Fikrado iyo Rag: Taariikhda Fikirka Reer Galbeedka

Mahmud Mahmud d. 1450 AH
90

Fikrado iyo Rag: Taariikhda Fikirka Reer Galbeedka

أفكار ورجال: قصة الفكر الغربي

Noocyada

إن الإنسانية في الواقع نظرة إلى الحياة لا تنسجم في أساسها مع ذلك الجانب من الديمقراطية التي تهتم بالرجل العادي، وبرفاهية الجماهير. كان الفنان، والأديب لعهد النهضة يعتقد في طبقة ممتازة - ليست هي طبقة النبلاء الإقطاعية، ولكنها الطبقة الممتازة الحديثة التي تتألف من أصحاب المواهب والفكر. كان لا يأبه - بل كان يزدري - بالكثرة التي لا تتميز في شيء، والتي لا تهتم بالفن أو الفلسفة أو الحياة الكريمة. وعن هذه النظرة الإنسانية إلى الحياة نشأت - إلى حد ما - تلك النظرة الحديثة المألوفة غير الديمقراطية التي ينظر بها رجال الفن والفكر بازدراء إلى عامة الناس وأوساطهم. إن أكثر حجج الدفاع عن الأرستقراطية في العصر الحديث (وإذا كانت لفظة الأرستقراطية توحي بطبقة النبلاء الأوروبية القديمة التي لا يأبه أحد بالدفاع عنها، فيجدر بنا أن نقول «الصفوة») يرجع إلى مصادر النهضة يلتمس فيها النماذج؛ فإن نيتشه - الذي سار في أثر زميله الأستاذ في بال، جاكوب بركهارت - التمس في الحياة البراقة الوحشية التي عاشها في عهد النهضة أساتذة الفن والحياة الإنسانية أقرب صورة أرضية تحقق فكرته عن الإنسان الراقي، أو السوبرمان. وفي الحق أن هناك على الأقل عنصرا واحدا في مركب الآراء الإنسانية يمكن أن يعزى إلى التقاليد الديمقراطية - وذلك هو فكرة انفساح المجال لأصحاب المواهب، والمجددين؛ أولئك الأفذاذ المغامرين الموهوبين. ومع ذلك فإن الديمقراطيين المحدثين في جملتهم يختلفون عن رجال النهضة في نظرتهم إلى الموهبة التي تستحق التشجيع. ومن الواضح أن النقطة الهامة في مبدأ حرية الفرصة للجميع هي هذا السؤال البسيط: الفرصة لبلوغ أي غرض؟ لقد أجاب القرن الثامن عشر والقرن السادس عشر، أو رجال عهد النور ورجال عهد النهضة، عن هذا السؤال - كما سوف نرى - إجابات جد مختلفة.

فالوقائع إذن تثبت أن النظرة الساذجة إلى النهضة والإصلاح الديني اللذين يعدان طليعتين مشتركتين للديمقراطية الحديثة، ليست على شيء من الدقة. ولو أن المدنية الحديثة تأثرت بدقة وعناية بالطرق التي أنارها لها الإنسانيون والبروتستانت لكان من المحتمل ألا تطرق أسماعنا هذه العبارة «قرن الإنسان العادي».

إن بعض ميراثنا الديمقراطي قديم جدا في الواقع، يرجع في قدمه إلى حضارة الإغريق والعبريين. وبعضه حديث نسبيا، يرجع في حداثته إلى الآلة البخارية. وبعضه ندين به للإنسانيين، ولكن بقدر أقل مما تصور لنا عادة كتب الدراسة التقليدية في الأجيال القليلة الماضية. ويجب أن نحذر المبالغة في عصر ديمقراطيتنا؛ فهو لا يزال في الميزان، ولا يزال في حداثته، ولا يزال قوة نامية مكافحة في عالم تعود - لأمد طويل - طرقا أخرى للحياة.

