Sheekooyinka Mazini
أحاديث المازني
Noocyada
الفصل الثاني والعشرون
كلمة عن الشعر
يقول الشاعر:
الشعب صعب، وطويل سلمه
إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمه
هوت به إلى الحضيض قدمه
فأما أنه صعب فصحيح، ووجه الصعوبة فيما يبدو لي، أن الملكة وحدها لا تكفي، وأنه لا معدى عن الأداة التي يتسنى بها للملكة أن تظهر وتتبدى، ولكل فن أداته، فأداة الموسيقى مثلا الأصوات المؤتلفة أو المتسقة أو المتجاوبة التي تلائم المعاني المقصودة وتصورها في نفس السامع على قر ما يدخل في طاقة الصوت الصرف أن يفعل ذلك، وأداة التصدير الألوان من بسيطة ومركبة أو متزاوجة، وأداة الشعر تأليف الكلام على نحو يفيد القارئ أو السامع معاني الجمال أو الجلال التي يراد العبارة عنها.
وأما أن السلم طويل فأحسب أن المراد به - أو على الأقل ما نفهم نحن في زماننا أنه المراد به - هو اكتساب المرانة والمرونة في الأداء، فإن كل فن - ككل صناعة - تكتسب المرونة فيه على الأيام، ولا يخلو أمره في البداية من بعض العسر، وأذكر أن المرحوم حافظ إبراهيم كان في مجلس شهدته، فأوحي إليه الحديث الدائر معنى ارتجله في بيتين، فقال له بعضهم «ارتجلتها أم كنت نظمتها من قبل؟» فقال حافظ: لي أربعون من السنين وأنا أنظم الشعر فكيف لا أقدر على ارتجال بيتين اثنين؟
وقد كان حافظ شاعرا ليس إلا، ولم يكن ممن يعنون أنفسهم بالبحث، ولكنه أصاب في جوابه، الذي نطق به على البديهة، فإن سهولة النظم أو سهولة الإعراب عما يدور في الذهن أو النفس، من ثمرات المزاولة الطويلة، ولا احتاج إلى أن أقول أن السرعة في النظم لا علاقة لها بجودة المعنى أو سموه، فإن هذا شيء آخر مختلف جدا، وإنما أردت أن أقول أن القدرة على الأداء - سواء أكان المعنى جيدا أم سفسافا - تزداد بطول المرانة حتى ليمكن أن يقال أن الأمر من هذه الناحية يصبح صناعة.
وليست العبرة في حسن الأداء ووفائه بكثرة المحفوظ، وإنما هي بالقدرة على تخير الرموز الدالة على المراد أو في دلالة، وكما أن الغني الواسع الثراء لا يحتاج إلى كلما ماله في مطالب العيش، كذلك لا يحتاج الكثير المحفوظ إلى كل ما حفظ أو عرف، وكل ما تفيده الكثرة هنا هو الخبرة بأساليب التعبير وألوانه، والثقة بالنفس، والاطمئنان إلى توفر المادة، على أنها - أي الكثرة - قد تكون مبعث حيرة؛ أو تغزي بالإسراف والتظاهر والانحراف، فيجني ذلك على الدقة والإحكام، ويشوه جمال المعاني، أو يفقدها جلالها وروعتها، ويصبح الشاعر أو الكاتب أشبه بالمرأة التي تظهر في حفل من الزينة، وتحمل كل ما ملكت يداها من حلي ولو اقتصدت أو آثرت العطل لما كان ذلك ضائرها، ولا كان من شأنه أن يغض من حسنها الطبيعي.
Bog aan la aqoon