المجمع العلمي الاسلامي ويعلمهم الكتاب والحكمة أحاديث أم المؤمنين عائشة
Bogga 1
دراسات في الحديث والتاريخ أحاديث أم المؤمنين عائشة الجزء الأول تأليف السيد مرتضى العسكري
Bogga 3
اسم الكتاب: أحاديث أم المؤمنين عائشة. أدوار من حياتها. الجزء الأول المؤلف: العلامة السيد مرتضى العسكري.
الناشر: التوحيد للنشر.
الطبعة والتاريخ: الخامسة، 1414 ه - 1994 م.
الفلم والزنك: تيزهوش.
المطبعة: مطبعة صدر.
عدد النسخ: 3000 نسخة.
Bogga 4
الاهداء بسمه تعالى فقدت زمان طبع هذا الكتاب أولا:
أخي الأكبر العالم الثقة الحاج السيد علي آل شيخ الاسلام.
وبعده: أخي في الله البر الثقة الحاج آغا محمد نجل الفقيه الورع العالم الرباني المجاهد في سبيل الله الحاج آغا حسين الطباطبائي القمي، وإليهما أهدي ثواب هذا الكتاب.
المؤلف
Bogga 5
مقدمة الطبعة الخامسة بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين.
وبعد، مضى على طبعه الكتاب الأولى نيف وثلاثون سنة وكثرت الأخطاء في طبعاتها المتكررة فقام ولدي السيد كاظم العسكري بتصحيح الكتاب وأضفت إليه بحث حكمة تعدد زوجات الرسول صلى الله عليه وآله جوابا على ما تقوله المستشرقون وغيرهم من خصوم الاسلام على رسول الله صلى الله عليه وآله في هذا الامر، جعله الله سبب هداية لمن أراد أن يتذكر، وتقبل أعمالنا، إنه سميع الدعاء المؤلف
Bogga 7
بسمه تعالى العالم المصري الفقيه الشيخ محمود أبو رية. صاحب البحوث الضافية النافعة في الحديث والاجتماع. ولد عام 1889 وتوفي بجيزة القاهرة عام 1970 م.
تحدث عن كتاب أحاديث عائشة في كلمته التالية:
يحسب العامة وأشباه العامة من الذين يزعمون أنهم على شئ من العلم أن التاريخ الاسلامي (وبخاصة في دوره الأول) قد جاء صحيحا لا ريب فيه، وأن رجاله جميعا ثقات لا يكذبون، وهم - من أجل ذلك - يصدقون كل خبر جاء عن هذه الفترة، ويشدون أيديهم على تلك الأحاديث التي شحنت بها الكتب المشهورة في الحديث، تلك التي حملت الطم والرم، والغث والسمين، والصحيح القليل، والموضوع الكثير.
وقد بلغ من ثقتهم بأحاديث هذه الكتب، أن من يشك في حديث منها يعد في رأيهم فاسقا!
وإذا كان الله قد آتاهم عقولا ليفهموا بها، وفهوما يزنون بها، فإنهم يعطلون هذه المواهب استمساكا بالتقليد الأعمى، والتعبد لمن سلف!
وإذا أنت بصرتهم بالحق، وبينت لهم المحجة والواضحة، لووا رؤوسهم، وأصروا على معتقداتهم واستكبروا استكبارا.
وليتك تسلم من ألسنتهم، بل يرمونك بشتائمهم وسبابهم، ويسلقونك بألسنتهم، وقد بلوت ذلك منهم عندما أخرجت كتابي (أضواء على السنة المحمدية) الذي أرخت فيه الحديث، وكشف كيف روي، وما شاب رواياته من الموضوعات، ومتى دون، وما إلى ذلك مما يجب بيانه. فإنهم ما كادوا يقرأونه حتى هبت علي أعاصير الشتائم والسباب من كل ناحية، من مصر
Bogga 9
والحجاز والشام! فلم أبال كل ذلك بل استعذبته لأني على سبيل الحق أسير، فلا يهمني شئ يلاقيني في هذا السبيل مهما كان.
