من العناء الضائع تعريف الأدب على صورة من الصور للاعتراف بنوع من الأدب وإنكار نوع آخر. فما من تعريف سمعناه إلا وهو يسمح لكل أدب أن ينطوي فيه.
يقال مثلا إن الأدب ظاهرة اجتماعية، أو يقال إنه ظاهرة اقصادية أو ظاهرة بيولوجية، أو غير ذلك من الظواهر المختلفة، ولك أن تقول عن ظاهرة من هذه الظواهر، أو عنها جميعا: حسن، ثم ماذا؟ فلا يسع صاحب التعريف أن ينتهي بك إلى باب مغلق على نوع من أنواع الآداب.
ذلك أن الأدب كالحياة لأنه تعبير عنها، فلا يستوعبه مذهب ولا يستغرقه أسلوب.
قل مثلا إن الأدب ظاهرة اجتماعية، فماذا في هذا؟
إن المجتمع لا يستنفد أغراضه ومقاصده في أربع وعشرين ساعة، ولا في سبعة أيام، ولا في عام أو بضعة أعوام.
ومن الجائز أن ظاهرة اجتماعية تتحقق خلال خمسين سنة، وتبدأ في هذه السنة، وكأنها معزولة عن المجتمع أو مناقضة لمصالحه الظاهرة، ولكنها بعد خمسين سنة تؤتي ثمراتها التي لا نعرفها اليوم ولا نعرف سلفا كيف تكون.
وليس أضر بالمجتمع مثلا من قطع النسل، ولكن الكاتب قد يشجع العزوبة في قصة يكتبها، وقد يكون تشجيعه لها احتجاجا على نظام الزواج في المجتمع، وقد يؤتى هذا الاحتجاج ثمرته بعد سنوات، فيصح على هذا الاعتبار أن يكون تشجيع العزوبة ظاهرة اجتماعية ودليلا على مرض اجتماعي يحتاج إلى العلاج.
فإذا قلنا إن الأدب مسألة اجتماعية فما الذي أبحناه بهذا التعريف؟ وما الذي حرمناه؟
بل أنت مستطيع أن تشيد بالأدب الذي يسمونه أدب البرج العاجي، ولا تخرج به عن الأدب الذي هو مسألة اجتماعية.
فإذا جاز في المجتمع أن تغرس حديقة للنزهة لا تزرع فيها القمح والشعير ولا تغرس فيها التفاح والكمثرى فقد جاز في هذا المجتمع نفسه أن تنظم الشعر وصفا للأزهار والبساتين.
Bog aan la aqoon