فقال: رموها. ونظر ليرى كيف كان وقع جوابه، فرأى أني غير مطمئن فقال: حقيقة يا مارون، المسألة فيها نظر.
فقلت: اسأل المعلم.
فانتصب أنطون كالمارد ودق على الطاولة، فاستعاذ الخوري بالله واضطرب على كرسيه؛ لأن أسئلة أنطون الغريبة كانت تضعضعه. وطرح أنطون سؤاله فعلا الضحك والضجيج وأخذ الخوري يضرب المنبر ويصيح: كلب تيس، يقصف عمرك. اقعد مطرحك يا بغل.
وأراد الشماس أن يدافع عن قضيته فلم يمهله المعلم الألثغ بل صرخ به: هث، هث، ثد بوزك. وبعد التحقيق الإداري كانت لي الحصة الكبيرة من القصاص وشتمني المدير بيني وبينه وقال لي: حتى على المسيح يا مارون، وقدام تلاميذ من كل الملل والشعوب! هذا المنتظر من تلميذ مار يوحنا مارون؟ هتيكة، عيب. زين اسمك، لئلا يصح فينا وفيك: يا ذلكم يا موارنة إن كان هذا مارونكم.
وخرجت من عنده خزيان، خجلان أدعو على خصلة البدن التي لا يغيرها إلا الكفن.
أما أستاذنا الشيخ سعيد الشرتوني فلم يكن صاحب نكتة، وإن حاولها جاءت باردة. كانت السذاجة تكسو وجه ذلك العملاق، والوقار يسود مجلسه . أحببته كثيرا وأحبني حتى صرنا صديقين لا كلفة بيننا. أسمعته يوما بيتين في هجو لحية معلم لي ختمتها بهذا الشطر: فخري بلحيته فخري بلحيته، فقال: تفخر بلحيته مرتين؟ هذا كثير. أرني كيف كتبتها. فتبسم وقال: التورية مليحة ولكن أيصح فيك: وكم علمته نظم القوافي. لا تغط قلمك في هذه الدواة، وقد فعلت كما قال.
كان أستاذنا عالما كاتبا، اجتهاده يفوق ذكاءه. يريد أن يقول الشعر فيخرجه كالنثر أو أرذل.
كان الشعر فاكهة كل حضرة، وكانت المدرسة تعول على الملاط فيما يلم بها من مناسبات فجائية. فيهدر ذلك الفحل كالبحر الزاخر ويبيض الوجه. وكان زعيم المجددين كما قلنا وأثره واضح في توجيه الأدب لا يجحده إلا كافر. وإن انتقدناه فنقدنا لا يضره، شيئا فالكمال للأب الأزلي شيخ المشايخ.
وكانت المدرسة على عهدنا حزبين: حزب الرئيس الخوربسكبوس بولس الدبس، وحزب المدير الخوري بطرس مبارك - الشماليون حزب الرئيس، والجنوبيون حزب المدير، والحد الفاصل جسر المعاملتين. وانتهت المعركة في آخر السنة الأولى بقصائد هجاء طبعت، أما أنا فما كنت لبولس ولا لافلو بل لله الذي أنبت.
وعدت إلى البيت أطأ الثرى كأسد المتنبي، أمتن على الأرض إن مشيت عليها. أنا تلميذ مدرسة الدبس. يا أرض اشتدي ما أحد قدي.
Bog aan la aqoon