ومن عجيب أمر هؤلاء الذين يقفون في سبيل الحق حتى لا يظهر، ويمنعون ضوء العلم الصحيح أن يبدون، أنهم لا يعلمون مقدار ما يجنون من وراء جمودهم، وأن ضرر هذا الجمود لا يقف عند الجناية على العلم والدين فحسب، بل يمتد إلى ما وراء ذلك.
فإن الناشئين من المسلمين وغير المسلمين الذين بلغوا بدراستهم الجامعية العلمية إلى أنهم لا يفهمون إلا بعقولهم، وما وصلوا إليه بعلمهم، قد انصرفوا عن الاسلام لما بدا لهم على هذه الصورة المشوهة التي عرضها هؤلاء الشيوخ عليهم.
من أجل ذلك كله كان من الواجب الحتم على العلماء المحققين الذين حرروا أعناقهم من أغلال التقليد، وعقولهم من رق التعبد للسلف، أن يشمروا عن سواعد الجد، ويتناولوا تاريخنا بالتمحيص، وأن يخلصوه من شوائب الباطل والعصبيات، ولا يخشون في ذلك لومة لائم.
وإني ليسرني كل السرور أن أشيد بفضل عالم محقق كبير من علماء العراق قد نهض ليؤدي ما عليه نحو الدين والعلم فأخرج للناس كتبا نفيسة كانت كالمرآة الصافية التي يرى فيها المسلمون وغير المسلمين تاريخ الاسلام على أجمل صوره في أول أدواره، ذلكم هو الأستاذ " مرتضى العسكري " فقد أخرج لنا - من قبل - كتاب (عبد الله بن سبأ) أثبت فيه بالأدلة القاطعة، والبراهين الساطعة، أن هذا الاسم لم يكن له وجود، وأن السياسة (لعنها الله) هي التي ابتدعت هذا الاسم لتجعله من أسباب تشويه وجه التاريخ، وبين أن شيخ المؤرخين في نظر العلماء وهو الطبري قد جعل جل اعتماده في تاريخه ورواياته على رجل أجمع الناس على تكذيبه.
ومن الغريب أن جميع المؤرخين الذين جاءوا بعد الطبري قد نقلوا عن ابن جرير كل رواياته بغير تمحيص ولا نقد، وهذا الرجل الكذاب هو: سيف
Bogga 10
ابن عمر التيمي.
وأردف العلامة المؤلف هذا الكتاب النفيس بكتاب آخر أكثر منه نفاسة هو كتاب (أحاديث عائشة) وقد تناول في هذا الكتاب تاريخ هذه السيدة لا كما جاء من ناحية السياسة والهوى والعصبية، ولكن من أفق الحقيقة التي لا ريب فيها، وكتبه بقلم نزيه يرعى حرمة العلم وحق الدين. لا يخشى في الله لومة لائم.
أشار الأستاذ في تمهيده لكتابه إلى ما في الأحاديث التي نسبت إلى النبي صلى الله عليه وآله من اختلاف بين حديث وآخر، وبين بعض تلك الأحاديث، وآي من القرآن الكريم مما كان مثار الطعن والنقد إلى النبي من أعداء الاسلام.
ثم بين أن هذه الأحاديث إن هي إلا مجموعات مختلفة رويت عن رواة مختلفين، وعلى الباحث العالم النزيه أن يقوم بتصنيفها نسبة إلى روايتها.. ثم يدرس أحاديث كل منهم على حدة، وبخاصة أحاديث الرواة المكثرين أمثال:
عائشة، وأبي هريرة، وأنس، وابن عمر، مع دراسة حياة راويها، وبيئته وظروفه، ثم مضى يقول:
" إن التاريخ الاسلامي منذ بعثة الرسول حتى بيعة يزيد بن معاوية لا يفهم [فهما] صحيحا إلا بعد دراسة أحاديث أم المؤمنين " دراسة موضوعية " ولان الأستاذ المؤلف: بصدد البحث عن التاريخ الاسلامي في دوره الأول فقد قدم هذه الدراسة على غيرها من الدراسات ".
