Fikrado iyo Rag: Taariikhda Fikirka Reer Galbeedka
أفكار ورجال: قصة الفكر الغربي
Noocyada
وطبقا لما جاء في الكتاب المقدس (في سفر الجامعة، الإصحاح السابع، العدد 30) «صنع الله الإنسان مستقيما.» وهذه الاستقامة - كما يقول أوغسطين - تنحصر في خضوع الجسد للروح خضوعا تاما. ولذلك فكما كان من المستحيل في الحالة البدائية أن نجد في الأعضاء البشرية أي شيء تنفر منه إرادة الإنسان المنظمة، فكذلك كان من المستحيل على تلك الأعضاء أن تعجز عن تنفيذ توجيهات الإرادة. وإرادة الإنسان تكون منظمة حينما تميل إلى الأعمال التي تلائم الإنسان. غير أن الأعمال عينها لا تلائم الإنسان في كل مرحلة من مراحل الحياة. ومن ثم وجب علينا أن نصل إلى هذه النتيجة وهي أن الأطفال لا يصح أن تكون لديهم القوة التي تكفي استخدام أعضائهم بقصد أداء كل ضرب من ضروب العمل، فيما خلا تلك الأعمال التي تلائم حالة الطفولة، كالرضاعة وما إليها.
وفي هذه الفقرة التافهة في ظاهرها نجد الكثير مما يمثل التوماسية - كالسيادة الواضحة التي تعطى ل «الحقائق التي تعلو على الطبيعة»، التي نتمسك بها بالإيمان ونصل إليها بالنص السماوي، وقبول القدرة السماوية الكاملة قبولا تاما، والاعتقاد في أن الله عموما يؤثر أن يجعل الطبيعة تسير في مجراها، وأن هناك «لياقة» في أعمال البشر تتفق وقوانين الطبيعة التي تمكن ملاحظتها، وأن قوانين الطبيعة هذه هادفة في أساسها من حيث حدود الحياة البشرية، ثم أخيرا الرجوع إلى النص، وهو في هذه الحالة نص العهد القديم وأوغسطين.
ومن المؤكد أن قراءة أكويناس تشق على الأمريكي العادي في القرن العشرين، وإن تكن ليست أشق من كانت، أو من أرسطو نفسه. ويرجع جانب من المشقة إذن إلى أن أكويناس فيلسوف محترف له قدرة فنية فائقة، ولديه اهتمام الرجل الفني في الدقة والتحديد، مما لا يتوافر عند الهواة. والواقع أنه في «البحث في أصول الدين» خاصة قد كتب بأبسط ما يستطيع؛ لأنه وجه الخطاب إلى الطلاب الجادين، ولم يوجهه إلى زملائه الأساتذة وحدهم. وليس من شك في أن جانبا من المشقة التي يلاقيها رجل حديث غير مؤهل في قراءة أكويناس تنحصر في الفروض شديدة الاختلاف التي كان يفترضها الفيلسوف في العصر الوسيط، كما تنحصر في غرابة الجو الفكري (بالنسبة إلينا) في العصور الوسطى. وسوف نعود إلى هذه الغرابة فيما بعد في محاولة للتعبير عن «روح العصر» في العصور الوسطى.
ومن البين بالرغم من هذه المشاق أن أكويناس ينتمي إلى أصحاب النظم الفلسفية العظام في الفكر الغربي. ونظامه نظام جميل البناء، استحق الثناء لهذه الميزة فيه، حتى من الوضعيين والماديين المحدثين - وإن يكن مشوبا بشيء من الحقد - وهم أولئك الذين يخالفون كل ما يعتقد في صحته المذهب المدرسي تقريبا. وهو نظام يضع - في جملته - الإنسان موضعا مريحا، وإن لم يكن مريحا بدرجة زائدة في عالم يمكن للعقل البشري أن يدركه، في عالم لا تستطيع الإرادة البشرية حقا أن تحوره كل التحوير، ولكنها تستطيع أن تتلاءم معه، عالم أكويناس عالم مسيحي، ينتمي إليه الإنسان، ويطمئن إليه. ونظام أكويناس أخيرا نظام متزن بدرجة مذهلة، يقف موقفا وسطا في كل مشكلات الفلسفة الكبرى، ويقف هذا الموقف في يسر المهارة الفائقة. وهنا نضع مرة أخرى صورة الرياضي، ونذكر ذلك الذي يمشي على الحبل المشدود. ولكن أكويناس لم يكن قط متظاهرا، ولا يبدو قط كأنه يجاهد في سبيل بلوغ هذا الطريق الوسط، هذا الطريق الوسط - إذا استخدمنا لفظة محببة إليه لفظة لم تزعجه كما تزعج عصرنا هذا الذي يهتم بتحليل معاني الألفاظ . جزء من «طبيعة» الإنسان.
