره أمر ندب، وإنَّما هو أمر إرشاد إِلَى ما يتخذ منه خاتمه. وأيضًا فهو من جنس الأمر بعد الحظر، فإنَّه لما نهاه عن الخاتم من نوعين فرآه عليه منهما، فنهاه عنهما، وامره به من نوع ثالث.
وأما حديث "أمرت بالخاتم والنعلين" فلا يثبت فإن عمر بن هارون
_________
(١) أخرجها ابن أبي عاصم في "السنة" (١١٤٤).
(٢) برقم (٥٨٧٨ - ٥٨٧٩).
(٣) برقم (٢٨٥)، وأخرجه النسائي (٨/ ١٩٤)، وفي "الكبرى" (٩٥٤٣)، وأحمد (١/ ٣٢٢).
(٤) في الكامل (٤/ ٢١٩) من حديث ابن عمر.
(٥) في الثلاث نسخ الخطية: "محمد بن المغيرة" والصواب ما أثبته. وقد ذكره ابن رجب في إسناد ابن عدي عَلَى الصواب وانظر الكامل لابن عدي (٤/ ٢١٧ - ٢٢٠).
2 / 656
راوية متروك.
وحديث أنس في تفسير قوله تعالى: ﴿خُذُوا زِينَتَكُمْ﴾ باطل، فإن نعيم ابن سالم أحاديثه منكرة.
وأما حديث النهي عن الخاتم إلا لذي سلطان (١) فذكر بعض أصحابنا أن أحمد ضعفه، وأشار إِلَى ما رواه الأثرم عن أحمد أنَّه سئل عن الخاتم أيجوز لبسه؟ فَقَالَ: إِنَّمَا هو شيء يرونه أهل الشام -يعني: الكراهية.
قال: وقد تختم قوم. قال: وحدثنا أبو عبد الله بحديث أبي ريحانه عن النبي ﷺ أنَّه كره عشر خلال وفيها الخاتم إلا لذي سلطان، فلما بلغ هذا الموضع تبسم كالمعجب (٢)، قال: وإن صح حمل عَلَى كراهة التنزيه لمن اتخذه لمجرد غرض التزين به، وهذا إِنَّمَا يصح إذا لم يكره التنزين به للسلطان وكره لغيره.
فصل: [في أنواع الخاتم]
والخاتم يكون تارة من فضة، وتارة من ذهب، وتارة من حديد أو صفر أو رصاص ونحوها، وتارة من عقيق، فأما الفضة فهو الَّذِي تقدم ذكره، وأما خاتم الذهب فالمذهبُ تحريمه.
قال عبد الله (٣): سألت أبي عن حديث النبي ﷺ أنَّه نهى عن لبس الذهب إلا مقطعًا (٤)، قال: الشيء اليسير الصغير. قلت: فالخاتم؟
قال: روي عن النبي ﷺ أنَّه نهى عن خاتم الذهب وهو قول الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأبي حنيفة وأكثر العلماء.
ورخصت فيه طائفة منهم: إسحاق بن راهويه وقال: مات خمسة من
_________
(١) سبق تخريجه.
(٢) في النسخة الثانية في هذا الموضع: "ثم قال أهل الشام".
(٣) في "مسائله" لأبيه (١٦١٩).
(٤) أخرجه أحمد (٤/ ٩٢)، وأبو داود (٤٢٣٩)، والنسائي (٥١٦٤، ٥١٦٦)، وفي الكبرى (٩٤٥٢)، من حديث معاوية بن أبي سفيان.
2 / 657
أصحاب النبي ﷺ خواتيهم من ذهب.
قال مصعب بن سعد: رأيت عَلَى طلحة وسعد وصهيب خواتيم من ذهب (١).
وعن حمزة بن أبي أسيد والزبير بن المنذر بن أبي أسيد أنهما نزعا من يد أبي أسيد خاتمًا من ذهب حين مات، وكان بدريًّا (٢). رواهما البخاري في "تاريخه" وذكر في "صحيحه" (٣) عن علقمة قال: جاء خباب بن الأرت إلي ابن مسعود وعليه خاتم من ذهب فَقَالَ: ألم يأن لهذا الخاتم أن يُلقى؟ قال: أما إنك لن تراه عَلَيَّ بعد اليوم فألقاه.