وبعد أن بين صعوبة هذه الدراسة لما يجد في سبيلها من عقبات متعددة أخذ في موضوع دراسته فبين نسب عائشة، ومولدها، وتزوجها من النبي صلى الله عليه وآله وما صنعته معه (كامرأة) - كما قال شوقي - من مكر وكيد (إن كيدهن عظيم).
وأنها قد أقامت مع النبي نيفا وثمانية أعوام، ثم أخذ يذكر أنها كانت تؤيد خلفاء النبي: أبا بكر وعمر وعثمان في أول خلافته، ثم انحرافها عنه وترأسها للمعارضة له حتى بلغ من أمرها أنها كانت تحرض على قتله، وما أن قتل هذا
Bogga 11
الخليفة بسبب خروجه عن نهج سابقيه، وتركه الامر لقومه يتصرفون فيه بأهوائهم، حتى (برزت) تعارض عليا معارضة شديدة لم يلق مثلها من غيرها، وكان أول شئ بدا منها لهذا الامام العظيم أنها ما كادت تعلم بنبأ بيعته حتى ثارت ثائرتها وصاحت: لا يمكن أن يتم ذلك! ولو انطبقت هذه على هذه - أي السماء على الأرض - وما لبثت أن ألبت عليه طلحة والزبير وقادوا جميعا الجيوش الجرارة لمحاربة علي (رضي الله عنه) في وقعة الجمل وكانت تركب جملا من المدينة إلى البصرة، وبعد أن انتهت هذه المعركة بسفك الدماء المحترمة، وبقتل طلحة، أعادها علي (رضي الله عنه) إلى المدينة مكرمة لم ينلها سوء، ولكنها لم تحفظ له هذا الجميل، ولم ترجع عن غيها، وظلت ضده بكل وسيلة وكان من ذلك أن كانت تؤيد معاوية في حروبه ضد علي (رضي الله عنه) ولم تهدأ ثائرتها حتى قتل علي، فقرت عينها، وهدأت نفسها، وتمثلت عند قتله بقول الشاعر:
فألقت عصاها واستقر بها النوى * كما قر عينا بالإياب المسافر وقد كان ذلك بسبب ضغنها لعلي (رضي الله عنه)، وما يكنه صدرها له لأنه زوج فاطمة بنت خديجة، وما كان لموقفه من حديث مما بينه شاعر الاسلام الكبير أحمد شوقي بأحسن بيان فقال يخاطب عليا (رضي الله عنه) بقوله:
يا جبلا تأبى الجبال ما حمل * ماذا رمت عليك رية الجمل أثأر عثمان الذي شجاها * أم غصة لم ينتزع شجاها ذلك فتق لم يكن بالبال * كيد النساء موهن الجبال وإن أم المؤمنين لامرأة * وإن تك الطاهرة المبرأة أخرجها من كنها وسنها * ما لم يزل طول المدى من ضغنها.. الخ هذا بعض ما قاله شاعر الاسلام في علي (رضي الله عنه )، وما رمته به عائشة، وقد خاطبها علي (رضي الله عنه) في كتاب أرسله إليها وإلى طلحة والزبير أثناء وقعة الجمل، لو أنها عقلته وتدبرته لاشتد ندمها ولاستغفرت الله
Bogga 12
مما اجترحت وإن كان الظن أن الله لا يغفر لها: قال (رضي الله عنه):
وأما أنت يا عائشة فإنك خرجت من بيتك عاصية لله ولرسوله تطلبين أمرا كان عنك موضوعا، ثم تزعمين أنك تريدين الاصلاح بين المسلمين فخبريني ما للنساء وقود الجيوش؟ والبروز للرجال؟ والوقوع بين أهل القبلة، وسفك الدماء المحترمة؟ ثم إنك على زعمك طلبت دم عثمان، وما أنت وذاك؟ وعثمان رجل من بني أمية وأنت من تيم؟ ثم إنك بالأمس تقولين في ملا من أصحاب رسول الله: اقتلوا نعثلا فقد كفر! ثم تطلبين اليوم بدمه! فاتقي الله وارجعي إلى بيتك واسبلي عليك سترك والسلام.
