وإذا كان أصحاب المذاهب الهدامة مضللين أو مضللين في كثير من الأمور، فالأمر الأول منها: هو هذه الصفة العلمية التي يسبغونها على مذهبهم، وهو مناقض لكل علم، مخالف لكل حساب صحيح.
مثال ذلك، أنهم يسمون مذهبهم بالمذهب المادي، ويعنون به أنهم يفسرون كل حادث من حوادث التاريخ بالأسباب المادية، ولكنهم يخطئون في تفسير أكبر الحوادث، كما يخطئون في تفسير أصغرها وأهونها، كلما طبقوا عليها سببا من تلك الأسباب.
فإنهم يتحدثون مثلا عن عصور الفرسان والنبلاء، ويعللون زوال هذه العصور بظهور البارود وظهور المدن التجارية، ومن يتحكمون فيها من كبار التجار وأصحاب الأموال.
قالوا: إن الفرسان كانوا يسودون الولايات لخبرتهم بفنون الحرب وأصول الفروسية، واعتصامهم بالقلاع والحصون، وإن سلطانهم قد زال بعد اختراع البارود؛ لأن البارود قد جعل استخدام السلاح هينا سهلا على عامة الناس. وقد جعل الهجوم على القلاع والحصون هينا سهلا كذلك على العامة ومن يقودهم من الأعيان والأغنياء.
وقالوا أيضا: إن انتشار المدن التجارية قد حول النفوذ إلى أيدي أصحاب الأموال والتجار الذين يعرفونهم باسم البرجوازيين، ولهذا زالت سيادة الفرسان الإقطاعيين، وقامت بعدها سيادة التجار وأصحاب الأموال، أو سيادة الطبقة البرجوازية.
ولا يخفى أن تفسير الحركة البرجوازية هو أهم المسائل في الدعوات الهدامة، لأن ظهور هذه الطبقة عندهم هو الدليل على صدق حرب الطبقات، وهو المقدمة عندهم لزوال النظام الحاضر الذي يسمونه بنظام رأس المال.
فهل صحيح أن البارود والمدن التجارية تفعل هذا الفعل في تطورات التاريخ؟
ألم يظهر البارود في الصين قبل ظهوره في القارة الأوروبية؟ ألم تظهر المطبعة نفسها في الصين قبل ظهورها في الغرب بعدة أجيال؟ ألم يكن في الصين سادة يملكون الأقاليم الواسعة من الضياع والبقاع؟ ألم تكن في الصين مدن تجارية راجت فيها التجارة من قبل عصر الميلاد؟ فلماذا لم يحدث في الصين ما حدث في القارة الأوروبية، إن صح ما يزعمون عن تفسيراتهم للتاريخ؟ ولماذا صنع البارود وصنعت المدن التجارية في الغرب ما لم تصنعه في مملكة ابن السماء .
ندع هذا وننظر في نبوءاتهم عن المستقبل، وهي في اعتقادهم حق محتوم كالنبوءات الفلكية عن اقتران الكواكب وعن الكسوف والخسوف.
فمن هذه النبوءات عن المستقبل أن البلاد التي تتقدم فيها الصناعة هي البلاد التي تسرع إلى الدعوة الماركسية قبل غيرها، ويتعرض فيها نظام رأس المال للتداعي والانهيار.
Bog aan la aqoon