وروى حرب الكرماني بإسناده عن سماك قال: رأيت عَلَى جابر بن سمرة خاتمًا من ذهب.
واحتج من أباحه بما رواه النسائي (٤) عن سعيد بن المسيب قال: قال عمر لصهيب: ما لي أرى عليك خاتم الذهب؛ فَقَالَ: قد رآه من هو خيرٌ منك فلم يعيبه. قال: من هو؟ قال: رسول الله ﷺ.
وفي مسند الإمام أحمد (٥) عن محمد بن مالك قال: رَأَيْتُ عَلَى الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ، فكان الناس يَقُولُونَ له: لم تختم بالذهب وقد نهى عنه النبي ﷺ؟ فَقَالَ البراء: "بينا نحن عند رسول الله ﷺ وبين يدية غنيمة يغسمها سبي وخُرثي (٦) قال: فقسمها حتى بقي هذا الخاتم، فرفع طرفه فنظر إِلَى أصحابة ثم خفض ثم رفع طرفه فنظر إليهم، ثم قال: أي براء! فجئته حتى. قعدت بين يديه، فأخذ الخاتم فقبض عَلَى كرسوعي (٧) ثم قال: خذ البس ما كساك الله ورسوله، قال: فكان البراء يقول: فكيف (تأمروني) (*) أن أضع ما قال رسول الله ﷺ: "البس ما كساك الله ورسوله".
_________
(١) أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" برقم (١٥١٤).
(٢) أخرجه البخاري في "تاريخه" أيضًا برقم (١٣٦٢).
(٣) برقم (٤٣٩١).
(٤) برقم (٥١٧٨)، وفي الكبرى (٩٤٦٥).
(٥) (٤/ ٢٩٤).
(٦) الخرثي: أثاث البيت ومتاعه "نهاية".
(٧) الكرسوع: طرف رأس الزند مما يلي الخنصر "نهاية".
(*) تأمرني: "نسخة".
2 / 658
وروى وكيع بإسناده أن عمر رأى عَلَى رجل خاتمًا من حديد فَقَالَ: ألا اتخذت خاتمًا من ذهب أو فضة؟
والصحيح التحريم فقد ثبت في الصحيحين (١) عن البراء بن عازب قال: "نَهَانَا رَسولُ اللهِ ﷺ عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ، وعَنْ آنِيَةِ الفِضَّةِ".
وفيهما (٢) عن أبي هريرة عن النبي ﷺ "أنَّه نهى عن خاتم الذهب".
وفيهما (٣) أيضًا عن ابن عمر "أن النبي ﷺ اتَّخَذَ خاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ فَجعلَهُ فِي يَمِينِهِ، وجَعَلَ فَصُّهُ مِمَّا يَلِي بَاطِنَ كَفِّهِ، فَاتَّخَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَ الذَّهَبِ، قَالَ: فَصَعِدَ رَسُولُ اللهِ ﷺ الْمِنْبَرَ فَأَلْقَاهُ، وَنَهَى عَنِ التَّخَتُّمِ بِالذَّهَبِ".
وروى ابن جريج عن زياد بن سعد، عن الزهري، عن أنس "أنَّه رأى في يد النبي ﷺ خاتمًا من ذهب، فاضطرب الناس الخواتيم، فرمى به النبي وقال: لا ألبسه أبدًا" (٤).
وخرّجه ابن أبي عاصم من طريق الليث، عن عبد الرحمن بن خالد عن الزهري بنحوه.
وفي صحيح مسلم (٥) عن علي ﵁ قال: "نَهَانِي رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنِ التَّخَتُّمِ بِالذَّهَبِ".
_________
(١) أخرجه البخاري (٥٨٦٣)، ومسلم (٢٠٦٦).
(٢) أخرجه البخاري (٥٨٦٤)، ومسلم (٢٠٨٩).
(٣) أخرجه البخاري (٥٨٦٥)، مسلم (٢٠٩١).
