سنتان في مدرسة الحكمة
1905-1906
رأى عيني شاردة، وهو يربأ بالكهنوت أن يهان في الدهر العتيد، فغضب غضبة بينها وبين حسان بن ثابت أقرب النسب. سب - رحمه الله - دين لحيتي سلفا، فعلق على صدري وساما مرصعا يوم كانت تحلم العائلة بالطيب النازل على لحية هارون، وبعودة المجد إلى بيت لاوي، فالكاهن لا يقل شرفا عن الملائكة، أولئك يسبحون الحمل المقتول، وهذا يولم عليه بكرة، ويسبحه عشيا.
أغضبناه - دفأ الله ضريحه - ولم نكن عند ظنه فسب تلك العوسجة قبل أن تنبت. أنذرنا - عظم الله أجره - بالخطر الأشمط، فأدركنا في تلك اللحظة من العمر أننا سننصب هدفا سيارا على صدرنا ترميه ألسنة الغاضبين، وأولهم والدنا الفاضل، كلما أحوجت الضرورة.
إذا كنت ممن سمعوا بخبر التينة التي يبست لساعتها؛ لأن المسيح لعنها، فلا تتعجب. هكذا أصاب لحيتي قبل أن يحبل بها في البطن. والمسيح - لاسمه السجود - وأبي - سامحه الله - استعجلا الشيء قبل أوانه. طلب مني أبي تعفف الكاهن البتول وأنا شرخ كقوم الجنة لم أذق بعد طعم الدنيا وحلاوتها. والسيد - له المجد - عن له التين في غير أبانه فعوقب بحرمانه، وماتت التينة شهيدة مظلومة كما قضى كهنوتي مأسوفا على شبابه الروحي. ما تقول إني فعلت إذ هبت على غابتي هذه العاصفة الهوجاء؟ لا شيء. مر في خاطري أن أرجعها أدراجها فلاحت لعيني الوصية الرابعة، كما ظهرت إشارة الصليب لذلك الملك فانتصر بها، وخفت أن يقصر عمري إذا قلت له: أف، فأحجمت. وكان سكوت عميق شوشه ضحك إخوتي الصغار فهرولت إلى فراشي أبل مخدتي بدموعي حتى تعكرت من الغيظ عيناي كما قال داود. ولو فعلت مثله لقلت هذا جزائي، ولكني لم أزن ولم أقتل. أغضبت والدي نظرة فابتسامة ذقت غبهما شتيمة مبتكرة فعملت بالمثل القائل: نصف الدرب ولا كلها.
يا لك ليلة لم أنم فيها، ومن أين يجيئني النوم بعد تلك الإهانة العبقرية التي تضحكني كلما تذكرتها؟ ولكنني لا أجحد يدها البيضاء عندي، وحسبي أنها فتحت لي باب الحبس المؤبد.
وكيف يغفى فتى في عنفوانه وقد أوتر أبوه قوسه ورماه في صميم أمله. وفيما أنا ألتمس فرجا لهذه الأزمة إذا بيد تمتد إلى جبيني فعرفت أنها يد أمي، فتأففت وقلت لها: ما لك وما لي، اتركيني في مصيبتي.
فما نبست - رحمها الله - وسكتنا بضع دقائق كنت أحس فيها أنها تبكي فقلت لها: وأين راح؟
فأجابت كمن تخنقه العبرة: عند بيت عمك.
فارتفع صوتي وقلت بحزم: بشريه، الرجعة لمار يوحنا مارون مستحيلة.
Bog aan la aqoon