وكأنه ذكر قول رسول الأمم: «إن الذين يموتون بالرب لا ينبغي أن تحزنوا عليهم كالناس الذين لا رجاء لهم.» فصلب ومشى يصلي. ولما توسطنا القرية نتر يده من يدي، وما دريت لماذا حتى مال نظره إلى ردم فيه بهيمة ترعى، فغضب ونادى صاحبها، فأقبل هذا يصفق على فخذيه، وساقها بعد اعتذار طويل، فاغتفر له جدي زلة لم يتعمدها،
ثم أخذ بيدي قائلا: أتعرف اسم قديس هذا الهيكل؟ فقلت: لا. قال: اسمه برصوما، وهذه الخربة أقدم كنائس البلاد، كانت للروم والموارنة والفاصل بينهما حائط.
قلت: مثل بيتنا وبيت عمي. فابتسم للتشبيه وقال: تماما.
قلت: واليوم لماذا لا تكون الكنائس هكذا؟ قال: ما كان الإخوة يتفرقون في الزمان الماضي ما زال البيت واسعا، واليوم يتفرقون عند (البلوغ) راحت الألفة وكثر البغض.
وسألت أيضا كعادتي، فقال: لا تكثر من السؤالات، أنا تعبان والشمس على الغياب.
ومشينا فأسرع نازلا تسوقه الشيخوخة بعصاها، فكان يجاهد نفسه فيبدو نشيطا رغم التسعين. ولما بلغنا (الوطا) انسابت حية فصرخت: حية حية! فوقف مضطربا يهز عصاه، ولما رآها هاربة تبسم ابتسامة غير مشرقة وقال لي: خفت يا صبي. نسيت قول إنجيل اليوم: «ها هو ذا أنا أعطيكم سلطانا أن تدوسوا الحيات والعقارب وكل قوة العدو، فلا يضر بكم شيء».
وطوينا السهل فواجهنا رجل في يده ورقة سوداء الحواشي، فوقف جدي وقال: الله يعطينا خيره. فدنا منه الرجل وقبل يده، ودفع إليه الرسالة، فقرأها وقال: الله يرحمها، كانت امرأة فاضلة، ماتت ليلة عيد شفيعها ودفنها يوم عيده. وأعاد الورقة إلى الرسول فأخذها بعد تقبيل يد الخوري ثانية وراح في طريقه. وأخذنا في العقبة فانقطع الحديث. وبلغنا دير مار عبدا فما رأينا هناك غير خمسة أنفار: جزارين أمامهما الضحايا، ومكارين يحملون الشراب والنقل للعيد.
ودخلنا الكنيسة المهجورة فصلى وصليت وراءه راكعين على الحصى والتراب أكثر من نصف ساعة. قد يكون الوقت أقل وأنا توهمت كذلك؛ لأن زيارة الكنائس والصلوات كانت أتخمتني. وخرجنا فجلسنا في الدهليز على صفة، فتنحنح وقال: ستسمع مني الآن قصتين: قصة الدير وقديسه، وقصة مطران تخفى فيه. فتحركت يمينا وشمالا وأحكمت قعدتي فقال: ما ترك الزمان من هذا الدير الكبير إلا هذا القبو والدهليز والقبو الذي يلاصقه. كان ذلك القبو مقام مار سمعان العامودي عليه السلام، وهذا المكان كان ديرا للراهبات، وبقايا المعاصر والآبار تدل على أنه كان مسكونا، لا مزارا على تلة. كنا نعمل فيه رياضتنا الروحية قبلما فتح لنا الرهبان أبواب الديورة. أما قديس هذا الدير - مار عبدا - ففارسي الأصل من تلامذة يهوذا.
فخفقت برأسي، فاستدرك قائلا: يهوذا الرسول لا يوضاس اللعين. سام الحبر يهوذا مار عبدا أسقفا على مدينة خشكار في بابل. فضحكت لها فقال: ما لك؟! أعجبتك كلمة خشكار؟ قلت: وضحكتني.
فتابع حديثه: وكان مار عبدا كثير الصلاة يشتهي إكليل الشهادة جدا. فقلت: مطران يشتهي إكليل الشهادة يا جدي! أما كان عنده تاج مثل مطاريننا اليوم! فتغاضى عن كلمتي هذه وقال: فسار إلى مدينة (نوا) في تخوم الهند. فهززت رأسي ونفخت فتعبس وزأرني سائلا: ما بك؟ قلت: كيف يذهب مطران ماشيا، ما رأيت مطرانا يمشي، فالمطران ل. جاءنا على حصان أحمر والمط ... فزجرني قائلا: هس يا صبي، سماع. أما عجائب مار عبدا فكثيرة جدا، مر بمدينة ما كان سكانها كفارا فطردوا القديس بالضرب والإهانة.
Bog aan la aqoon