(٤) أخرجه البخاري (٥٨٦٨)، من طريق يونس عن ابن شهاب عن أنس نحوه وقال: تابعه إبراهيم بن سعد، وزياد، وشعيب، عن الزهري .. إلخ.
وأخرجه مسلم (٢٠٩٣)، من طريق ابن جريج به، ولفظه: "ثم إِنَّ الناس اضطربوا الخواتم ... ".
(٥) برقم (٢٠٧٨).
2 / 659
ولأحمد (١) وأبي داود (٢) من حديث ابن مسعود عن النبي ﷺ "أنَّه نهى عن خاتم الذهب".
وفي "المسند" (٣) وكتاب الترمذي (٤) عن عمران بن حصين قال: "نهى رسول الله ﷺ عن التختم بالذهب". وقال الترمذي حسن صحيح.
وفي كتب السنن (٥) عن معاوية "أن النبي ﷺ نهى عن خاتم الذهب، وقد طرحه رسول الله ﷺ".
وفي صحيح مسلم (٦) عن ابن عباس "أَنَّ رسول الله ﷺ رَأَى خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ فِي يَدِ رَجُلٍ فَنَزَعَهُ فَطَرَحَهُ فَقَالَ: يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ إِلَى جَمْرَةٍ مِنْ نَارٍ فَيَجْعَلُهَا فِي يَدِهِ. فَقِيلَ لِلرَّجُلِ بَعْدَمَا ذَهَبَ رسول الله ﷺ: خُذْ خَاتَمَكَ فَانْتَفِعْ بِهِ. قَالَ: لَا وَاللَّهِ لَا آخُذُهُ أَبَدًا وَقَدْ طَرَحَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ".
وفي "المسند" (٧) عن عمار بن أبي عمار عن عمر "أن النبي ﷺ رأى في يد رجل خاتمًا من ذهب فَقَالَ: ألق ذا. فألقاه ثم تختم بخاتم من حديد. فَقَالَ: هذا شر منه فتختم بخاتم من فضة فسكت عنه".
وفي "المسند" (٨) أيضًا من حديث ابن أبي مليكة عن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ "أَنه لبس خَاتمًا من ذهب فَنظر إِلَيْهِ رَسُول الله ﷺ فَكَأَنَّهُ كرهه وَطرحه، ثمَّ لبس خَاتمًا من حَدِيد فَقَالَ: هَذَا أَخبث وأخبث. فطرحه، ثمَّ لبس
_________
(١) (١/ ٣٩٢).
(٢) برقم (٤٢٢٢).
(٣) برقم (٤/ ٤٤٣).
(٤) برقم (١٧٣٨).
(٥) أخرجه أبو داود (٤٢٣٩)، والنسائي (٥١٦٥)، وفي الكبرى (٩٤٥٢) من طريق أبي قلابة عن معاوية بن أبي سفيان به. وقال أبو داود: أبو قلابة لم يلق معاوية.
(٦) برقم (٢٠٩٠).
(٧) (١/ ٢١). قال الهيثمي في المجمع (٥/ ١٥١) رواه أحمد، رجاله رجال الصحيح، إلا أن عمار بن أبي عمار لم يسمع من عمر.
(٨) (٢/ ٢١١).
2 / 660
خاتمًا من ورق فسكت عنه".
وروى الدارقطني (١) من طريق عطاء بن يزيد عن أبي ثعلبة الخشني أن النبي ﷺ رأى في يده خاتمًا من ذهب فقرعه بقضيب، فلما غفل النببي ﷺ ألقاه فنظر النبي ﷺ -فلم يره- فَقَالَ: "ما أرأنا إلا قد أوجعناك وأغرمناك".
وقد رواه النعمان بن راشد عن الزهري عن عطاء هكذا، والحفاظ من أصحاب الزهري رووه عن الزهري عن أبي إدريس "أن رجلًا من أصحاب النبي ﷺ لبس خاتمًا" وهو صحيح.