هذه لمعة خاطفة مما حواه كتاب (أحاديث عائشة) ولو نحن ذهبنا نبين ما فصله هذا العالم المحقق في كتابه هذا مما أوفى به على الغاية، ولم نر مثله من قبله لغيره، لاحتجنا إلى كتاب برأسه...
وإذا كان لابد من كلمة نختم بها قولنا هذا الموجز فإنا نقول مخلصين:
إنه يجب على كل من يريد أن يقف على حقيقة الاسلام في مستهل تاريخه إلى بيعة يزيد فليقرأ كتابي هذا العلامة: (عبد الله بن سبأ، وأحاديث عائشة) وليتدبر ما جاء فيهما، فإن فيهما القول الفصل.
أما ما نرجوه من العلامة مؤلفهما فهو أن يغذ السير في هذا الطريق الذي اختطه حتى يتم ما أخذ نفسه به.
والله ندعو أن يكتب له التوفيق، والسداد في عمله، إنه سميع الدعاء.
محمود أبو رية القاهرة: عن جيزة الفسطاط ليلة الجمعة 18 رمضان المبارك 1381 ه الموافق 23 فبراير 1962 م
Bogga 13
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين. والصلاة على نبينا محمد وآله وأصحابه وزوجاته أمهات المؤمنين. والسلام على سائر أنبياء الله وعباده الصالحين.
Bogga 15
تمهيد لقد انتبه كثير من الباحثين إلى ما في الحديث النبوي الشريف، من اختلاف بين بين حديث وآخر منه، أو بين بعض تلك الأحاديث وآي من القرآن الكريم، فحدا ذلك بفريق من علمائنا السالفين إلى " تأويل مختلف الحديث وبيان مشكله (1) "، ليدفعوا بذلك ما أورد على نبي الاسلام وحديثه.
كما أن الخصومة قد دفعت فريقا آخر من الباحثين من أمثال الملاحدة ومبشري النصارى، ولفيف من المستشرقين، إلى توجيه مختلف الطعن والنقد إلى نبي الاسلام ودينه، مستندين في هجومهم العنيف إلى ما في ظواهر تلك الأحاديث من تهافت واختلاف. وقد فات أولئك وهؤلاء أن تلك المجموعة الضخمة من الأحاديث والتي يناقض بعضها بعضا ليست كلها سياقا واحدا ليؤلف مجموعها وحدة تدرس على ضوء أنها صادرة عن نبي الاسلام، وإنما هي مجموعات مختلفة من أحاديث رويت لنا عن رواة مختلفين، وعلى الباحث أن يقوم بتصنيفها نسبة إلى رواتها، فينسب إلى " أم المؤمنين عائشة " - مثلا - أحاديثها، وإلى " أنس " و " أبي هريرة " و " ابن عمر " (2) أحاديثهم، ثم يدر أحاديث كل
Bogga 17
منهم وأحاديث غيرهم من الرواة المكثرين عن النبي مع دراسة حياة راويها وبيئته. أدركت هذا خلال بحثي عن حوادث تاريخية وقعت في صدر الاسلام، ولفت نظري في تلكم الأحاديث ما روته " أم المؤمنين عائشة " خاصة، ورأيت أن التاريخ الاسلامي منذ بعثة الرسول صلى الله عليه وآله حتى بيعة يزيد ابن معاوية لا يفهم فهما صحيحا إلا بعد دراسة أحاديث " أم المؤمنين " - أحد مصادر التاريخ الاسلامي المهمة - دراسة موضوعية، كما أني أرى أيضا أن فهم قسم من آي القرآن الكريم، والفقه الاسلامي، اللذين استند في بيانهما إلى أحاديثها متوقف على هذه الدراسة، ولما كنت بصدد البحث عن التاريخ الاسلامي دي دوره الأول، لم يكن لي بد من تقديم هذه الدراسة على غيرها من الدراسات.