مدى «الإنسانية»

إن مجرد ثورة البروتستانت ضد الكنيسة الكاثوليكية أكسبهم على الأقل اسما مشتركا، مهما تكن الفوارق بين الأنجليكان والأنينوميان (أو الفوضويين) أو من ينكرون وجوب تعميد الأطفال. وليس هناك مثل هذا الاسم المفرد الذي يشمل أولئك الذين يتحدون إلى حد ما في ميادين الفن والأدب والفلسفة في أنهم لا يحبون فنون العصور الوسطى وآدابها وفلسفتها. وأفضل ما نسميهم به «الإنسانيين» وهو اصطلاح استخدم في حدود أوسع وفي حدود أضيق مما يرتاح إليه مؤرخ الفكر ارتياحا كاملا. الإنساني يمكن - في الوقت الحاضر خاصة - أن يكون من رجال الدين الذين يحاولون الاستغناء عن إله شخصي، ويمكن أن يكون مصلحا تربويا يرى أننا نبالغ في دراسة العلوم الطبيعية ونقصر في دراسة الإنسانيات، أو فيلسوفا يرى أن البشر أعلى من الحيوان وإن يكن أدنى من الآلهة، أو غير ذلك. وحتى إذا نحن حصرنا أنفسنا في هذا الفصل في حدود أولئك المعجبين - باليونان والرومان - بل من يحذون حذوهم، من رجال النهضة الذين نصفهم عادة بالإنسانيين، فإننا بذلك نهمل الكثير مما لا ينبغي إهماله.

وإذن فلنأخذ الإنسانية على أنها نوع من التعبير العام الذي يدخل تحته كل من كانت نظرته العالمية لا هي دينية أساسا ولا هي عقلية أساسا. وبهذا المعنى لا يتحتم أن تكون الإنسانية موقفا وسطا بين ما وراء الطبيعة في الدين والطبيعة في العلم، وإن تكن قد وقفت في كثير من الحالات هذا الموقف تماما. إن الإنسانية تميل في هذه القرون الحديثة الأولى إلى نبذ العادات العقلية والمثل التي سادت العصور الوسطى، وبخاصة ما تمثل منها في المدرسية، ولكنها لا تقبل البروتستانتية، ولا تقبل النظرة العقلية إلى الكون باعتباره نظاما كالآلة يؤدي وظيفته باطراد وبغير استثناء. الإنساني ثائر كبير على النظرة الكونية في العصور الوسطى، وليست له نظرة كونية واضحة خاصة به. الإنساني فردي عظيم، يريد أن يكون نفسه، وإن يكن رأيه غير واضح فيما يتعلق بتصرفه في نفسه. وهو مدين للعصور الوسطى بأكثر مما يعترف، وبخاصة فيما يفخر به، وهو المعرفة. وهو - إذا استثنينا ليونارد دافنشي وقلة أخرى - ليس بالعالم، بل ربما كان وصف ليوناردو بالمخترع أفضل من وصفه بالعالم.

وقد بينا من قبل كيف أن بعض سمات النهضة الملموسة يمكن أن ترد إلى وقت مبكر من العصور الوسطى كما تصورها الكتب المدرسية القديمة. ولكن إذا كان دانتي في القرن الثالث عشر يعرف اللاتينية القديمة، وإذا كان جيوتو يصور تصويرا شعبيا، وإذا كان فردريك الثاني (ستوبرمندي) شديد التطلع إلى عالم الحواس، قوي العقل فاتر العواطف كأي حاكم مستبد في عهد النهضة، إذا كان ذلك كذلك إلا أنه من الحق أيضا أن الإنسانية لم تبلغ أوجها إلا في أواخر القرن الخامس عشر. ويجب أن نحاول عاجلا أن نعرف - على الأقل في خطوط عريضة - ما معنى هذه الأشياء من حيث كونها نظرة معينة إلى العالم. ولكن دعنا أولا نحدد مدى الإنسانية في عهد النهضة.