وروى أبو داود (٢) من حديث عائشة قالت: "قدمت علي النبي ﷺ من عنده النجاشي حلبة أهداها له، فيها خاتم من ذهب، فيه فص حبشي، قال: فأخذه رسول الله ﷺ بعود معرضًا عنه أو ببعض أصابعه، ثم دعا أمامة بنت أبي العاص ابنة ابنته زينب فقال: تحلي بهذا يا بنية" وسيأتى من حديث بريدة وأبي سعيد نحو ذلك.
وروى عقيل ويونس عن الزهري عن أبي إدريس الخولاني عن رجل أدرك النبي ﷺ "أن النبي ﷺ رأي في يد رجل خاتمًا من ذهب فضرب أصبعه حتى رمى به".
ذكره الدارقطني في علله. وقال: رواه يونس بن الوليد وعبد العزيز ابن أبي سلمة عن إبراهيم بن سعد عن الزهري عن أنس، وليس بمحفوظ،
_________
(١) ذكره في العلل (٦/ ٣١٩) برقم (١١٦٥) وقد سئل عنه، فَقَالَ: يرويه الزهري عن عطاء ابن يزيد واختلف عنه، فرواه النعمان بن راشد عن الزهري عن عطاه بن سيد عن أبى ثعلبة.
ورواه عبد العزيز بن أبي سلمة العمري وبشر بن الوليد عن إبراهيم بن سعد عن الزهري عن أنس، ووهما فيه.
وغيرهما يرويه عن إبراهيم بن سعد عن الزهري مرسلًا.
ورواه الحفاظ من أصحاب الزهري عنه عن أبي إدريس الخولاني أن رجلًا من أصحاب النبي ﷺ لبس خاتمًا، وهو صحيح.
(٢) برقم (٤٢٣٤).
2 / 661
والصحيح الأول. وهكذا رواه أبو يعلي الموصلي عن بشر بن الوليد -أعني- عن أنس.
وهذه نصوص خاصة في خاتم الذهب مع النصوص العامة في ذلك كما في السنن (١) عن أبي موسى أن النَّبِيَّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ فِي الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ: "هَذَانَ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي حِلٌ لِإِنَاثِهِمْ".
وهذه الأحاديث أصح من أحاديث الرخصة وأكثر، فيحمل ما ورد في الرخصة إِن ثبت عَلَى أنَّه كان قبل النهي، ثم نسخ بهذه الأحاديث الصحيحة.
وهذا متعين فإنا نتيقن أن لبس الذهب كان مباحًا حين لبسه ﷺ ثم حرم بنهيه عنه بعد لبسه، والأصل بقاء التحريم وعدم تغيره ويحمل فعل من لبسه من الصحابة عدي أنَّه لم يبلغهم الناسخ.
فصل: [في حكم اتخاذ خاتم الذهب والحديد والصفر النحاس]
لو اتخذ الرجل خاتم ذهب ونحوه مما لا يستبيح لبسه فإن كان لإمائه أو لإعارته، وإن كان نيته لبسه لم يجز، وإن كان له نية وحيث قيل بجوازه، فلا زكاة فيه عندنا. وحكى أبو الحسن التميمي في وجوب الزكاة فيه روايتين، ونزلهما ابن عقيل عَلَى اختلاف النية.
وأما خاتم الحديد والصفر والنحاس فالمذهب كراهته للرجال والنساء.
قال مهنا: سألت أحمد عن خاتم الحديد، فَقَالَ: أكرهه هو حلية أهل النار، قلت: الشبه (٢)، قال لم يكن خواتيم الناس إلا فضة ونهى عن لبسه في رواية جماعة من أصحابه، وعن الصلاة فيه في رواية أخرى.
_________
(١) أخرجه الترمذي (١٧٢٠)، والنسائي (٥١٦٣)، والبيهقي في الكبير (٣/ ٢٧٥) بلفظ "حرم لباس الحرير والذهب عَلَى ذكور أمتي وأحل لإناثها". واللفظ للترمذي وقال في آخره: وفي الباب عن عمر وعلي وعقبة بن عامر وأنس وحذيفة وأم هانئ وعبد الله بن عمر وعمران بن حصين وعبد الله بن الزبير وجابر وأبي ريحان وابن عمرو وواثلة بن الأسقع، وحديت أبي موسى حديث حسن صحيح.
