Sheekooyinka Mazini
أحاديث المازني
Noocyada
أقدم يا شيخ. أقدم.. أو لم تسمع بقول الشاعر الحكيم «وفاز بالطيبات الفاتك اللهج»..
وهكذا صرت أهيجهما حتى أوسع كل منهما صاحبه عضا ونهشا ولاذ أحدهما بالفرار.. ولكن الغريب أني لم أرد ما يسيل أو يقطر ولم تأخذ عيني تمزيقا في جلد أحد القطين على الرغم من عنف القتال.. فهل كان هذا مزاحا.. ومهما يكن من ذلك فقد استرحت من القطط المتلصصة بعد هذه المعركة ولله الحمد.. وبقيت الفيران قوانا الله عليها إنه سميع مجيب..
الفصل السادس عشر
التنكر
قلت مرة لنفسي: «لماذا لا أخرج للناس متنكرا كما كان يفعل الولاة والسلاطين والخلفاء وفيما تحدثنا الروايات أو الخرافات؟»
وليست لي رعية أتفقدها، ولا لي شعب أتعهد مرافقه ومراشده، ولكن هذا الخاطر استبد بي مع ذلك فلم يسعني إلا أن أجري معه إلى حيث يومئ؛ والتنكر فن، وإتقانه لا يتسنى إلا بالتدرب، ولكن قلت إن الله ركب لي في وجهي عينين أنظر بهما، وعندي مرآة تستطيع أن تريني هل وفقت أو أخفقت، وفي وسعي أن أعيد التجربة مرة وأخرى فلا أبرز للناس إلا وأنا مطمئن القلب.
وقد كان. اشتريت لحية كثة طويلة - شبرا وبعض شبر إذا أردت الدقة - وشاربين وحاجبين، ومسحوقا أبيض أنفضه على شعر رأسي، وشرعت أجرب - أعني ألصق هذه الأشياء بوجهي وعيني على المرآة وكنت أوصد الباب علي، وأنا أفعل ذلك، لأضمن الوحدة، ولأني اعتزمت أن أجعل التجربة الأولى في بيتي. فلما وثقت أني قد أحكمت التنكر، وأني أستطيع أن أقوم وأقعد وأمشي، وأحرك رأسي، وألمس لحيتي، وافتح فمي، وأرفع حاجبي على هيئة المستغرب، وأضحك وآكل وأشرب من غير أن تسقط اللحية أو ينحرب أحد الحاجبين عن قوسه أو يتدلى شارب،على حين يبقى الآخر مفتولا - خرجت على أهلي، وعلى وجهي هذه الأشياء. وفي يدي عصا غليظة أتوكأ عليها وقد تقوست قناتي من الهرم، فلم تكد تقع علي العيون في مدخل الباب حتى صرخت أمي وجدتي وأسرعتا فسترتا وجهيهما عن هذا الشيخ الغريب؛ وكان أخي الصغير معهما فوثب إلى قدميه وصاح بي يسألني أنا من؟ ويأمرني أن أخرج. وينعتني بقلة الحياء وسوء الأدب ويهددني بالشرطة، وأنا أقول له بصوت يرعش من الكبر وما يجره من الضعف «حلمك، حلمك يا بني!» فيأبى أن يكون حليما، ولا يعبأ بشيخوختي، ولا يترفق بوهني البادي، ويدفعني عن الباب فأكاد أسقط على الأرض فإنه صبي قوي، وأنا شيخ هرم أقوم على العصا، فلم تبق لي حيلة إلا الخروج من البيت كما أمر ...
خرجت مطمئنا واثقا؛وإذا كان أخي ابن أمي وأبي - لم يعرفني فكيف يعرفني الإخوان والخلان؟ ومن ذا الذي يمكن أن يفطن إلى أن هذه الغابة التي زرعتها حول وجهي وسترت بها شبابي جليبة؟ وكان انخداع أخي - لا أمي ولا جدتى - هو الذي أراح بالي، ونفى عني الخوف لأن فزعهما واستحياءهما منعاهما أن ينظرا ويحدقا؛ أما أخي فامره مختلف جدا، وقد كان يمسك بكتفي ويهزني ويدفعني ويحقد في وجهي متعجبا لجرأتي منكرا لتطفلي. ومع ذلك لم يعرفني!
ومضيت إلى شارع الدواوين، وكنا - أخواني وأنا - نختلف إلى «قهوة» فيه ، ونقضي هناك بعض الوقت، نشرب «الخشاف» ونتبارى في لعب «الطاولة» ونصغي إلى الفوتغراف وننظر إلى الرائحين والغادين فلقيت في بعض الطريق أحد هؤلاء الإخوان، فوضعت يدي على كتفه وابتسمت له وقلت: «هل تستطيع يا بني أن تدلني على لاظ أو غلي».
فقال: «يظهر أنك لست من أهل الحي؟! هذا هو أمامك مسافة مائة متر لا أكثر».
Bog aan la aqoon