إن أبسط نشاط بشري يمكن أن نخص به «النهضة» ونميزها به عن نشاط العصور الوسطى هو في كثير من النواحي ما نسميه البحث العلمي، أو بتعبير أقدم من هذا، ولا يزال نافعا، هو المعرفة؛ فلقد كان الإنسانيون الأصيلون - بالمعنى التاريخي الضيق للكلمة - في الواقع باحثين، وإن يكن مركزهم في المجتمع - أو على الأقل مركز الكبار منهم من أمثال أرازمس - له من المكانة بين الطبقات الحاكمة ما ليس للبحث العلمي في الوقت الحاضر (إن المشابهة الحقيقية هي اليوم بطبيعة الحال مع العلوم الطبيعية؛ فقد كان لأرازمس في القرن السادس عشر ما يشبه المركز الأدبي الذي يتمتع به أينشتين اليوم). كان للإنسانيين ما لم يكن لأسلافهم في العصور الوسطى، كانت لهم معرفة مباشرة باليونانية. وأمكنهم الاتصال بأصول أكثر الكتابات الإغريقية التي كتب لها البقاء. إن الإغريقية تسربت شيئا فشيئا إلى الغرب على أيدي المئات ممن لا نذكرهم اليوم من الباحثين؛ فهي لم تأت بغتة بعد سقوط القسطنطينية في عام 1453م عندما فر الباحثون البيزنطيون من الأتراك. والواقع أن الباحث في العصر الوسيط بعد القرن الثالث عشر لم يكن البتة يجهل الإغريقية كما كنا نحسب. وفي أخريات القرن الرابع عشر كان أي شاب محب للبحث طموح يستطيع أن يتصل بالإغريقية، وكذلك حاول الإنسانيون أن يكتبوا اللاتينية كما كان يكتبها شيشرون وأتباعه. أي إنهم تخلوا عمدا عن لاتينية العصور الوسطى التي كانت لغة طبيعية، تكتبها وتتحدث بها طبقة المثقفين - برغم صغرها - لمجرد احترام التقاليد الذي ألفوه. أما الباحثون الإنسانيون فقد أحيوا متعمدين لغة ميتة - لغة كانت إلى حد ما ميتة موتا عميقا منذ ذلك الحين. لقد أخرجوا ما في اللاتينية من حياة وصقلوها وهذبوها. وكانت لديهم المطبعة فتيسرت لهم سهولة الاتصال بعضهم ببعض أكثر مما تيسر لأسلافهم في العصور الوسطى. وقد كان الإنسانيون فئة قليلة ممتازة لا يهمهم أن يكون لهم جمهور كبير. بل إن بعضهم سخط على المطبعة لأنها ابتذلت المعرفة، والواقع أن المطبعة في تلك الأيام الباكرة لم تمس الجمهور الديمقراطي إلا في الدين. وسوف نحاول أن نبين فيما يلي مدى ما بين الباحثين الإنسانيين وأسلافهم في العصور الوسطى من تغير في الروح. ولكنا نجد على أية حال في إخلاصهم للإغريقية وفي لاتينيتهم الشيشرونية وفي احتقارهم للمدرسيين علامات تكفي لأن نميزهم بها.

وفي الفنون الجميلة أخرج رجال النهضة الكبرى - في القرن السادس عشر، أو عهد الإحياء الفني عند الإيطاليين - أعمالا تختلف جد الاختلاف عن أعمال العصور الوسطى، وقد أخرجوها تقليدا مقصودا - من ناحية على الأقل - للرومانيين، الذين بقيت آثارهم في العمارة والنحت منتشرة في إيطاليا التي كانت لها القيادة في الفن والأدب في الحركة الإنسانية. ولكنهم لم يخرجوا هذه الأعمال فجأة، بل كانوا يدينون لأسلافهم من العصور الوسطى بقدر يفوق ما يعترفون به.

وربما كان التغير أشد ما يكون، والانتقال أوضح ما يكون، في فن العمارة. والواقع أن الفن الغوطي الشامخ لم يكن في الحقيقة شعبيا في إيطاليا، وسرعان ما أخذ البناءون القوس المستديرة، والقبة، والرسوم القديمة، والخطوط التي ترى أن الأفقي شيء لا يصح تجاوزه. لقد أخرجوا في الواقع طرازا مركبا من عناصر لكل منها أصل قديم، ولكنها عندما ينضم بعضها إلى بعض تكون شيئا جديدا، شيئا أصيلا؛ فليس من الرومان، وليس من الإغريق من شيد بناء يشبه «القديس بطرس» في روما كل الشبه أو يشبه قصور النهضة في فلورنسة. وكلما اتجه هذا الطراز شمالا اختلط بالتقاليد الوسيطة المحلية وتمخض عن صور مختلطة عجيبة مثل القصر الفرنسي الشهير في شامبور. وكله ينتمي إلى النهضة في بساطة التكتل والأفقية في الطوابق السفلى، وكله غوطي مسرف يتطلع إلى أعلى في السقوف والمداخن. وتنم قصور الإقطاعيين في إنجلترا، بالرغم من خلوها من التحصين، وبالرغم من أنها لم تعد قلاعا كقلاع العصور الوسطى، عن آثار غوطية في قلب القرن السابع عشر.

Bog aan la aqoon