(٢) هو ضرب من النحاس.
2 / 662
وقال في رواية أبي طالب وسأله عن الحديد والصفر والرصاص تكرهه؟ فَقَالَ: أما الحديد والصفر فنعم، وأما الرصاص فليس أعلم فيه شيئًا، وله رائحة إذا كان في اليد، كأنه كرهه.
وقال الأثرم: قلت لأبي عبد الله: خاتم الحديد ما ترى فيه؟ فذكر حديث عمرو بن شعيب (١) "أن النبي ﷺ قال لرجل: "هذه حلية أهل النار".
قال: وابن مسعود لبسه وابن عمر. قال: ما طهرت كف فيها خاتم حديد.
قال أبو عبد الله: اختلفوا فيه، وقال في رواية يوسف بن موسى وإسحاق وقد سئل عن التختم بالحديد قال لا تلبسه. وكذلك (كره) (*) مالك وأبو حنيفة خاتم الحديد. والصفر والرصاص.
وروينا عن عبد الله بن مسلم، عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: "جاء رجل إِلَى النبي ﷺ ﷺ وعليه خاتم من حديد فَقَالَ: ما لي أرى عليك حلية أهل النار، ثم جاءه وعليه خاتم من صفر، فَقَالَ: ما لي أجد منك ريح الأصنام، ثم أتاه وعليه خاتم من ذهب فَقَالَ: ما لي أرى عليك حلية أهل النار، قال: من أي شيء أتخذه؟ قال: من ورق ولا تتمة مثقالًا.
أخرجه الإمام أحمد (٢) والنسائي (٣) والترمذي (٤)، وهذا لفظه وقال: حديث غريب.
_________
(١) أخرجه أحمد (٢/ ١٦٣).
(*) في النسخ الثلاث "كرهه" وما أثبته أنسب للسياق.
(٢) (٥/ ٣٥٩).
(٣) برقم (٥٢١٠).
(٤) برقم (١٧٨٥).
2 / 663
وقد سأل المروذي أبا عبد الله عن عبد الله بن مسلم هذا، فَقَالَ: لا أعرفه. وقال أحمد في موضع آخر: هو حديث منكر.
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده "أن النبي ﷺ رأى عَلَى بعض أصحابه خاتمًا من ذهب فأعرض عنه فألقاه واتخذ خاتمًا من حديد، وقال: هذا شر، هذا حلية أهل النار فألقاه واتخذ خاتمًا من ورق فسكت عنه".
رواه الإمام أحمد في المسند (١)، واحتج به في رواية الأثرم، ورواه الأثرم مختصرًا ولفظه "أن النبي ﷺ نهى عن خاتم الذهب وعن خاتم الحديد".
وروى أبو نعيم (٢) من طريق المثني بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو "أن رجلًا أتى النبي ﷺ وعليه خاتم من ذهب فأعرض عنه، فانطلق الرجل فنزعه ثم لب خاتمًا من حديد ثم أتاه، فنظر إِلَيْهِ فقال: هذا لباس أهل النار، ثم أتاه قد لبس خاتمًا من فضة فلم ينكر ذلك ولم يُعرض عنه".
وقد سبق عن عمر بن الخطاب مرفوعًا نحوه من المسند أيضًا، وفيه عن أبي هريرة خرجه الطحاوي (٣). وقد روي من حديث جابر (٤) أن النبي ﷺ رأى عَلَى رجل خاتمًا من حديد فَقَالَ: "مالي أرى عليك حلية أهل النار؟ " ثم ذكر نحوًا مما تقدم. وفي إسناده عبد الله بن شبيب متروك.
ويروى أيضًا من طريق بحر بن كثير (٥)، عن أبي الزبير عن جابر وبحر ليس بثقة.
_________
(١) (٢/ ١٦٣).
(٢) في "الحلية" (٨/ ٣٢٣).
(٣) في شرح معاني الآثار (٤/ ٢٦١).