صعوبات الدراسة:
وإن دراسة كهذه تدور حول الشخصيات الاسلامية الأولى لابد وأن تعترض سبيلها عقبات ليس من الهين تذليلها، ومن تلك العقبات أمام الباحث المسلم الشرقي:
أولا: عقائده التي نشأ عليها، وعقائد مجتمعه الذي يعيش فيه، والذي يرى في تلك الشخصيات مالا يراه في غيرها من البشر، ويعتقد لعصرهم مالا يعتقده لغيره من العصور.
Bogga 18
والباحث إن لم يستطع تذليل هذه العقبة خرج من بحثه عقائديا يدافع عن عقيدة لا دارسا يبحث عن حقيقة.
ولما أدركت هذه الحقيقة حاولت في بحثي هذا أن لا أنقاد لعواطفي في أم المؤمنين عائشة، وتكريمي لها، كزوج للرسول الأكرم من ناحية، وألا أجرد الشخصيات الاسلامية المحترمة، التي يدور البحث حولها عن فطرة الله التي فطر الناس عليها من ناحية ثانية كي أستطيع القيام بدراسة موضوعية لأحاديثها. ولست أزعم أني نجحت في هذه المحاولة ولكني بذلت الجهد في هذا السبيل، والحكم لغيري في ذلك والله يعلم أن الذي حداني إلى هذه الدراسة إنما هو رجاء انتفاع دارسي التاريخ الاسلامي، ودارسي قرآنه وأحكامه من هذا البحث، والله من وراء القصد.
وثانيا: يعترض الباحث فيما إذا وفق إلى ترويض نفسه، وتذليل العقبة الآنفة الذكر عقبة أخرى بعدها، وهي الخوف من تأثير نشر هذه الدراسات على وحدة كلمة المسلمين، بعد أن بدأت تظهر في هذا العصر بشائر تألفهم وتآخيهم نتيجة لبذل المصلحين جهودا كبيرة في سبيل ذلك. وهل يجوز لمن يغار على مصالح المسلمين أن يبحث اليوم في الماضي السحيق، وينشر منه ما يوجب النقد والرد، ويثير الحفيظة، وينتج النفرة؟! وإذا كان ذلك مما لا يستسيغه أحدا، إذن فليمتنع الجميع عن البحث والتحقيق كي لا يسبب ذلك عقم جهود المصلحين، ويؤدي بالمسلمين إلى مالا يحمد عقباه!.
أما نحن فلا نرى هذا. فإننا حين ندعو الله مخلصين أن يوفق المسلمين لتلبية نداء المصلحين بنبذ الحزازات وتوحيد الكلمة، لا نريد ذلك على حساب العلم والمعرفة، ونعتقد أن المصلحين أنفسهم أيضا لا يريدونها كذلك، فإن المصلحين الغيارى يدعون إلى الاجتماع على صعيد الاسلام، والاسلام ليس برأي سياسي دولي، وإنما هو إيمان وعقيدة، وهما لا يتأتيان من كتم الحقيقة، بل إنهما ينتجان من البحث والنقد العلمي الخالص، على أن لا ينبعث ذلك من هوى النفس بدافع الحب والبغض.
Bogga 19
وما السبيل إلى معرفة مبادئ الاسلام وأحكامه غير البحث عن تاريخ الاسلام في بدء بدئه، وتمحيص الأحاديث النبوية ، والتحقيق عن حال رواتها، لنفهم منها شأن نزول القرآن الكريم، ولنستطيع - على ضوء هذا العلم - استنباط الاحكام الاسلامية التي نريد أن نعمل بها، وندعو الناس إلى العمل بها أيضا، ولابد لنا في العمل من العلم.