إن ما أداه أكويناس من أعمال لا بد بالضرورة أن يبدو مملا لكثير من أصحاب النفوس المتحمسة، المتطلعة، أو الساخطة إن لم تكن هذا أو ذاك. لم يكن أكويناس صليبيا - وهو شبيه ببيرك - يريد الإصلاح لكي يحافظ على التقاليد. وهو لا يضحك، ولا يخاطر بالاستخفاف. وقد كانت الفلسفة وأصول الدين بالطبع في عهده موضوعات ذات طابع جدي رفيع. ولكن أكويناس لم تكن لديه أية لمسة من لمسات السخرية. وقد ذكرنا أن جنات عدن عند أكويناس طبيعية بقدر ما استطاع تصويرها وربما لم تكن لديه صورة عاطفية عن جنة عدن. وقد كان لديه قدر كبير من الإدراك العام. ولكن لا تحسبوا أنه يستخدم هذا الإدراك العام لكي يطهر، أو يصحح، أو يخفف العبء الضخم من عدم الإدراك العام الذي تحمله المسيحية، بل الذي يحمله الجنس البشري كله. إن أكويناس الذي يبدو لمؤلف هذا الكتاب قليل التصوف حقا، كان - برغم هذا - يأخذ الميراث المحسوس من التصوف المسيحي، أو النظرة المسيحية إلى العالم الآخر، في يسر يدعو إلى العجب، وبغير كفاح، على أنه جزء مما قدر له. كان يسالم هذا التصوف، أو قل إنه كان يروضه. ولم يكن أكويناس فيلسوفا للمسيحي الذي يود لو أن السماء انفطرت. وإنما كان فيلسوفا يدعو إلى العجب للمسيحي الذي يسعى إلى هدوء النفس، وكان فيلسوفا مزعجا للطمأنينة النفسية التي قد يحسها غير المسيحي.
نظريات العصور الوسطى في العلاقات الإنسانية
حاولنا أن نبين كيف أن فلاسفة العصور الوسطى ورجال العلم فيها بنوا على المواد التي تركها لهم آباء الكنيسة، وعلى جانب كبير من التقاليد الكلاسيكية، حتى وصلوا إلى الفلسفة الشكلية التي نسميها المذهب المدرسي. وقد رأينا أن التفكير الرسمي في العصور الوسطى يشمل مجالا يكاد يبلغ في اتساعه ما يشمله الفكر الكلاسيكي. وقد وجدنا أن النظام الذي يتسنم الذروة في المذهب المدرسي هو اعتدال أكويناس الشامل، الجامع مع هنا وهناك لكل شيء تقريبا، الذي يقوم على الإدراك العام. وقد كانت حلول العصور الوسطى للمشكلات الكبرى مختلفة جد الاختلاف عن حلول الإغريق. أما طرق التفكير في العصور الوسطى فلم تبلغ هذه الدرجة من الاختلاف. وهذا من الأسباب التي مكنت الرجال المدرسيين من الإفادة من أرسطو مباشرة. أما في المشكلات الأخف - والتي يمكن أن تعد أيضا من المشكلات الكبرى في سلوك البشر وفي التنظيم السياسي، فقد كانت حلول العصور الوسطى كذلك جديدة. ولا مفر من أن تبدو الآراء المسيحية في الخير والشر، كما تبدو ظروف الحياة الوسيطة الملموسة - في مجال الأخلاق والسياسة - أشد وضوحا منها في مجالات علوم الدين والفلسفة الأشد تجريدا. ومن العسير - فوق كل شيء أن نتجاهل في مشكلات العلاقات الإنسانية تلك المشكلة الملحة، مشكلة العلاقة بين النظرية والتطبيق، وهي العلاقة التي يمكن دائما أن ينبذها الميتافيزيقيون الواثقون في الميتافيزيقية وثوقا كافيا باعتبارها لا تدخل في الموضوع أو باعتبارها علاقة لا توقير فيها.