(٤) أخرجه ابن الجوزي في العلل المتناهية (٢/ ٢٠٦) وقال: هذا حديث لا يصح. قال ابن عدي. حدث عبد الله بن شبيب بمناكير.
(٥) أخرجه ابن عدي في "الكامل" (٢/ ٥١ - ٥٢). وقال ابن عدي: ولبحر السقاء غير ما ذكرت من الحديث، وكل روايته مضطربة، ويخالف الناس في أسانيدها ومتونها، والضعف عَلَى حديثه بَيِّنَ.
2 / 664
وروى الرافعي بسنده من حديث عباد بن كثير عن شميسة بنت نبهان، عن مولاهم مسلم بن عبد الرحمن، قال: رأيت رسول الله ﷺ يبايع الناس عام الفتح عَلَى الصفا، وقد جاءه رجل عليه خاتم حديد، فَقَالَ: "ما طهر الله يدًا فيها خاتم الحديد".
وروينا في فوائد القاضي أبي بكر المنائحي، أنا أحمد بن جعفر الجمال، ثنا محمد بن حميد، ثنا هارون بن المغيرة، عن عمرو بن أبي قيس، عن الأعمش، عن أنس "أن النبي ﷺ نهى عن خاتم الحديد".
قال أبو طالب: سئل أحمد عن الرجل في يده خاتم من حديد أو صفر أو رصاص. قال: الحديد كان للنبي ﷺ خاتم من حديد عليه فضة فرمى به، فلا يُصلي في الحديد والصفر.
ورأى ابن مسعود مع رجل صفرًا، فَقَالَ: رائحة الأصنام.
وفي "مسند يعقوب بن شيبة"، ثنا يعلى بن عبيد، ومحاضر بن المورع قالا: ثنا الأعمش، عن إبراهيم، قال: أخبرني من رأى في يد عبد الله خاتمًا من حديد، وكان النخعي في يده خاتم من حديد.
ويشهد لهذا ما رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (١) من حديث المطعم ابن المقدام العجلي عن أبي سورة بن أخي أبي أيوب، عن عبد الله بن عمر قال: مر النبي ﷺ بصنم من نحاس، فضرب ظهره بظهر كفه، ثم قال: "خاب وخسر من عبدك من دون الله". ثم أتى النبي ﷺ جبريلُ ومعه ملك فَتَنحَّى المَلَكُ، فَقَالَ النبي ﷺ: "ما شأنه تنحى؟ " فَقَالَ: "إنه وجد منك ريح نحاس وإنَّا لا نستطيع ريحَ النُّحاس".
_________
(١) برقم (٣٨٨٢) وقال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن المطعم بن المقدام إلا يزيد بن يوسف، تفرد به مروان بن محمد.
وقال الهيثمي في المجمع (٥/ ١٧٤): وفيه يزيد بن يوسف الصنعاني ضعفه ابن معين وغيره، وهو متروك، وأثنى عليه أبو مسهر، و(أبو سبرة) (*) قال الذهبي: لا يعرف، وبقية رجاله ثقات.
_________
(*) كذا في المجمع والصواب أبو سورة، وهو أبو سورة الأنصاري ابن أخي أبي أيوب، قال الحافظ في التقريب: ضعيف، من الثالثة.
2 / 665
لكن أبو سورة قد ضعف.
وكذلك جاءت آثار عن الصحابة في كراهة الوضوء من آنية النحاس والصفر لأجل ريحه.
وقد ذكر أبو الحسن الزاغوني في "الفتاوى الرحبيات" أن النهي عن خاتم الحديد ونحوه لأجل الشرك. وذكر أن النبي ﷺ قال: "من علق عليه تميمة أو حديدة فقد أشرك بالله" (١).
قال: ووجه أنَّه شرك. أن النساء والجهال يتخذون الدملوج الحديد ليدفع به شر الجن، ويتخذون الخاتم الحديد ليطرد عنهم الفزع.
وقد روى أبو الشيخ الأصفهاني بإسناده عن عمر "أنَّه كتب إِلَى أمراء الأجناد أن اختموا أعناق أهل الذمة بالرصاص".