* * * والحق أن السعي لتقريب المسلمين بعضهم من بعض، والجهاد في سبيل إعادة حياة اسلامية، والقيام بالبحث والتحقيق في تاريخ الاسلام وحديث نبيه صلى الله عليه وآله لا ينافي بعضه بعضا، وإنما يتمم بعضه بعضا، فإنه لا يتمكن من إقامة مجتمع إسلامي دون فهم لقرآنه وحديث نبيه صلى الله عليه وآله وتاريخه، كما لا يتأتى التآخي الصحيح إلا بالايمان بوجوب إعادة حياة إسلامية، وإلا فعلى م يجتمع المسلمون؟ وما الذي يوحد كلمتهم؟ كما لا يتأتى التآخي أيضا إلا بترويض المسلمين أنفسهم على سماع آراء بعضهم بعضا ومناقشتها مناقشة من يطلب الحق ليتبعه، ليصدق عليهم قول الله سبحانه: " فبشر عباد * الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه "، وهذا ما ندعو إليه، ونسأل الله أن يوفقنا جميعا إلى الاهتداء به.
* * * وبالإضافة إلى ما ذكرنا فإن في التاريخ الاسلامي - كغيره من تواريخ الملل والنحل في العالم - عقبات ثلاثا غير ما ذكرنا طالما اعترضت سبيل الباحثين والدارسين، وعاقتهم عن سلوك طريق العلم.
وأولى تلك العقبات وأهمها: عادة عبادة السلف الصالح، فقد دأب البشر منذ فجر تاريخه على عبادة سلفه، ومن هنا نشأت عبادة الأوثان، ولم يكن نسر، ويغوث، ويعوق، وود، وسواع (3) غير رجال صلحاء احترمهم
Bogga 20
قومهم أولا، ثم تدرجوا إلى عبادتهم.
ومن العجيب في هذا الامر: أننا نجد السلف الصالح عندنا كان ينتقد بعضه بعضا، ويرده أشد الرد والنقد، ويجوز لنفسه قتل من خالفه في الرأي من معاصريه، حتى إذا انصرم عصرهم، وجاء الخلف من بعدهم، رأينا في المسلمين من يحرم نقدهم، فيغلق على نفسه وغيره باب العرفان والعلم.
والعقبة المهلكة الثانية، هي سجية التعصب الذميم، والتعصب عقبة أمام العلم لما تسد على الانسان منافذ النور، ومهلكة نجد لها ضحايا في كل عصر وكل مصر، هذه الري في أوائل القرن السابع الهجري (4) تدمرها العصبية المذهبية، يبيد الحنفية والشافعية الشيعة أولا، ثم يثني الشافعية بالحنفية، ويبيدونهم حتى يتركوا أحياءهم خرابا بيانا.
وثالثة الأثافي في هذه العقبات تدخل السلطة، آلهة العصور في هذا الشأن، فهي التي أغلقت باب البحث رياء، وهي التي سدت باب الاجتهاد سنة 665 ه (5) وبفي كذلك حتى اليوم. ولا أدري ألم يأن للمسلمين أن يفتحوا باب البحث والتحقيق! بعد أن فكروا في فتح باب الاجتهاد، أم إنهم لا يرضون بالتقليد بديلا!؟ لا لن يبقى الامر كذلك، فقد بزغ فجر العلم في عصرنا نتيجة سعي المصلحين، وسيأتي زمان يضحك أهله من متاعبنا كما ضحكنا من تعصب أهل الري الذميم.
ومضافا إلى ما ذكرت من عقبات فإنا قد تعودنا أن نقرأ لاحد مدحا فلا نرضى أن نسمع له نقدا، أو نقدا فلا نرضى أن نسمع له ثناء، وفي هذا الكتاب رسمت أم المؤمنين كما وجدتا، سواء أكان ذاك لها ثناء، أو كان لها نقدا.
