Sheekooyinka Mazini
أحاديث المازني
Noocyada
في هذه الجماعات يكون كل امرئ أشبه بجاره ورفيقه، وتكون حدود الفرد هي حدود التقاليد المشتركة بين الجماعة كلها.
فإذا نشأ فيه الشعر كانت نشأته عملا من أعمال الجماعة كلها وملكا لها لا للفرد، فلا حقوق للتأليف، والشعر أسبق من النثر الفني، وهو يظهر تاليا للرقص والغناء وتابعا لهما ومتفرعا عليهما وغير منفصل منهما.
وأقول أن الشعر يتلو الرقص في الظهور والنشوء لأن الحركة أسبق من اللغة في تاريخ الإنسان، فإن الإنسان استطاع أن يتحرك ويمشي ويقفز ويعدو قبل أن ينطق ويعرف أن له لسانا يمكن أن يكون أداة لإخراج أصوات تنقل الإحساس أو الخاطر إلى زميله. والشعر قوامه الوزن الموسيقي، وليس الوزن إلا انتظام الحركات، فهو أوثق ارتباطا بحركات الجسم ومساوقة لها، ومازالت الإشارات وحركات الوجه من متممات التعبير اللفظي، ولا تنسوا ما قاله بعض علماء العرب من أن بعض علماء العرب من أن بعض أوزان الشعر مستمدة من سير الإبل.
وفي كل جماعة إنسانية بدائية كان الرقص يسبق الشعر، ومتى انتظمت حركات المجتمعين واتسقت على مقتضى العاطفة المشتركة كان من المعقول بعد ذلك أن تخرج الألفاظ مستوية في ترتيبها على وزن هذه الحركات. فأول ما عرف الإنسان من الأدب هو الشعر، وكان الشعر في بدايته عبارة عن لحن موزون يند عن أفواه المجتمعين إذا كان جاريا على ما تتطلبه وتؤدي إليه الحركات التي يشتركون فيها ويؤدونها معا على نسق واحد وعن عاطفة عامة شائعة بينهم على السواء.
وليس من الضرورى أن يكون لهذا اللحن معنى معقول لأن كونه معقولا أو غير معقول مرجعه إلى الفكر والعاطفة أسبق في تاريخ النشوء الإنساني من الفكر ثم يحدث التميز تدريجيا بين أفراد الجماعة ويقوى الشعور بالذات، ويزداد الإحساس بالاستقلال، ويبرز الفرد شيئا فشيئا ويأنس من نفسه ما لا يأنس غيره من نفوسهم فلا يقنع بأن يبقى في حلقة الجماعة يردد ما يقولون، ويندفع مجترئا على التقاليد، ويعلو صوتهم أصواتهم فيروعهم فتخفت أصواتهم قليلا ويستحدث ما لا عهد لهم به، ثم تتوالى الخطوات متتابعة فيتضاءل عمل الجماعة من حيث الاشتراك في التأليف إلى الاقتصار على معاونته بحركاتها للمحافظة على الوزن، على نحو ما نرى الآن في حلقات الذكر وما إليها.
ولا تزال الجماعات تتطور ويختفي أثرها ويظهر الفرد حتى إذا تألفت تأليفا سياسيا ظهر الشاعر الفني المستقل عن الجمهور، وصار أمر الشعر كله إلى الفرد. ثم يظهر النثر الفني بعد ذلك على الأيام.
فالأدب فردي، وقوامه خصائص الفرد، ومواهبه ومبلغ حريته في التعبير عن نفسه. ولا غنى عن شرط الحرية، وإلا ذبل ومات.
ولقد فرضت ألمانيا وإيطاليا في هذا العصر فلسفة معينة على شعبيهما وجعلتا من البلدين ثكنتين، ومن الأمتين جنودا يسير أبناؤهما خطوة واحدة، ويفكرون على نسق واحد، ولا يؤذن لهم في رأي يخالف الرأي المقرر، أو فلسفة تشذ عن الفلسفة المفروضة، فكانت النتيجة أن صارتا دولتين حربيتين، ولكنه لم ينبغ فيهما شاعر واحد من الطبقة الأولى، ولا كاتب عظيم، ولا فيلسوف عبقري. من أمثال الذين نبغوا في العصور السابقة أو في الأمم الأخرى التي ينعم فيها الفرد بحريته الشخصية، ولا يحول فيها حائل دون التعبير الصادق عن النفس.
وما دام أن هذا هكذا فإن من حق الإنسان أن يغتبط إذ يرى لرأيه مخالفين - لا عن تعنت بل عن تفكير وتدبير، ولما كان من المتعذر أن نتبين حقيقة البواعث على المخالفة في كل حال، فيحسن أن نحترمها وندع للناس حقهم فيها لأنها في خير حالاتها مظهر اجتهاد وآية إيثار لحرية الارتياء، ودليل على أن الأمور لا تؤخذ مأخذ التسليم والآراء لا نقبل بغير اقتناع.
هذا بعض ما تعلمته وحذقته ورضوت نفسي عليه من دروس الحياة، وقد كانت التجربة طويلة وشاقة وكثيرة الرجات والصدمات، ولكني غير آسف لأن الثمرة التي خرجت بها تستحق العناء، وحسبي من ذلك سكينة النفس وصحة الإدراك، وعسى أن لا أكون مخدوعا.
Bog aan la aqoon