وهذا يقتضي ذم التختم به، ولهذا قاله الفقهاء في أهل الذمة: إنهم يميزون في الحمام بخاتم حديد في رقابهم. ثم هذه الكراهة كراهة تنزيه عند أكثر الأصحاب.
وظاهر كلام ابن أبي موسى تحريمه عَلَى الرجال والنساء.
وحكي عن أبي بكر عبد العزيز: أن من صلى وفي يده خاتم حديد أو صفر أعاد الصلاة.
وقال أحمد في رواية علي بن زكريا التمار، وقد سئل عن رجل يلبس الخاتم الحديد فيصلي فيه؟ قال: لا.
وقال في رواية أبي طالب، وقد سئل عن رجل في يده خاتم من حديد أو صفر أو رصاص، فَقَالَ: الحديد "كان للنبي ﷺ خاتم من حديد عليه فضة، فرمى به فلا يصلى في الحديد والصفر". وفي كلام أحمد إيماء إِلَيْهِ.
_________
(١) أخرجه أحمد (٤/ ١٥٦) من حديث عقبة بن عامر الجهني، ولم يذكر "أو حديدة".
قال الهيثمي في المجمع (٥/ ١٠٣). رواه أحمد والطبراني، ورجال أحمد ثقات.
2 / 666
قال في رواية إسحاق وقد قِيلَ لَهُ: تكره الخاتم من ذهب أو حديد؟ قال: إي والله والحديد يكره، فسوى بينه وبين الذهب في الكراهة، ثم أفرده بكراهة زائدة.
وظاهر الأحاديث السابقة يدل عَلَى ذلك، والصحيح عدم التحريم، فإن الأحاديث فيه لا تخلوا عن مقال، وقد عارضها ما هو أثبت منها كالحديث الَّذِي في الصحيحين (١) أن النبي ﷺ قال لخاطب المرأة التي عرضت نفسها عليه: "التمس ولو خاتمًا من حديد".
وروى النسائي (٢) من حديث أبي سعيد الخدري أن رجلًا أقبل إِلَى النبي ﷺ فسلم، فلم يرد عليه، وكان في يده خاتم ذهب وجبة حرير، فألقاهما ثم سلم عليه، فرد ﵇ وقال: "إنه كان في يدك جمرة من نار". قال: فماذا أتختم؟ قال: حلقة من حديد أو ورق أو صفر.
وقد تقدم حديث معيقيب أن خاتم النبي ﷺ كان من حديد يلوى عليه بفضة، ولكن الإمام أحمد احتج به عَلَى الكراهة لأنّه ذكر أنَّه رماه كذلك.
[حكم خاتم العقيق]
وأما خاتم العقيق فَقَالَ بعض أصحابنا يستحب مع قولهم أن خاتم الفضة مباح ليس بمستحب، ولعلهم أسندوا إِلَى الأحاديث المروية في الأمر به، والأمر أقل درجاته الاستحباب، وظاهر كلام أكثر الأصحاب خلاف ذلك، وهذا ظاهر كلام أحمد في رواية مهنا، وقد سأله ما السنة -يعني في التختم-؟
قال: لم تكن خواتيم القوم إلا فضة.
ونحن نذكر أحاديث التختم بالعقيق ونبين حالها
روى حسين بن إبراهيم البابي عن حميد عن أنس، عن النبي ﷺ أنَّه قال: تختموا بالعقيق، واليمين أحق بالزينة" (٣).
_________
(١) أخرجه البخاري (٥١٢٦)، ومسلم (١٤٢٥) بنحوه.
(٢) في "المجتبى" (٨/ ١٧٥)، وفي "الكبرى" (٩٥٣٢). وذكره الهيثمي في المجمع (٥/ ١٥٤) بزيادة في بعض ألفاظه، وقال روى النسائي طرفًا من أوله يسيرًا، ورواه الطبراني في "الأوسط"، وأبو النجيب، وثقه ابن حبان، ثقات.
(٣) أخرجه ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (٢/ ٦٩٣) وقال: قال ابن عدي هذا حديث باطل، والحسين بن إبراهيم مجهول.=
2 / 667