Bogga 21
فمن أراد أن يقرأ أم المؤمنين كما هي في الحديث والتاريخ، ويحلل شخصيتها من أحاديثها، فدونه أدوارا من حياتها في ما يأتي.
وأما من لا يستطيع اجتياز ما ذكرت من عقبات والتي هي مشتركة بين الكاتب والقارئ فليدع الكتاب لأهله، والله الموفق للصواب.
Bogga 22
بسم الله الرحمن الرحيم (يا أيها النبي قل لأزواجك ان كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا * وان كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فان الله أعد للمحسنات منكن اجرا عظيما * يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا * ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين واعتدنا لها رزقا كريما * يا نساء النبي لستن كأحد من النساء ان اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا * وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى.)
Bogga 23
حكمة تعدد زوجات الرسول صلى الله عليه وآله:
نبدأ بحوث الكتاب بإذنه تعالى ببيان حكمة تعدد زوجات الرسول في ما يأتي:
قال الله سبحانه في سورة الأحزاب:
(يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك وامرأة مؤمنة ان وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم لكيلا يكون عليك حرج وكان الله غفورا رحيما * ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك ذلك أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن ويرضين بما آتيتهن كلهن والله يعلم ما في قلوبكم وكان الله عليما حليما * لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك وكان الله على كل شئ رقيبا) (الآيات / 50 52).
شرح الكلمات:
أ - أجورهن: مهورهن.
ب - أفاء: أفاء عليه فيئا، أي جعل له الغنيمة التي لم تلحق فيها مشقة له.
ج - وهبت نفسها للنبي: أي طلبت من الرسول أن يتزوجها بلا مهر.
د - حرج، الحرج: الضيق في باب النكاح.
ه - ترجي: ترجي هنا بمعنى تنحي عنك من تشاء.
Bogga 25
و - تؤوي: تؤوي هنا بمعنى تضم إلى نفسك من تشاء منهن.
ز - الحلم: الحلم في اللغة: الأناة وضبط النفس عند الغضب مع القدرة، وفي المصطلح الاسلامي: من أسماء الله الحسنى، أي لا يعاجل بالعقوبة ويصفح.
ح - رقيبا: الرقيب في اللغة: الحافظ المراعي، وفي المصطلح الاسلامي:
من أسماء الله الحسنى، أي الحافظ الذي لا يغيب عنه شئ.
تفسير الآيات:
إننا نرى أن بعض الآيات ومن ضمنها هذه الآيات نزلت لتخبر عن انتهاء أمد العمل ببعض الاحكام التي نزلت بوحي غير قرآني، مثل الآية 65 و 66 من سورة الأنفال التي قال الله فيها: (إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين.. الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين..) إننا نرى حكم (إن يكونوا عشرين يغلبوا مائتين)، كان قد نزل بوحي غير قرآني، ولما انتهى أمد العمل به نزلت الآيتان ليخبر الله في الأولى بهما، أن الله كان قد أنزل بوحي غير قرآني أن يغلب عشرون مائتين. وفي الثانية يخبر سبحانه انتهاء أمد ذلك، والآن إن يكن منكم مائة يغلبوا مائتين. وكذلك الشأن في آيات خبر تعدد زوجات الرسول (ص) من سورة الأحزاب، فإن الله سبحانه أخبر فيها أنه كان قد أحل لخاتم أنبيائه من أتاهن مهورهن من أقاربه وغيرهن من المؤمنات اللاتي هاجرن معه، ثم أخبر تعالى أنه أحل له الزواج بغيرهن من المؤمنات وأحل له امرأة مؤمنة طلبت منه أن يتزوجها ووهبت له مهرها إن أراد النبي أن يستنكحها. وإن هذا الحكم خاص بالنبي من دون المؤمنين، وقد علم الله، أي عين ما فرض عليهم في أزواجهم وفي نساء ملكوها بشراء وغيره.
تنحي عنك من تشاء ممن وهبت نفسها لك وتضم إلى نفسك من تشاء
Bogga 26