وقد يقال أحيانا إن الفجوة بين المثل وتطبيقها في العلاقات البشرية تبلغ أقصى مداها - بالنسبة إلى الرجل الغربي - في العصور الوسطى. إن مشكلة العلاقة بين النمط النموذجي والواقع في المجتمع مشكلة دائمة في تقاليدنا. وليس من شك في أن أفلاطون كان مدركا لها كل الإدراك. ولا يمكن أن تكون هذه الفجوة مما يمكن قياسه على خط بياني، كالفارق بين الهدف من جمع الأموال لمشروع خيري وبين ما جمع فعلا من معونات. وإني أتصور أننا إذا استطعنا أن نقيس في المجتمعات الغربية المختلفة الفجوة بين المثل والواقع لوجدناها واحدة في كل حالة من الحالات. أما أولئك الذين يعتقدون أن هذه الفجوة كانت أعمق في العصور الوسطى فيقدمون الدلائل الآتية: كانت العصور الوسطى - في المثل - تمد الناس على هذه الأرض بحياة منظمة مرتبة ترتيبا حسنا؛ فالكنيسة ترعى نفوس البشر، والنبلاء الإقطاعيون يحتفظون بالنظام المدني، والفلاحون وأرباب الحرف يؤدون أعمالا نافعة، باطراد وبغير حقد. وهناك مجموعة من الحقوق والواجبات منسقة تنسيقا جميلا وتربط بين كل فرد وآخر، من راعي الخنازير إلى الإمبراطور والبابا. كل رجل يعرف مكانته، آمن فيها، سعيد بها؛ فلقد كان هذا مجتمعا «مستقرا» بدلا من المنافسات الجنونية والشكوك التي نلمسها في المجتمع الحديث، ولكنه مجتمع وضعت فيه الفكرة المسيحية عن مساواة جميع الناس أمام الله أرضا صلبة - إن جاز هذا التعبير - تحت قدمي أكثر الناس تواضعا وفقرا. كان مجتمعا - في عبارة موجزة - من الأفراد المتحررين خلقيا، مجتمعا منظما، مقسما إلى طبقات واضحة.
أما من الناحية العملية - ويسرد في ذلك خصوم العصور الوسطى تفصيلات مرعبة - فقد كان هناك - حتى في القرن الثالث عشر، وهو أعظم القرون، وحتى في وسط إنجازات العصور الوسطى شمالي أوروبا (فرنسا الحديثة، وإنجلترا والأراضي المنخفضة، وبلاد الراين) - حروب عصابات دائمة بين النبلاء الإقطاعيين. وكان هناك فساد، وتراخ، واهتمام بشئون الدنيا، تجده حتى عند رجال الدين، وفقر بين الجماهير الضخمة، وأمراض متوطنة، ومجاعات متكررة، وانفجارات في حروب طبقية - كان هناك في إيجاز، وعلى أحسن الفروض - سوء السلوك والبؤس المألوف الذي يجده المرء في الجنس البشري، بل ربما كان أسوأ من المعتاد في بعض النواحي.
إن الفجوة بين المثالي والواقعي موجودة في جميع المجتمعات. ولسنا في حاجة إلى أن نذكر الفجوة بين النظرية الديمقراطية الأمريكية وتطبيقها. وما ذكرنا آنفا مبالغة في الكمال البريء الذي يدل عليه «ما ينبغي أن يكون» في العصور الوسطى، كما أنه مبالغة أيضا (ربما بدرجة أشد) في انحطاط «ما هو كائن» في العصور الوسطى. ولكنا يجب مرة أخرى أن نؤكد أن في الفكرة الشائعة عن وجود فجوة ملحوظة بين النظرية والواقع في العصور الوسطى، بين النوايا الطيبة عند الأخلاقيين في العهد الوسيط، وما يسميه رجل معجب بهذه الصور أيما إعجاب، مثل هنري أزبورن تيلور «الواقع الملطخ»، أقول إن في وجود هذه الفجوة شيئا من الحق.
Bog aan la aqoon